نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الثالث

ملحق

تساؤلات حول كتاب المنتخب للطريحي

 

جرت العادة في مجالس عاشوراء في مناطقنا على قراءة (السيرة) قبل خطابة الخطيب، كما جرت العادة على أن يكون المقروء من السيرة هو فصول ومقاطع من كتاب (الفخري) لفخر الدين الطريحي، وقد تختلف الحالة في سائر البلاد الشيعية، أو تتفق.

وقد لفت نظري منذ مدة بعض ما ورد فيه من الروايات، وكنت أتساءل عما إذا كان العالم الفحل الطريحي، قد كتب كل هذا؟ وهذا مما حداني إلى مطالعة الكتاب بنحو دقيق، وكان نتيجة تلك المطالعة والمراجعة هذه الكلمات

من هو الشيخ فخر الدين الطريحي؟

في الذريعة كتب عنه الطهراني: (إنه فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح النجفي له كتب متعددة منها: الرسالة النجفية في أمر النية، والنكت اللطيفة في شرح الصحيفة، شفاء السائل في مستطرفات المسائل في علم مواقيت الصلاة، والضياء اللامع في شرح المختصر النافع).

وأما كتابه فقد كتب عنه في الذريعة في الجزء 22 صفحة 420 تحت رقم 7696: (المنتخب في جمع المراثي والخطب: للشيخ فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح النجفي، المتوفى سنة خمس وثمانين وألف، مرتب على عشرين مجلساً، وفي كل مجلس أبواب وفي كل باب يذكر شيئا من فضائل أهل البيت ومراثيهم، أوله: الحمد لله الذي جعل الدنيا جنة لأعدائه وسجنا ومحنة لأوليائه وأحبائه، إلى قوله: المجلس الأول من الجزء الأول في الليلة الأولى من عشر المحرم. طبع مكررا ويقال له مجالس الطريحي والمجالس الفخرية والمنتخب الكبير الذي فيه زيادات على المطبوع في كتب السيد محمد اليزدي وعند الميرزا علي أكبر العراقي نسخة منتخب من المنتخب لبعض المتأخرين وهو موافق مع المنتخب في الخطبة ومخالف معه كثيرا بالزيادة والنقصان ومن نقصه عدم ذكر حديث الكساء فيه، وأول مجالسه في أول ليلة من عشر المحرم وفيه أبواب ثلاثة: الباب الأول: أيها المؤمنون.. الخ. وفي حاشية الكتاب نقل حديث الكساء مختصرا عن نهج المحجة الذي هو تأليف الشيخ علي نقي بن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي).

وكتب عنه الزركلي في الأعلام فقال: (هو أحمد بن طريح الرماحي النجفي: من علماء الإمامية. له (مجمع البحرين ومطلع النيرين) في تفسير غريب القرآن والحديث، و (المنتخب في جمع المراثي والخطب - ط) و (غريب الحديث) و (جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال - ط) و (كشف غوامض القرآن) و (جواهر المطالب في فضائل علي بن أبي طالب) و (مراثي الحسين) و (نزهة الخاطر وسرور الناظر) مصور في مكتبة جامعة الرياض (الفيلم 92) 211 ورقة في بيان لغات القرآن، وغير ذلك. توفي في الرماحية ونقل إلى النجف)(1).

وقد تحدث عنه المحقق السيد أحمد الحسيني في مقدمة كتاب مجمع البحرين فقال - ما ملخصه -:

ولد في النجف الأشرف سنة 979هـ. ونشأ نشأته العلمية في أحضان والده الكريم وعمه الشيخ محمد حسين الطريحي، واكب على العلم والدراسة عندهما حتى حصل على المراتب الجليلة من العلم والفضيلة والصفات النفسية العالية والملكات الشريفة الممتازة. ليس لدينا تفاصيل دقيقة عن سيره العلمي وكيفية دراسته وقطعه الأشواط الثقافية، ولكن يستكشف من آثاره الكثيرة المتعددة الجوانب أنه كان من المشتغلين المجدين الذين لا يضيعون فرصة العمر، بل يقتبسون نور العلم في حلهم وترحالهم ويستضيئون من شعاع الثقافة في كل الأحوال وعند كل فرصة فلو قرأت كتابه (غريب القرآن) وجدته مفسرا محيطا بعلوم القرآن الكريم، وإذا أمعنت النظر في كتابه (غريب الحديث) رأيته محدثا متفننا في الأحاديث المروية عن النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، وإذا دققت الفكر في كتابه (الضياء اللامع) و (شفاء السائل) و (الفخرية الكبرى)وغيرها رأيته فقيها متضلعاً في أبواب الفقه، وإذا طالعت كتابه (إيضاح الأحباب) وجدت تبحره في العلوم الرياضية، وهكذا إذا قرأت كتابيه (تمييز المعطوفات من الرجال) و (جامع المقال) وجدته رجاليا خبيرا بالتراجم وأحوال السابقين من الرواة والمحدثين، أما إذا قرأت كتابه (مجمع البحرين) فانك ترى العجب من اطلاع المترجم له وتضلعه في الفنون الإسلامية والعلوم المتداولة في عصره.

كتب العديد من الكتب والمؤلفات في فنون شتى، فقد نقل من أسماء كتبه ما يربو على الأربعين مؤلفاً.

وتوفي في سنة 1087هـ.

هذا عن المؤلف. وأما عن الكتاب، فالمطبوع بطبعة (مؤسسة الأعلمي - بيروت - دون تاريخ) يشتمل على عشرين مجلسا في كل مجلس أبواب، تشتمل على ذكر أهل البيت  (ع)  في مناقبهم ومصائبهم.

