نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الثالث

أسئلة في السيرة والنهضة الحسينية - 2 -

 

سؤال: لماذا يلبس الشيعة السواد في محرم؟ خصوصاً أن هناك روايات تنهى عن لبس السواد؟

الجواب: بحث علماؤنا المسألة في موارد متعددة منها: في الصلاة حيث ذكروا أنه يكره الصلاة في السواد واستثنوا العمامة والكساء والخف. وفي أبواب الحج في موضوع الإحرام في اللباس الأسود وأنه يكره فيه.

وتعرض الأكثر منهم بالمناسبة إلى الحديث عن لبس السواد في أيام مصيبة الإمام الحسين  (ع). والمشهور على أنه لا يكره ذلك، بل مع كونه شعارا للحزن والتفجّع عليه  (ع) يكون راجحاً ومستحباً.

ونقوم هنا بإلقاء نظرة سريعة على ما ورد من الروايات في المسألة:

ما ورد من النهي عن لبس الأسود:

1- كان رسول الله (ص) يكره السواد إلا في ثلاث: الخف والعمامة والكساء (1).

2- وقال أمير المؤمنين  (ع) فيما علم أصحابه: (لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون).

3- كنت عند أبي عبدالله  (ع) بالحيرة فأتاه رسول أبي جعفر الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ثم قال أبو عبدالله  (ع): (أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار)(2).

4- وسئل الصادق  (ع) عن الصلاة في القلنسوة السوداء؟ فقال: (لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار).

ودلالة الرواية الأولى على الكراهة أوضح(3) من الحرمة، لكن الروايات التالية واضحة الدلالة في النهي الإلزامي، وخصوصاً مع تعليل بعضها بأنه لباس أهل النار وأنه لباس فرعون، مع ما ورد من النهي عن لبس ملابس أعداء الله(4). وإن كان في إحداها التخصيص بالصلاة وأنه لا ينبغي لبسه فيها.

وهناك طائفة أخرى من الروايات التي يستفاد منها خلاف ما سبق، وأن لا مانع من لبس الأسود في نفسه بغض النظر عن العناوين الطارئة عليه.

فمن ذلك:

1- ما رواه سليمان بن راشد، عن أبيه، قال: رأيت علي بن الحسين (ع) وعليه دراعة سوداء وطيلسان أزرق(5).

2- وعن أبي جعفر  (ع) قال: (قتل الحسين بن علي  (ع) وعليه جبة خز دكناء(6) فوجدوا فيها ثلاثة وستين من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح أو رمية بالسهم)(7).

3- عن داود الرقي قال: (كانت الشيعة تسأل أبا عبدالله  (ع) عن لبس السواد؟ قال: فوجدناه قاعدا عليه جبة سوداء وقلنسوة سوداء، وخف أسود مبطن بسواد، ثم فتق ناحية منه وقال: أما أن قطنه أسود وأخرج منه قطنا أسود، ثم قال: بيض قلبك والبس ما شئت)(8).

كما أن هناك طائفة أخرى هي أخص من السابقة وهي تلك التي تستثني بعض الملابس السوداء من النهي كالعمامة والكساء والخف، فقد مر أن رسول الله (ص) كان يكره السواد إلا في ثلاث: الخف والعمامة والكساء.

وفي حديث معاوية بن عمار عن الصادق  (ع) قال: (سمعته وهو يقول: دخل رسول الله(ص) الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح).

ويبقى التعارض قائماً بين الطائفة الأولى الناهية عن لبس السواد وبين الثانية - فيما عدا المستثنيات -، فكيف يمكن حل هذه المعارضة؟

سلك علماؤنا في ذلك طرقا متعددة منها حمل ما دل على الجواز على التقية حيث إن الدولة الغالبة هي دولة بني العباس وكان شعارها السواد حتى سموا بـ(المسودة) في التاريخ ولما أظهر المأمون أنه يريد تولية الإمام الرضا  (ع) لعهده فقد قام بتغيير ما كان موجودا من شعار العباسيين (السواد)(9) إلى الخضرة التي يفترض أنها شعار العلويين - على تأمل في ذلك -. ولهذه الجهة فقد رأى بعض علمائنا حمل روايات الجواز على التقية حيث أنها توافق الوضع السياسي القائم ولابد للأئمة من موافقته كما يشير إليه ما رواه الكليني عن حذيفة بن منصور قال: كنت عند أبي عبدالله  (ع)بالحيرة فأتاه رسول أبي جعفر الخليفة يدعوه فدعا بممطر(10) أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ثم قال أبو عبد الله  (ع): أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار(11). (يعني الحكام من بني العباس).

بينما ذهب البعض إلى أن الروايات الناهية عن لبس الأسود ظاهرة في الحرمة، والروايات المجوزة نص في الجواز، فترفع اليد عن ظهور الأولى في الحرمة -وتحمل على الكراهة- بصراحة الثانية في الجواز والحل. ويكون لبس الأئمة لتلك الثياب السود لأجل بيان الجواز.

وقسم آخر حمل الروايات الناهية على كونها بدافع التشبه بأعداء الله، أو الفراعنة وبني العباس، وإظهار لشعارهم، وتقوية لأمرهم، فلو لبسها بهذا الداعي، وكانت تؤدي إلى هذه النتيجة فهو حرام وإلا فلا بل حتى لا كراهة مع لبسها لا بذلك الداعي، (فالتأمل في الأخبار وفي مساقها وما اشتمل عليه من تعليل المنع فيها مرة بأنه لباس فرعون وتارة بأنه لباس أهل النار كما في أكثرها وأخرى بما يقرب منه من أنه زي بني العباس ومن منع التلبس بلباس الأعداء بقول مطلق كالأخير منها الذي هو عند التحقيق كالمتضمن لهبوط جبرئيل (ع) على النبي (ص) متلبسا بزي عجيب أخبر بأنه زي بني العباس بمنزلة المبين لعنوان الحكم الكراهي وموضوعه المعلق عليه أن كراهة لبس السواد ليست من حيث كونه لبس سواد تعبدا. وإلا لما استثنى منه من نحو الخف والعمامة والكساء بل إنما هي من حيث كونه زي أعداء الله سبحانه الذين اتخذوه من بين سائر الألوان ملابس لهم فيكون الممنوع عنه حينئذ التزي بزيهم والتشبه بهم الذي منه التلبس بما اتخذوه ملبسا لأنفسهم ومعلوم أن عنوان التشبه بهم ونحوه من التزي بزبهم لا يتأتى مع كون القصد من ذلك غيره)(12).

ولعل رواية دواد الرقي: (بيّض قلبك والبس ما شئت) شاهد على ما سبق حيث أن التشبه لما كان لا يتم إلا مع القصد، كان بياض القلب وسواده (ونية التشبه وعدمها) هو المؤثر لا مجرد اللبس.

وبالتالي يكون لبس الثياب السوداء من حيث الحكم الأولي لا مانع منه، وإنما بالحكم الثانوي يكون مكروها أو حراما، بناء على حرمة التشبه بأعداء الله. وقد يكون مستحبا وراجحا إذا انطبق عليه عنوان ثانوي كالتأسي والحزن لما أصاب أهل البيت  (ع) .

وعلى كل حال فحتى على القول بالكراهة، فقد استثني من كراهة لبس السواد، لبسه بداعي الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع)، فقد قال المحدث البحراني (ره): لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين  (ع) من هذه الأخبار لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان، ويؤيده ما رواه شيخنا المجلسي (ره) عن البرقي في كتاب المحاسن أنه روى عن عمر بن زين العابدين  (ع) أنه قال: (لما قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر أو برد وكان الإمام زين العابدين  (ع) يصنع لهن الطعام في المأتم)(13) انتهى.

ولا شك أنه لو كان مرجوحاً ومكروهاً للفت أنظارهن إليه، وخصوصاً مع وجود العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين العالمة غير المعلمة.

وبناء على هذا فلو قام الإنسان بلبس السواد بعنوان الحزن على أبي عبد الله  (ع) فإنه يشمله ما دل على الترغيب في إحياء أمرهم، وإظهار شعائرهم. ولهذا أفتى بعض علمائنا بالاستحباب في ذلك.

سؤال: ما مدى صحة الرواية القائلة بأن هنداً زوجة يزيد كانت خادمة في بيت أمير المؤمنين  (ع) وأنها قد التقت بها زينب فيما بعد في مجلس يزيد حيث صارت زوجته، فأظهرت تألمها لما أصابهم وخرجت على يزيد في مجلسه حاسرة الرأس؟

الجواب: ما رأيته من النصوص حول هند بنت عبدالله بن عامر بن كريز هو التالي:

- ما ذكره الطبري في تاريخه(14): (لما أقبل وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق وقال لهم مروان بن الحكم كيف صنعتم قالوا ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فأتينا والله على آخرهم وهذه الرؤوس والسبايا فوثب مروان فانصرف وأتاهم أخوه يحيى بن الحكم فقال ما صنعتم فأعادوا عليه الكلام فقال حجبتم عن محمد يوم القيامة لن أجامعكم على أمر أبدا ثم قام وانصرف ودخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدثوه الحديث قال فسمعت الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز وكانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت بثوبها وخرجت وقالت يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله؟ قال: نعم فأعولي عليه وحدي على ابن بنت رسول الله وصريحة قريش عجل عليه ابن زياد فقتله قتله الله قال ثم أذن للناس فدخلوا عليه والرأس بين يديه ومع يزيد قضيب وهو ينكث به في ثغره ثم قال إن هذا وأنا كما قال الحصين بن الحمام المري:

يفلقن هاما من رجال أحبة *** إلينا وهم كانوا أعق وأظلما

.. إلى آخر الخبر.

وفي هذا الخبر إشارة إلى احتجاجها على قتل الحسين  (ع) وتبرير يزيد لها بأن الذي قتله هو عبيد الله بن زياد وأنه قد تعجل عليه، وإن لم ينسَ الشماتة ونكت(15) ثناياه بقضيب. لكن في النص المذكور أنها تقنعت بثوبها وخرجت.

- والثاني ما نقله العلامة المجلسي(16) (ره) في البحار(17) فقال:

(قال صاحب المناقب: وذكر أبو مخنف وغيره أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس على باب داره، وأمر بأهل بيت الحسين  (ع) أن يدخلوا داره فلما دخلت النسوة دار يزيد، لم يبق من آل معاوية ولا أبي سفيان أحد إلا استقبلهن بالبكاء والصراخ والنياحة على الحسين  (ع) وألقين ما عليهن من الثياب والحلي وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيام، وخرجت هند بنت عبدالله بن عامر بن كريز امرأة يزيد وكانت قبل ذلك تحت الحسين  (ع) حتى شقت الستر وهي حاسرة فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام، فقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي؟ فوثب إليها يزيد فغطاها، وقال: نعم فأعولي عليه يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش عجل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله، قتله الله) .. إلى آخر الخبر.

وفي هذا النص يلاحظ زيادة:

- أن نساء الأمويين قد شاركن في الحزن والبكاء وفي إقامة المأتم.

- أن هنداً كانت زوجة الحسين  (ع) قبل ذلك فطلقها.

- وأنها شقت الستر وهي حاسرة ووثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام. وأنه غطاها.

والثاني: ما جاء في كتاب (نفس المهموم)(18) للمحدث القمي (ره) نقلا عن كامل الشيخ البهائي(19) (ت 1031هـ)، ونصه: (فلما دخلت النسوة استقبلتهن نساء آل أبي سفيان وقبلن أيدي بنات رسول الله وأرجلهن ونحن وبكين وأقمن المآتم ثلاثة أيام، وحسرت هند زوجة يزيد رأسها وشقت الثياب وهتكت الستر وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس خاص وقالت: يا يزيد أنت أمرت برأس الحسين أن يشال على الرمح عند باب الدار وكان يزيد في ذلك الوقت جالساً وعلى رأسه تاج مكلل بالدر والياقوت والجواهر النفيسة فلما رأى زوجته على تلك الحالة وثب إليها فغطاها، وقال: يا هند فأعولي وابكي على ابن بنت رسول الله).

ثم نقل المحدث القمي عن جلاء العيون للسيد عبد الله الشبر (ره): رواية أخرى فيها: إن هند بنت عبد الله بن عامر كانت تحت الحسين  (ع) فطلقها وتزوجت يزيد.. إلى آخر ما نقله من دخولها عليه في مجلس عام. فقام وغطاها..

وفي الخبر الأول: أضيف فيه صور من التعاطف من قبل نساء الأمويين مع نساء أهل البيت إلى حد أنهن (قبلن أيديهن وأرجلهن)، وفي الخبر الثاني تأكيد أن هنداً كانت زوجة الحسين  (ع) وأنه طلقها وتزوجت يزيد.

