الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

ضجيج في حج الحسين

علي المرهون

كأنما ارتدت تلك القرية الصغيرة إحرامها الأسود وغطت كل مفاتنها وراحت تحسب الثواني ترتقب حج الحسين ، ألفينا ميقات القرية بعد رحلة بحث قصيرة ، فوجدنا الحجيج قد اكتظت على تلك البوابة ، كلٌ يريد حج الحسين ، دلتنا اللوحات الإرشادية على ساحة العرض ، فيما بدت البيوت المتشحة بالسواد تردد عبارات التلبية .. لبيك يا حسين .

كان منظر القرية المتواضع والحزين يُنبأ عن ليلة خالدة ترتكز فيها كل الأنظار على ساحة العرض ، أُرشدنا إلى مكان ما تحط القوافل ليترجل الحجيج فيقصدوا الساحة ، كان ليلُ القرية زمهريراً ، لكن الأكفان التي كنا نرتديها أنا وصاحبيّ منحتنا الكثير من الدفء.

وصلنا الساحة المنشودة وسرعان ما ارتسمت في مخيلتي مشاهد من بيت الله الحرام ، فالزحام شديد وكل الأنظار تتركز صوب نقطة واحده ، نقطةٌ ترتدي ثوباً أسود .

كان الوقت المتبقي لبدء العرض كافياً لنتصفح معالم هذه القرية ، قرأناها آيتين في سورة الله واحدةٌ تنضح ولاءً للحسين وأخرى حزناً عليه ، خِيل لي أن القرية قد خرجت عن بكرة أبيها تحتفي بـ حج الحسين فذاك العجوز كان يمسك بيد صبي صغير ويماشي شاباً فارع الطول ومن ورائهما امرأتان وهو يخاطبهم بصوت جهور سرعوا يـ ولادي ، كأنه كان يخاطبنا فما أسرع أن عدنا نبحث عن ثلاثة مقاعد تنتظرنا!!

كان البحث عن تلك المقاعد أمراً غبياً ، فأعداد الواقفين من الحضور كانت كافية لنفهم أن المطلوب محال .

لحظات و بدأ أحدهم يطلق بعض الكلمات عبر مكبرات الصوت ، استجمعنا ما سمعناه منها ففهمنا أن أحدهم سيتقدم ليلقي كلمة . في زمن الفوضى والزحام تضيع أصداء الكلمات ، تجوال لمذياع الحفل ، انتهى عند عصفور من طيور أهل البيت عليهم السلام راح يغرد ملء الفضاء الواسع في تلك القرية ، زاحمته فوضى الحضور في ذلك الفضاء ، لكنها لم تزاحمه في قلوب الحجيج ، فأنت تسمع ذاك يهذر وآخر يتبرم وثالث يتكلم في هاتفه الجوال ، لكنك تُصغي ما استطعت لأنغام المعزوفة .

كان كلمات كعبة الصبر إلى عمر بن سعد أليس فيكم رجل مسلم بداية العرض المرتقب ، بدايةٌ مثيرة صنعتها جلبةٌ افتعلها بعضهم مطالباً من تقدم من الحضور الجلوس على مقاعدهم ليتسنى للجميع رؤية حج الحسين ومسير زينب والسبايا ..

بين مناشدة هذا ورد ذاك بدأت القامات ترتفع عالياً ، فالكل فضّل استخدام الكرسي للوقوف عليه بدل الجلوس والمجادلة وخسارة أحداث العرض ، سرعان ما حكم صاحبي بأن المشاهدة من وضع الوقوف على الأرض أمرٌ محال ، فبدأنا نبحث عن مقاعد خلّفها أصحاب القامات الطويلة أو أصحاب المزاج سريع التقلب ، امتطينا ظهور تلك المقاعد كي لا نشُذ كثيراً عن بقية الحضور ، كان المنظر رهيباً ، فسياط الشمر كانت تدوي وكذا صُراخ الأطفال ، هذا في ساحة العرض ، أما خلفها فدوي الفوضى والتنقل من كرسي لآخر بحثاً عن زاوية أفضل للرؤية منع الكثيرين إمكانية الإصغاء واستحضار الملحمة.

ساعة كاملة كانت مدة العرض ، قضيناها في التنقل من مكان لآخر نبحث عن صورة كاملة ، نرى جزء منها فيخال لنا أن التقدم بضع سنتيمترات سيمنح العين امتلاءً .. كانت إحدى المحاولات ناجحة لولا أن أحدهم انتقص كمال الصورة بطفله الذي أقعده على كتفيه !!

لحظات من التأمل واستحضار الطواف بطواف الحسين وزينب ، كان يقطعها بعض المارة بحركتهم أو أصواتهم ، سرعان ما انتهت على وقع الأكف تُلهب الصدور لطماً على الحسين ، هنا كان المشهد أكثر نظاماً فقد توحد الحضور مع أصداء العرض فراح الكل ينادي بصوت واحد .. يا حسين .

تقاطعت الصور في مخيلتي مرة أخرى ، فالزحام الذي صنعه المذيع وهو يودع الحضور مشابه لذلك الذي يصنعه المؤذن في منى عند وقت الزوال يوم الثاني عشر من شهر الحج ، نفرنا ونحن نردد عبارةً سمعتُها تسبح في فضاء القرية .. اللهم ارزقنا العود ثم العود ثم العود.

أسرعنا إلى مكان ما أنخنا ركابنا ، امتطيناها وتخيّرنا الطريق الأنسب للخروج من القرية قبل أن تصنع الزحمة مشهداً يشبه مشهد الحافلات تنتظر الحجيج بعد النفق في منى ، أطلقنا أرجل المطية للريح وراح حادينا يزمجر ...

ومن لا يشتاق لحج الحسين ؟!!

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