وقد صنفه المرحوم آية الله شمس الدين من القليل النادر الذي بقي محافظاً على دلالاته السياسية والاجتماعية إضافة إلى الجانب المأساوي، وإن كان قد انتهى إلى أن ذلك بقي محصوراً في الجانب التاريخي، قال في كتابه القيم (واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي) في أدوار المأتم الحسيني بأن: (الذكرى الحسينية في هذا الدور قد فقدت دلالتها السياسية والاجتماعية في وعي الإنسان الشيعي بالنسبة إلى الأوضاع التي يعاني منها نتيجة لسياسة حكامه المستبدين وغدت عملا أخرويا محضاً إلا في القليل النادر الذي ربما يكون منه ما ورد عند الشيخ الطريحي في المنتخب فيما يبدو أنه وظيفة المأتم في نظره: فيا إخواني أكثروا البكاء والعويل على هذا العزيز الجليل لتفوزوا بالثواب الجزيل من الرب الجليل، فإن الله جعل متابعتنا لهم فيما أمكن من الفعال وبكاءنا عليهم بالدمع السجال وبعث عيوب أعدائهم أهل الضلال قائما مقام الجهاد معهم في يوم القتال، ولكننا نشك - أضاف شمس الدين - في أنه يريد من (أعدائهم أهل الضلال) غير الأمويين والعباسيين وولاتهم الذين اضطهدوهم، ونرجح أنه لا يعني بهذا التعبير وأمثاله كل ظالم ومعتد على الناس من الحكام وأعوانهم)(2).

وعلى كل حال فإن الناظر المتأمل في صفحاته لا بد أن يلتفت إلى عدد غير قليل من الملاحظات، سوف نتعرض إلى جانب منها:

الإحصائيات والأرقام:

ورد في كتاب الفخري (المنتخب) عدد من الأرقام والإحصائيات، لا نعرف كيف وجدت طريقها إلى هذا الكتاب، مثلا:

ذكر في صفحة 280 أن عدد جيش بني أمية الذين جهزهم ابن زياد: كان 70000 (سبعين ألف) فارس!! ولم يذكر عدد المشاة؟

ومع أنه تم الاختلاف في عدد الخارجين إلى قتال الإمام الحسين  (ع) إلا أنه قد ورد في روايتين عن الإمام زين العابدين  (ع) أن عددهم كان ثلاثين ألف رجل، ونتعجب كيف أن هاتين الروايتين لم تكونا تحت نظر الشيخ الطريحي وهو من هو في علمه وأحاطته كما يلحظ الناظر هذه الإحاطة في كتبه لا سيما في مجمع البحرين.

فقد روى الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في الأمالي بسنده إلى زين العابدين  (ع): (أن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) دخل يوما إلى الحسن  (ع)، فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكى لما يصنع بك. فقال له الحسن  (ع): إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فاقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد  (ص) ، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك..)(3).

كما أورد في الأمالي أيضاً رواية أخرى فيها ذلك العدد، فقال في صفحة 547:

(نظر سيد العابدين علي بن الحسين (ع) إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب  (ع) فاستعبر، ثم قال: ما من يوم أشد على رسول الله (ص) من يوم أحد، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب، ثم قال  (ع): ولا يوم كيوم الحسين  (ع) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل، يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتى قتلوه بغيا وظلماً وعدواناً)(4).

كما أن العلامة المجلسي رضوان الله عليه قد نقل رواية في البحار من غير إسناد تفيد نفس العدد، فقال في الجزء 45 ص4: (وفي رواية عن الصادق  (ع) (كانوا) ثلاثين ألفاً).

كما أنه قد ذُكر في المنتخب أن عدد الذين قتلهم الحسين  (ع) ما يزيد على 10000 عشرة آلاف فارس(5)، ولا يبين فيهم لكثرتهم؟؟

أقول: لو كانوا ثلاثين ألفا، فهو الثلث -بناء على هذه الروايات- فكيف لا يبين فيهم؟ بل حتى لو كانوا سبعين ألفا فإن معنى ذلك أن سبعهم قد قتل!!

وربما يغفر في قصائد الحماسة والشعر، التهاون بالأعداد، مثل قوله:

جاؤوا بسبعين ألفاً سل بقيتهم***هل قابلونا وقد جئنا بسبعينا؟

أو مثل قول السيد حيدر في تصوير كثرة الجيش:

بجمع من الناس سد الفرو***ج وغطى الجبال وغيطانها

وطا الوحش إذ لم يجد مهرباً***وغادرت الطير أوكانها

أو قول الآخر:

بجحافل بالطف أولها***وأخيرها بالشام متصل

فهذه طبيعة الشعر القائم على مخاطبة الخيال، والذي يتعمد فيه المبالغة والإكثار، حتى لقد قالوا: (أعذب الشعر أكذبه)، فأنت ترى الصورة الخارجية الحقيقية بنحو، حتى إذا قرأتها في قصيدة وصفية وجدت عالما آخر أكبر عشرات أو مئات المرات من الواقع..

إلا أنه لا ينبغي يكون هذا في الكتب التاريخية، ولاسيما لو كانت منسوبة إلى علماء محققين، وأفاضل كالشيخ فخر الدين.

- مشكلة الأعمار في المنتخب: يلاحظ المتتبع في المنتخب، أن أعمار أهل البيت  (ع)  لم يقل بها أحد من المؤرخين ولا الناقلين. فهو يذكر أن عمر علي الأكبر كان 17 سنة وأنه بقي بعد أبي الفضل العباس لكي يأتي بالماء للطفل بعد شهادة العباس! فراجع صفحة 443.

فإنه لم يقل أحد بأن عليًّا الأكبر كان في هذا السن عندما استشهد. وهكذا في مثل قوله: إن عمر الإمام علي بن الحسين السجاد كان 11 سنة عند شهادة أبيه؟ كما يلحظ ذلك في صفحة 314، بينما في صفحة 283 تردد بين عشر سنوات وبين إحدى عشرة سنة! وهو مخالف لما ذكره كل من تحدّث في سيرة الإمام  (ع) الذين اتفقت كلمتهم على أنه قد ولد في زمان أمير المؤمنين  (ع)، ومن المعلوم أن أمير المؤمنين  (ع) قد استشهد في سنة 40 للهجرة(6). وبناء على ما ذكره الكليني يكون عمره الشريف عند شهادة والده الحسين أثنين وعشرين سنة أو تزيد قليلا. وهذا يعني ضعف العدد الذي ذكره في المنتخب.

وكذلك فإن من الثابت أن الإمام الباقر  (ع)، كان قد حضر كربلاء وهو صغير له سنتان أو أكثر. ولا ينسجم هذا مع كون الإمام زين العابدين حينئذ له من العمر إحدى عشرة سنة!

ومن المعروف أيضا أن عليًّا الشهيد (المعروف بالأكبر) أسنّ من أخيه زين العابدين  (ع).