وباقي الأخبار تدور حول المحاور المذكورة بزيادة أو نقيصة، والذي يظهر لي -والله العالم-:

1- أن ما يذكره البعض من كونها خادمة في بيت أمير المؤمنين  (ع) لا دليل عليه، بل ربما كان الاعتبار يساعد على خلافه، فإن الخدمة عند نساء العرب كانت أشبه بالعار(20)، ولاسيما في العوائل المهمة اجتماعيا. ومن المعلوم أن عائلة هند كانت من العوائل الكبيرة في قريش.

ويضاف إلى ذلك أن والد هند، عبد الله بن عامر بن كريز، كان مبايناً لخط أهل البيت  (ع)  وكان محسوبا على الخط المخالف له، فلم يؤثر عنه غير مواقف المخالفة لأمير المؤمنين (ع) فقد حمل ما في بيت المال في البصرة التي ولاه عليها الخليفة عثمان، وجاء بذلك المال بعد مقتله إلى مكة حيث وافى فيها الزبير وطلحة وأم المؤمنين عائشة وهم يريدون الشام فثنى رأيهم لكي يذهبوا للبصرة وكان من ذلك حرب الجمل، ومع نهايتها انسل إلى الشام ولازم معاوية(21).

كما أنه كان على طليعة الجيش الذي بعثه معاوية لقتال الإمام الحسن  (ع) فأخذ عين التمر، ونزل الأنبار يريد المدائن(22)، ثم ولاه معاوية البصرة بعدما سيطر على الأمور، كما كان محل افتخار ومباهاة كما قال حين وفاته قبل معاوية بسنة.

وبالتالي فلا الظرف الاجتماعي يساعد على كون هند خادمة في بيت أمير المؤمنين  (ع) الذي كانت فيه فضة خادمة وبقيت إلى ما بعد شهادة أمير المؤمنين ولا الموقف العام والديني لعائلتها كان يساعد على ذلك. هذا على أنه لم ينقل ذلك في مصدر معتبر.

2- كذلك الحال في أنها كانت زوجة للحسين  (ع) فهو أيضا مما لا يقبل، فالمنقول في تاريخ الطبري أنها كانت تحت يزيد، ولم يذكر أنها كانت زوجة الحسين. والظاهر أن هناك اشتباها قد حصل.

ذلك أن نساء الحسين  (ع) معروفات بأسمائهن(23)، ولم تذكر بينهن هند بنت عبد الله.

ثم إن التاريخ يذكر أن هند (أم كلثوم) بنت عبد الله هذه كان بصحبة يزيد عندما (أغزاه) أبوه الصائفة لتبييض صورته من أجل أن يصلح لولاية العهد، وكان ذلك في حوالي سنة 50 هجرية، وقبل ذلك كانت في ظل أبيها الذي كان مخالفا لأهل البيت كما تقدم. فقد ذكر المؤرخون أنه قد أرسله على رأس جيش لغزو الروم، فأقام بدير مران (وهو دير مرتفع مشرف على واد جميل فيه مزارع الزعفران)، فقدم الجيش أمامه للغزو وأقام مع زوجته أم كلثوم عند ذلك الدير، ولما وصله الخبر أن الجيش قد أصيب ببلاء شديد، وبحمى، وجدري، تمثل قائلا:

أهون علي بما لاقت جموعهم***بالفرقدونة من حمى ومن موم

إذا اتكأت على الأنماط مرتفعاً***بدير مران عندي أم كلثوم(24)

ونحن نلفت النظر إلى قضية وقع فيها بعض المؤرخين -بقصد أو غير قصد- وهي محاولة تصوير المسألة بين الحسين  (ع) وبين يزيد على أن الصراع بينهما كان قبَليا -فقط- بين بني هاشم وبني أمية، وتجريده من المبدئية. أو أن الصراع بينهما هو صراع شخصي، على زوجات كما زعموا في قضية أرينب و غيرها.. ولعل هذا المورد من تلك الموارد أيضا. فما ذكره العلامة المجلسي نقلا عن صاحب المناقب مما لا دليل عليه.

3- نحن لا نستبعد -حتى مع عدم وجود النص التاريخي- أن تحزن هذه المرأة وأن تنوح على الحسين  (ع)، كيف وقد عظمت مصيبته حتى بكى عليه من لم يكن مسلما!! فإن قضية الحسين وطريقة مقتله كانت من التأثير بحيث لا يسمع بها إنسان سوي إلا وتأثر بها! فكيف ممن عرف منزلته ونسبه واتصاله برسول الله  (ص) ؟

هذا إضافة إلى أن النصوص التاريخية المختلفة قد وردت بهذا المعنى كما يلاحظ المتأمل. وهذا هو مقتضى الحال، فإن النساء أكثر رقة، وأعظم عاطفة.

كما لا نستبعد أيضا مشاركة نساء بني أمية في مأتم الحسين  (ع) خصوصاً مع وجود أخبار تدل على ذلك.

وأما أمر دخولها حاسرة أم متقنعة، فإن النص المنقول عن الطبري يقول بأنها تقنعت بثوبها وخرجت عليه. بينما النص المنقول عن كامل البهائي يقول بأنها قد خرجت عليه حاسرة فقام إليها وغطاها.. والذي أظن -والله العالم- أن النص المنقول في الطبري قد تم تخفيفه من قبل الراوي أو الكاتب بحيث عاد خاليا من حرارة المصيبة وعنف الاحتجاج، وتم تبريده إلى أدنى الدرجات، مما يضعف الاعتماد عليه في مثل هذا.. فانظر إلى قولها: يا أمير المؤمنين!! وإلى قولها -بحسب النص- أرأس الحسين بن فاطمة؟ ثم ينتهي الحوار.. وهنا يأمرها يزيد بالحداد عليه والإعوال. وإلا فإنها قد اكتفت بمقدار تأكيد إمرته للمؤمنين والسؤال: عما إذا كان هذا رأس الحسين أو رأس رجل آخر!!

أعتقد والله العالم أنه تم تخفيف الخبر، وتبريده إلى أدنى الدرجات وسلبت منه الصور الساخنة والمؤثرة.. ولهذا يمكن الميل إلى ما ورد في الخبر الذي نقله العلامة المجلسي (ره) من خروجها بتلك الصورة على يزيد.

سؤال: هناك بعض الكتاب من غير الشيعة يتكلمون عن أن ثورة الإمام الحسين  (ع) لم تنتج سوى المشاكل وأنه كان من الأفضل لو لم يقم الحسين بها؟ ولماذا لم يسمع نصائح الصحابة في ذلك؟

الجواب: مشكلة الفكر التقليدي غير الشيعي مع قضية الإمام الحسين  (ع) مشكلة كبيرة، يلحظ المتأمل فيها حجم المعاناة في التوفيق بين العقائد المتخالفة..

ففي هذه العملية لا يمكن المقايسة بين ابن بنت رسول الله الذي ورد في حقه من الأحاديث ما ورد(25)، وبين يزيد بن معاوية الذي لم يكن يعرف غير الشراب، والذي وصفه الإمام الحسين  (ع) نفسه - وهو العارف به -: (يزيد رجل فاسق فاجر شارب خمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق)(26) صاحب: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل..

وفي نفس الوقت يرى الفكر التقليدي السني أن الخروج على الحاكم المسلم غير جائز(27) مهما بلغ ظلمه وأذاه للناس ما لم يظهر الكفر البواح البين للناس. مع ملاحظة أنهم يرون أن الحاكم يمكن أن يكون إماما ولو بالتغلب والقهر ولو لم يكن على حق.. فكيف يمكن لهم والحال هذه أن يلائموا بين هذه الأمور؟

إنهم إما أن ينتقدوا عمل الحسين  (ع) ونهضته، والحسين نور من نور رسول الله، وعمله من عمله. و (حسين مني وأنا من حسين)، وإما أن يقبلوا عمل الحسين ويرونه صوابا وفي ذلك نقض للنظرية التي تبنوها وهي القائلة بلزوم طاعة الحاكم و (ولي الأمر).

أو أنهم يقبحون عمل يزيد في مواجهته للحسين وقتله إياه وفي ذلك إدانة للخط الأموي ولا يستطيع بعضهم ذلك.

فكان أن وقع الفكر السني التقليدي في (حيص بيص)(28) من هذه المسألة.

1- فالبعض منهم كان صريحا في موقفه تجاه أهل البيت وتجاه الحسين  (ع) بالذات فأبرزوا مكنوناته الأموية ولاء وفكرا، فقبحوا عمل الحسين ونهضته، وزعموا أنه قد قتل بسيف جده(29) وأن نهضته جرت على الأمة بلاء لم يرفع!! حيث أنه خرج على (إمام زمانه).. نعم يزيد هو إمام زمان الحسين، ولعله إمام زمان بعضهم(30) إلى يومنا هذا. فلا إمام لهم غيره.

2- والبعض الآخر: أنكر رأسا قتل الحسين  (ع) من قبل يزيد بن معاوية، وألقى باللائمة تارة على شيعة العراق، وأهل الكوفة، وأخرى على عبيد الله بن زياد، وثالثة..

وإذا كان يزيد لم يقتل الحسين، وإنما أظهر التألم والأسى عندما قتل، ولم يكن يريد ذلك. فلا حاجة إلى إدانة يزيد، وإنما الترضّي عنه والترضّي عن الحسين معاً، وعلى عادة بعض البلاد تسجل القضية ضد مجهول، أو جماعة غير محددة، وتنتهي المشكلة.

وهذا ما يلحظه الناظر في كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير، فإنه بلغ جهده في محاولة تزكية يزيد، ونفي قتله للحسين حتى أنه استعان برؤيا بعض القضاة حتى يبرئه من قتل الحسين. وقسم آخر حاول تخفيف الجريمة بالذب ما أمكن عن يزيد، وتكذيب ما نسب إليه مثلما فعل ابن تيمية الحراني عندما كذب أن يكون نساء الحسين أو أهل البيت قد تم سبيهن أو أنه قد أمر يزيد بإرسال رأس الحسين إليه فقال: في الموضع الأول: (إن نقل رأس الحسين إلى الشام لا أصل له في زمن يزيد)، و (إن القصة التي يذكرون فيها حمل الرأس إلى يزيد ونكته بالقضيب قد كذبوا فيها)(31) (ويزيد لم يسبِ للحسين حريماً بل أكرم أهل بيته)(32) وفي موضع آخر قال: (لا سبى أهلَ البيت أحدٌ ولا سُبي منهن أحد)!!!(33).

3- قسم ثالث: قبّح فعل يزيد ورآه منكرا عظيما، يدل على فسقه، وأن الحسين  (ع) كان على حق وأنه لم يكن يجوز ليزيد ولا لأنصاره قتال الحسين (فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد ولا ليزيد بل هي من فعلاته المؤكدة لفسقه والحسين فيها شهيد مثاب وهو على حق واجتهاد) كما قاله ابن خلدون في المقدمة، وإن كان قد أخطأ في نسبة الخطأ الدنيوي للحسين، وزعم ذلك كما أنه ظل (يعافس) في إيجاد مبرر للصحابة الذين كانوا مع يزيد حيث قال: (والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضاً واجتهاد) لكنه رفض أن يكون يزيد مجتهداً في قتال الحسين.

ولعل كثيراً من علماء السنة ذهبوا إلى رفض فعل يزيد، حتى أكثرهم محافظة على التوجه الأموي، نظرا لما كان عليه يزيد من الانحراف الواضح عن الجادة

والعجيب هو ذلك المزج الذي صنعه ابن خلدون(34) بين ما لا يمتزج فهو يحافظ على أن الحاكم هو المسيطر الذي تخضع له البلاد وهذا يعطيه شرعية (ولذا كان عبد الملك إماماً شرعياً دون ابن الزبير مما يعني شرعية القوة والجبروت) وبين أن الحسين قد اجتهد في خروجه على يزيد ولم يكن مخطئا من الناحية الدينية، وإن أخطأ من الناحية الدنيوية!! وبين أن عددا من الصحابة في الشام كانوا مع يزيد ولم يكونوا أيضا مخطئين في اجتهادهم، وبين أن يزيد كان فاسقاً وقتال البغاة إنما يكون مع الإمام العادل ولم يكن يزيد عادلا.. إلى آخر ما ذكره.

فمعنى صحة فعل الحسين من الناحية الدينية أن النظرية التي شيدت عند بعض هؤلاء من عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم ولزوم الصبر على ما يفعل، لا بد أن تكون باطلة.. وإلا كيف يجمع بين حرمة الخروج على الحاكم الظالم وبين صحة عمل الخارج كالحسين؟

سؤال: أين دفن رأس الحسين  (ع) بعدما أخذ من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام؟

الجواب: قد ذكر آية الله السيد محسن الأمين العاملي (ره) في كتابه (لواعج الأشجان) مجموع ما قيل(35) في موضع دفن الرأس الشريف، ونحن ننقله، ونذكر ما هو المختار، فقد ذكر من الأقوال والوجوه ما يلي:

الأول: إنه عند أبيه أمير المؤمنين  (ع) بالنجف ذهب إليه بعض علماء الشيعة استناداً إلى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة  (ع)  وفي بعضها أن الصادق  (ع) قال لولده إسماعيل: إنه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين  (ع) وهذا القول مختص بالشيعة.

