التشابيه.. مفردة اقترنت مع عاشوراء الإمام الحسين، وهي نوع من
التمثيل يحاول الممثلون من خلاله تجسيد الواقعة التاريخية.. هؤلاء
الممثلون لم يدرسوا فن التمثيل بالطبع، ولكنهم تدربوا على يد آخرين
سبقوهم، أو كان لهم دراية واطلاع على حيثيات الواقعة.. تقسم التشابيه
إلى عدة ألواح يحاول من خلالها الممثلون أخذ المتفرج إلى ساحة
الحدث.. جيش يزيد وأبرز شخصياته( الشمر) و( عمر بن سعد) وعدد من
الجند يرتدون ملابس حمراء، في إشارة إلى الشر أو الدم والقتل.. وجيش
الحسين عليه السلام، وأبرز شخصياته الإمام الحسين، وأخيه العباس،
وحبيب بن مظاهر..آل البيت من جيش الحسين يرتدون ملابس خضراء، في
إشارة إلى أنهم ينتسبون للرسول الكريم.. أما الآخرون من الصحابة،
فيرتدون الملابس البيضاء في تعبير عن الطهارة وقيم الفضيلة..
في لوحة من ألواح التشابيه، أو مشهد من مشاهدها، يجسد الممثلون
قصة اغتيال(عبد الله)الرضيع وهو بين يدي والده ـ الإمام الحسين ـ
بينما كان يطلب له الماء محتجا على جيش يزيد: أن لاذنب لهذا الرضيع
كي يحرم من الماء. لكنهم يرمونه بسهم فيذبحونه.. وفي مشهد آخر يجسدون
الموقف البطولي للإمام العباس، وعلي الأكبر، وحبيب بن مظاهر.. ولم
يغب في التشابيه دور بطلة كربلاء العقيلة زينب(ع).. وإحراق الخيام
على النساء والأطفال.. من جديد.
كغيرها من الشعائر الحسينية تعرضت التشابيه للمحاربة وكادت أن
تنقرض، ولكن العراقيين حملوها معهم في هجرتهم ومارسوها، وإن على نطاق
ضيق في بعض الدول التي هاجروا إليها.. اليوم تعود التشابيه من جديد،
وبشكل لافت للنظر..
في كربلاء، وربما في سائر المدن العراقية تقام التشابيه على نطاق
واسع ويجوب( جيش الحسين) و(جيش يزيد) الشوارع المكتظة بالمتفرجين،
وبين صيحات التكبير وعبرات البكاء المنطلقة من هنا وهناك، لا ينس بعض
المتحرقين أن يصب لعناته على الشمر وعلى عمر بن سعد..
الشعائر الحسينية ومن بينها التشابيه فيها معان غفل عنها كثيرون
ولم يتمعنوا فيها وأطلقوا عليها أحكاما عن بعد، فكانت خاطئة.. هذه
الشعائر ثقافة شعبية تنمي روح العقيدة وتعزز قيم التضحية عند الناس،
وهي على أية حال نمط من فن التمثيل، فكما تُمثَل قصص الأنبياء
والصالحين والأولياء وغيرها، يحاول الفن الشعبي أن يقرب إلى أذهان
المتفرجين، وهم من مختلف المستويات الثقافية، واقعة كربلاء، فيختار
لكل شخصية مقطعا خطابيا يناسب دورها في واقعة الطف.. في النهاية لكل
من تلك الشخصيات أثره في تكريس قيم استشهد من أجلها الحسين وأهل بيته
وصحبه.. شخوص الجيش الأموي بما يمثلونه من انتهاك للحرمات وظلم وتعد
على الحقوق يدفعون بالمتفرج إلى النفور من الظلم والتعاطف مع
المظلوم، وشخوص الجيش الحسيني يدفعون به نحو الفضيلة والإقدام
والشجاعة، وهي في النهاية وسيلة شعبية لتعميق مفاهيم عظيمة في
النفوس..
|