قضايا تاريخية متفرقة:

سوف نتعرض إلى بعض ما ورد في الكتاب من قضايا تاريخية، لا يمكن التسليم بها لمخالفتها للمعروف، والثابت تاريخيًّا، وسنكتفي ببعضها لبيان مواضع الخلل فيها:

1- مقتل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب:

يظهر من كتاب المنتخب أن قتله كان بسبب أن وحشيا قد كمن له ثم ضربه بالسيف على أم رأسه وعبارته هكذا: فلما هاج حمزة في الحرب كمن له وحشي وضربه على أم رأسه فقتله فخرّ إلى الأرض صريعاً!! صفحة 221.

لكن المؤرخين ينقلون صورة غير هذه، وأنه إنما كان وحشي رامياً مشهوراً بالحربة، فعهدت إليه هند أنه لو قتل أحد الثلاثة: رسول الله، أو علياً أو حمزة.

فقد قال الشيخ المفيد في الإرشاد:

(وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله   (ص) أو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أو حمزة بن عبد المطلب  (ع) فقال لها: أما محمد فلا حيلة لي فيه، لان أصحابه (يطيفون به)، وأما علي فانه إذا قاتل كان أحذر من الذئب، وأما حمزة فاني أطمع فيه، لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه. وكان حمزة -يومئذ- قد أعلم بريشة نعامة في صدره، فكمن له وحشي في أصل شجرة، فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف فضربه ضربة أخطأت رأسه، قال وحشي: وهززت حربي حتى إذا تمكنت منه رميته، فأصبته في أربيته(7) فأنفذته، وتركته حتى إذا برد صرت إليه فأخذت حربتي، وشغل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم)(8).

2- هل مر النبي (ص) على العراق؟

جاء في الكتاب المذكور أن النبي قد مر العراق فوقف على كربلاء وقال: هذا جبرئيل يخبرني عن الله..

ولا يذكر المؤرخون أن النبي (ص) قد مر على العراق، سواء في غزواته أو في غيرها.. فلا نعلم من أين أتى الكتاب بهذا الخبر؟

3- مولد عمر بن سعد:

ذكر خبراً حاصله أن عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش الأموي في كربلاء قد ولد في زمان الرسول أو أنه كان في حينه (فتى) وهو لا ينسجم مع الرأي الصحيح في وقت ولادته لعنه الله.

فقال: كما نقله عنه السيد هاشم البحراني في كتابه مدينة المعاجز:

(روي عن ابن مسعود قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله - (ص) - في مسجده، إذ دخل علينا فتية من قريش ومعهم عمر بن سعد -لعنه الله-، فتغير لون رسول الله - (ص) -. فقلنا له: يا رسول الله ما شأنك؟ فقال: إنا أهل بيت، اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإني ذكرت ما يلقى أهل بيتي من أمتي من بعدي من قتل وضرب وشتم وسب وتطريد وتشريد. وان أهل بيتي سيشردون ويطردون ويقتلون، وان أول رأس يحمل على (رأس) رمح في الإسلام، رأس ولدي الحسين  (ع)، أخبرني بذلك أخي جبرائيل، عن الرب الجليل. وكان الحسين  (ع) حاضراً عند جده في ذلك الوقت، فقال: يا جداه فمن يقتلني من أمتك؟

فقال: يقتلك شرار الناس، وأشار النبي (ص) إلى عمر بن سعد لعنه الله.

فصار أصحاب رسول الله (ص) إذا رأوا عمر بن سعد داخلا من باب المسجد، يقولون: هذا قاتل الحسين  (ع).

قال: وجعل عمر بن سعد، كلما لقي الحسين  (ع) يقول: يا أبا عبدالله إن في قومنا أناساً سفهاء، يزعمون أني أقتلك.

فيقول له الحسين  (ع): والله إنهم ليسوا بسفهاء، ولكنهم أناس حلماء، أما أنه ستقرّ عيني حيث لا تأكل من بر الري من بعد قتلي إلا قليلا، ثم تقتل من بعدي عاجلاً)(9).

والذي يظهر أن الحديث كما ذكر المحشي على مدينة المعاجز، ملفق من الحقائق والأباطيل.. فإن فقرات من الخبر المذكور قد وردت في كتب الحديث والرجال، مثل (أنهم كانوا إذا رأوه داخلاً باب المسجد قالوا: هذا قاتل الحسين..)، وفقرة (إن في قومنا أناساً..)، ولكن ترتيب الرواية بحيث تبدو وكأنها صادرة عن النبي  (ص) ، وأن عمر بن سعد دخل في فتية من قريش على رسول الله  (ص) ، ليس بصحيح.

ذلك أن الميلاد المشؤوم لعمر بن سعد كان في سنة وفاة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أي في سنة 23هـ كما جزم بذلك ابن معين وغيره. ولذا فقد نفى كثير من الرجاليين كونه في عداد صحابة النبي  (ص) أو صغارهم.

ولو تنزلنا إلى القول الآخر(10) (وهو القول الذي نفاه محققو التاريخ)(11) وهو أنه قد كان مع الجيش الذي بعثه أبوه إلى الجزيرة في سنة 19هـ، فإنهم ذكروا أنه كان غلاما حدثا ليس إليه من الأمر شيء. ومن حاله في سنة 19هـ هكذا لا يعقل أن يكون في زمان الرسول يأتي في فتية من قريش يدخلون على رسول الله المسجد. علما بأن هذه الرواية لم توجد في مصدر سني أو شيعي غير مدينة المعاجز نقلاً عن المنتخب.

ويؤيده ما ورد عن علي  (ع) مخاطباً(12) لسعد بن أبي وقاص عندما سأله مسألة ظن أنه أعضل فيها: إن في بيتك سخلاً يقتل ولدي الحسين، ولو كان مولودا زمان الرسول لكان عمره في أدنى تقدير ثلاثين سنة.. وهو لا يصدق عليه أنه (سخل) بمعنى صغير الماعز، وإن كان سخلاً بحسب المعنى (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).

4- مدة حرب معاوية للإمام علي  (ع):

كم كانت مدة حرب معاوية لأمير المؤمنين  (ع)؟

قال في المنتخب صفحة 226: (لازم معاوية حرب أمير المؤمين  (ع) ثمانين شهراً).