أقول: إشارة السيد الأمين إلى عدد من الروايات: منها مرفوع ابن أسباط عن الصادق  (ع): (إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين قبراً كبيراً وقبراً صغيراً، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين  (ع)، وأما الصغير فرأس الحسين  (ع))، ولكن الخبر ضعيف بأكثر من جهة كما أنه يمكن توجيهه بأنه موضع الرأس الذي وضع فيه لا محل دفن الرأس، وهذا ما يشير إليه خبر المفضل بن عمر أنه (جاز الصادق  (ع) بالقائم المائل في طريق الغري فصلى عنده ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضع رأس جدي الحسين  (ع) وضعوه هنا). وربما يستشهد له بخبر يونس بن ظبيان (أن الصادق  (ع) ركب وركبت معه حتى نزل عند الذكوات الحمر، وتوضأ ثم دنى إلى أكمة فصلى عندها وبكى، ثم مال إلى أكمة دونها ففعل مثل ذلك، ثم قال: الموضع الذي صليت عنده أولا موضع قبر أمير المؤمنين  (ع) والآخر موضع رأس الحسين  (ع) وأن ابن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي (ع) إلى الشام رد إلى الكوفة، فقال: أخرجوه منها لا يفتتن به أهلها، فصيره الله تعالى عند أمير المؤمنين  (ع) (فدفن)، فالرأس مع الجسد، والجسد مع الرأس). والإشكال عليه أنه مع ضعف سنده بيونس(36)، هو مضطرب المتن ظاهراً، فكيف يكون في موضع قبر أمير المؤمنين ويكون أيضاً الرأس مع الجسد والجسد مع الرأس، مع أنه من المسلم به أن جسد الحسين  (ع) في كربلاء؟ واحتمال أن يقصد كون الرأس مع جسد أمير المؤمنين بعيد جداً، مع مخالفته لما سبق!

نعم حمله في الجواهر(37) على أنه دفن هناك ثم نقل بعدها إلى كربلاء، والحديث لا يفي بهذا المعنى!

كما يمكن الاستشهاد له بخبر النهدي(38) قال: (دخلت على أبي عبد الله  (ع) فذكر حديثاً حدثناه، قال: مضينا معه يعني أبا عبدالله  (ع) حتى انتهينا إلى الغري، قال: فأتى موضعا فصلى ثم قال لإسماعيل: قم فصل عند رأس أبيك الحسين  (ع)، قلت: أليس قد ذهب برأسه إلى الشام؟ قال: بلى ولكن فلان مولانا سرقه فجاء به فدفنه هاهنا.

والخبر ضعيف سنداً، وإن كان صريح الدلالة، لكن في التعليل أن (فلاناً سرقه فجاء به فدفنه هنا) في النفس منه شيء!

وعلى كل حال فإن باقي الأخبار تكون مبينة للمقصود منه كما في خبر مبارك الخباز قال: (قال لي أبو عبدالله  (ع): أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة، قال: فركب وركبت حتى دخل الجرف، ثم نزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا آخر فنزل فصلى ركعتين ثم ركب ورجع، فقلت له: جعلت فداك ما الأولتين والثانيتين والثالثتين (هكذا)؟ قال: الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين  (ع)، والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين  (ع)، والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم  (ع) فإنه ظاهر في أنه موضع الرأس، لا محل دفنه، وخصوصا مع قرينة موضع منبر القائم. ومثله خبر أبان عن الموضعين والصلاة فيهما).

وقد ذكر السيد الأمين قولاً آخر يرجع إلى هذا القول، وهو ما ذكره في كتابه بعنوان: (الثالث: أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين  (ع) رواه في الكافي بسنده عن الصادق  (ع)) والكلام فيه هو الكلام في الأول حيث مرجعه إليه.

الثاني: إنه دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة  (ع) وأن يزيد أرسله إلى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء  (ع) وأن مروان بن الحكم كان يومئذ بالمدينة فأخذه وتركه بين يديه وقال:

يا حبذا بردك في اليدين***ولونك الأحمر في الخدين

والله لكأني انظر إلى أيام عثمان. حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات

أقول: لا يظهر لهذا القول أثر في روايات أهل البيت  (ع)  بحسب التتبع المحدود. هذا إضافة إلى أن موضع قبر الزهراء  (ع) كان ولا زال مجهولاً، فلا يعلم على نحو الدقة أين قبرها الشريف؟ يضاف إلى ذلك مما يوهن الأمر أنه قد ذكر كون مروان بن الحكم بالمدينة وهو خلاف ما ذكره المؤرخون من كونه حينئذ في الشام وأنه دخل على يزيد، وسأل الجنود الذين أتوا بالرؤوس عن كيفية القتال(39).. فكيف يكون في الشام ويكون في المدينة والظاهر من سياق الكلام المذكور أنه (كان.. ) بالمدينة لا أنه قدم إليها بعد تلك الحادثة مثلاً.

الثالث: أنه بدمشق قال سبط بن الجوزي حكى ابن أبي الدنيا قال وجد رأس الحسين  (ع) في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس وكذا ذكر البلاذري في تاريخه قال هو بدمشق في دار الأمارة وكذا ذكر الواقدي أيضاً انتهى. ويُروى أن سليمان بن عبد الملك قال وجدت رأس الحسين  (ع) في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة أثواب من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته. وفي رواية: أنه مكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك فطلب فجيء به وهو عظم ابيض فجعله في سفط وطيبه وجعل عليه ثوباً ودفنه في مقابر المسلمين بعدما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز سأل عن موضعه فنبشه وأخذه والله أعلم ما صنع به. وقال بعضهم: الظاهر من دينه أنه بعث به إلى كربلا فدفنه مع الجسد الشريف. وروى ابن نما عن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال لغلامه سليم: احتفظ بهذه الجونة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذ فيها رأس الحسين  (ع) وهو مخضوب بالسواد فلفّه في ثوب ودفنه عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق انتهى.

أقول: وكأنه هو الموضع المعروف الآن بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسين  (ع) بجانب المسجد الأموي بدمشق وهو مشهد مشيد معظم.. انتهى كلام السيد الأمين.

وغاية ما يثبته هذا النقل -لو تم- هو أنه بقي في دمشق مدة من الزمان ثم أعيد إلى قبره أيام عمر بن عبد العزيز، أو غيره. على أنه لا يتم. نعم المعروف أنه وضع في الجامع الأموي في الشام أيام وصلت نساء الحسين هناك، وأنه صار على أثر ذلك مكان يقصد، وشيد فيه مشهد باعتبار أنه محل وضع الرأس. وأيضا يرد عليه ما على سابقه من أنه لا شاهد عليه من روايات أهل البيت  (ع)  الذين هم أعرف بموضع دفن الرأس، بل الشاهد على خلافه كما سيأتي.

ثم إنه (ره) قد نقل قولا آخر عن ابن الجوزي، وهو أن الرأس الشريف قد دفن مدينة الرقة على الفرات، وهذا القول من البعد إلى درجة أنه لم يكن ينبغي ذكره، ويتلوه في الضعف القول بأنه كان في عسقلان وأنه قد نقل فيما بعد إلى مصر.

الرابع: أنه مدفون مع جسده الشريف، وفي البحار أنه المشهور بين علمائنا الإمامية رده علي بن الحسين (ع) انتهى. وفي اللهوف أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف وكان عمل الطائفة على هذا المعني المشار إليه انتهى. واعتمده هو أيضاً في كتاب الإقبال (وقال ابن نما: الذي عليه المعول من الأقوال انه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه) انتهى. وعن المرتضى في بعض مسائله أنه رد إلى بدنه بكربلاء من الشام وقال الطوسي: ومنه زيارة الأربعين وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص): اختلفوا في الرأس على أقوال أشهرها أنه -يعني يزيد- رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلا فدفن معه قاله هشام وغيره انتهى. فهذا القول مشترك بين الشيعة وأهل السنة. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

أقول: هذا القول هو المتعين الذي لا مناص من القبول به ويمكن الاستدلال لذلك:

1- من الناحية التاريخية: فإن من المعروف أن يزيد بعدما تحقق له ما أراد من قتل الحسين  (ع) وسبي نسائه إلى الشام، وانقلاب الأمر عليه، أراد أن ينهي القضية بحيث لا تتصاعد، فسمح للنساء بإقامة مأتم الحزن، ثم استدعى الإمام زين العابدين  (ع) بعد أيام، وخيره بين البقاء معهم أو إن أرادوا الذهاب إلى المدينة بعث معهم من يوصلهم، وأظهر له أنه يريد قضاء حوائجه، فطلب الإمام أموراً كان منها رأس أبيه  (ع). ومن الطبيعي ويزيد في هذه الحال يريد إنهاء القضية أن يستجيب لطلب الإمام رأس أبيه.

2- روايات أهل البيت  (ع) : ففي رواية نقلها الشيخ الصدوق (ره) في الأمالي، تصريح برد رأس الحسين إلى كربلاء. فقد روى بطريق معتبر إلى لوط بن يحيى الأزدي عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت علي  (ع) قالت: ثم إن يزيد -لعنه الله- أمر بنساء الحسين  (ع)، فحبسن مع علي بن الحسين (ع) في محبس لا يكنهم من حرّ ولا قرّ، حتى تقشرت وجوههم، ولم يرفع من بيت المقدس حجر على وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء، كأنها الملاحف المعصفرة إلى أن خرج علي بن الحسين (ع) بالنسوة ورد رأس الحسين  (ع) إلى كربلاء.

والروايات التي تتحدث عن تربة قبر الحسين، مشعرة بذلك ففي بعضها، عن أبي عبدالله  (ع) قال: (عند رأس الحسين  (ع) لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام)(40) (أي الموت).

كما تشير إليه الروايات القائلة باستحباب الصلاة عند رأس الحسين  (ع) كما في ورواية ابن ناجية: (صل عند رأس قبر الحسين  (ع)). و رواية الثمالي: (ثم تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين  (ع) وصل عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى -إلى أن قال-: وإن شئت صليت خلف القبر وعند رأسه أفضل). وفي رواية صفوان: (ثم قم فصل ركعتين عند الرأس).

وروايات الاستخارة عند رأس الحسين  (ع) كما في الوسائل، إلا أن تحمل على موضع الرأس وإن لم يكن موجوداً.

كما أن خبر يونس بن ظبيان، لو أغضينا عن السند، فيه ما يدل على أنه (رد من الشام إلى الكوفة) وفيه أيضا أن (الرأس مع الجسد والجسد مع الرأس)، وأظن والله العالم أن هناك سقطاً بين هاتين الجملتين، وهذا هو الذي يجعلهما متهافتتين، وإلاّ لو تصورنا وجود جملة ساقطة فيها معنى أنه ذهب به إلى كربلاء بعدها فإن جملة (فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس) التي هي بمثابة (أم الحديث، والنقطة الجوهرية فيه) تكون مستقيمة وواضحة. مع ملاحظة أنه لا يوجد في أصل الحديث في كامل الزيارة كلمة (فدفن).

3- أقوال علمائنا: اتفقت كلمة علماء أهل البيت  (ع)  على أن رأس الحسين قد ألحق بالجسد أخيراً.

فقد قال الشريف المرتضى علم الهدى (ره)(41) في رسائله: أن جميع الرواة والمصنفين قد رووا أن رأس الحسين  (ع) قد حمل إلى الشام، كما أنهم رووا أنه أعيد بعد حمله إلى هناك ودفن مع الجسد بالطف(42).

ونقل عن ابن شهرآشوب في المناقب أنه المشهور بين الشيعة.

فقد قال ابن نما(43) والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه.

وقال السيد (أي بن طاووس)(44): (فأما رأس الحسين فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف  (ع) وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه، ورويت آثار مختلفة كثيرة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب.

وقال العلامة المجلسي بعد أن تعرض إلى بعض الأقوال: (أقول: هذه أقوال المخالفين في ذلك، والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده، رده علي بن الحسين (ع)).

هذا مع ملاحظة أنه جعل هذا القول هو المشهور بين العلماء.

ورأى المحدث الحر العاملي (ره)(45) أنه لا منافاة بين القول باستحباب زيارة موضع الرأس والصلاة ركعتين عند قبر أمير المؤمنين وبين القول بأن الرأس قد دفن في كربلاء، قال: قد روى السيد رضي الدين علي بن طاوس في كتاب (الملهوف) وغيره أن رأس الحسين عليه السلام أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء، وذكر أن عمل العصابة على ذلك، ولا منافاة بينهما(46).

