نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

الثقافة الحسينية/ الفصل الثاني: في سبيل ثقافة ولائية

التقوى وعاء الولاية

 

لأن في الثقافة الولائية عمقاً غائراً وشموخاً يناطح السحاب، بل وفيها بصائر عريضة ومقامات متدرجة وأبعد من ذلك، كلامٌ كبير وإدراكه أكبر، ففي الحديث عن (أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ إِنَّ حَدِيثَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا صُدُورٌ مُنِيرَةٌ أَوْ قُلُوبٌ سَلِيمَةٌ أَوْ أَخْلاقٌ حَسَنَةٌ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِنْ شِيعَتِنَا الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ عَلَى بَنِي آدَمَ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ فَمَنْ وَفَى لَنَا وَفَى اللَّهُ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَ مَنْ أَبْغَضَنَا وَ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْنَا حَقَّنَا فَفِي النَّارِ خَالِداً مُخَلَّدا)[1].

هذا هو أمر أهل البيت وولايتهم التي نسعى لتشكيلها في وعينا، فكيف يصل الإنسان لمعرفة الولاية ويصدق بنتائجها التي عبّروا عنها عليهم السلام بأنها صعبة مستصعبة ؟

لابد للإنسان المؤمن لكي يصل للمعرفة الولائية ويتنقل في درجاتها صعوداً من أن يعمل على نفسه أولاً، لأن النفس هي المنطقة التي تتحرك فيها عملية الرضا والقبول، والرفض والصد .. إنها تحتاج إلى تهذيب وتمرين يمكّنها من التسليم لنتائج الغيب وبصائر الوحي .. فإن الله عز وجل عندما ألقى الرسالة على رسولنا الكريم (ص) ليتحمل صعوباتها التي لا تضاهيها صعوبات، قد أمره بالتسبيح، وهو فعل تقوم به النفس لتنزيه الساحة الربانية عن مواصفات المخلوقين .. ثم أقرأه الرسالة : قال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَْعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى . وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى. سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى. إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى. وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى. فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى}[2].

وحتى تصل النفس لدرجة الرضا بالنتائج العظيمة تحتاج إلى أن تسير في خطين متعاكسين ومتكاملين:

الخط الأول : كبح جماح الهوى وعدم اللهث وراء الشهوات الدنيوية سواء شهوات البدن أو شهوات النفس، يقول تعالى عن بلعم ابن باعوراء وهو الذي وصل مواصيل عالية من الإيمان حتى أعطاه الله اسمه الأعظم : {وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَْرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ ..}، فكانت لديه فرصة أن يرفعه الله إلا أن اتباع الهوى حال دون ذلك ..وذلك لأن هنالك شوائب تشوب النفس تجعلها لا تدرك ولا تذعن، بل إن الهوى كما جاء في الروايات، قَالَ الصَّادِقُ (ع) : وَ الْهَوَى عَدُوُّ الْعَقْلِ وَ مُخَالِفُ الْحَقِّ وَ قَرِينُ الْبَاطِلِ وَ قُوَّةُ الْهَوَى مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ أَصْلُ عَلَامَاتِ الْهَوَى مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَ الْغَفْلَةِ عَنِ الْفَرَائِضِ وَ الِاسْتِهَانَةِ بِالسُّنَنِ وَ الْخَوْضِ فِي الْمَلَاهِي)[3].

الخط الثاني : الدخول في حالة التقوى، فمخالفة الهوى هو أمر ممهّد لكي يكون الإنسان متقياً لله تعالى، حيث يسلّم بما جاءه من حقائق وأفكار إذا كان مصدرها الله عز وجل، لتجعل عقل المؤمن وقلبه وعاءاً للثقافة الولائية يستقبلها العقل برضا النفس واطمئنانها، يقول تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً}، الإنسان الذي يسلّم لله طائعاً سوف يؤدي صلاته على النبي امتثالاً لأمر الله،  وفي قوله تعالى : {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، إذ لا بد من تقوى الله حتى يكون الإنسان مع الصادقين اتباعاً ونهجاً .. يحدثنا الإمام أبو جعفر (ع) عن هذه الآية عندما سأله عنها أحد أصحابه قال : (إيانا عنى).

فالصادقون أهل بيت النبوة ولابد لأنفسنا أن تتحلى بالتقوى لتكون لمعرفتهم خير وعاء فـ(العاقل من كان ذلولا عند إجابة الحق منصفا بقوله)[4] كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام)..


[1] الكافي ، 401  ، 1

[2] سورة الأعلى ، من الآية 1 إلى 9

[3] مستدرك‏الوسائل    ، 9  ،  212  ،   11

[4] بحارالأنوار  ،   130  ،   1  ،  باب 4