كذلك قوله في أنه استمر معاوية على سب الأمام مدة ثمانين شهراً.

ولا أعلم سر التركيز هنا على عدد الثمانين شهراً، فأما الأول فإنه ليس بصحيح فإن مدة حكومة أمير المؤمنين  (ع) لم تتعد من السنوات خمساً، بينما الثمانون شهراً تزيد على ست سنوات ونصف السنة!! وإن كان المقصود بما يشمل فترة الإمام الحسن  (ع) فهو خلاف الظاهر.

وأما استمرار معاوية على لعن أمير المؤمنين  (ع) فكانت طيلة فترة حكومته وسلطته التي امتدت إلى سنة 60هـ أي إلى عشرين سنة بعد شهادة أمير المؤمنين  (ع).

5- قصيدة الفرزدق:

قصيدة الفرزدق هل أنشأها أو قرأها الفرزدق أمام الحسين؟

من المعروف أن الفرزدق بن غالب كان قد أنشأ قصيدته الميمية (يا سائلي أين حل الجود والكرم..) على البديهة، في مدح الإمام زين العابدين في قصة طوافه بالبيت وانفراج الناس بين يديه.. وقد ذكرها المصنفون الذين تعرضوا لحياة الإمام(13)، وأولئك الذين أرّخوا حياة الفرزدق. لكننا نجد في المنتخب شيئاً غير هذا، فقد ورد فيه صفحة 111: (أنه لما التقى الفرزدق الحسين  (ع) في طريق مكة ثم ودعه وقال: قلت أبياتاً قبل اليوم فيه وأحب أن تسمعها، يقول لابن عمه، فقال نعم.

قال الفرزدق: أنا القائل فيه وفي أبيه وأخيه وجده هذه الأبيات:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته***والبيت يعرفه والحل والحرم!

6- عمر بن سعد في الشام أو الكوفة؟

المذكور تاريخياً أن عمر بن سعد كان في الكوفة، قبيل مجيء عبيدالله بن زياد، وأنه كان يستعد للذهاب إلى ولاية على دستبى(14) (بلد في الديلم). حتى إذا جاء بن زياد أمره أن يصير إلى حرب الحسين  (ع).

غير أن ما في المنتخب ينتهي إلى أنه كان مع يزيد في الشام وأنه أرسله إلى الكوفة بكتاب!! ففي صفحة423: (فلما قرأ يزيد الكتاب أنفذ إلى الكوفة عمر بن سعد لعنه الله وكتب إلى عبيد الله بن زياد وكان في البصرة كتابا يستنهضه على الرحيل إلى الكوفة).

7- زيد بن أرقم:

ما ذكره: أن يزيد غضب على زيد بن أرقم، عندما قال له: أنه رأى الرسول يقبل ثنايا الحسين مراراً، فغضب عليه يزيد وأمر به فسجن، حتى أنه نقل أنه مات وهو في السجن؟ ألا لعنة الله على الظالمين..

العجيب أنه نقل نفس القصة باعتبارها حدثت مع ابن زياد وزيد بن أرقم، فهل كان يتابعهم زيد في الكوفة وذهب معهم إلى الشام وحصل من ابن زياد نفس ما حصل من يزيد؟؟ صفحة 478.

والصحيح هو أنه (زيد بن أرقم) رأى الحادثة في مجلس ابن زياد كما نقل في أكثر من مصدر تاريخي(15).

هذا إضافة إلى أن زيداً -الذي عرف أنه نزيل الكوفة- قد توفي فيها سنة 68هـ(16) (أو 66) ولم يذكر أحد أنه مات في سجن بني أمية!!

8- هل أمر المتوكل بإعمار قبر الحسين؟

المعروف بين المؤرخين أن المتوكل العباسي الذي كان فيه نصب -كما يقول الذهبي- وانحراف شديد عن أهل البيت  (ع)  كان يحارب قبر الحسين  (ع) وما يرتبط بإحياء ذكره، وهذا ما اتفقت عليه كلمة المؤرخين، حتى لقد أرخ شعراً على يد البسامي في قوله:

تالله إن كانت أمية قد أتت***قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله***فغدا لعمري قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا***في قتله فتتبعوه رميما

ولتوثيق ما سبق ننقل بعض الشهادات التاريخية:

وفيها (سنة 235) أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن على وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وان يمنع الناس من إتيانه فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه(17).

ونفس ذلك نقله الذهبي في سير الأعلام فقال:

وفي سنة ست وثلاثين (بعد المائتين) هدم المتوكل قبر الحسين K، فقال البسامي أبياتاً منها:

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا***في قتله فتتبعوه رميما

وكان المتوكل فيه نصب وانحراف، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور، وأمر أن يزرع، ومنع الناس من انتيابه. قال ابن خلكان: هكذا قاله أرباب التواريخ(18).

ولم يعهد من المتوكل رجوع عما بنى عليه من النصب والانحراف عن أهل البيت  (ع) ، ولاسيما بالنسبة إلى قبر الإمام الحسين  (ع)، إلى أن هلك.

غير أن هذه الحقائق تتغير في المنتخب ليحل محلها قصة زيد المجنون الذي رأى البهلول في الكوفة، فتحادثا حول قصة القبر الحسيني إلى أن هام زيد المجنون (!!) على وجهه، وذهب إلى الموكل على حراثة القبر، الذي كان يحرث القبر منذ عشرين سنة! واقتنع أخيرا بأن يمضي معه إلى المتوكل العباسي ويخبره بتوقف الماء عند قبر الحسين  (ع)، فصلبه المتوكل بعد قتله.. وسجن زيدا المجنون حتى رأى المتوكل من يرفسه ويأمره بإخراجه وقضاء حوائجه فطلب هذا عمارة قبر الحسين، والمناداة في الخلق بزيارته وأنهم غير ممنوعين عن ذلك.. فقضاها المتوكل له!!

هذا مع أن المتوكل العباسي لم يبق في الحكم سوى أربعة عشر سنة وعشرة شهور وهلك في سنة 247هـ. فكيف يكون من عينه لحراثة قبر الحسين يفعل ذلك مدة عشرين سنة؟ وكيف يلتقي زيد المجنون كما في القصة ببهلول الذي في الكوفة مع أن بهلول الكوفة (ابن عمر الصيرفي) قد توفي سنة 190هـ؟ إلا أن يكون بهلول آخر لا نعلم عنه!