ونفس الأمر صار إليه في الجواهر، الجواهري (ره) في جمعه بين الروايات المشيرة إلى أن بالنجف موضع الرأس وأنه في كربلاء، قال كما تقدم ذكره بأنه يحتمل بقاؤه فترة هناك ثم دفنه في كربلاء..

وهذا وإن كان يختلف في التفصيل مع القول المختار من حيث أن مفاد ما هو مختار هو رجوع السجاد برأس أبيه ودفنه معه، بينما هذا التوجيه لصاحب الجواهر يقول بأنه قد دفن هنا مدة من الزمان، إلا أنه من حيث النتيجة وحاصلها أنه مدفون مع الجسد متوافق معه.

سؤال: ماذا كان مرض زين العابدين  (ع) يوم عاشوراء؟ ولماذا عرف بالعليل؟

الجواب: في البداية لا بد أن نلفت النظر إلى نقطة أساسية ترتبط بمرض الإمام السجاد  (ع) ولعل جانباً منها قد تقدم في سابق الأجوبة، وهي أن مرضه كان في فترة مؤقتة هي يوم عاشوراء وما أعقبه من الأيام التي لا نعلم مقدارها، نظراً لاستمرار حالة المعاناة على أثر السفر والسهر، والإيذاء الذي تعرض له خلال رحلة سبي النساء من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام ثم العودة وإن كانت العودة أهون.

ولا تمتد قطعاً إلى السنوات المتأخرة، خلافاً للشائع في بعض الأذهان التي ما أن يذكر الإمام (ع) حتى تتبادر صورة المريض الذي لا يستطيع فعل شيء.

كما نعتقد أن مرض الإمام  (ع) في تلك الفترة كان ضمن الحكمة الإلهية لجهة أن يستمر النسل الحسيني، والامتداد العلوي، والإمامة المحمدية بحيث يكون في الأمة من هو قادر على حمل مواريث النبوة والإمامة، ويكون فاعلاً في تغيير مسيرتها، والحفاظ فيها على شريعة الرسول  (ص) .

وإلاّ لو كان صحيح البدن إلى مقتل الحسين  (ع) لما وسعه التأخر عن نصرته والمبادرة إلى فدائه بنفسه، لما ثبت من لزوم دفع الموت عن النبي والإمام، فإنه (لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلاّ أكبه الله على منخريه في نار جهنم)(47). إضافة إلى أنه مقتضى بر الولد بأبيه حتى في حالة عدم العصمة والإمامة.

أما ما هي كيفية مرض الإمام السجاد  (ع)، فما وجدته من النصوص هو التالي:

- أقدم نص رأيته هو ما ذكر في كتاب للزبير الأسدي(48) (تسمية من قتل مع الحسين  (ع)) فقد قال:.. (وكان علي بن الحسين  (ع) عليلا، وارتث(49) يومئذ، وقد حضر بعض القتال فدفع الله عنه، واخذ مع النساء هو، ومحمد بن عمرو بن الحسن، والحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب  (ع).

- ما ذكره الشيخ الطبرسي(50) في كتابه (إعلام الورى بأعلام الهدى)(51) في حديثه عن رحيل الركب الحسيني إلى الكوفة فقال:.. (ثم نادى في الناس بالرحيل، وتوجه نحو الكوفة ومعه بنات الحسين  (ع) وأخواته ومن كان معه من النساء والصبيان، وعلي بن الحسين عليه السلام فيهم وهو مريض بالذرب(52) وقد أشفى).

- نقل العلامة المجلسي في البحار(53) عن كتاب نوادر ابن أسباط عن بعض أصحابه رواه قال: (إن أبا جعفر (الباقر)  (ع) قال: كان أبي مبطوناً(54) يوم قتل أبوه صلوات الله عليهما وكان في الخيمة وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه، يتبعونه بالماء).

والنص الأول الذي ذكر في كتاب الفضيل بن الزبير يفيد بظاهره أمرين:

- أن الإمام السجاد قد شارك في بعض القتال.

- وأنه كان قد اُرتث أي جُرح.

وقد أصر السيد الجلالي في كتابه (جهاد الإمام السجاد  (ع)) على هذا واستفاد من النص المذكور ما ينفعه في الاستدلال على جهاد الإمام وشجاعته وأنه قد شارك في المعركة أو مقدماتها، وقد أصيب بجراح على أثر ذلك.

بينما النصان التاليان لذلك لا يتعرضان لأمر القتال ولا الجراح، وإنما يثبتان كونه عليلاً إلى درجة أنه قد أشفى على الموت، وأنه كان بحسب النص مريضاً بالذرب (وهو الذي لا يبرأ من الأمراض كما عن بعض أهل اللغة وكما في الحاشية مرض يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ولا تمسكه) وهو ما يسبب الإعياء وعدم القدرة على ممارسة النشاطات الاعتيادية للمصاب به. وهو شبيه لما يسمى اليوم بالإسهال الشديد، الذي قد ينتهي في بعض الحالات إلى التجفاف والوفاة سواء في الصغار أو الكبار.

وأمر مشاركة الإمام السجاد في القتال، لا شاهد عليه في روايات أهل البيت أو نقل أهل التاريخ، إلا أن يكون بمعنى محاولة النهوض والخروج للقتال على أثر استغاثة والده الحسين واستنصاره.

بل ربما كان ما جرى على الإمام السجاد  (ع)، مما ذكره المؤرخون حين الهجوم على المخيم بعد شهادة الإمام الحسين، وأنه كان منبسطا(55) على فراش له وهو مريض يشير إلى أنه حتى في تلك الحال لم يكن قادرا على النهوض والدفاع عن نفسه، مما يبعّد أمر مشاركته في القتال. والله العالم.

ولم يكد الإمام السجاد  (ع) يقوم من علته تلك حتى تعرض لآلام السفر العنيف(56) والإيذاء البدني والنفسي مما أثر كثيرا على صحته، فقد نقل من رآه في الكوفة أنه كان عليلا(57)، وكان يتكلم بصوت ضئيل.

سؤال: ما هو الحد الذي نستطيع المسير فيه مع ما يذكر من قضايا غيبية في كربلاء وما بعدها، مثل تكلم رأس الحسين وهو على الرمح! أو أن السماء قد أمطرت دما حزنا على الإمام الحسين! وغيرها؟ وما هو الموقف منها؟

الجواب: حيث أن هذا الموضوع بما يمثله من رؤية له جانب سيال، ولا يقتصر على الموضوع الغيبي في كربلاء، وإنما يشمل ما حصل في غيرها أيضا، فسوف نتعرض إليه بنحو من التفصيل ضمن النقاط التالية:

الأولى: أن الكون من حولنا يسير ضمن خريطة الطاعة الإلهية، (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) ولذا فمن الطبيعي أن يتناغم ما في الكون من أشياء مع هذا الإنسان المؤمن، في تلك الحركة العبادية المؤمنة، وإن كان الإنسان لا يفقه تسبيح وعبادة ما حوله. قد لا نعرف كيفية التسبيح، وبكاء الأرض والسماء، وترحيبهما وغير ذلك، وقد أخبر الباري سبحانه فقال: (وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، وعدم المعرفة والفقه شيء وعدم وجود التسبيح وتلك الأفعال شيء آخر.

ومعرفة هذا الجانب يفسر لنا الكثير مما ورد في أن الكائنات تستغفر لطالب العلم(58) وأن المؤمن إذا مات بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء التي كان عمله يصعد إليها(59)، وأن الأرض تستقبل الميت المؤمن استقبالا حسنا(60)، بينما تعنف بالكافر وتؤذيه.. وكذلك ما ورد في تفسير الآية المباركة (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)(61) مع ملاحظة النقطة المتقدمة لن تكون حاجة ماسة للحمل على المجاز والكناية. ومجرد عدم معرفة الإنسان بكيفية صدور تلك الأمور منها، أو عدم تعقله لها، لا ينفي وجودها، فكم من الأشياء حولنا أصبحت اليوم حقائق تلمس وكانت قبل هذا أمورا لا تصدق ولا تُتعقل!

وإن حمل كل هذه الآيات والروايات -وغيرها كثير جداً- على المجاز والكناية وإرادة غير المعنى الحقيقي، لا لشيء إلا لأننا لا نتعقل ولا نعرف كيفية تلك الأفعال، هو خلاف الإنصاف واحتكام إلى الاعتساف.

الثانية: أن هناك حدين متطرفين(62) في هذه القضايا ينبغي أن ينفصل الإنسان من تأثير كل منهما عليه، يميل الأول منهما إلى جعل قضايا الأنبياء والأوصياء سلسلة مترابطة من القضايا الغيبية اللامفهومة، ويتصور بذلك أنه يعظم قدرهم ويعلي من شأنهم!! وتجد عند هؤلاء الناس، إغراقا في الجانب الغيبي، وإذا أراد بعضهم أن يشرح لك معظما قدر الأنبياء والأوصياء اكتفى بأنه لا يعرف ولا أحد يعرف ولا يستطيع أحد أن يعرف.. الخ. وبالتالي يجعلون حياة النبي والوصي في الغيب هي الأصل، وفي الحضور هي الاستثناء والنادر!! وهذا توجه غير صحيح.

ويميل قسم في مقابلهم إلى نفي أي علاقة للأنبياء والأوصياء بعالم الغيب ويصورونهم بصورة عادية في كل شؤونهم وقضاياهم، فهم لا يختلفون عنا في شيء ويردون أي نقل أو حادثة تتحدث عن جلالة شأنهم، أو ارتباطهم بالعالم الأعلى، بحيث يتمكنون -بتمكين الله سبحانه لهم- من فعل الخوارق مع الحاجة الدينية لذلك، وتجري على أيديهم الكرامات.. فيرون كل ذلك غير صحيح.. وهذا كسابقه في عدم الصحة.

والذي يجمع بين الأمرين هو ما ذكرته الآيات البينات في تشخيص أمر الرسول (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) وهذان الجانبان: البشري أفقياً مع المجتمع، والإلهي عموديا في الارتباط بالخالق، وما تحدث عنه القرآن (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)(63) وبهذا يمكن تفسير صدور المعجزات من الأنبياء والكرامات من الأولياء، فإنه من الثابت بحيث لا ينكره غير المكابر صدور المعجزات التكوينية من الأنبياء والكرامات من الأولياء وقد تحدث عنها القرآن.

الثالثة: إن إثبات حصول الأمور الغيبية لا يختلف عن إثبات الأمور العادية، وليس له طريقة خاصة يفرضها موضوع (الغيبية). فإذا كان إثبات الوقائع العادية يكفي فيه خبر الثقة -على القول به في الموضوعات وإن لم يفد الاطمئنان- أو البينة، فإنه أيضا يأتي في الوقائع التي ترتبط بالمسألة الغيبية كنقل المعاجز والكرامات وإن مجرد تعجب الناس أو استغرابهم من حدوث مثل هذه الأمور أو إنكار بعضهم لها لا يؤدي إلى اصطناع طريقة خاصة في الإثبات. نعم لو كانت المسألة من الأمور الاعتقادية التي يطلب فيها اليقين، فإنها تحتاج إلى مثل التواتر مما يفيد اليقين ولا يكتفى فيها بخبر الثقة أو البينة.

ومع ذلك فإن أخبار المعاجز والكرامات -لا سيما بعضها- تدخل فيما هو مفيد للاطمئنان، وذلك لكثرة الناقلين لها، وكثرة الاهتمام بها لما تحتوي عليه من معان دينية وعقيدية. وعلى هذا الأساس تم تناقل أخبار الكرامات والمعاجز، بل هي لغرابتها كانت محلا للاهتمام المركز بها، فتكاد تصل في بعضها إلى التواتر أو الاستفاضة.

الرابعة: ما يرتبط بقضية الإمام الحسين  (ع) في كربلاء، فقد نقل المؤرخون وأهل السير، عددا من القضايا التي تصنف على الجهة الغيبية، وتخرج عن المألوف عند الناس مثلما ذكر في السؤال، وسنتحدث عن هاتين القضيتين كنموذج:

أ- يوم بكت السماء دما في روايات أهل البيت  (ع) :

1- نقل ابن قولويه في كامل الزيارات روايات متعددة تشير إلى هذا الموضوع، عن غير واحد من الأئمة  (ع)  منها ما عن إبراهيم النخعي(64) عن أمير المؤمنين علي  (ع)، قال: خرج أمير المؤمنين  (ع) فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله، وجاء الحسين  (ع) حتى قام بين يديه، فوضع يده على رأسه فقال: (يا بني إن الله عيّر أقواماً بالقران، فقال: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)، وأيم الله ليقتلنك بعدي ثم تبكيك السماء والأرض).

2- نقل الشيخ الصدوق S رواية في الأمالي، سوف يأتي تحقيق سندها عند الحديث عن عدد الجيش الذي واجه الحسين  (ع)، وقد ذكر فيها عن الإمام الحسن المجتبى  (ع) وهو على فراش مرضه الذي توفي فيه مسموما، أنه قال لأخيه الحسين:.. لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد  (ص) ، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رمادا ودما، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار(65).

