الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

حركة الأهداف في الخطاب الحسيني

محمود الموسوي

لكل حركة هدفاً تقصده وإن لم تبح به وتعلنه إلى الناس، وكل حركة لا تحدد لها هدفاً فهي ستكون خارج دائرة الانتظام، وتسير في اتجاه الفوضى والعبث، وتحديد الهدف أو مجموعة الأهداف ليس كافياً، فهنالك مناهج يسلكها العاملون بشكل عام للتعامل مع أهدافهم، فقد أصبح من البديهي أن يحدد العقلاء أهدافاً لحركتهم، إلا أن الالتباس يقع في طريقة التعامل مع المجتمع بشأن الأهداف الحقيقية، وبكلمة أخرى فإن موضع البحث هو في حركة الأهداف المحدّدة سلفاً في الساحة المجتمعية.

فما هو الأسلوب الأمثل في تحريك الأهداف في الساحة المجتمعية من قبل المتصدين؟ .. إن أول ما يعترضنا هو ما ينبغي أن نذكره كمقدمة أوليّة، وهو تحديد الهدف الأساس الذي تدور حوله الحركة وجوداً وعدماً، أي أنه بزوال ذلك الهدف تنتفي الحركة ويحل السكون، ومع وجود مبرراته تتحرك الأفعال، فإن البعض قد لا يلتفت إلى هذه الحقيقة الهامّة، فتراه يسير على أي حال وإن تبدّلت الظروف والمقتضيات والدواعي، أو قد يقوم البعض بحركة عكسية من ذلك فيقوم بالتنازل والتوقف حتى مع وجود المبررات التي وضعوها لإنفسهم كأهداف ومقاصد ينشدونها، فتضيع البوصلة من الحركة برمّتها، كل ذلك نتيجة عدم التفريق بين ما هو أساس وما هو فرع في الأهداف والأسباب.

في المسيرة الحسينية يجد القارئ أن هنالك مجموعة أسباب دعت الإمام الحسين (ع) للقيام بالثورة، وتلك الأسباب هي التي رسمت الأهداف في نهاية المطاف، إلا أنه ليس كل ما ذكره الإمام يعتبر سبباً رئيساً وباعثاً على النهوض، بل هناك أهداف رئيسية حاكمة وموجِّهة لبقية الأهداف الفرعية، فمثلاً دعوة أهل الكوفة إلى الإمام (أن أقدم إلينا..) بكتبهم الكثيرة التي أرسلوها للإمام، لم تكن من ضمن الباعث الرئيسي للحركة، وكذلك رفض مبايعة يزيد والتخلّص منها، ليست هي السبب الرئيسي لقيام الإمام (عليه السلام)، بل كانت هنالك أمور أهم من كل ذلك وأسباب مثّلت الأهداف الكبرى للمسيرة، فلذلك فإن انتفاء ذينك الأمرين لم يثن الإمام عن مسيره، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين من أن الإمام قد تلقّى مجموعة من النصائح والمشورات لكي يتخلّص من بيعة يزيد، كالتي ذكرها محمد بن الحنفية، بأن يذهب إلى مكة ويدعوا الناس إلى بيعته فإن أبو، فيذهب إلى اليمن لأن فيها محبي أبيه الإمام علي وأخيه الإمام الحسن (عليهما السلام)، وإلا فإن عليه أن يتنقّل من دولة إلى أخرى إلى أن يقضي الله بين الإمام وبين القوم الفاسقين على حد تعبير محمد بن الحنفية، إلا أن الإمام لم يستجب لهذه الأفكار وفضّل الذهاب إلى الكوفة..

وحتى بشأن كتابة أهل الكوفة إلى الإمام (ع) فقد أنكر البعض أنّه وجهها للإمام، وسكت البعض قهراً، وانقلب آخرون، وقد اكتشف الإمام هذه الحقيقة مبكّراً وهو في طريقه إلى الكوفة قبل أن تحط الرحال في أرض كربلاء، إلا أن الإمام (ع) لم يكترث لذلك ومضى للقيام بمهمّته الأساس، وهذا المضي كانت تحرّكه الأسباب الحقيقية والكبرى التي لم تنتف ولم تنقشع.

لقد كانت الأهداف الأساسية لحركة الإمام (ع) هي ما ذكره مكتوباً في كتابه إلى أخيه محمد بن الحنفية، بعد أن حمد الله وأثنى عليه حق ثنائه، والتي تمثّلت في (طلب الإصلاح في أمّة جده رسول الله (ص)، و (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فهذان الأمران كانا قائمين، حيث أن اعتلاء يزيد سدّة الحكم تعني أن يندثر ما تبقى من معالم الدين الذي جاء به الرسول الأعظم (ص)، ويعني أن ينقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً، كل ذلك بسياسة يزيد المتغطرسة التي تحكم بالحديد والنار وتعيث في الأرض فساداً.

النتيجة التي نخرج بها من هذه المقدّمة هي أن الأهداف لابد أن تكون واضحة للحركيين، وأن هنالك فرقاً بين الأسباب الرئيسة والأسباب الفرعية، لذلك فإن قوّة التحرّك تحكم بالأساس لا بالفرع، ولا ينبغي تنزيل الفرعيات منزلة الأساسيات، لكي لا يترتّب على انتفائها توقف الفعل الحركي.

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