والعجيب أن هذه القصة مع ما فيها، وللمتأمل أن ينظر تفاصيلها لكي يعلم مقدار الخلل الكبير فيها، قد نقلها العلامة المجلسي رضوان الله عليه في البحار بعنوان مما جاء في كتب بعض أصحابنا!

ما يرتبط بأخبار واقعة كربلاء:

لو تغاضى المتأمل عن الأخطاء التاريخية العامة، التي لا ترتبط ارتباطاً مباشرًا بيوم عاشوراء، فإنه يصعب التغاضي عن الأخطاء التي ترتبط بنفس اليوم وأحداثه، باعتبار أن الكتاب مدون لأجل قضية الحسين ومقتله. فلننظر ما يقوله في المنتخب:

أ- الخصال التي عرضها الإمام على يزيد:

يظهر من بعض مواقع الكتاب أن الحسين قد (خيّر) يزيد في أحد ثلاث خصال: أخيّرك في ثلاث خصال:

- تتركني حتى أرجع إلى حرم جدي،

- اسقوني شربة من الماء فقد نشفت كبدي من الظمأ،

- إن كان لابد من قتلي فليبرز إلِيَّ رجل بعد رجل. فرفض الأوليين، وقبل الثالثة.. ص 451.

في موضع آخر تراه يقول: إنه -أي الحسين- مستعد لأن يذهب إلى أطراف الروم أو الهند ويخلّي لهم العراق، (وأن لكم أن لا أخاصمكم عند الله)!! فلا هو يريد قتالهم في الدنيا ولا خصومتهم في الآخرة..

ثم ذكر أن العباس قد قال لهم، ذلك عن الحسين.. فلما لم يردوا عليه جلس العباس يبكي!! ص 313.

وأرى أن الإعراض عن التعليق على ما جاء في الخبر أولى.

ب- مقتل القاسم بن الحسن (ع):

بالرغم من أن المنتخب قد ألف من أجل شرح ما جرى على الحسين وأصحابه في كربلاء إلا أن الناظر فيه يرى بعض الروايات المخالفة لما هو مذكور في كتب التاريخ(19)، ولم يعلم من أين أخذها المنتخب مثلما ذكر في قضية مقتل القاسم بن الحسن (ع) فانظر إلى ما ذكره، قال:

(إنه بعدما ذهب إلى المعركة رجع وجلس مع ابنة عمه!! ثم ودّعها (وركب جواده وحماه في حومة الميدان، ثم طلب المبارزة فجاءه رجل يعد بألف فارس وكان له أربعة أولاد مقتولين، فضرب القاسم فرسه بسوط وعاد يقتل بالفرسان، إلى أن ضعفت قوته فهم بالرجوع إلى الخيمة وإذا بالأزرق الشامي قد قطع عليه الطريق وعارضه فضربه القاسم على أم رأسه فقتله وسار القاسم إلى الحسين وقال يا عمّاه العطش العطش أدركني بشربة من الماء فصبره الحسين وأعطاه خاتمه وقال: حطه في فمك ومصه، قال القاسم فلما وضعته في فمي كأنه عين ماء فارتويت وانقلبت إلى الميدان، وجعل همته على حامل اللوى وأراد قتله، فاحتاطوا به بالنبل فوقع القاسم على الأرض فضربه شيبة بن سعد الشامي بالرمح على ظهره فأخرجه من صدره فوقع القاسم يخور في دمه.. الخ) صفحة374.

وأنت ترى أن القصة تخالف ما عليه كتب التاريخ من أن القاسم برز إلى القوم راجلا، ولم يكن هناك فرس حتى يحميه في الميدان، كما أنه لم يذكر في أي مصدر تاريخي أو روائي أنه رجع طالبا الماء من الحسين، بعد خروجه للقتال وكذلك فإنه لم يكن للجيش الأموي لواء واحد، وإنما هناك ألوية متعددة بحسب الفرق، كما أن طريقة مقتله لم تكن بحسب التاريخ والروايات بالصورة المذكورة هنا، وأخيراً فإن الذي قتل القاسم هو عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي كما ورد في الزيارة المنسوبة(20) لصاحب الزمان عجل الله فرجه وليس هناك ذكر لشيبة بن سعد الشامي!!. ولننقل منها نصا يتبين فيه الفرق بين ما هو مذكور في المنتخب وما هو في الزيارة:

(السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب هامته، المسلوب لامته حين نادى الحسين عمه، فجلّى عليه عمّه كالصقر، وهو يفحص برجله التراب، والحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك، ثم قال: عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك، هذا والله يوم كثر واتره، وقل ناصره. جعلني الله معكما يوم جمعكما، وبوأني مبوأكما، ولعن الله قاتلك عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً، وأعد له عذابا أليما).

جـ- مقتل أبي الفضل العباس  (ع):

يذكر كتاب السيرة وتؤكده الزيارة المنسوبة للإمام الحجة عجل الله فرجه على أن الذي قطع يمين العباس  (ع) ويساره: زيد بن رقاد، وحكيم بن الطفيل(21).

غير أننا نجد في المنتخب اسما جديدا هو (نوفل الأزرق).. ولا نعلم من هو ولم يذكر في مصدر تاريخي معتمد، وما هو سر التركيز على (الزرقة) في مقتل القاسم والعباس، وغيرهما. هل هو تأثر بما ورد من أنه يعرف الكافرون بزرقة العيون.

د- مقتل الحسين  (ع):

نقل فيه في المنتخب الرواية التي ناقشناها في القسم الثاني، ويمكن الرجوع إلى السؤال: الخاص بكيفية قتل الحسين  (ع) ومن الذي احتزّ رأسه، لتبين الأمر.

هـ- نقل في صفحة كلاماً كثيراً عن أنه كان قد رأى مزارع من بني أسد أسداً (!) يتخطى الجثث، فوقف ينظر هل يأكل منها أو لا يأكل، فلما لم يأكل سأل بعض من كان يبكي هناك (من الجن كما في القصة) عن هذا الأسد فقال هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب!!

وقد شنّ المحدث النوري رحمه الله غارة شعواء على من يشبه الإمام المعصوم  (ع)، أمير المؤمنين وهو أفضل الخلق بعد النبي (ص) بحيوان من الحيوانات.