3 - وذكر أبو الفضل بن طيفور في كتابه بلاغات النساء، ناقلا خطبة (أم كلثوم) بسنده إلى الإمام الصادق عن آبائه  (ع) ، وقد ذكرت فيها ما يشير إلى أن السماء قد مطرت دماً فقد قال في كتابه:

واخبر هارون بن مسلم بن سعدان قال اخبرنا يحيى بن حماد البصري عن يحيى بن الحجاج عن جعفر بن محمد عن آبائه قال لما ادخل بالنسوة من كربلاء إلى الكوفة كان علي بن الحسين  (ع) ضئيلاً قد نهكته العلة ورأيت نساء أهل الكوفة مشققات الجيوب على الحسين بن علي  (ع). إلى قال ناقلا الخطبة: أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم لقد جئتم بها شوهاء خرقاء شرها طلاع الأرض والسماء أفعجبتم أن قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينظرون(66).

4- ونقل ابن قولويه(67) في كامل الزيارات عن الإمام الباقر  (ع) كامل الزيارات انه قال: (ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي فإنها بكت عليه أربعين يوماً).

5- وكذلك ما نقله في كامل الزيارات(68) عن الإمام الصادق  (ع)، قال: لم تبك السماء إلا على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا (ع).

وكذلك في تفسير قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)، قال: لم تبك السماء على احد منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين  (ع)، فبكت عليه.

6- وفي رواية الريان بن شبيب(69) عن الإمام الرضا  (ع): (يا بن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده  (ع)  أنه لما قتل جدي الحسين صلوات الله عليه أمطرت السماء دما وترابا احمر)(70).

هذه الروايات عن أهل البيت  (ع)  وغيرها كثير، يستطيع المتتبع أن يرجع إلى كامل الزيارات، وغيره من الكتب الحديثية المصنفة في ما جرى بعد شهادة الحسين  (ع)، وقسم منها أسانيدها صحيحة سواء على القول بتوثيق ابن قولويه لكل من ورد اسمه في كتابه أو على القول الآخر، ولها أسانيد متعددة.. تفيد الباحث اطمئنانا قويا بحصول هذا الأمر.. وإن كان تصوره أو معرفة كيفيته فيه صعوبة لا سيما بالنسبة لمن هو مستغرق في الحسيات والمشاهدات العادية.

ب- القضية في نصوص المؤرخين ورواة السنة:

لم يقتصر نقل القضية المذكورة على محدثي الشيعة عن أئمتهم وإنما نقلها مؤرخو ومحدثو السنة في كتبهم المختلفة، بطرق متعددة واليك بعض ما وجدناه في هذا الموضوع:

- فقد نقل الحافظ محمد بن حبان السجستاني (توفي سنة 354هـ) في كتابه (الثقات)(71) الخبر المذكور في ذكره للنساء الراويات قال:

نضرة الأزدية من أهل البصرة تروي عن الحسين بن علي روى عنها البصريون حدثنا بن قتيبة بعسقلان قال حدثنا العباس بن إسماعيل مولى بنى هاشم قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثتنا أم شوق العبدية قالت حدثتني نضرة الأزدية قالت لما قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً فأصبح جرارنا وكل شيء لنا ملأى دماً.

ونقل نفس الخبر أيضاً عنها ابن عساكر (توفي سنة 571 هـ) في كتابه تاريخ مدينة دمشق.

- وفي تفسير القرطبي (ت671هـ) عن قرة بن خالد: ما بكت السماء على احد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي وحمرتها بكاؤها(72) وفي موضع آخر من التفسير عن سليمان القاضي قال: مطرنا دما يوم قتل الحسين(73).

- كما أن الحافظ الهيثمي (توفي سنة 807هـ) قد نقل في كتابه مجمع الزوائد حديث محمد بن شهاب الزهري المشير إلى نفس الموضوع فقال:

(قال: قال لي عبدالملك أي واحد أنت أن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين فقال قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال لي عبدالملك: إني وإياك في هذا الحديث لقرينان. رواه الطبراني ورجاله ثقات. وعن الزهري قال ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن على إلا عن دم. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وعن أم حكيم قالت قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياما مثل العلقة. رواه الطبراني ورجاله إلى أم حكيم رجال الصحيح).

وعن جميل بن زيد قال: (لما قتل الحسين احمرت السماء قلت أي شيء تقول؟ قال: إن الكذاب منافق.. إن السماء احمرت حين قتل. رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه)(74).

ولذا تعتري المتأملَ الحيرةُ من صفاقة ابن كثير عندما يذكر أن ذلك مما بالغ فيه الشيعة بكذب فاحش!! فقد روى هذه الآثار الطبراني ورجالها كما تقدم هم رجال الصحيح، ولكنها الحالة الأموية والطبع يغلب التطبع! و(شنشنة نعرفها من أخزم)، فالذي يستكثر على الحسين  (ع) أن يبكي عليه من سماهم (جهلة الرافضة) ويقبح فعلهم ذاك. كيف يقبل أن يتفاعل الكون مع مصيبة الحسين؟

ب- يتلو الكتاب على السنان:

القضية الأخرى التي ذكرت في السؤال:، تكلم رأس الحسين وهو على الرمح. وقد ذكرت هذه القضية في بعض الكتب والمصادر الشيعية، منها كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (ره) ففيه ورد ما يلي:

- روي عن زيد بن أرقم أنه قال: مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) فقف -والله- شعري وناديت: رأسك والله -يا بن رسول الله- أعجب وأعجب. ولما فرغ القوم من التطواف به بالكوفة، ردوه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرحه إلى يزيد بن معاوية عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السماوات والأرضين، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة، حتى وردوا بها على يزيد بدمشق(75).

- ونقل الحادثة محمد بن سليمان الكوفي (كان حيًّا سنة 300) في كتابه (مناقب أمير المؤمنين)(76)  (ع) عن شاهد عيان آخر وهو المنهال بن عمرو فقال: (حدثنا أبو أحمد قال: سمعت محمد بن مهدي يحدث عن عبد الله بن داهر الرازي عن أبيه عن الأعمش: عن المنهال بن عمرو قال: رأيت رأس الحسين بن علي على الرمح وهو يتلو هذه الآية: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) فقال رجل من عرض الناس: رأسك يا بن رسول الله أعجب؟!).

ونقله بعدهما أكثر الذين ترجموا للإمام الحسين  (ع) كالأربلي في الفصول المهمة، والمجلسي في البحار وغيرهما.

كما ذكرت الحادثة في بعض المصادر غير الشيعية مثل: تاريخ بن عساكر(77) حيث ذكرها بسنده إلى المنهال بن عمرو، بشيء من التغيير، وحاصله أن الذي كان يقرأ السورة هو شخص كان أمام الرأس فلما قرأ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) قال: فأنطق الله الرأس بلسان ذرب فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.

وقد نقل الشيخ الأحمدي الميانجي في كتابه مواقف الشيعة(78) كلاماً جيداً عن الشيخ الصدوق رحمه الله في ما يرتبط بالواقعة ننقله هنا، فقد ذكر تحت عنوان (مناظرة حول كلام رأس الحسين  (ع)):

(فلما ورد الصدوق عليه من الغد وأخذ الملك في مدحه وثنائه أظهر بعضهم بحضرته أن هذا الشيخ يرى أن رأس الحسين  (ع) كان يقرأ على القناة سورة الكهف. فقال الملك: ما عرفنا منه ذلك حتى أن نسأله، فكتب إليه رقعة يذكر فيه هذه النسبة.

فكتب في جوابه: (نعم بلغنا أن رأسه الشريف قرأ آية من تلك السورة المباركة، ولكنه لم يصل إلينا من جانب الأئمة  (ع) ، ولا ننكره أيضا لأنه إذا كان من الأمر الجائز المحقق تكلم أيدي المجرمين وشهادة أرجلهم الخبيثة يوم القيامة بما كانوا يكسبون، كيف لا يجوز أن يتكلم رأس ابن رسول الله (ص) وخليفته في أرضه وإمام الأئمة وسيد شباب أهل الجنة بتلاوة القرآن المجيد والذكر الحميد، وتظهر منه هذه الكرامة العليا بإرادة إلهه القادر على ما يريد؟ فإنكاره في الحقيقة إنكار لقدرة الله أو جحود لفضيلة رسول الله، والعجب ممن يفعل ذلك وهو يقبل أنه بكته ملائكة السماء، وأمطرت على مصيبته من الأفلاك الدماء، وناحت عليه الجن بطريق الشيوع، وأقيمت مراسم عزائه في جميع الأصقاع والربوع، بل من أبى عن قبول أمثال ذلك مع تحقيقه وسلامة طريقه كيف لا يأبى عن صحة شرايع النبيين ومعجزاتهم المنقولة بأمثال هذه الطرق عاليا إلى أهل الدين؟ فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الفاسقين).

سؤال: لماذا لا نرى أثراً واضحاً للزوجات في كربلاء؟ وما هي أدوارهن لو كانت موجودة؟

الجواب: إننا نلاحظ أن المجتمع العربي بما فيه من سمات كان لا يُظهر شؤون المرأة عموماً، والزوجة خصوصاً، ويرى أن ما يناسب الاستتار والاحتجاب هو المطلوب، وبطبيعة الحال فإن الإخبار وكثرة الأخبار عن النساء لم يكن يتناسب وتلك الحالة.

بل ربما كان هذا وإلى يومنا الحاضر في بعض المجتمعات العربية موجودا، وهو إذا كان في أيام السلم ملحوظا، فإنه في أيام الحرب والمواجهة أكثر وضوحا خصوصاً أن الحرب وما فيها من خشونة ومعاناة كانت تدعو العرب لإبعاد النساء عنها وعن قضاياها.

وجاءت تعليمات الإسلام في لزوم استتار المرأة عن الأجانب، وأن لا تكون مصدر إغراء وشهوة محرمة، لتثبت بعض المعاني المذكورة آنفاً في المجتمع العربي، بل ربما تطرف في ذلك.

غير أن هذا لم يكن يعني أنه لم يكن للنساء دور
-إيجابي أو سلبي- في القضايا التي وقعت في تاريخ المسلمين.

ففي كربلاء وقضية عاشوراء نستطيع أن نلحظ جانبا من تأثير الزوجات على أزواجهن وأبنائهن، وإن كان ما نقله المؤرخون لا يشكل إلا نسبة قليلة من الأصل، تبعا للملاحظة المذكورة في أول الجواب. ولكن هذا المنقول يعطي صورة تقريبية لذلك الدور:

ففي الجانب الايجابي:

- نجد زوجة زهير بن القين(79) التي شجعت زوجها على الاستجابة لرسول الحسين  (ع).

- و أم وهب (قمر بنت عبد) زوجة عبد الله بن عمير الكلبي، التي كانت مع زوجها، وهي التي خرجت بعده تشجعه على القتال(80).

- ويذكر الخطباء أيضا تشجيع زوجة حبيب بن مظاهر الأسدي له للخروج إلى نصرة الحسين (ع) وينقلون في ذلك حوارا يشير إلى هذا المعنى فيه من الحماسة الشيء الكثير، ولكني لم أعثر فيما لدي من المصادر على الحادثة.

- وبعد حادثة كربلاء، فقد اتخذت بعض الزوجات موقفا شديدا تجاه أزواجهن ممن شاركوا في المعركة ضد الحسين وأصحابه، ويذكر المؤرخون في ذلك زوجة كعب بن جابر التي عارضته، بعد رجوعه وقالت له: أعنت على ابن فاطمة وقتلت شيخ القراء، والله لا أكلمك من رأسي كلمة(81).

ومنهن زوجة خولى بن يزيد الأصبحي، واسمها النوار بنت مالك بن عقرب فقد نقل بسنده عنها: (قالت أقبل خولى برأس الحسين فوضعه تحت أجانة في الدار ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه، فقلت له: ما الخبر ما عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسين معك في الدار! قالت: فقلت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدا!قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار فدعا الأسدية (زوجته الثانية) فأدخلها إليه، وجلست أنظر قالت: فوالله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الأجانة ورأيت طيرا بيضا ترفرف حولها قال فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيدالله)(82).

ومن أولئك أم عبد الله بنت الحر البدي، زوجة مالك بن النسر البدي التي رفضت أن يدخل زوجها البيت ومعه سلب الحسين  (ع)(83).

وفي الجانب السلبي أيضاً وجدنا بعض تلك الآثار، فإن من المعلوم أن التي منعت مسلما أن يقتل ابن زياد في بيت هاني بن عروة هي زوجته، التي هي بنت الحجاج الزبيدي، وأخت عمرو بن الحجاج الزبيدي قائد إحدى الفرق العسكرية الأموية في كربلاء، ولم يكن على وفاق مع الخط العلوي والحسيني، ونحن وإن كنا نعتقد أن هناك أسبابا أخرى أيضا جعلت مسلما يمتنع عن اغتيال ابن زياد(84)، إلا أن هذا الموقف أيضا يبين الدور السلبي الذي يمكن للزوجة أن تمارسه حتى على خلاف رغبة زوجها، وخطه.

