نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثاني: في سبيل ثقافة ولائية

تحديات المستهزئين

 

في حركة الفكر في ساحة المجتمعات، تنقسم الأحكام التي تعبّر عن الثقافة الإسلامية إلى قسمين، قسم متغيّر، يتغيّر وفق المجتمع الذي تخاطبه، لتلائم بيئته وتتناسب مع أفراده، وقسم ثابت لا يتغيّر، يبقى ثابتاً في كل المجتمعات البشرية عرضاً مكانياً، وطولاً زمنيّاً، والثقافة الولائية كقيمة ومضمون ومعتقد، إنما هي من القيم الثابتة، أي لا يجب أن تتغيّر إذا تبدّل المجتمع، ولا تتحوّل إذا تنامى الوعي الإنساني .

والفرد الذي يريد الوصول إلى ثقافة ولائية سليمة ينبغي أن يعي هذه الحقيقة لكي لا تؤثّر في عملية تفكيره البيئة التي يعيش فيها، فيصل إلى نتائج خاطئة أو أنه لا يستوعب النتائج الحقيقية فيرفضها .. فمن الثابت أن الفرد يتأثر فكرياً بالمحيط الذي يعيش فيه، فتراه يؤمن بما يؤمنون ويكفر بما يكفرون، وهذا التأثر قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً حسب المادة والمضمون الذي يستقيه ويتأثر منه.

فنظرية (التوافق الاجتماعي) في المنطق والاجتماع تؤكد تأثير ثلاث حالات على الفرد فكرياً، أولها الحشد، وثانيها الانتماء، وثالثها البيئة[1] .. ومن هنا يأتي دور من يقصد الوصول للحقائق دون تأثير من هذه الجهات في ثقافته في عزل العملية الفكرية والتفكيرية عن إيمان من حوله من الناس، ممن يساهمون في تضمينه أفكاراً لا تحمل البرهان .

يقول تعالى : (َاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[2]، هذه الحقيقة هامّة جدّاً، لأن كل القوى والحضارات المناوئة للإسلام، ولمبدأ الولاية تحشّد الآراء والأبواق في كل وسائل الإعلام، لإشاعة رأي يطعن في الولاية والسلوك الولائي، ولم يكن هذا التصرّف وليد اليوم، بل اتبع هذا الأسلوب في حقب كثيرة من التاريخ الإسلامي، ولم تدع الآيات النبي(ص) أن يتخلّى عن معتقداته بسبب استهزاء المشركين، بل أعطته خطة لمواجهة ذلك الفعل، فأخبرت الآيات أنهم على خطأ، وسيعلمون في يوم ما بهذا الخطأ، وأمرت الآيات أن يتذلل الإنسان لله ويسبّح بحمده ليكون خاضعاً (من الساجدين) فهذا هو طريق اليقين، وهي الفكرة التي نؤكّد عليها هنا. 

فلا يجب أن نغفل الحقيقة القرآنية القائلة : (وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)[3]، وأن نقصد رضا الله عنّا لا رضى الناس وإعجابهم، يقول الرسول (ص) : (عن الباقر (ع) قال رسول الله (ص) من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذاما و من آثر طاعة الله بما يغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدو و حسد كل حاسد و بغى كل باغ و كان الله له ناصرا و ظهيرا)[4].

وقد يرد خاطر التقية في المسألة الولائية، فيركن الإنسان إلى أن يتّقي شر الظالم أو المجتمع، لكن التقية تسير في اتجاه آخر .. إذ نحن نقصد الوصول إلى ثقافة ولائية سليمة تتشكل في عقل المؤمن، لتنطبع على سلوكه الحياتي، والتقية إنما تمسّ الجانب العملي الذي قد يأتي في بقعة دون أخرى من عدم ممارسة بعض الممارسات خوفاً على النفس أو العرض أو الدين .. فهذا لا يعني أن نكتم الحقائق أو ندين من أشربوا بالولاية.

فقد جاء (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ وَ صَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِهِ )[5]، مما يدل على أن التقية أمر نسبي وشخصي له اتصال بالواقع العملي لذلك الشخص لا الإيمان الداخلي، ومبعثه الضرورات التي تقدر بقدرها.


[1] راجع كتاب (المنطق الإسلامي) لآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي.

[2] سورة الحجر، الآيات من 94 إلى 99

[3] الحجر ، آية 11

[4] مشكاةالأنوار،ص 317، الفصل السادس.

[5] الكافي ج : 2 ص : 220