الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

من هدي الخطاب الحسيني (3)

مراحل الخطاب

محمود الموسوي

في حال تفوّق الذين يلقون الخطاب على الواقع وسبقهم إياه سيتيح للزمن أن يداول هذا الخطاب، ومن ثم فإنه سيلتقي بخطابات متتالية في طريق العمل، وبطبيعة الحال لابد أن تتوافق كل تلك الخطابات القديمة مع الجديدة في بعد القيم الذي ينطلق منه التحرك، وهذا لا يتأتّى إلا بوعي وقناعة تامةّ بالمشروع الذي يتنبناه الحركيون منذ البدء، في حال كهذه تبرز مسألة تغيّر المراحل الزمنية وتبدّل الظروف المحيطة، فما هو حال الخطاب في عملية تغيّر الزمان؟

الخطاب الحسيني أجاب عن هذا التساؤل بنوع من الإحترافية، حيث أن الذي أطلقه هو إمام مسدّد من قبل السماء، فالإجابة هي أنه لا يمكن أن تتغيّر القيم بتغيّر الظروف والأزمان، فالقيم من الثوابت التي لا تتبدّل أبداً، أمّا القسم الذي يناله التحوّل فهو في الإستراتيجيات والتكتيك بملاحظتها للأساليب المتناسبة مع الوضع الراهن، فتعدد الخطاب لا يعني أن تتعدد محتوياته بشكل متناقض أو متضاد، ولكن التعدد هو في الأساليب مع الحفاظ على روح القيم المحركة والدافعة باتجاه العمل.

نجد تلك الحقيقة الرسالية في خطاب الإمام (عليه السلام) في عهدي معاوية ابن أبي سفيان، وابنه يزيد، فالعهدان مختلفان من حيث طبيعة تعامل الحاكم مع الدين ومع الناس، فالأول كان متلبساً بلباس الدين ومدعياً الصلاح، إلا أنه يخفي العداء للدين ولأهل البيت (عليهم السلام) ويستغلّ أموال المسلمين في مصالحه الشخصية، أمّا سياسة يزيد فهي المجاهرة بالفسق والعصيان والتلاعب الواضح بأحوال المسلمين ومقدراتهم، لذلك نجد أن خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) اختلف في العهدين من حيث الخفاء والعلن، والتلميح والتصريح، بما يتناسب مع الوضع في كلا الحالين، إلا أن القيم بقيت هي القيم والمقاصد هي ذاتها..

ينقل لنا التاريخ هذه الحادثة أنه لما توفى الحسن بن علي(ع) اجتمعت الشيعة، في دار سليمان بن صرد، فكتبوا إلى الحسين كتاباً بالتعزية، وذكروا في كتبهم أنهم يوالونه ويرضونه لهم خليفة ويشكون إليه شنآن معاوية، ويسألونه الكتاب إليهم برأيه . فكتب الحسين عليه السلام إليهم : ( إني لارجو أن يكون رأى أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشدا وسدادا، فالصقوا بالارض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا من الاظاء ما دام ابن هند حياً، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله) . يشير الإمام إلى الناس بأن عهد معاوية يحتاج إلى الخفاء والسر، إلا أن الإمام في ضمن ذلك يؤكّد على القيم والمبادئ ويشير إلى مكانة أهل البيت بشكل دائم لأن هذا ما يتقصده بنو أمية فقد قال مرة في مجلس معاوية .(أنا ابن ماء السماء وعروق الثرى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الناقب والشرف الفائق والقديم السابق، أنا ابن من رضاه رضى الرحمان وسخطه سخط الرحمن)، ثم رد وجهه للخصم فقال: (هل لك أب كأبي أو قديم كقديمي ؟ فإن قلت لا، تغلب، وإن قلت : نعم تكذب)، فقال الخصم : لاتصديقا لقولك، فقال الحسين عليه السلام : (الحق أبلج لا يزيغ سبيله والحق يعرفه ذووا الالباب).

فالإمام استمر في خطابه محافظاً على القيم ومبشراً بها، وبمرور الزمن وقبل موت معاوية بسنتين لجأ الإمام (ع) لعقد مؤتمر منى في الحج وهو المؤتمر المعروف الذي دعا فيه الخواص وذكر لهم بصراحة الطغيان الذي مارسه معاوية ،وأوصاهم بكتمانه وتبليغه إلى من يثقون به .. إذاً الخطاب في عهد معاوية، كان تبليغاً واضحاً للحق، وتنديداً سرياً بالممارسات الخفية، وحصر ذلك على الثقاة وأصحاب الشأن، إلى حين جاء عصر يزيد المتجاهر بالفسق والعصيان ليتحوّل الخطاب ذاته بنفس القيم ولكن اعتمد التصريح في الغالب من دون التلويح، وحدّد المصاديق بالأسماء في حين أنه قبل ذلك اكتفى بالإشارات.. نلحظ ذلك في مقولة الإمام (ع) في عهد يزيد عندما خرج من المدينة وعند لقائه بمروان حاول الأخير تحسين صورة أمر بيعة يزيد في عين الإمام (ع) فأجابه الإمام قائلاً : على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه وقد رءاه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق).

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