الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

 

 

 

من وحي عاشوراء (1)

بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

لقد جاء في بعض الأحاديث: إن الناس يجتمعون يوم القيامة، فينادى: أين أهل الفضل؟ فيقوم جماعة من الناس ويقولون: نحن أهل الفضل، فيقال لهم: ماذا كنتم تفعلون في الدنيا ؟قالوا: كنا نحب في الله ونبغض في الله فيقال لهم: ادخلوا الجنة بغير حساب.

على هذا الأساس ننطلق هذه الأيام في تربص روحي، تربوي، أخلاقي، سياسي أو بكلمة تربص إسلامي أصيل، تربص ليس بالجامعة الأمريكية أو الفرنسية أو البريطانية ولكن بجامعة كربلاء، الجامعة التي عميدها إمام من أئمة المسلمين وسيد شباب أهل الجنة، حيث نستثير في رحابها ذكرى الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه الصلاة والسلام والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه الكرام...

إنني أدعوكم أحبتي إلى القيام بزيارة روحية علمية أخلاقية لجامعة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، من خلال إسراء روحاني تاريخي هادف ورسالي نتعلم فيه أنه عندما نريد أن نحب أحدا نحبه على أساس قربه من الله وعندما نبغض أحدا نبغضه على أساس بعده عن الله.وثورة الحسين عليه السلام هي نبراس منير في ذلك كله وأكثر من ذلك على امتداد التاريخ الإنساني والزمن الإسلامي، كون خطها ومضمونها والتحديات التي تتمثل فيها ومن روحيتها نستوحي كل نشاطاتنا الإسلامية العملية.لأن قائد هذه الثورة سيد شباب أهل الجنة وشخصه في كل ما عاشه وما قاله وما فعله وما أوصى به المسلمين يمثل الشرعية الإسلامية...

وحتى نكون من أهل الفضل لابد أن نجسد التشريع الإسلامي ونستقرؤه من خلال استحضار ذكريات الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام لندرس كل المفردات التي طرحوها في الساحة الإسلامية. لأن الكثير من الناس يخسرون صفة الفضل، كونهم لم يأسسوا علاقاتهم على أساس إسلامي رصين مما جعلهم يتصورون علاقتهم بالحسين عليه السلام كعلاقة بثائر وفقط ويتغاضون عن حق الحسين في المنظومة الإسلامية وثقل وزنه في المعادلة الحضارية الإسلامية، فيركزون على الحرب والقتال وما يتعلق بمعركة كربلاء المباركة، دون الإلتفات إلى الأساس الرئيسي لخروج الحسين عليه السلام وتجسيده للقيمة الإسلامية أعظم تجسيد أقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي نال به وسام بقاء ذكره بذكر الإسلام المحمدي، وهذا النكوص عن الحقيقة الإسلامية التي تجسدت في شخصية أبي عبد الله الحسين عليه السلام لا لشيء سوى لأن القوم لا يقدرون أن يذكروا بني أمية بسوء ،ويزيدهم الشيطان طغيانا وغيا بأن يلوموا أبي عبد الله الحسين عليه السلام على خروجه وهو حجة الله في أرضه ، سبحان الله ما لهم كيف يحكمون؟

في هذا الإطار، أيها الأحبة، لابد أن نرفض الكثير من الكلمات المسؤولة والغير مسؤولة التي يوصف بها الإمام الحسين عليه السلام وكذا الخانات التي توضع فيها شخصية الإمام عليه السلام، بل لابد أن نقول للعالم الإمام الحسين عليه السلام عاش وتكلم وتحرك وقاتل وتصدى للواقع على أساس ديني إسلامي أصيل، لا عن إجتهاد، بل كان ولايزال وسيبقى الحسين عليه السلام قائدا ورائدا للإصلاح الإسلامي وإمام المسلمين عبر التاريخ الإنساني والزمن الإسلامي.

