نبض الإنسانية الخالد.. |
الثقافة الحسينية/ الفصل الثالث: رؤية تاريخية.. انفعالات الثقافة في المسيرة الحسينية |
المرجعية الفكرية في الخطاب الحسيني |
من الأسباب التي ولّدت انفعالاً ثقافياً في عقول الملتحقين بركب المسيرة الحسينية، وحفرت المنهج الذي كان على أثره يسير الإمام، بالإضافة إلى ما ذكرناه من رعاية الإمام الحسين (ع) المسيرة بالخطاب ذي المضمون الثقافي، فهنالك أيضاً خصيصة أخرى تتصل بمضمون الخطاب، فالاهتمام بالخطاب من قبل الإمام (ع) كان عرضياً وطولياً، وما يكتنفه من المضمون الفكري هو الذي يشير إلى الطولية فيه، أما العرض فهو تكثيف وتعدد الخطاب وفق مراحل المسيرة، وهذه الصفة في الخطاب من عوامل نجاحه ومن عوامل ديمومة النهج إلى يومنا هذا، فهو يذكرنا بالخطاب القرآني الذي نزل (منجّماً) أي مصاحباً فترات ومراحل الدعوة المحمدية، كما تنوع الخطاب القرآني، فكان الخطاب المكي، والخطاب المدني، اللذان يتباينان من حيث الموضوع، ولكنهما يلتقيان في المبدأ والمنطلق. ولقد كانت من المضامين التي أكسبت الخطاب الحسيني قوة وتأثيراً في الرجال المخلصين هي بيان المرجعية لهذه المسيرة، ومرجعية أية حركة هي الشرعية التي تستمد منها رؤاها وتقيس وفق معاييرها خطواتها، فقيمة المرجعية من قيمة شرعيتها التي تستمدها من الثقافة التي يرجع إليها ذلك المجتمع ويقيم لها وزناً واعتباراً، فالخطاب كان لمجتمع مسلم آمن بالله عز وجل وبرسوله المصطفى (ص)، فخير مرجعية هي الله تعالى، ورسوله الكريم، وهذا ما اعتمده الإمام الحسين (ع) في خطابه، فإنه قد كان دائماَ يذكّر بالله عز وجل، ويردد آياته، ويستدل بها على منطلقاته، و هو الذي كان يكرر الآية الكريمة : {تِلْكَ الدَّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَْرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[1]. وقد أشار في خطابه (ع) أنه يحذو حذو جده (ص) وأبيه (ع)، لأنه الامتداد الإلهي للإمامة، إذ قال في خطابة إلى أخيه محمد ابن الحنفية : (إن الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور)[2] وفي هذه الكلمات حدّد الإمام موضعه من الدين الذي جاء به الرسول الأكرم وهو موضع المؤمن به كما جاء به الرسول (ص)، ثم أردف قائلاً : ( إني لم اخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف، وانهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب وسيرة الخلفاء الراشدين، فمن قبلني بقبول الحق فالله ألوى بالحق ومن رد عليّ هذا صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين)[3]، جاءت هذه الكلمات تعبيراً عن المنطلقات التي انطلق منها في ثورته، وما ذلك إلا تعزيزاً وتكميلاً لمسيرة الرسول الأعظم (ص) ولو تصفحنا تاريخ الرسول الأعظم (ص) في ذات الموضوع الذي يتحرك في دائرته الإمام الحسين (ع) وهو مجابهة الفساد والمفسدين في الأرض، لوجدنا قول الرسول (ص) : (من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله)، وقد أشار الإمام الحسين في إحدى خطبه إلى هذا الحديث وقال إني سمعت رسول يقول من رأى منكم سلطاناً جائراً .. إلى آخر الحديث. بل وقد كان الإمام (ع) طوال حياته يروي عن جده النبي الأكرم (ص)، وقد أحصى بعض المؤرخين بعضاً منها، وهنا ننقل مقتبس منها: 1 - قال (ع) : قال رسول الله (ص) : " من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه ". 2 - قال (ع) : قال رسول الله (ص) : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". 3 - قال (ع) : سمعت رسول الله (ص) يقول : " ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة (أو قال تصيبه مصيبة) وان قدم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله عنه ذلك، وأعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها" . 4 - قال (ع) : سمعت النبي (ص) يقول : " إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ". 5 - قال (ع) : سمعت النبي (ص) يقول : " من يطع الله يرفعه، ومن يعص الله يضعه ومن يخلص نيته لله يزينه، ومن يثق بما عند الله يغنيه، ومن يتعزز على الله يذله "[4]. فهنا يتمثّل أمامنا قول الرسول (صلى الله عليه وآله) : (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً)، حيث جعل امتداد الحسين من امتداد النبي، وأهدافه هي إحياء الرسالة، وأن للإمام الحسين (عليه السلام) تمثيلاً إلهياً هو امتداد الرسالة، فيكون حبه مدار حب الله للناس وعدمه. |