الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

المرجعية الدينية

التاريخ يصنعة العظماء

 

 

 

الإعلام الحسيني وتطويره

قراءة جديدة للنهضة الحسينية

بقلم- أحمد رضي*

أحدث الإمام الحسين (ع) أكبر ثورة إعلامية على مر التاريخ، وقد ساهمت هذه المسيرة الإعلامية من منبر وموكب وبكاء في حفظ شعيرة الحسين (ع). فأصبح المنبر الحسيني مثلاً وسيلة لبيان المظالم الاجتماعية والفساد السياسي للسلطات الحاكمة، حرص من خلالها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على إظهار ذلك بمختلف الوسائل، وحثوا شيعتهم بعدم تركه في أصعب الظروف. وقد حفظ الله تعالى لنا العتبات المقدسة ولم تمحى طوال القرون الماضية، رغم المحاولات التاريخية كما فعل المتوكل العباسي سنة (236هـ) أو الوهابيون سنة (1216هـ).

وشهر محرم الحرام كان أحد الشهور التي يحرم فيها القتال وسفك الدماء زمن الجاهلية، وعيّنه الرسول (ص) كبداية للسنة الهجرية، ولكن بنو أمية لم يراعوا حرمة الشهر وانتهكوا حرمة الإسلام بقتل أبناء بيت النبوة (ع). ولذلك فمواساة أهل البيت (عليهم السلام) والمشاركة في مجالس العزاء وإظهار الحزن على مصائبهم هو أمر مندوب إليه، والبراءة من أعداء الله والرسول وأولي الأمر المعصومين (عليهم السلام) هو أحد شروط الولاء والانتماء.

والشعائر الحسينية هي مظهر اجتماعي من مظاهر وحدة الأمة بمختلف طوائفها الدينية وتياراتها السياسية، كما يعكس عمق العلاقة بين الشيعة والسنة في تظاهرة سلمية لتأكيد وحدتنا الإسلامية. وأهالي البحرين معروفين منذ القدم بتشيعهم وولائهم العميق لآل البيت (عليهم السلام)، حتى أصبحت المآتم والمنتديات الحسينية احدى مظاهر الوحدة الإسلامية والاجتماع السياسي، ومراكز قوى روحية لتعبئة الأمة فكرياً ونفسياً.

تطوير إعلامنا الحسيني:

لتطوير الإعلام الحسيني ليكون موافقاً مع وسائل العصر الحديث.. هناك العديد من الوسائل التي يمكن تحقيقها بالإرادة الجماعية، وهي تختلف طبعاً من مجتمع لآخر. ووسائل تنويع الفعاليات الحسينية عديدة ومتنوعة مثل مسيرة العاشر من محرم مشياً على الأقدام، ولبس السواد، وإعلان الحداد العام ومظاهر الحزن في البلاد، وطبع النشرات وتوزيع الكتب، وبث الثقافة الحسينية عبر مواقع الانترنت بمختلف اللغات العالمية، وإقامة منتديات ثقافية حسينية، وتفعيل دور العلماء ورجال الدين، وإقامة مدارس علمية لتخريج خطباء المنبر الحسيني، وإدخال التقنية الحديثة مع الموكب الحسيني.. وغيرها.

ومع تعدد عناوين وصور الشعائر الحسينية من (مجالس العزاء والرثاء والبكاء، أو اللطم ولبس السواد، وإخراج التشابيه والمسرحيات، والمشي على الأقدام لزيارة العتبات المقدسة.. وغيرها، أصبحت هذه الأساليب التقليدية بحاجة لقراءة موضوعية جديدة، ملائمة للظروف السياسية والاجتماعية الحالية مع مراعاة الموازين الشرعية، وذلك بحكم التطورات الحديثة للعالم العربي والإسلامي.

الاهتمام العالمي بالنهضة الحسينية:

شاهدنا في ساحتنا العالمية اهتماماً ملحوظاً بثورة الإمام الحسين (ع) خصوصاً في السنوات الأخيرة مع تعدد الأفكار والأنشطة الهادفة. حيث لعبت النهضة الحسينية دوراً كبيراً في تحريك ضمير الأمة الغائب على مر التاريخ، لتبقى القضية في عقل وقلب كل إنسان حرَّ. ولذلك تعددت مظاهر الاحتفاء بمقتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته الطاهرين، كما ساهمت الشعائر الحسينية بتعدد مظاهرها التاريخية واختلافها من مجتمع لآخر في إبقاء جذوة الحب مشتعلة في قلوب المؤمنين. وهناك بعض المفكرين من يقول بأن التشيع ولد يوم عاشوراء، لأن الإسلام الأصيل تجسد في شهادة الحسين (ع) في صورة تجسد كل المعاني الإنسانية النبيلة التي يقف لها العقل إجلالاً واحتراماً.