وحبنا وولايتنا للحسين عليه السلام، معناها أن ننطلق من ديننا وتشريعنا وإخلاصنا لله وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والمعصومة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام وللحسن المجتبى عليه السلام وللحجة عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف، ليس حبا وولاية نتقولها بالألسن وننكرها بالجوارح وبالسياسة، إنها كما كل المودة والحب والولاية للنبي الأكرم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام أمر تعب مستتعب لا يقدر على حمله إلا نبي مرسل أوملك مقرب أومؤمن امتحن الله قلبه للإيمان...

والإمام الحسين عليه السلام، أبدا لم يكن شخصية شيعية بل المسلم الصادق الأمين الأسوة الحسنة والإمام المجتبى، بل القضية أن شيعة أهل البيت عليهم السلام إرتبطوا بالحسين عليه السلام وأئمة الهدى عليهم السلام من خلال إنتمائهم للإسلام شكلا ومضمونا والتزموا بالإسلام عقلا وقلبا وانتماءا وتاريخا وليس وراثة أو نسبا أو جغرافية بل عرفوا الإسلام الحقيقي وأئمته عبر التاريخ كما عينهم الله ونعتهم رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، مما فرض عليهم الانطلاق في رحاب قادة أهل الفضل وسادتهم عليهم السلام.والمسألة كلها أن الله سبحانه وتعالى جعل للإنسان على نفسه بصيرة وشرف المسلم بعقيدة وشريعة تحرك معادلة الإسلام في وجوده كله(معادلة الثقلين).

أيها المسلمون، الارتباط بالحسين عليه السلام مسألة صعبة جدا، لأن ذكرى عاشوراء تريد للمسلم أن يتمرد على عصبياته الذاتية والعائلية والسياسية والطائفية، إنها الثورة على العصبية الجاهلية وعلى الظلم الإستكباري، ومن ثمة تكون النتيجة الدخول إلى الجنة بغير حساب.

سوف نبقى نحلق على طول هذه الأيام المباركة وحتى بداية شهر صفر في أجواء كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام لنفهمها ونتصور من خلالها خصوصيات الثورة الحسينية كخطوة متقدمة في المسيرة الإسلامية والثورة الإسلامية والحركة الإسلامية والخط الإسلامي، التي وضع معالمها وأركانها وخطوطها الأساسية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والصحابة الكرام والحسن المجتبى عليه السلام وأرادونا نسير عليها كما سارت عقيلة أهل البيت عليهم السلام السيدة زينب عليها السلام ومن بعدها أئمة الهدى عليهم السلام وشيعتهم عبر التاريخ، حتى نلتقي بالحجة ابن الحسن صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وعليه الصلاة والسلام.

من هذا كله، ليس التشيع للحسين عليه السلام تشيع لشخص بل تشيع لإمام مجتبى ولشريعة سمحاء ولخط إسلامي أصيل، كما أن إحياء ذكرى واقعة الطف هو تجديد البيعة للثائر الإسلامي من اجل الحرية الإسلامية التي حدثني عنها ذات يوم أحد شهداء المدرسة الحسينية في هذا الزمان الشهيد حسين معن تلميذ الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في كتابه (الحرية في الإسلام).

إن هذا المنطق المحمدي الوجود، الحسيني البقاء، المهدوي الظهور والبزوغ، شأنه شأن المعجم الذي يكون ملاذ طلاب المعرفة الإسلامية العملية الصافية والعطرة، فهناك مفاهيم في الثورة الحسينية يجب أن نعيها ونركزها في نفوسنا حتى لا نجعل من مسألة كربلاء عنوان تاريخي جامد حبيس المجلدات، لان أئمة أهل البيت عليهم السلام إنما أرادوا منا أن نبقى مع كربلاء الحسين والعباس عليهما السلام وكل الشهداء طوال هذه القرون وحتى نحرر نفوسنا وعقولنا وقلوبنا ومجتمعاتنا من قيود الاستكبار وجرائمه ومن حب التخلف والعبودية والضلال والجهل والرضا بها، أرادونا أن نحرك ذلك كله من خلال دراسة مجتمع كربلاء، فسب يزيد وبن زياد وأذنابهم والبراء منهم يستدعي منا معرفة منطق يزيد وذهنية مجتمع يزيد، حتى نقدر على فك ألغاز تخلفنا وشتاتنا وجبننا، وحتى يكون بغضي ليزيد ليس للشخص فقط بل للفكرة اليزيدية والفرعونية ككل، هذا ما يجب أن نفكر فيه عندما نريد أن نستحضر ذكرى الإمام الحسين عليه السلام إسلاميا.