شخصية يزيد في المنتخب:

من المسلمات بين المسلمين أن يزيد كان مستهتراً بالقيم الدينية، وإن كان شذّ من هؤلاء من (أشرب في قلوبهم حب العِجل) بل حكم الأكثر من علمائهم بكفره على أثر تصريحاته الكثيرة لا سيما في شعره(22).

ويكفيه من مخازيه أنه حكم ثلاث سنوات، فقتل في الأولى منها سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة مع عدة نفر ما لهم على وجه الأرض شبيه، وسبى نساء الرسول سبي الكافرات! وفي الثانية أباح المدينة النبوية، وفي الثالثة هدم بناء الكعبة، وبتر الله عمره بعدها، ولو مُد له فيه لمُد في آثامه.

وهو الذي قال لزينب: إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. وهو الذي وصفته سكينة بنت الحسين: ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافراً شراً منه ولا أجفى منه!(23).

لكن هذه الشخصية الكافرة الشريرة تتحول بقدرة قادر! في المنتخب إلى شخصية أخرى رقيقة القلب، تنتابه الهموم لأجل قتل الحسين!! ويبكي بل يلطم على وجهه لذلك!! وأنه لما رأى أن ابن زياد قد قتل الحسين وسبى نساءه عض على أنامله حتى كاد يقطعها (نعم هكذا) وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون!!

والحق أن هذه ممارسات لا تتصل بيزيد، إلا بمقدار ما تتصل السماء السابعة بتخوم الأرض.

فانظر ما قاله في المجلس الأخير (العاشر من الجزء الثاني).. (قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة، وإذا بنور قد انتشر على رأس الحسين فجعلت أطلب يزيد وهو قد دخل إلى بيت مظلم وقد دار وجهه إلى الحائط وهو يقول: ما لي وللحسين وقد وقعت عليه الهمومات (هكذا)، فقصصت عليه المنام وهو منكس الرأس..) صفحة 497.

وكذا الحال في صفحة 495 (.. فلما سمع يزيد ذلك لطم على وجهه وبكى وقال: ما لي ولقتل الحسين..).

وفي موضع آخر (صفحة 481): (ثم إنه أخذ كتاباً بعثه إليه ابن زياد وقرأه فلما انتهى إلى آخره عضّ على أنامله حتى كاد يقطعها، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون... ودفعه إلى من كان حاضراً فلما قرؤوه قال بعضهم لبعض: هذا ما كسبت أيديكم.. فما كان إلا ساعة وإذا بالرايات قد أقبلت..).

ولا نريد أن نتتبع كل ما ورد من كلمات، وإنما أوردنا ما سبق على نحو الاستشهاد والتمثيل، وكفى به شاهداً على أن الشخصية المقروءة في المنتخب لا تنتمي إلى يزيد أبداً.

لمن المنتخب؟

بعد هذه الجولة السريعة(24) في الكتاب، يحق التساؤل.. لمن هو كتاب المنتخب؟ وهل أنه بالفعل للعالم الكبير فخر الدين الطريحي؟ وهل أنه بكامله له؟

إن الشخصية التي ترسمها لنا كتب التراجم عن شخصية الشيخ فخر الدين الطريحي، تعطي لنا شعوراً بأننا أمام واحد من فحول العلماء الموسوعيين، (فلو قرأت كتابه (غريب القرآن) وجدته مفسّراً محيطاً بعلوم القرآن الكريم، وإذا أمعنت النظر في كتابه (غريب الحديث) رأيته محدثاً متفنناً في الأحاديث المروية عن النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، وإذا دققت الفكر في كتابه (الضياء اللامع) و (شفاء السائل) و (الفخرية الكبرى) وغيرها رأيته فقيهاً متضلعاً في أبواب الفقه، وإذا طالعت كتابه (إيضاح الأحباب) وجدت تبحره في العلوم الرياضية، وهكذا إذا قرأت كتابيه (تمييز المعطوفات من الرجال) و(جامع المقال) وجدته رجالياً خبيراً بالتراجم وأحوال السابقين من الرواة والمحدثين، أما إذا قرأت كتابه (مجمع البحرين) فإنك ترى العجب من اطلاع المترجم له وتضلعه في الفنون الإسلامية والعلوم المتداولة في عصره)(25).

وهذه الشخصية لا يمكن أن تنسجم مع الصورة الباهتة التي نراها في المنتخب عن كاتب ليس له أدنى إلمام بالتاريخ سواء في عصر النبوة، أو بحادثة كربلاء التي وضع المنتخب لتأريخها وذكر وقائعها، ولا إطلاع له على الروايات الواردة عن أهل البيت في تفاصيلها وإحصائياتها.

- فقد ينكر كون الكتاب لهذا العالم الجليل حيث إنه لا ينسجم علمه وفضله الكبير مع ما جاء في هذا الكتاب. وذلك أنه يمكن معرفة نسبة الكتاب للكاتب من خلال انسجامه مع مجمل أفكاره وتناغمه مع مستواه. ومن هنا فقد شكك العديد من الأعلام في الكتاب المتداول المنسوب للشيخ ابن الغضائري(26).

ولكن يُرد هذا باشتهار نسبة الكتاب للمؤلف، حتى بات التشكيك في ذلك من إنكار الواضحات، ولو فتح هذا الباب لكان مشكلا في كل كتاب. بل بات هذا الكتاب وطريقته محلا للتمثيل، فيقال ألف فلان كتاب مثل المنتخب للطريحي كما يلاحظ المتتبع لكتاب الذريعة حيث ذكر كتبا كثيرة في المقتل وصفها بأن تصنيفها على غرار منتخب الطريحي(27).

- هناك احتمال آخر أن يكون أصل الكتاب لهذا العالم الجليل، ولكن تمت فيه زيادة ونقيصة وتغيير أدى إلى خروجه بهذا النحو. وقد ذكر لي بعض العلماء الأفاضل أنه رأى في بعض إجازات السيد حسن الصدر ما يفيد أنه قد حصل فيه ذلك.. ولم يتسن لي النظر إلى تلك الإجازة حتى كتابة هذه السطور.