ونحن لا نعلم هل كان لبحرية بنت المنذر العبدي(85) زوجة عبيد الله بن زياد، دور في وشاية عمرو برسول الحسين  (ع) الذي جاء إلى البصرة؟ وهل أنها مثلا أشارت على أبيها أو أن هذا الأب هو قد تبرع بإيصال رسول الحسين خوفا على ابنته، أو لم يكن لها ارتباط.

والمنذر بن الجارود العبدي هو الذي جاء برسول الحسين، زاعما أنه خاف أن يكون دسيساً من ابن زياد فقدم الرسول وضرب عنقه.

سؤال: كيف يمكن التوفيق بين ما هو معلوم من منزلة مسلم بن عقيل الكبيرة عند الحسين وبين رسائله إلى الحسين، والتي يقول فيها مسلم أنهم الاستمرار، وجواب الحسين له الذي يشم منه الاتهام بالجبن لمسلم؟

الجواب: ذكر الطبري في تاريخه القضية هكذا:

(دعا (الحسين) مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي فأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجل إليه بذلك فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله (ص) وودع من أحب من أهله ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به فضلاَّ الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد وقال الدليلان: هذا الطريق حتى ينتهي إلى الماء وقد كادوا أن يموتوا عطشاً.

فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين وذلك بالمضيق من بطن الخبيت أما بعد فإني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلاَّ واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت وقد تطيرت من وجهي هذا فان رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري والسلام فكتب إليه حسين أما بعد فقد خشيت ألا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك له والسلام عليك.

فقال مسلم لمن قرأ الكتاب هذا ما لست أتخوفه على نفسي فأقبل كما هو حتى مر بماء لطيء فنزل بهم ثم ارتحل منه فإذا رجل يرمي الصيد فنطر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه فقال مسلم يقتل عدونا إن شاء الله ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبى عبيد)(86). انتهى.

ولنا مع هذا النقل وقفات:

1- محل الحادثة: يظهر من النقل المذكور أن الحادثة قد وقعت بعدما استأجر مسلم دليلين من المدينة، ومات هذان الدليلان في مكان ما بمضيق الخبت ثم بعث مسلم رسالته إلى الحسين، ويفترض أن يكون ذلك بعد الخروج من المدينة باتجاه العراق، لكن أرباب المعاجم ذكروا أن منطقة الخبت بين المدينة ومكة، وليست بين المدينة والعراق.. وقد أشار إلى ذلك العلامة القرشي في كتابه حياة الإمام الحسين فقال: إن مضيق الخبت الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام يقع ما بين مكة والمدينة حسب ما نص عليه الحموي في حين أن الرواية تنص على أنه استأجر الدليلين من يثرب وخرجوا إلى العراق فضلوا عن الطريق ومات الدليلان ومن الطبيعي أن هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة والعراق ولم تقع ما بين مكة والمدينة(87).

وأنه لو كان هناك مكان يدعى بهذا الاسم يقع ما بين يثرب والعراق لم يذكره الحموي فان السفر منه إلى مكة ذهاباً وإياباً يستوعب زمانا يزيد على عشرة أيام في حين أن سفر مسلم من مكة إلى العراق قد حدده المؤرخون فقالوا: انه سافر من مكة في اليوم الخامس عشر من رمضان، وقدم إلى الكوفة في اليوم الخامس من شوال فيكون مجموع سفره عشرين يوماً، وهي أسرع مدة يقطعها المسافر من مكة إلى المدينة فان المسافة بينهما تزيد على ألف وستمائة كيلومتر، وإذا استثنينا من هذه المدة سفر رسول مسلم من ذلك المكان ورجوعه إليه، فان مدة سفره من مكة إلى الكوفة تكون أقل من عشرة أيام ويستحيل عادة قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن(88).

2- قول مسلم: بحسب النقل المذكور: (وقد تطيّرت من وجهي هذا، فإن رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري).

والتطير: من الطيرة، وهي -كما قالوا- ما يتشأم به من الفال الرديء وقد كانت سائدة عند العرب في الجاهلية فأبطلها الإسلام وألغى آثارها، وقيل: إن الأصل فيه أنهم كانوا إذا أرادوا غزو قوم عمدوا في طريقهم إلى ما يرون من أوكار الطيور فيزعجونها ويطيرونها عنها يتفاءلون بذلك لتفريق العدو والأبعاد من المنزل أو أنها إن أخذت يمينا تيمنوا وذهبوا يمينا في الحاجة وإن أخذت شمالا تشاءموا ورجعوا أو كانوا يطلقون الظباء فإن تيامنت استبشروا وإن تياسرت تراجعوا ثم استعمل هذا اللفظ في مطلق الفال سواء كان بإطارة الطيور عن أعشاشها أو بغير ذلك مما كانوا يتفألون به مثل نعب الغراب وإقعاء الذئب واعتراض الصيد وغيرها ثم خص بالفال الرديء..

ونجد أن الجاهليين المكذبين للأنبياء كانوا يجعلون التطير (حجة) كافية لتكذيبهم الأنبياء فالقرآن يتحدث عن قوم صالح (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ)(89) وكما قال أصحاب القرية لأنبيائهم: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ)(90).

ولأنها تنمي الفكر الخرافي من جهة، وتضيع على المجتمع كثيراً من فرص الخير والعمل لأجل أن العصفور قد اتجه شمالا، لأنه مثلا وجده أقرب لنجاته! أو غير ذلك، فتتعطل الأمور العامة تبعاً لاختيار العصفور أو اتجاه الغراب!فقد نهى الإسلام عنها، وذكّر المعصومون أنها لا أثر له. ولك أن تتصور مجتمعا يعتمد في اختياراته وقراراته على نعيب الغراب، وما شابه.

بل إنها في بعض الحالات تصل إلى درجة من درجات الشرك، وذلك عندما يعتقد المتطير أن التوفيق قرين الطير المتيامن، وأن الشر سيحصل بسبب توجهه إلى الشمال.. وينسى أن الله سبحانه وتعالى هو المؤثر الوحيد في هذا الكون، وليس تيامن أو تياسر الطير من الأسباب التي جعلها الله في عالم التكوين لشيء.

ففي الحديث عن رسول الله  (ص) : (الطيرة شرك). وعنه أيضاً: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك). وأنه: (من خرج يريد سفرا فرجع من طير فقد كفر بما أنزل على محمد). و: (ليس منا من تطير ولا من تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له)(91).

ولعله لهذا السبب جعل (كفارة الطيرة التوكل) على الله والاعتقاد بأنه لا يصنع الخير ولا يدفع الشر إلا الله كما روي عن رسول الله (كان يأمر من رأى شيئا يكرهه ويتطير منه أن يقول: اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) ويأمره بالمضيّ على خلاف ما تُطير به. فقد جعل علاج التطير خلافه فقال كما في الحديث عن رسول الله (إذا تطيرت فامض).

هذا هو التطير: عادة جاهلية قد تجر في حالات إلى الشرك، وهي ليست في المؤمنين ولا سيما في أهل البيت: ما منا من يتطير ولا من يتطير به، وعلاجها أن يمضي الإنسان متوكلاً على الله في سبيله..

فهل يعقل بعد هذا أن يكون مسلم الذي هو (ثقة) الحسين، وفي بعض المرويات المفضل عنده من أهل بيته أن يتطير من ذلك الطريق الذي مضى فيه ويفكر في الرجوع عن تلك المهمة العظيمة التي أوكلت إليه؟

إن من يريد الرجوع عن مهمة لا بد أن يبدي سببا معقولا عند نفسه أولاً وعند من وجهه ثانياً، والتطير لم يكن معقولا لا عند مسلم ولا عند الحسين.

3- قول الحسين: بحسب المنقول (.. فقد خشيت ألا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك له..).

وهذا المقطع أعجب من سائر مقاطع الرسالة: فإذا كان الإمام يعتقد أن مسلما جبان وهو لم يصل إلى الكوفة، فكيف يكون بعد وصوله إليها وهي لا تزال في سيطرة الأمويين، وواليها لا يزال يمسك بزمام الأمور؟ وكيف سيواجه الجيش الموالي للأمويين هناك؟

إن رسول المرء ترجمان عقله، ودليل حكمته، فإذا كان الحسين  (ع) يرسل من جبن قبل المواجهة(92)، فهل يكون حكيما؟

في الواقع هذا طعن في الحسين أولا وفي مسلم ثانياً..

ثم ما الذي كان يملكه الحسين من قوة ضغط لكي (يجبر) مسلماً على الذهاب بالرغم من تطيره كما يزعمون؟

إضافة إلى ذلك فإن مسلما معروف بشجاعته فإن معاركه مع المهاجمين له وهو مفرد في بيت طوعة في الكوفة لتشير إلى هذا المعنى، فقد رد المهاجمين أكثر من مرة، ولولا أنهم آمنوه لما استطاعوا أن يقبضوا عليه(93). فاتهامه بالجبن في ذلك النص مخالف للواقع، ولمعرفة الحسين به، ولحكمة الحسين في اختياره لتلك المهمة، ولذلك يصعب أن يُقبل ذلك النص بهذه الكيفية.

سؤال: عن التربة الحسينية، فماذا يعني أن يكون فيها الشفاء؟ وهل تلك خصوصية لتربة الحسين أو لقبور المعصومين عموما؟ وهل تؤخذ من أي مكان سواء من القبر أو من نواحي كربلاء؟

الجواب: ورد موضوع التربة في كلمات فقهائنا في موارد متعددة؛ فقد ورد ذكره في تحنيك الطفل أول ولادته، وفي القبر يستحب أن يوضع مع الميت شيء من تربة الحسين، وفي باب حرمة أكل الطين إلا طين قبر الحسين لأجل الاستشفاء، وفي باب السجود في الصلاة وأنها خير ما يسجد عليه، وفي أنه يستحب أن يكون لدى المؤمن سبحة من طين قبر الحسين وفي استصحابها في السفر وأنها أمان من كل خوف.

أما خصوصية التربة الحسينية في الشفاء، فتارة يتم الحديث عنها ضمن الإطار الظاهري الذي ذكره البعض من العلماء الطبيعيين في شأن التيمم وأنه كيف يكون التراب والغبار (أحد الطهورين) وذكروا في حينه أن في التراب من العناصر الشيء الكثير الذي يعتبر من المضادات الحيوية لكثير من الأمراض.. ولا أعلم عن هذه الجهة الطبيعية، فنقلها يكون على عهدتهم.

وأخرى يتم عنها خارج هذا الإطار، وحاصله أنه لا شك في أن بين عناصر الطبيعة تفاعلا، وتكاملا، ويمكن الاستفادة من تلك العناصر نباتية كانت أو حيوانية أو جماداً في قضايا الاستشفاء، والعلاج. فترى الأطباء يكتشفون في كل يوم عقارا جديدا من الطبيعة.

وقد كان الطب القديم يعتمد اعتماداً كبيراً على مثل هذه الأمور. وعمدة العلاجات عندهم هي هذه العناصر الطبيعية. وبعضها كان يتم اكتشاف تأثيرها من خلال التجربة والعلم البشري، وبعضها الآخر كان يُعرف تأثيرها من خلال إرشادات الأنبياء والأولياء لها، فها نحن نجد في القرآن الكريم(94) حديثه عن جملة أمور تبين تأثيرها في العلاج والدواء. بل في بعضها إن الصدقة تنفع في شفاء المرض مع أنه لا يوجد ارتباط ظاهري بين الأمرين. فإذا وصل الخبر الصحيح عن المعصومين في تأثير شيء في شيء ولم يكن هناك محذور عقلي يمنع من الالتزام به، فما المانع من الإيمان به؟ ولماذا لا يعتقد بأن الله سبحانه كما جعل في العسل قدرة شفائية وفي الثوم قدرة علاجية، وفي سائر الخضروات، والبقول، بل والأحجار(95).

وقد روى الجمهور في كتبهم عن أن غبار المدينة يشفي من الجذام(96) وفي جامع الأصول لابن الأثير عن سعد قال: لما رجع رسول الله (ص) من تبوك تلقَّاه رجال من المخلَّفين من المؤمنين، فأثاروا غباراً، فخمَّر -أو فغطّى- بعضُ مَنْ كان مع رسول الله (ص) أنفه فأزال رسول الله اللثام عن وجهه وقال: والذي نفسي بيده إن في غبارها شفاء من كل داء.

وقد صحت الأخبار الكثيرة عن أهل البيت  (ع)  في تأثير تربة قبر الحسين في شفاء الأمراض، وعضدها ما لا يحصى كثرة من التجارب العملية في مختلف الأعصار، مما يضعف احتمال أن يكون الشفاء حاصلاً لأجل الأثر النفسي والاستعداد الداخلي للتفوق على المرض فقط.