الإمام أبي عبد الله عليه السلام قاتل من موقع رسالي كما قاتل والده أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرجولوأن عدوه يهتدي إلى سبيل الرشاد فيحقن الدماء بالرجوع عن غيه.هكذا  كان الحسين عليه السلام ينصح ويعظ ويرشد بروح إسلامية حتى في ليلة العاشر من محرم كما ورد في الآثر. بينما أهل الإرهاب في عصرنا يقاتلون من موقع ذاتي، عائلي، طائفي، سياسي، من خلال العقدة ومن خلال الاستعباد ومن خلال الجهل والتخلف. ما عسانا نقول لهم سوى ما قال مولاي وسيدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام: "لي عملي ولكم عملكم".

أحبتي، هذه نظرة خاطفة عن الجامعة الحسينية، التي تقول لنا: " فلم يبعد من كان الحق نيته" ( البحار ج 44 ص365، رواية 3، باب 37) توحي لنا أن نبحث لنعرف الحق وكربلاء بحق كانت معادلة متنوعة المجاهيل منها الموجب ومنها السالب، صعب حلها ولكن يظل عنوان الحسين عليه السلام رائد الإصلاح الإسلامي هوالحل الوحيد الواجب معرفته أحسن المعرفة من الناس أجمعين لحل معادلة الإستكبار والإستبداد والتخلف ككل.

أيها الإخوة، جميعا، علينا أن نكتشف كيف نتشيع وعلينا أن نكتشف هل فعلا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام ونكتشف أعداء التشيع من هم ؟ ليس عدونا الجواني فقط ، ولكن الذي يترصد تخلفنا وانحرافاتنا،كي يسقط روح الثورة في نفوسنا ويسقط  روح الإسلام في حياتنا ويسقط كل الحياة الكريمة.

لأن العهد الذي عاهدنا عليه الحسين وأصحابه ومن قبل الله ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة الزهراء والحسن عليهم السلام وفي ذلك أئمة الهدى عليهم السلام وفي هذا ما نعاهد عليه كل يوم جمعة بعد صلاة العصر الحجة عجل الله فرجه الشريف.هذا العهد كله هوعهد الله، الذي لابد من الوعي بالوفاء به ، من خلال تقوية  حركة الإصلاح   الإسلامي في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا وبيوتنا ومجتمعاتنا لأنه كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

ليس من عادتي أن اكتب عن عاشوراء بهذه الصراحة والإنفتاح، ولكن واقعنا الإسلامي يشعرني بالخطر القادم بإتجاه مستقبل المسألة الحسينية، كما أخشى أن تكر السبحة ونبقى نبكي ونتباكى ونتقاذف التهم والسباب والتكفير ونصرخ صراخ العاجزين ويبقى الإعلام الرسالي مشروع رهن الأدراج ويبقى علماء الدين يتحدثون عن البراء والولاء والأعذار والأخطاء، دون الإلتفات للقلاع الإسلامية التي نفقدها واحدة تلوالأخرى على أساس الواقعية والقضاء والقدر الذي ساء فهمه.

أريد فقط أن اختم بكلمة، إن الحسين عليه السلام لبى نداء أهل الكوفة صورة بينما روحا لبى نداء الله فهل شيعة الحسين عليه السلام ومن يعتقدون ولايته وإمامته وولاية وإمامة أجداده وأولاده عليهم الصلاة والسلام، بإمكانهم تلبية نداء المستضعفين (الشيعة والسنة) في العراق وأفغانستان وفلسطين وشمال إفريقيا وشمال الصين وأروبا الشرقية وفي العالم ككل.

لا نريد إجابة الآن، بل إجابة مصداقا لقوله تبارك وتعالى:" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"   (التوبة /105)

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1427هـ