وفي الذريعة هناك إشارة إلى وجود نسخ فيها اختلاف وزيادة ونقيصة، ولا نعلم هل أن هذه النسخة المطبوعة -بالفعل- هي تلك الصحيحة أو المزادة! فقد قال في الذريعة: (.. وعند الميرزا علي أكبر العراقي نسخة منتخب من المنتخب لبعض المتأخرين وهو موافق مع المنتخب في الخطبة ومخالف معه كثيرا بالزيادة والنقصان ومن نقصه عدم ذكر حديث الكساء فيه..).

- وهناك احتمال ثالث وهو أن يكون هذا الكتاب قد كتبه المؤلف في بدايات حياته العلمية، ومن المعلوم أن المرء يتدرج في حياته الفكرية والعلمية حتى يصل إلى الدرجات العالية، ويكون لو كتب كتاباً في بداية تلك الحياة، فإنه يكون فيه من الضعف والخلل ما يتناسب مع مرحلته الزمنية تلك، ومستوى نضجه الفكري، لكنه يبقى باسمه ويعرف به إلى آخر حياته، فيحصل التعجب عند قراءته لوجود الفارق الكبير بين ما هو معروف عن مؤلفه من العلم والتدقيق وما هو في الكتاب من الضعف(28). إلا أن يصرح في تأليف ذلك الكتاب بسنة تأليفه ويعلم منه أنه في بداية عمره.

ولهذا فقد ذكر صاحب الجواهر(ره) (29) في سياق رده على استدلال الشهيد الثاني R في رسالة له في وجوب صلاة الجمعة، بعدما رأى أن الدليل لا يتناسب مع عظمة ومكانة الشهيد الثاني(30)، قال: (.. هو من غرائب الكلام يقبح بالإنسان التصدي لبيان بطلانه، بل هذا منه مما يؤيد ما ذكرنا من وقوع هذه الرسالة منه في صغر سنه)(31).

ونحن لا نعلم تاريخ تأليف كتاب المنتخب، ولكن مع استبعاد الاحتمال الأول بشكل كامل، يبقى الأمر دائرا بين الاحتمالين الأخيرين.

 


(1) الأعلام، خير الدين الزركلي، ج5، ص 138.

(2) واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي 276.

(3) الأمالي، ص177: حدثنا أحمد بن هارون الفامي، قال: (حدثنا محمد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده  (ع) ، والسند ليس فيه من يتوقف فيه غير محمد بن سنان فإنه ضعيف على المشهور عند الرجاليين وقد قرّب بعض المعاصرين وثاقته وقبول روايته.. وأما الفامي فإنه يمكن استظهار حسن حاله بترضّي الصدوق عليه كلما ذكره، كما عليه جملة من الأعلام).

(4) الأمالي: حدثنا أبو علي أحمد بن زياد الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن أسباط، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن أبي صفية، قال..

والسند ليس فيه من يتوقف فيه غير علي بن سالم، ومنشأ التوقف أنه هل هو: (ابن أبي حمزة ـ سالم ـ البطائني) الذي فيه كلام في قبول روايته بعد الاتفاق على كونه واقفياً ومن زعمائهم. أو أنه علي بن سالم الكوفي الذي هو عم علي بن أسباط وبينما جزم بالاتحاد بعض كما نقل عن الوحيد عن جده، شكك غيره كالخوئي في معجم الرجال في الاتحاد! وقال: إنه لم يعهد النقل عن علي بن أبي حمزة بعنوان بن سالم، كما أن الشيخ قد ذكره قبله بقليل. واحتل بعضهم ولعله الصحيح أن يكون أخا يعقوب بن سالم (الثقة) وأسباط بن سالم فيكون علي بن أسباط قد نقل الخبر عنه عمه علي بن سالم، وهذا قد نقل الخبر عن أبيه سالم.. وكثيرا ما ينقل ابن أسباط عن عميه علي ويعقوب. وعلي بن سالم هو ممن روى عنه المشايخ الثقات..

(5) المنتخب 463.

(6) ذكر ثقة الإسلام الكليني في الكافي في باب مولد الإمام علي بن الحسين  (ع) أنه ولد سنة 38هـ، وقبض سنة 95هـ. وهو مفاد رواية أوردها في الباب، فراجع. كما ذكر في البحار أنه ولد في تلك السنة. وأورد أسماء عدد من الكتب ممن ذكر مؤلفوها ذلك. وإن كان ابن عساكر قد ذكر في تاريخ مدينة دمشق أنه قد ولد في سنة 32هـ إلا أنه لا يصغى إليه بعدما وردت الرواية عن أهل البيت (ع) بخلاف ذلك.

(7) أعلى الفخذ وأسفل البطن.

(8) الإرشاد 1/ 83. وذكر هذا المعنى ابن هشام في السيرة، واليعقوبي في تاريخه، وابن شبة النميري في تاريخ المدينة، وابن كثير في البداية والنهاية، والطبري في تاريخه.

(9) مدينة المعاجز 4/ 61 عن المنتخب 332.

(10) العجيب أن ابن عساكر في تاريخ دمشق الذي ذكر أنه ولد عمر بن سعد عام مات عمر بن الخطاب، ذكر أنه قد بعثه أبوه مع الجيش الذاهب إلى الجزيرة.

(11) قال ابن حجر في الإصابة ج 5 ص 218 (6843): عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ذكره بن فتحون في الذيل مستأنسا بما ذكره أبو عروبة من طريق سعيد بن بزيع عن بن إسحاق قال كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص: أن الله قد فتح الشام والعراق فابعث من قبلك جندا إلى الجزيرة فبعث جيشا مع عياض بن غنم وبعث معه عمر بن سعد وهو غلام حديث السن وكذا رواه يعقوب بن سفيان والطبري من طريق سلمة بن الفضل عن بن إسحاق قال وكان ذلك سنة تسع عشرة قال بن فتحون من كان في هذه السنة يبعث في الجيوش فقد كان لا محالة مولوداً في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال بن عساكر هذا يدل على انه ولد في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال بن فتحون وقد عارض هذا ما هو أقوى منه ففي الصحيحين من طريق بن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه قال مرضت بمكة فعادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله؛ إني ذو مال لا يرثني إلا ابنة.. الحديث، ففي رواية مالك والجمهور أن ذلك كان في حجة الوداع وفي رواية بن عيينة في الفتح قلت: قد جزم أمام المحدثين يحيى بن معين بأن عمر بن سعد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب ذكر ذلك بن أبي خيثمة في تاريخه عن يحيى وذكر سيف في الردة أن سعداً كانت عنده يسرى بنت قيس بن أبي الكيسم من كندة في زمان الردة فولدت له عمر بن سعد.