فمن تلك الأخبار:

1- ما رواه في الكافي وهو موثق ابن أبي يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله  (ع): يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين  (ع) فينتفع به ويأخذ غيره ولا ينتفع به؟ فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو ما يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به)(97).

2- وخبر يونس بن الربيع عن أبي عبد الله  (ع) قال: (إن عند رأس الحسين  (ع) لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام، قال: فأتينا القبر بعد ما سمعنا هذا الحديث فاحتفرنا عند رأس القبر فلما حفرنا قدر ذراع ابتدرت علينا من رأس القبر مثل السهلة حمراء قدر الدرهم فحملناها إلى الكوفة فمزجناه وأقبلنا نعطي الناس يتداوون بها)(98).

3- وفي كامل الزيارات نقل رواية سليمان البصري عن أبي عبد الله  (ع)، قال: في طين قبر الحسين  (ع) الشفاء من كل داء، وهو الدواء الأكبر)(99).

4- مرسلة محمد إسماعيل عن الصادق  (ع) قال: (إن طين قبر الحسين  (ع) شفاء من كل داء)(100).

- وأما عن اختصاص تربة الحسين  (ع) أو اشتراك تراب قبور سائر الأئمة  (ع)  في تلك الميزة، فالذي يظهر أن هناك اتفاقا بين علمائنا على اختصاص تراب قبر الحسين بجواز الأكل للاستشفاء، بالرغم من أن هناك بعض الروايات يستفاد منها أن تراب سائر قبور المعصومين  (ع)  أيضا يجوز الاستشفاء منها لكن أعرض عنها الأصحاب، خصوصا مع وجود روايات ناهية عن ذلك مثل (فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة الحسين) معللة في بعضها أن ذلك من مختصات تربة الحسين  (ع).

ففي كتاب الأطعمة والأشربة يذكر العلماء أنه يحرم أكل الطين، ولكن قد استثني من ذلك طين قبر الحسين بمقدار يسير (بعضهم حده بمقدار الحمصة) لأجل الاستشفاء. وأنه لا يلحق بذلك قبور سائر المعصومين  (ع)  في جواز أكل طين قبورهم، بل في رواية عن الإمام الكاظم  (ع) نهي عن اخذ شيء من تربة قبره (ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتبركوا به، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (ع) فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا)(101).

- أما القرب والبعد عن القبر فلا شك أنه كلما كانت التربة مأخوذة من قرب القبر كان أفضل، وهناك روايات فيها أنه يؤخذ (من عند القبر على سبعين ذراعا) بل في بعضها (أربعة أميال) والجمع بينها كما ذكر العلماء هو بتفاوت درجات الفضيلة بحسب القرب والبعد عن القبر الشريف.


(1) الكافي للكليني: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض أصحابه رفعه:

(2) الكافي للكليني: أبو علي الأشعري، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور.. إضافة إلى إرساله، فيه محمد بن سنان وقد ضعفه الرجاليون.

(3) مع العلم بأن كلمة يكره في الروايات ليست مشيرة بالضرورة إلى الكراهة الاصطلاحية فقد وردت في بعض الموارد بمعنى الحرمة.

(4) روى إسماعيل بن مسلم عن الصادق  (ع) أنه قال: (أوحى الله (عز وجل) إلى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين: لا يلبسوا لباس أعدائي، ولا يطعموا مطاعم أعدائي، ولا يسلكوا مسالك أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي).

(5) الكافي: محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن راشد: فيه سهل بن زياد وقد اختلف فيه والأكثر على تضعيفه لكن بعض أساتذتنا قرّب قبول روايته وليس ببعيد، ولكن سليمان بن راشد لم يوثق.

(6) الأدكن كما في العين: لون يضرب إلى الغبرة والسواد.

(7) الكافي: محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر: فيه محمد بن سالم وهو متعدد في الكتب ولكن الظاهر بقرائن أنه بن عبد الحميد، وهو فطحي ثقة، وفيه عمرو بن شمر وقد ضعفه الرجاليون.

(8) علل الشرائع: محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن محمد بن المفضل عن داود: فيه علي بن إبراهيم الجعفري وهو لم يوثق، ومحمد بن المفضل: مشترك بين اثنين: ابن قيس الأشعري وهو ثقة، وابن عمر ولم يوثق، ويحتمل أن يكون الصحيح هو محمد بن الفضل الذي هو ابن بنت داود الرقي، وهو يروي عن جده لأمه، ولكنه أيضاً لا توثيق له.

(9) تاريخ الطبري ج7، ص139: (ذكر) أن عيسى بن محمد بن أبى خالد بينما هو فيما هو فيه من عرض أصحابه بعد منصرفه من عسكره إلى بغداد إذ ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل يعلمه أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل على بن موسى بن جعفر بن محمد ولى عهده من بعده وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحداً هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه وأنه سماه الرضا من آل محمد وأمره بطرح لبس الثياب السود ولبس ثياب الخضرة وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 201 ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبنى هاشم بالبيعة له وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك فلما أتى عيسى الخبر دعا أهل بغداد إلى ذلك على أن يعجل لهم رزق شهر والباقي إذا أدركت الغلة فقال بعضهم نبايع ونلبس الخضرة وقال بعضهم لا نبايع ولا نلبس الخضرة ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس وإنما هذا دسيس من الفضل بن سهل.. إلى آخر ما ذكر.

(10) ثوب أو كساء يلبس عن المطر.

(11) الكافي: محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور.

(12) الحائري، السيد ميرزا جعفر الطباطبائي، إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد.

(13) البحراني، الحدائق الناضرة، ج7، ص118.

(14) تاريخ الطبري، ج4، ص355. وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج62، ص84.

(15) النكت: ضرب الأرض بالقضيب حتى يؤثر فيها. والنكث -بالثاء- النقض.

(16) الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي المجلسي الإصفهاني (1307/1110هـ) شيخ المحدثين، عالم حاز الرئاسة الدينية والدنيوية في أصفهان، وتتلمذ عليه كما قال السيد الجزائري نحو من ألف تلميذ أصبحوا فيما بعد من أعيان الطائفة، وله الكثير من الكتب عمدتها (بحار الأنوار الجامعة لدرر الأئمة الأطهار)، وقد طبع في مائة وعشرة مجلدات، وله أيضا (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول) (شرح الكافي) وله (ملاذ الأخيار في شرح التهذيب)، وعدد كبير من الكتب الأخرى باللغة العربية والفارسية.

(17) ج45، ص142.

(18) القمي، الشيخ عباس، نفس المهموم، ص416.

(19) تقدمت ترجمته في القسم الثاني.

(20) ذكر الزركلي في الأعلام، ج5: أنه كان سبب مقتل عمرو بن المنذر اللخمي ملك الحيرة، أنه قال: هل تعرفون احدا من العرب تأنف أمه أن تخدم أمي؟ فقالوا له: ليلى أم عمرو بن كلثوم، فاستزاره مع أمه، ونصب لهم خيمة ثم تنحى الخدم بعد الطعام، فقالت أم الملك لليلى أم عمرو: ناوليني الطبق-طبق الفاكهة-! فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها! فألحت عليها، فقالت: واذلاه يا لتغلب! فقام ابنها عمرو ونظر إلى سيف معلق فقتل به الملك عمرو بن هند، وخرج بأمه واشتعلت الحرب بين القبيلتين.

(21) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 48.

(22) الدينوري، الأخبار الطوال، ص 216.

(23) راجع كتاب: الحياة الشخصية لأئمة أهل البيت، للمؤلف.

(24) ابن عساكر، تاريخ دمشق 65/ 405.

(25) في المعجم الكبير للطبراني: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحبهما (الحسن والحسين) فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. وفيه أيضا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وقال: من أحبني فليحب هذين (السبطين). وفي المستدرك للحاكم النيسابوري أن الرسول قال حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط).

(26) الشريفي، موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) .

(27) في كتاب رياض الصالحين للنووي ذكر أحاديث نسبت إلى رسول الله، منها: ما عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها!) قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: (تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم) متفق عليه. وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) وعن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية) متفق عليه. وعن أبي بكرة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (من أهان السلطان أهانه الله) رواه الترمذي وقال حديث حسن وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح.

وفي مقابل ذلك يروي الإمام الحسين  (ع) عن جده قائلا: كما في الطبري بروايته عن أبي مخنف، وفي مصادر الشيعة أيضاً: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من رأى سلطاناًَ جائرًا مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله إن يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غير).

وكان ينبغي أن تكون هذه النهضة الحسينية المقدسة دليلا على ضعف تلك الأحاديث إضافة إلى مخالفة كثير من الأحاديث الأخرى لها ومخالفتها لمفاهيم الإسلام وروح القرآن.

(28) أي في اختلاط من الأمر لا مخرج لهم منه. عن لسان العرب.

(29) من أولئك القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه الذي سماه بالعواصم والقواصم حيث ذكر ما معناه: أن الحسين قتل بشرع جده، كما نقل عنه ابن خلدون في المقدمة مغلطا إياه ومنتقدا مقالته. ومن المعاصرين كما نقل عنه الشيخ القرشي في كتابه حياة الإمام الحسين، الشيخ محمد الخضري في كتابه تاريخ الأمة الإسلامية فقد قال -وبئس ما قال-: إن الحسين أخطأ خطئا عظيما في خروجه هذا الذي جر للأمة وبال الفرقة والاختلاف وزعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا!! وشتان بين هذا النعيب وبين قول رسول الله(ص): (فلم يغير عليه بفعل ولا بقول كان حقا على الله أن يدخله مدخله) ولكن (شنشنة أعرفها من أخزم).

(30) تحاول بعض التيارات المخالفة لأهل البيت (ع) أن تعيد الاعتبار إلى كل من كان معادياً لهم، فقد صدرت عدة كتب عن (أمير المؤمنين يزيد بن معاوية)!!

(31) ابن تيمية، رأس الحسين، ص206.

(32) ابن تيمية، منهاج السنة ج2، ص226.

(33) رأس الحسين، ص 208. وللإطلاع على تهافت كلمات ابن تيمية، يمكن مراجعة الكتاب القيم للأستاذ صائب عبد الحميد: ابن تيمية حياته وعقائده.

(34) ابن خلدون، المقدمة، ج1 فصل ولاية العهد.

(35) ذكرناها بغير الترتيب الذي ذُكر في الكتاب. ومع بعض الاختصار.

(36) قال النجاشي عنه: إنه ضعيف جداً.

(37) الجواهري، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، ج 20.

(38) وعنه، عن محمد بن علي، عن عمه، عن أحمد بن أحمد بن حامد بن زهير، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن إسحاق الأرحبي، عن عمر بن عبد الله بن طلحة النهدي، عن أبيه.

(39) في تاريخ الطبري ج4، ص355. قال هشام عن أبى مخنف قال: حدثني أبو حمزة الثمالي عن عبد الله الثمالي عن القاسم بن بخيت قال: لما أقبل وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق فقال لهم مروان بن الحكم كيف صنعتم قالوا: ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً فأتينا والله على آخرهم وهذه الرؤوس والسبايا فوثب مروان فانصرف.

(40) الكافي: محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي (الفضال أو الوشاء وكلاهما ثقة) عن يونس بن الربيع: وهو لم يوثق.

(41) علم الهدى علي بن الحسين الموسوي (355 - 436هـ) قال فيه السيد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة: (كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابةً وجاهاً وكرماً إلى غير ذلك... له تصانيف كثيرة، منها (الغرر والدرر) يعرف بأمالي المرتضى، و(الشهاب في الشيب والشباب) و( الشافي في الإمامة) و(تنزيه الأنبياء) و(الانتصار) فقه، و(المسائل الناصرية) فقه، و(تفسير القصيدة المذهبة) شرح قصيدة للسيد الحميري، و(إنقاذ البشر من الجبر والقدر) و(الرسائل) و(طيف الخيال) مقدمة في الأصول الاعتقادية (ورقتان)، و(أوصاف البروق) و(ديوان شعر) يقال: إن فيه عشرين ألف بيت).

(42) رسائل الشريف المرتضى 3/130.

(43) تقدمت ترجمته.

(44) السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني (589/664هـ) له العديد من الكتب منها (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) أربعة عشر بابا في آداب السفر، و(سعد السعود) و(زوائد الفوائد) و(فرج المهموم) و(الطرائف) و(جمال الأسبوع) و (الملهوف على قتلى الطفوف).

