الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

ثقافة عاشوراء تعني مواجهة الخوف والتغلب عليه

 

يظهر من التحري عن واقعنا أن الخوف من السلطة شيء متأصل في تراثنا ونفوسنا، وظلت الرغبة إلى القوة والسلطة وكذلك الخوف منهما يمتزجان في النفس العربية، ويؤثران على فكرها وسلوكها بدرجة كبيرة، ترى ما سبب ذلك؟ لماذا تعودنا على ربط الخوف بالطاعة والأدب والاحترام وتقاليد المجتمع وثوابته المزعومة؟ لماذا تظهر في الغرب قوة الفرد وجرأته وثقته بنفسه وتحرر الكلي من مختلف أشكال الخوف – أما هنا في بلادنا بلاد الخوف نجد الخنوع والعبودية والمذلة تملأ نفس المواطن!

لماذا في بلادنا القناعة وراحة البال وتقديس ثوابت السلف المزعومة، واليقين والتلقين والامتثال، وهناك في الغرب نجد الشك والتساؤل والنقد. لماذا كفت دول الغرب أن تكون بلاد الخوف؟

لماذا يتعرض العربي منذ سنواته الأولى، وربما منذ شهوره الأولى، لأشكال لا تحصى من الخوف: خوف من العائلة، من المعتقد الإيماني، من التقاليد، من المجتمع، من المدرسة، من الغد، وأخيراً من السلطة الاستبدادية؟ وعلى حد تعبير (محمد عبد المجيد) رئيس تحرير جريدة طائر الشمال في النرويج يقول عن الخوف والبلادة في المنطقة العربية، إن عبودية شعوب المنطقة تبدأ مع أول إضافة لقداسة غير مرئية يصنعها الإعلام والمثقفون والكتاب وأجهزة الأمن والخطف والمحاكمات والتعذيب والاختفاء وراء الشمس حتى تتكون في ذاكرة الشعب صورة متكاملة لجبروت السلطة وقداسة زعيمها، وبعد صناعة الخوف، وتعبئتها، وتغليفها، واحتفاظ كل مواطن بنسخة منها في صدره وعقله وقلبه وقلمه ولسان زوجته ونصائح أصدقائه، تدلف بنا السلطة إلى عالم الصمت المقيت.

إنه المنافس الآخر للقبور الجماعية لكنه فوق الأرض، وفي كائنات بشرية حية، تجري لمستقر لها، وتلهث وراء لقمة العيش وتقبيل حذاء السلطة، وتقديم الشكر الخالص للزعيم أنه لم يرسل بَعْدُ ملك الموت لقبض أرواح الأحياء من مواطنيه. علاقة عجيبة وغريبة ومعقدة بين رقيق يستعذبون المهانة، وأسياد يزدادون سادية وإرهاباً وفساداً وعفناً نتناً. كل هذا في صمت قبوري به بقايا من روح لم يأمر الزعيم بعد انتزاعها، حتى نصل جميعاً للمرحلة الأخيرة وهي البلادة وهي أعلى مراحل العبودية والمازوخية والحط اللذيذ من قيمة الإنسان.. خليفة الله في الأرض.

متى نزيل هذا الخوف ونكشف حقيقة التجاوزات في الوطن؟ متى نطلق الحريات السياسية والثقافية، بما فيها حق كل المواطنين في التعبير الحر عن آرائهم، متى؟ لكن كيف يستطيع المثقف الأعزل أن يواجه هذا الطوفان من الخوف، فنظرة واحدة لأحوال الوطن تكفي بالموت يائساً من المستقبل؟

فحين يطالب المثقف بهدم أصنام الخوف تفتح عليه أبواب جهنم.. وتلاحقه الأصنام ومعها جيش من العسكر في كل مكان.. حتى في المنام ستظهر له كوابيس وتحذره من المساس بها!!.

ولكن ثمة فسحة من أمل دائماً لو أردنا التخلص من الخوف، ألا وهو الاستفادة من دروس عاشوراء، لنستطيع من خلالها أن نغني تجربتنا، لنستطيع أن نواجه الواقع الذي يضج بالكثير من التحديات، ويتحرك بالكثير من القضايا، لنواجهه بوعي وقوة وثبات.

ماذا كان هناك في عاشوراء؟

كان هناك واقع فاسد في داخل الواقع الإسلامي، واقع للحكم ينحرف عن الخط الإسلامي، وانحراف في الذهنية التي تسود المجتمع الإسلامي في تصور الأشياء، وفي مواجهة القضايا، وكانت هناك تحديات.

وانطلق الإمام الحسين (عليه السلام) ليعطينا الخط العام الذي لا يتجمد في دائرة ضيقة، ولكنه يلاحق الزمن كله، والإنسان كله إلى أي خط ينتمي: (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به والى الباطل لا يُتناهى عنه) فلكل انتماء حقه وباطله، ونحن في الإسلام عندما ننتمي إليه، فهناك حق ينفتح على كل خطوط العقيدة والشريعة، وهناك باطل يقف في الجانب المقابل.

وهكذا، يمكننا أن نتمثل قصة الحق والباطل بما نعيشه من تقاليد وعادات اجتماعية، وواقع فاسد ومراوغة من الحكومة، فبتثقيف الشعب بدروس عاشوراء وما أوحاه من ثورة على الواقع الفاسد وتغيير للواقع وقبله تغيير النفس وتحويله من حالة الجبن والخوف إلى حالة الشجاعة والإقدام.

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