ملحمة بطولة وجهاد عز..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

مراسم عاشوراء في التلفزيون السعودي

 

خلال أيام يدخل شهر المحرم الحرام أول أشهر السنة الهجرية الجديدة ويبدأ الشيعة السعوديين والشيعة في العالم إحياء الذكرى السنوية لشهادة ألأمام الحسين (ع) حفيد النبي محمد (ص).

وسيقوم مئات ألوف السعوديين وبعض المقيمين بالتوجه إلى عشرات الحسينيات العلنية والسرية والمساجد والمنازل الخاصة في كافة إنحاء المملكة ومنها العاصمة الرياض للاستماع إلى محاضرات من رجال دين أو مثقفين دينيا حول الذكرى والعبر التي تستخلص منها.

وتتوقف مدن منطقة القطيف وأغلب مدن الاحساء عن العمل بشكل شبه تام في يوم العاشر من المحرم، فلا محال تجارية تعمل ولا سوق يتحرك، ويتغيب أكثر الناس هناك عن أعمالهم ومدارسهم في ذكر مقتل الحسين. وفي السنوات الأخيرة اقترنت تلك المراسم بحملات كبيرة للتبرع بالدم يقوم بها مئات المواطنين في القطيف في مشهد غير مسبوق في تاريخ المملكة.

خلال دراستي في مدينة صغيرة في ولاية منيسوتا الأمريكية، بلغ عدد المسلمين فيها 310 شخصا أغلبهم طلبة من جمهورية بنجلاديش المسلمة، وكنا نحتفل بالأعياد الإسلامية عادة على ساحل بحيرة المدينة ويتبرع الطلبة بالشواء والحلويات والمشروبات الغازية. كان هذا منظرا جميلا أن يحتفل الهندي والباكستاني والمصري والسعودي وغيرهم بأعيادهم من دون مشكلة. لكن الجانب الأجمل هو التغطية الإعلامية التي كانت تحظى بها تلك الاحتفالات سواء من جريدة الجامعة أو جريدة المدينة، بل حتى من القنوات التلفزيونية في المدن المحيطة والتي تتجشم عناء القدوم إلى المدينة الصغيرة لتغطي احتفالاتنا الإسلامية في عمق أمريكا المسيحية.

99% من المسلمين في المدينة وقتها كانوا طلبة أجانب وغير أمريكيين، ولا يملكون حق الإقامة الدائمة، لكن لم يمنع ذلك وسائل الإعلام الأمريكية أن تغطي حدثا إخباريا صرفا يحدث في مدينة صغيرة، بل إن وسائل الإعلام صنفته في التعدد الثقافي القادم على تلك المدينة من وراء البحار. وهنا في واشنطن العاصمة الأمريكية تقوم قناة NBC 4 أكبر المحطات المحلية هنا ببث تهاني عيد الفطر عبر شاشاتها لنصف مليون مسلم في منطقة واشنطن الكبرى. وتغطي جريدة الواشنطن بوست تلك المناسبة سنويا في صفحة كاملة.

مراسم شهر محرم في السعودية هي الأضخم في كل دول الخليج العربية عدا العراق، ولكن على الرغم من ضخامتها وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية والثقافية - في المنطقة الشرقية على الأقل- تغيب تلك المراسم عن الإعلام السعودي بالكامل. فلا نرى خبرا أو تلميحا عن الفعاليات الكبيرة التي تتضمن تجمع عشرات الألوف من الناس للاستماع إلى خطباء معروفين على الساحة السعودية منهم الشيخ حسن الصفار، والسيد منير الخباز والشيخ حسن الخويلدي والشيخ محمد فوزي وغيرهم. بل أن التعمية الإعلامية تشمل احتفالات الشيعة و الاسماعيليين بعيدي الفطر والأضحى التي يحتفل بها كل المواطنون.

مراسم محرم وذكرى وفيات النبي محمد وفاطمة الزهراء والإمام علي وغيره من أئمة الشيعة مختصة بالشيعة، لكن الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وآله ومناسبات الإسراء والمعراج والبعثة النبوية وغيرها من المناسبات الإسلامية يشترك فيها الكثير من المواطنين من الحجازيين و سنة آخرون في أنحاء البلاد عوضا عن غالبية الدول الإسلامية ولكن تشملها سياسة التعمية الإعلامية أيضا.

ولهذا فأن غالبية الشعب في المملكة لا يعرف الكثير عن مراسم محرم وغيرها في بلادهم ولا يعرف أسبابها وتاريخها بل إن البعض منهم نسج في خياله تصورات وأوهام مجنونة عنها. فتسمع قصصا منهم عن شهر محرم يعف اللسان عن ذكرها، واللوم هنا يقع في المقام الأول على وسائل الإعلام لا على الناس البسطاء.

فمراسم محرم من ناحية خبرية لا غبار على أنها مادة خبرية دسمة، زيادة على أن إحياء ذكرى شهادة الحسين بلا شك هو حدث يستحق التغطية الخبرية في جرائدنا المحلية وقنوات التلفزيون الرسمية أولا ومنها القناة الأولى والثانية والإخبارية والقنوات التابعة للرسميين ومنها قناة "العربية" و"ام بي سي" و"أي آرتي" وقناة "أقرأ".