(12) نقول ذلك على نحو التأييد لأن الرواية مع اتفاقهم على ما ورد فيها، فقد اختلف النقل في مصاديقها، فعن كشف الغطاء وغيره أنه خاطب سعد بن أبي وقاص، وعن غيره كشرح أصول الكافي للمازندراني أنه خاطب أنس النخعي والد سنان، وعن غيرهما أنه خاطب نمير التميمي والد الحصين.

(13) في اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ج 1 ص 343:

إن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك، فطاف بالبيت فأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام. فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين  (ع) وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا، فغاظ ذلك هشاما. فقاله رجل من أهل الشام لهشام، من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني أعرفه، فقال الشامي من هذا يا أبا فراس؟ فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء طأته***والبيت تعرفه والحل والحرم

هذا التقي النقي الطاهر العلم***هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا علي رسول الله والده***أمست بنور هداه تهتدي الأمم

إذا رأته قريش قال قائلها***إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز الذي قصرت***عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته***ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياء ويغضى من مهابته***فلا يكلم إلا حين يبتسم

ينشق نور الهدى عن نور غرته***كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

(14) الطبري 4/309.

(15) أسد الغابة، ابن الأثير ج 2 ص 21: (فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له أعل بهذا القضيب فوالذي لا اله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على هاتين الشفتين يقبلهما ثم بكى فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك فوالله لولا انك شيخ قد خرفت لضربت عنقك فخرج وهو يقول أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم الحسين بن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم).

(16) سير أعلام النبلاء، الذهبي ج 3 ص 168: (قال المدائني وخليفة: توفي زيد بن أرقم سنة ست وستين. وقال الواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي: مات بالكوفة سنة ثمان وستين).

(17) تاريخ الطبري، ج7، ص 36.

(18) سير أعلام النبلاء ج 21 ص 35 وكذا في البداية والنهاية ج11. وفي بحار الأنوار 44.

(19) مقاتل الطالبيين وتاريخ الطبري والبداية والنهاية وفي البحار وغيرها..

(20) يوجد لها ذكر في القسم الأول من هذا الكتاب في فصل الملحقات.

(21) جاء في الزيارة: السلام على العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه. لعن الله قاتليه، يزيد بن الرقاد (وقاد) الحيتي، وحكيم بن الطفيل الطائي.

(22) فمن ذلك تمثله بأبيات ابن الزبعرى: مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت، ج 50، ص 204:

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا***ثم قالوا: يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم***وعدلناه ببدر فاعتدل

وزاد فيها بيتين مشتملين على صريح الكفر:

لست من خندف إن لم أنتقم***من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل

وكذلك قوله في قصيدته التي أولها:

علية هاتي أعلني وترنمي***بذلك أني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدما سما بها***إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألا هات فاسقيني على ذاك قهوة***تخيرها العنسي كرما وشاميا

إذا ما نظرنا في أمور قديمة***وجدنا حلالاً شربها متواليا

وإن مت يا أم الأحيمر فانكحي***ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الذي حدثت عن يوم بعثنا***أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

بمشمولة صفراء تروي عظامياولا بد لي من أن أزور محمداً***

ومما يعزي إليه، قوله:

معشر الندمان قوموا***واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام***واتركوا ذكر المغاني

أشغلتني نغمة العيدان***عن صوت الأذان
وتعوضت عن الحور***خموراً في الدنان

(23) أمالي الشيخ الصدوق.

(24) وقد تركنا الحديث عن النقد الأدبي، والملاحظات في هذا الجانب كثيرة، تحتاج لدراسة خاصة، والبعد بين ما هو في الكتاب وبين هذا اللغوي الأديب المتضلع كبير والمسافة شاسعة.

(25) مقدمة مجمع البحرين للسيد أحمد الحسيني.

(26) منهم المحقق آقا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة ج 4.

(27) الذريعة، آقا بزرگ الطهراني، ج 16، ص 364: (الفوادح الحسينية والقوادح البينية) المشهور بمقتل آل عصفور. للشيخ حسين بن الشيخ محمد بن احمد، الدرازى آل عصفور البحراني، ابن أخي صاحب (الحدائق) والمجاز منه في (اللؤلؤة) والمتوفى ليلة الإحدى والعشرين من شوال في 1216 وهو على نهج (منتخب الطريحي) وضعه لأن يقرأ في عشرة المحرم يوماً وليلاً، (المجالس) في التعزية، مقتل نظير (منتخب الطريحي) للشيخ يوسف بن الشيخ حسن بن علي البلادي البحراني المعاصر للشيخ الطريحي المذكور.

(28) ذكر المحدث القمي (ره) في مقدمة كتابه منتهى الآمال ما يشير إلى هذه الجهة من التسامح الموجود في كتاب المنتخب فقال: (ولكن في كتاب (المنتخب) أمورا كثيرة جرى التساهل والتسامح بها وهي لا تخفى على أهل البصيرة والاطلاع).

(29) الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر النجفي (توفي 1266هـ) من تلامذة السيد جواد العاملي، وفيما بعد من تلامذة الشيخ جعفر كاشف الغطاء، حطت المرجعية العليا رحالها عند عتبة داره، وهو صاحب الكتاب الذي لا يزال منذ تأليفه مرجعا ومصدرا للفقهاء (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) دورة فقهية كاملة من الطهارة إلى الديات يقع في 43 مجلدا.. وقد درس على يده وتخرج عدد كبير من أعيان الطائفة.

(30) الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجباعي العاملي (ولد سنة 911 هـ وقتل لأجل التشيع في قسطنطية عام 966هـ) له كتب كثيرة منها (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) و(روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان) و(مسالك الأفهام..) وكثير من الحواشي على كتب متعددة، وكانت له سفرات كثيرة إلى بلاد مختلفة لطلب العلم، وللتدريس.

(31) جواهر الكلام 11/ 177.