نبض الإنسانية الخالد.. |
الثقافة الحسينية/ الفصل الأول: المعرفة الولائية الحسينية من المشتات إلى المنهجة |
معان وآفاق |
المنهجة هي أن نجعل الشيء ذا نهج، والنهج في اللغة بمعنى البيّن الواضح، ويقال انتهج الطريق أي : استبانه وسلكه. وفي الجانب الاصطلاحي الذي يتداوله المفكرون (للمنهجية) أنها اصطلاح يعني "إفادته من الطريقة التي يستخدمها نظام فكري أو علمي ما في جمع مادّة معرفية ـ أو معلوماتية ـ واستخدامه له"[1]. والبصائر القرآنية في موضوع المنهجة تغنينا وتزوّدنا بآفاق أخرى موضحة مقاصد المنهجة في عمقها المجتمعي من أجل الحفاظ على الثقافة الإلهية من تموجات الزمان وأهواء البشر.. يقول الله تعالى : {وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً}[2]. وفي تأمل قرآني لهذه الآيات الشريفة، يتّضح أن الله تعالى أنزل (الكتاب بالحق) فهو الذي يمثّل ثقافة الحق من الحق عز وجل، وهي بهذه الصفة لها الهيمنة[3] على سائر الثقافات البشرية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإن الله جل وعلا جعل لكل دين سماوي شريعة تمثّل القوانين والنظم و المعارف، ومنهاجاً يمثّل عملية التطبيق وضمان سيرها في الاتجاه الصحيح. ومن المعاني للشرعة والمنهاج في الآية نقل صاحب تفسير التبيان في تفسير القرآن، عن المبرّد قوله : "الشرعة ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستمر)، فالمنهاج بهذه المعاني المتوافقة يضمن وضوح الرؤية واستمرارها ضمن تطلّعات الإنسان ومعتقداته فلا ينفكّ عنها، وقد أشارت الآية المباركة إلى بعد هام يدعوا إلى أهمية أن يكون للإنسان منهج واضح في معارفه ودينه، وهو ضمانة استقلالية الفكر والمعتقد، وضمانة عدم إتباع العقل للأهواء البشرية التي تتربّص بالدين، وذلك في قوله تعالى: {وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}"[4]. وهذا تحديداً ما نهدف الوصول إلية (عدم التأثّر بأهواء البشر وما تروّج له من دعايات توهن ثقتنا ووعينا بالمسألة الحسينية الولائية) وذلك يتم عن طريق منهجة الأفكار بالاستدلال عليها وربطها بكليات مقاصد الشريعة ومضامينها.
|