كما ساهمت النهضة الحسينية في إلهام الشعوب الإنسانية بالانتفاضة لنيل حقوقها وحرياتها، وعملت على صياغة الوعي الاجتماعي والسياسي للمجتمع الإسلامي. واعتبرت قاعدة للحركات الثورية ومحاولة لتصحيح الانحراف السياسي، وصياغة وعي الإنسان كشخصية إسلامية، والتعاطي مع الحياة بواقعية من خلال الارتباط المعرفي بولاية أهل البيت (ع). والاهتمام بثورة الحسين (ع) يتزايد يوماً بعد يوم، وهذا لطفٌ إلهي استجابة لدعاء الرسول (ص) بإحياء أمر حفيده الإمام الحسين (ع). ومظهر لقياس وعيّ الأمة الإسلامية واستعدادها للوقوف في جبهات القتال دفاعاً عن المقدسات الإسلامية والأراضي المحتلة. وهو أيضاً علامة من علامات الارتباط الروحي بوليّ العصر الإمام الحجة المهدي (روحي فداه)، ليكون شيعته على أهبة الاستعداد ليوم لا بد منه.

وكأيّ إنسان مسلم أتألم بشدة لما يجري في واقعنا الإسلامي، وبالخصوص في فلسطين والعراق وكل البلاد الإسلامية. ولكني مؤمنٌ بشدة بأن الطريق لزوال الاحتلال الصهيوني، وردع الحكومات الظالمة يتمثل في المقاومة الواعية التي تنهض بأبناء الوطن من أجل استعادة حرياتهم الأساسية وحقوقهم الشرعية. فالحرب بين الحسين ويزيد ما زالت مستمرة، وكربلاء اليوم هي فلسطين المحتلة. وآمل لهذا النداء الإنساني أن يصل لأسماع جميع الطوائف الدينية والتيارات السياسية، وتتوحد جهودنا وقوانا من أجل وحدة المجتمع الإسلامي وبناء الوطن الغالي.

الحسين في الإعلام المحلي:

بالرغم من مظاهر الانفراج السياسي الذي تعيشه البلاد، نلاحظ في وقت سابق أن هناك إقصاء ملفت من إعلامنا المحلي "صحافة وتلفزيون وإذاعة" لأكبر تظاهرة إعلامية وهي مراسم عاشوراء. فالإعلام المحلي ما زال -للأسف- متخلفاً في تناوله لموسم عاشوراء، بالرغم من أن الدولة قامت بتعطيل الدوائر الحكومية، والسماح بإعلان الحداد العام سنوياً، حيث يشترك الشيعي والسني معاً في هذه الفعاليات.. إلا أن الإعلام المحلي ما زال يتجاهل هذه التظاهرة الشعبية، ولا يحاول إظهارها كمناسبة شعبية أو كدلالة على مساحة الحريات الدينية. وقد تقوم بعض الصحف بتخصيص مقالات لهذه المناسبة، ولكن ذلك لا يغطي المساحة الكبيرة التي نحتاج لاستغلالها عبر الصحافة والتلفاز والإذاعة. وربما يعود السبب أن بعض الأنظمة السياسية لا تميل كثيراً للاقتراب من الأوساط الشعبية بحكم كونها سلطة غير شرعية، كالدولة الأموية والعباسية. ولكن يمكن القول بأن أجواء من الحرية الدينية قد بدأت مؤخراً في الانتعاش بعد إلغاء قانون أمن الدولة، ونأمل أن تستمر مساحة الحريات الدينية في ظل القانون.

ورغم ذلك تبقى للشعائر الحسينية مدلولات عظيمة، تنعكس على حياتنا الاجتماعية وواقعنا السياسي، وسيحفظ الله تعالى راية الإمام الحسين (عليه السلام) لتصل إلي وليه القائم من آل محمد (ص) من نسل الإمام الحسين (ع). فسر هذا الخلود الحسيني كما ذكرت هو حكمة إلهية ومظهر لطف كبير من الرب الكريم الذي تجلت رحمته على عباده، كما يكمن جوهرها في الإيمان العميق بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وفي صفاء قلوب المؤمنين الذين حملوا راية الحسين (ع) ورسالته.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

* (كاتب بحريني)

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1426هـ