يدلنا التاريخ ضمن صفحاته المشرقة أن الانتصار الظاهري لجيش عبد
الله بن زياد وإلى الخليفة الجديد الغاصب للسلطة يزيد بن معاوية كان
الهزيمة في عينها فقد وقعت المعركة التي شاءها يزيد وأُجبر عليها
الإمام الحسين (عليه السلام) بعيداً عن الإرادة الحسينية المتجهة لحل
إشكالية إعلان البيعة لصالح يزيد بأقصر طرق السلم لكن تعليمات (يزيد)
كانت واضحة لمعسكره كي لا يتركوا الأمر أمام معسكر الحسين بأكثر من
الخضوع لأحد شرطين أما إعلان البيعة لحكم يزيد الجديد أو القبول
بالحرب غير المتكافئة مع عساكر عبيد الله بن زياد.
ويزيد المتهور ذو النظرة القصيرة للأمور اعتقد أن قتله للإمام
الحسين (عليه السلام) سوف يمهد له السيطرة المؤكدة للحكم ولم يكن
يعلم أن الجمهور الإسلامي المؤمن لا ينظر إلى المنتصر في معركة غير
عادلة بل يبحث في السبب المؤدي إلى تفجير تلك الحرب. وحركة الإمام
الحسين (عليه السلام) بكل عدلها كانت متمسكة بالدين الإسلامي ولم يكن
هناك لكل أصحاب الحركة ما يشير لعكس ذلك وما يحاول أن يتقول به
خلافاً لذلك فهو (بدعة مؤرخين!) وليس إلا.
إن قصة معركة الطف تعد اليوم من المعارك النادرة في التاريخ وفيها
من الدروس العديدة التي تعمل على تحريك الذوات الإنسانية نحو الإبقاء
على لهيب ذكرى تلك المعركة الدامية التي كانت ترفع شعارات إسلامية
حقيقية لدى الجانب الحسيني مقابل شعارات إسلامية باطلة عند الجانب
اليزيدي الذي لم يبلغ تأثيره إلا بفضح ما قاموا به من جرم مشهود بحق
ابن بنت رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كان النموذجان
مختلفان فبقدر ما كانت روح الإسلام تتصاعد بين أنفاس أصحاب معسكر
الحسين (عليه السلام) كان موقف الرياء لدى جانب معسكر عبيد الله بن
زياد بالإسلام مفضوح الغايات تماماً.
وإن معركة الطف قد ركزت منذ بداياتها دور السنن لدى معسكر الإمام
الحسين (عليه السلام) وكانت تلك السنن الروحية تترجم المواقف
البطولية والتضحيات الجسام من أجل أن يغرق الجُهال في المعلومات حول
رسوخ الحق بأي معسكر من المعسكرين المتحاربين.
ولعل من واقعة كربلاء يمكن الفهم أن العمر المعنوي عند الظالمين
قصير جداً فالظالمين يستطيعوا خداع الرأي العام لفترة قصيرة لكنهم لن
يستطيعوا طلي الحقيقة أمام أنظار الناس إلى ما لا نهاية فقد كانت
هناك جماهير المسلمين المؤمنين يؤدون كفاحاً مريراً من أجل توضيح ما
حدث وحتى استضاء كل جيل بدرس معركة كربلاء التي اجتاز امتحانها
الرهيب رجال أبطال بعد أن قدموا المثل الطيب في التضحية نزولاً
لمبادئ الإسلام ومقتضيات الإيمان بالإسلام الحقيقي النقي والخالي من
أي شائبة أموية. |