ان صحفنا التي تنشر الكثير من الأخبار بشكل يومي عن النشاطات الدينية المحدودة مثل المحاضرات والمخيمات التي يحضرها عشرات ومئات المواطنين ويقوم عليها التيار السلفي، تحجب أخبار مجالس عاشوراء مثلا التي يحضرها الآلاف وتضاهي غيرها من النشاطات.

وتنقل قناة "أي ار تي" التي يملكها رجل الأعمال السعودي صالح كامل حيا على الهواء طقوس إخواننا المسيحين العرب في ذكرى ميلاد السيد المسيح (ع) فلماذا لا تقوم بذلك مع أبناء البلد المسلمين؟ وتقوم قناة "إقرأ" التي يرأسها الدكتور محمد عبده يماني الشافعي المتصوف بدعوة السيد علي الحبيب الجفري وهو من علماء السنة المتصوفة بصورة متكررة. وقامت "أقرأ" أيضا قبل أسابيع بدعوة الشيخ سفر الحوالي أحد المتشددين دينيا والمغضوب عليهم حكوميا إلى برنامج حواري، إلا أن وزير الشئون الإسلامية منعه في إجراء مؤسف ومخالف لحقوق التعبير. فكون الحوالي متشددا لا يحرمه من حقه من الحديث في وسائل الإعلام الوطنية والتجارية.

إذن لماذا لا تجد هذا المناسبات الدينية والثقافية التي يحتفل بها المواطنين الشيعة و الحجازيون و الاسماعيليون وغيرهم أي تغطية في الإعلام المحلي والحكومي؟

إن التعمية الإعلامية التي مارستها وسائل الإعلام المحلي على المناسبات الدينية والثقافية التي يقوم بها المواطنين السعوديين أسهمت في شق صف المواطنين، وزرعت بذور الشك والريبة والكراهية بينهم. إن التغطية الصحفية لهذه المناسبات مهم جدا، لأنها ستساهم في ترشيد تلك المراسم وتوجيهها إلى السبيل الأمثل من جهة، وستساهم في إزالة الأفكار المغلوطة التي يحملها ملايين السعوديين عن مواطنيهم من جهة أخرى.

قد يقول البعض إن هذه المناسبات ليس لها شرعية دينية، وتدخل في باب البدع (حسب تفسيره) فنقول إن التغطية الخبرية لا علاقة لها بإقرار صحة شي من عدمه، فنحن نقرأ في الجرائد يوميا أخبار القبض على مهربي مخدرات و مروجي خمور ولا مجال للمقارنة.

السنا ندعي ان المواطنين سواسية؟ قد أتفهم سبب تمنع الإعلام الحكومي من تغطية هذه المناسبات، فالحكومة لازالت تعتمد الشوفينية في سياساتها الأمنية والإعلامية وغيرها، لكنني لا أفهم سبب إحجام الصحف المحلية "الخاصة" عن تغطية أحداث لها قيمة خبرية عالية في البلاد؟

لنتكلم بكل صراحة ووضوح، هل ستقوم صحافتنا المحلية هذه السنة بالحديث عن أن ملايين السعوديين سيحيون ذكرى إمام من أئمة المسلمين، ويتغيبون عن أعمالهم ومدارسهم لهذا الغرض؟ أم أننا سنواصل دس رؤوسنا في الرمال كالماضي؟

وهل سنملك الشجاعة يوما ما لتغطية أخبار احتفالات مئات ألوف المسيحيين في البلاد بأعيادهم الدينية ومناسباتهم الاجتماعية، والتي لازالوا يسرقون الاحتفالات بها من وراء الجدران؟ هل سنري يوما احتفالا لمقيمين هندوس وبوذيين وسيخ بأعيادهم الدينية والثقافية؟ فعيدي الفطر والأضحى ومولد النبي محمد عطل رسمية في الهند الهندوسية.

لا مفر هذه السنة من مواجهة الحقيقة التي ضللنا نهرب منها في الماضي. الحقيقة التي يجب أن نواجهها أن تفسيرات الإسلام والتاريخ متنوعة في بلادنا.

هذه رسالة لكل رؤساء تحرير الصحف ولكل الكتاب والصحفيين في البلاد وخصوصا المثقفين الذين يتهمون السلفيين والمتشددين بعدم التسامح، أن يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية ويثبتوا للناس أنهم أكثر تسامحا من المتشددين الذي كثيرا ما نظلمهم أيضا ونحن نعمل عملهم.

في الأخير، إن الاحتفال بالمناسبات الدينية والثقافية للمواطنين و المقيمين حق لهم لا يملك أحد إلغائه، وتدخل التغطية الإعلامية تحت هذا الحق فلا تسلبوهم يا صحافة حقوقهم. أتمنى أن أرى في الأيام القادمة تقارير إخبارية عن مراسم إحياء ذكرى الحسين والمناسبات الأخرى لدينا على القناة الإخبارية، و القناة الأولى، وأن تغطي جريدة الرياض وغيرها تلك المراسم بكل وضوح كما أي خبر آخر. أتمنى أن يبادر الصحفيون الليبراليون على الأقل بذلك.....

المصدر: (علي أل أحمد - وكالة الأخبار السعودية - إخبارية مستقلة)

شبكة النبأ المعلوماتية/ ملف عاشوراء 1425هـ