(45) محمد بن الحسن بن علي العاملي (1033 - 1104هـ)، الملقب بالحر: فقيه إمامي، مؤرخ ولد في قرية مشغر (من جبل عامل بلبنان) وانتقل إلى (جبع) ومنها إلى العراق، وانتهى إلى طوس (بخراسان) فأقام وتوفي فيها، له تصانيف، منها (أمل الآمل) في ذكر علماء جبل عامل، القسم الأول منه، ولا يزال الثاني وسماه (تذكرة المتبحرين في ترجمة سائر العلماء المتأخرين) مخطوطا، و(الجواهر السنية في الأحاديث القدسية) و(تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) ويسمى (الوسائل) اختصاراً، و(هداية الأمة إلى أحكام الأئمة) ثلاثة أجزاء، و(الفصول المهمة في أصول الأئمة) و (رسائل) في أبحاث مختلفة. وكان كثير النظم، له (ديوان).

(46) الوسائل 14/ 401.

(47) قاله الإمام الحسين  (ع) لعمرو بن قيس المشرقي داعياً إياه إلى نصرته كما في رجال الكشي في حديث إلى أن قال:... فقال الحسين: (جئتما لنصرتي فقلت له: أنا رجل كبير السن، كثير العيال، وفي يدي بضائع للناس ولا أدري ما يكون، وأكره أن تضيع أمانتي، فقال له ابن عمي مثل ذلك، فقال لي: فانطلقا فلا تسمعا لي واعية، ولا تريا لي سوادا، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجب واعيتنا، كان حقا على الله أن يكبه على منخريه في نار جهنم).

(48) الفضيل بن زبير بن عمرو بن درهم (الرسان) الأسدي من أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السلام ومن الذين اختصوا بزيد بن علي الشهيد، قيل إنه زيدي المذهب، وقد ورد اسمه في أسانيد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم القمي وهو يروي ما ذكر في الكتاب عن زيد بن علي بن الحسين، ويحيى بن أم الطويل وعبد الله بن شريك العامري. وقد طبع النص ضمن مجلة تراثنا التي تصدرها مؤسسة آل البيت، في عددها رقم 2 للسنة الأولى بتحقيق العلامة السيد محمد رضا الحسيني.

(49) ارتث: حمل من المعركة جريحا وبه رمق.

(50) تقدمت ترجمته.

(51) 1/ 470.

(52) الذرب: الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها ولا تمسكه. (لسان العرب). أشفى: قرب من الموت. (الصحاح).

(53) بحار الأنوار 45/ 91.

(54) المبطون هو الذي يشتكي من بطنه.

(55) الطبري 4/ 347.

(56) يمكن تقريب ذلك بما ذكروه في أحوال أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) عندما أشخص من الشام إلى المدينة على بعير غير موطأ، فما وصل إلى المدينة حتى انتثر لحم فخذه!

(57) جاء في بلاغات النساء لابن طيفور، ص 23 ورأيت علي بن الحسين  (ع) وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم ثم ذكر الحديث وهو على لفظ هارون بن مسلم واخبر هارون بن مسلم بن سعدان قال: أخبرنا يحيى ابن حماد البصري عن يحيى بن الحجاج عن جعفر بن محمد عن آبائه  (ع) قال: لما ادخل بالنسوة من كربلاء إلى الكوفة كان علي بن الحسين  (ع) ضئيلاً قد نهكته العلة.

(58) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق  (ع) : (طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحار والطير في جو السماء).

(59) كما في صحيحة علي بن رئاب عن الإمام الكاظم  (ع) .

(60) في الرواية التي رواها في الكافي: (إن المؤمن إذا اخرج من بيته شيعته الملائكة إلى قبره يزدحمون عليه حتى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الأرض: مرحباً بك وأهلاً، أما والله لقد كنت أحب أن يمشي علي مثلك لترين ما أصنع بك فتوسع له مد بصره.. إلى أن قال: وإن كان كافراً خرجت الملائكة تشيعه إلى قبره يلعنونه حتى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الأرض: لا مرحباً بك ولا أهلاً أما والله لقد كنت أبغض أن يمشي عليَّ مثلك لا جرم لترين ما أصنع بك اليوم فتضيق عليه حتى تلتقي جوانحه).

(61) سورة الدخان آية29. والمفسرون في تفسير الآية على ثلاثة أقوال: منهم من حمل الآية على ظاهرها وأن السماء والأرض تبكي على المؤمن ولا تبكي على الكافر، ومنهم من جعل التعبير في الآية كناية عن هوان أمرهم وأنهم لحقارتهم لا يُبكى عليهم، وبعضهم قدر مضافا محذوفا هو أهل السماوات والأرض.. ثم نقل أكثر المفسرين ما ورد في بكاء السماء والأرض على الحسين  (ع) ، وفي ذلك رواية زرارة.

(62) للتفصيل يراجع كتاب: الحياة الشخصية عند أهل البيت G، للمؤلف.

(63) سورة الجن آية26/27: وقد ذكروا أن الجمع بين هذه الآية ونظائرها وبين ما دل من الآيات على أنه لا يعلم الغيب إلا الله، بأنحاء مختلفة منها أن علم الغيب بالذات وبالاستقلال هو من اختصاص الخالق، ولكن علم الغيب بالتعليم يحصل للأنبياء والمرتبطين بالوحي {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء}. أو أن هناك بعض المواضيع التي لا يعلمها غير الله سبحانه مثل الساعة وهناك مواضيع أخرى يمكن أن يظهر عليها بعض رسله وأوليائه.

(64) جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن داود بن عيسى الأنصاري، عن محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلي، عن إبراهيم النخعي، وهذه الرواية وما بعدها من روايات كامل الزيارات التي تأتي، تكون معتبرة بناء على أن من ورد اسمه في كتاب كامل الزيارات مشمول للتوثيق الذي ذكره المؤلف في مقدمة الكتاب حيث قال: (ولم اخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم (ع) كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم الله)، ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم). وقد اختلف علماؤنا على رأيين في فهم هذه الجملة، فالبعض رآها توثيقا لمشايخه المباشرين، والبعض رأى فيها توثيقاً لمن ورد اسمه فيه ما لم يعلم تضعيفه بخصوصه من جهة أخرى. وأما لو لم يقبل هذا التوثيق العام فتعامل الروايات كغيرها بالنظر إلى سندها، وفي السند المذكور بناء على هذا، الحكم بن مسكين ولم يوثق بخصوصه، لكنه ممن لم يستثنَ من رجال نوادر الحكمة، وممن روى عنهم المشايخ الثقات. وداود بن عيسى (النخعي) لا توثيق له.

(65) الأمالي 177.

(66) بلاغات النساء ص23: وأهمية هذا النص لكونه صادرا من معاصرة للحادث، وقد قررت  (ع) حصول ذلك، ورتبت عليه التساؤل من تعجبهم مما يعني أنهم شهدوا ذلك وتعجبوا منه.

(67) حدثني علي بن الحسين بن موسى، عن علي بن إبراهيم وسعد بن عبدالله جميعاً، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر  (ع) ، وفي السند أبو جميلة (المفضل بن صالح) وهو ضعيف عندهم.

(68) عن محمد بن جعفر الرزاز الكوفي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن كليب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبدالله  (ع) ، والسند معتبر.

(69) الصدوق في عيون أخبار الرضا عن محمد بن علي ماجيلويه قال: (حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب قال: والرواية صحيحة فليس فيها من يتوقف فيه، ومحمد بن علي ماجيلويه قد وثقه العلامة، وصحح طرقا عديدة هو فيها وكونه شيخ الصدوق وترضيه عنه أيضاً يعطي نفس المعنى).

(70) وفي هذه الرواية خصوصية، وهي أن نسبة مضمون الرواية من قبل الإمام  (ع) إلى آبائه، قد يكون لجهة أن الراوي السامع للرواية غير شيعي وهو يتعامل بالتالي مع الإمام كراو للحديث عن آبائه عن النبي (ص)، وأما إذا كان الراوي شيعياً ومعترفاً بمقام الإمام وأنه لا يختلف تاليهم عن سابقهم، فإن نسبة الإمام مضمون الرواية لآبائه فيها معنى من الاهتمام الكبير بهذا المضمون بحيث يتوارثه المعصومون ويحدثون به ويركزون عليه. وهذا المضمون من القسم الثاني.

(71) ج 5، ص 487.

(72) 10/ 220.

(73) 16/ 141.

(74) ج9، ص 196.

(75) 2/117: ونحن قد تأملنا في مكان سابق في أن زيد بن أرقم هل كان موجوداً في الكوفة حينها أو في الشام؟

(76) 2/267.

(77) 60/369.

(78) 3/484.

(79) ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد:.. حدث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة، فكنا نساير الحسين  (ع) فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن ننازله في منزل، فإذا سار الحسين  (ع) ونزل منزلا لم نجد بدا من أن ننازله، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين  (ع) حتى سلم ثم دخل، فقال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه. فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأن على رؤوسنا الطير، فقالت له امرأته: سبحان الله، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه، لو أتيته فسمعت من كلامه، ثم انصرفت. فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين  (ع) ، ثم قال لامرأته: أنت طالق، الحقي بأهلك، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير، ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني، وإلا فهو آخر العهد.

(80) في تاريخ الطبري، ج4، ص326: (قال أبو مخنف) حدثني أبو جناب قال كان منا رجل يدعى عبد الله بن عمير من بني عليم كان قد نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد من همدان داراً وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها أم وهب بنت عبد فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين قال فسأل عنهم فقيل له: يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال والله لو قد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد فقالت أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجني معك قال فخرج بها ليلاً حتى أتى حسينا فأقام معه.

(81) المصدر السابق، ص329.

(82) المصدر السابق 348.

(83) المصدر السابق 342.

(84) يراجع القسم الأول من هذا الكتاب.

(85) الطبري ج4، ص235.

(86) ج4، ص264.

(87) كذلك فقد ذكر في لسان العرب، ج2، ص27:. قيل: الخبت ما اطمأن من الأرض وغمض، فإذا خرجت منه، أفضيت إلى سعة، وقيل: الخبت سهل في الحرة، وقيل: هو الوادي العميق الوطئ، ممدود، ينبت ضروب العضاه. وقيل: الخبت الخفي المطمئن من الأرض، فيه رمل. وفي حديث عمرو بن يثربي: إن رأيت نعجة تحمل شفرة وزنادا بخبت الجميش، فلا تهجها. قال القتيبي: سألت الحجازيين، فأخبروني أن بين المدينة والحجاز صحراء، تعرف بالخبت.

(88) حياة الإمام الحسين  (ع) ، ج2، ص343.

(89) النمل آية47.

(90) سورة يس آية 18.

(91) الأحاديث من ميزان الحكمة، ج2.

(92) لا يقال أن مسلماً لم يكن ذاهباً إلى معركة بالضرورة، فإنه يجاب على ذلك، بأن نوع هذه المهمة ولم يكن فيها أي مواجهة عسكرية تحتاج إلى الكثير من الجرأة والإقدام.

(93) الطبري، ج4، ص279.

(94) وقد ألفت كتب متعددة في اكتشاف الجوانب الطبية والعلاجية في القرآن الكريم منها (مع الطب في القرآن الكريم) وغيرها.

(95) هناك مجال علاجي جديد يتحدثون عنه في هذه الأيام وهو قدرة الأحجار (الكريمة) على صناعة الشفاء من أمراض من خلال الاستفادة من اختلاف الإشعاعات الصادرة عنها. وقد كتبت عن ذلك بعض المجلات العلمية.

(96) الجامع الصغير للسيوطي ج2 وكنز العمال للمتقي الهندي ج 12 وغيرها.

(97) الكليني عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن كرام، عن ابن أبي يعفور: أحمد بن محمد (هو بن عيسى الأشعري ثقة)، وابن فضال (هو الحسن بن علي ثقة فطحي)، كرام (هو ابن عمرو الخثعمي واقفي ثقة). ويظهر منه أن التأثير يشترط فيه أخذ التراب الحسيني مع الاعتقاد بأن الله يشفي به معاً.

(98) الكليني عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن يونس: وفي السند يونس بن الربيع وقد ذكر في كتب الرجال من غير توثيق ولا تضعيف. ويحتمل -والله العالم- أن يكون الحسن بن علي عن يونس عن أبي الربيع كما هو في سند آخر.

(99) بن قولويه عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه، عن محمد بن سليمان البصري، عن أبيه: فيه أحمد بن الحسين بن سعيد وقد ذكروا أنه ضعيف لكنه من رجال مزار بن المشهدي، وتضعيف القميين له يظهر من جهة رميهم إياه بالغلو، وقد كانوا يتسرعون في ذلك كثيراً. ولكنه مع ذلك مدح حديثه ابن الغضائري وقال: حديثه فيما أعلم سالم. ومحمد بن سليمان البصري لم يستثن من رجال نوادر الحكمة فله ذكر بعنوان الديلمي، وكذلك في مزار محمد بن المشهدي، لكن قد ضعفه النجاشي.

(100) جعفر بن محمد بن قولويه في (المزار) عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن رجل، عن أبي عبدالله.

(101) الوسائل باب 72 من أبواب المزار.