نبض الإنسانية الخالد.. |
الثقافة الحسينية/ الفصل الثالث: رؤية تاريخية.. انفعالات الثقافة في المسيرة الحسينية |
رعاية المسيرة ثقافياًً |
لقد ساعد انفعال الثقافة في مسيرة الإمام الحسين (ع) طوال مدة حياته وقبل الثورة الكربلائية على بلورة الخطاب الحسيني بشكل تكاملي فاعل. وهذا الخطاب هو أحد أروع تجليات الانفعال الثقافي في الحركة الحسينية التي قارعت الظلم و الظالمين، فقد تغفل الحركات وقادتها عن بلورة خطاب ثقافي يدعم التحرك السياسي والعسكري ويكتفون بالخطاب السياسي المحض، فلا يكتب للحركة النجاح أو أنها تصاب بالوهن في كثير من تفاصيلها، إلا أننا نقرأ المسيرة الحسينية وقد صاحبتها حالة الثقة والقوّة من قبل المنتسبين لها والملتحقين بركبها، بل وحتى بعد مقتل آخر رجل منهم في جبهة القتال، بقيت المسيرة - ورغم تعرض نسائها للسبي - قوية ثقافياً وواثقة فكرياً، فلم تصب الرؤى التي تحدّث عنها الخطاب الحسيني أي عطب أو تراجع، بل تعززت وصدّقها الزمن، وأخذت طريقها في الاستمرار. والمستنتج من ذلك أن هنالك حالة من الوثوقية الشديدة بالمنطلقات الفكرية والأسس التي قامت عليها الثورة، فإن الإمام الحسين (ع) قد أولى الخطاب الحركي بمضمونه الثقافي اهتماماً واسعاً واستمرارياً. ولو قرأنا المشاهد التاريخية لوجدنا أن الإمام (ع) لم يتوقف لحظة عن إلقاء الخطب، أو كتابة الرسائل، فمنذ اليوم الأول للخروج قد أعلن أهداف المسيرة الحسينية برؤية شفافة، لتكون ماثلة أمام ركب المسيرة، وذلك عند خروجه من المدينة، وتحديداً عند لقائه بمروان عند محاولة الأخير تحسين صورة أمر بيعة يزيد في عين الإمام (عليه السلام) أجابه قائلاً : على الإسلام السلام إذا ابتليت براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول : (الخلافة محرمة على آل أبي سفيان فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، وقد رءاه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق). وقد أشار في خطاباته (ع) إلى أهدافه وهي طلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (ص)، وإعادة المسلمين للإسلام، وبناء الوضع الاجتماعي المنهار. وفي مكة بعد أن بلغته كتب أهل الكوفة التي تدعوه للمجئ إلى الكوفة ليكون لهم إماماً وحاكماً، فبعث لهم رسالة مع سفيريه مسلم ابن عقيل، يخبرهم باستجابته وجاء فيها (فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله والسلام)[1]. ولمّا عزم الإمام (عليه السلام) على الخروج من مكة متوجهاً إلى العراق (قام خطيباً فقال : الحمد لله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملآن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً لا محيص من يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين) وبعد أن أوضح للناس المقصد وما ستكون النهاية، دعاهم بقوله : ( من كان باذلاً فينا مهجته، وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى)[2]. وإلى آخر أيامه في كربلاء عندما نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن الإمام (ع) أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : قد نزل بنا من الأمر ... إلى أن قال ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربه .. وهذا الخطاب جاء تصديقاً واقعياً لمضامين الخطابات السابقة، الأمر الذي يضفي تعزيزاً إضافياً للوثوقية بالمنطلقات الفكرية ليتجلى الإيمان بها والتضحية من أجلها، وهذا ما حكاه واقع الطف بشكل جلي.
|