نبض الإنسانية الخالد..

كتب عاشوراء

 صفحة عاشوراء

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

   

 العودة الى فهرس الكتاب

 

من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الثاني

مبادئ وآليات في التطوير

 

1/ التطوير ضمن خصائص المنبر ، وضمن الدور الذي يفترض أن يؤديه : ينبغي أن يكون حادي المطالبين بتطويره وسائقهم .

ربما يطرح البعض وسائل للتطوير بعيدة عن خصائص المنبر ، مثل أن يتحول إلى ندوة أو محاضرة تتخللها المناقشات والمداخلات .. أقول بعيدة عن خصائصه فإن المأخوذ في المنبر أن يكون فيه جانب الوعظ والتلقي والارشاد .. بينما ليس  كذلك ـ بالضرورة ـ في الندوة أو النقاش المفتوح . أو قد يطرح فيه أمر القراءة على الورقة المكتوبة ، بينما المألوف فيه والأكثر تأثيرا هو الخطاب المباشر ارتجالا ـ والارتجال لا يعني بالضرورة عدم الاتقان أو عدم التحضير ـ .

2/ لا للتطوير القفزي والقسري : مع إيماننا بضرورة التطوير ، إلا أن المقبول منه أيضا ينبغي أن يكون تطويرا تدريجيا حتى يتقبله المجتمع بصورة سلسة ، فإنه ليس أعسر على الناس من تغيير عاداتهم ، ومألوفهم .

إن الحق مع وضوحه لكنه مع ذلك يحتاج إلى أسلوب مناسب في إيصاله إلى الناس و ( بلاغ مبين ) ويحتاج ( قولا لينا ) . وتكوير المنبر وتجديده ، وإضفاء عناصر القوة عليه أيضا يحتاج إلى عمل تدريجي بحيث يستقبله الناس .

إن الصورة التي نراها اليوم للمنبر الحسيني ليس هي نفس الصورة التي كان عليها قبل مئات السنين، بل  ولا قبل عشرات  السنين ، وإنما تعرض لتطوير ـ كما سنتعرض إليه ـ على مدى سنوات ، من مجرد كونه فترة رثائية إلى ما نراه اليوم من كونه ، إضافة إلى مساحة الحزن التي يحتلها ، مشعلا ثقافيا وعلميا .

3/ الحاجة إلى العمل بالوسائل الحديثة العامة في التطوير : بالرغم من أن الدعوة إلى تطوير المنبر ينبغي أن يستشعر بها كل ممارس لهذه المهمة المقدسة ، وأن يقوم بتطوير منبره ، وتحسين أدائه فيه باندفاع ذاتي ، إلا أن ذلك لا يغني عن الدعوة إلى التطوير العام ، باستخدام الطرق الحديثة التي يعتمدها العلم اليوم .

فمن المهم مثلا أن تقام دورات تخصصية في فن الخطابة ـ سواء في الجانب الرثائي والعزائي أو جانب الموضوع وكيفية إعداده أوطرق التأثير على الناس ـ . فإن ما سوى الجانب الأول توجد فيه كتب ومتخصصون ، ومع أن في منابرنا جانبا خاصا سواء لجهة المستمعين أو نوعية الحديث إلا أن ذلك لا يمنع من الاستفادة من الأمور العامة التي لا تخص خطابا دون غيره .

بل ينبغي أن يسعى إلى تأسيس معاهد وكليات للخطابة ، ولو في الحوزات العلمية ، وأن تعقد مجالس  خاصة للخطباء يتم فيها تداول أمر المنبر الحسيني ، سواء في تقييم الدور الذي يقوم به في كل مجتمع ، أو في المواضيع التي ينبغي أن تطرح ، ولأجل استفادة كل جيل من خبرات الجيل الذي سبقه .

ونحن نحمد الله أن هناك حركة طيبة بهذا الاتجاه ، فهناك مجلات تخصصية تعنى بشأن المنبر الحسيني، وهناك دورات كثيرة قد تأسست في الحوزات والمدارس الدينية ، وهناك مكاتب تخصصية(1).. وإن كانت المهمة أعظم من هذا المقدار الموجود ، كماً وكيفاً ، لكنه عمل يبشر بالكثير من الخير المستقبلي ، جزى الله القائمين عليها خير الأجر والثواب .

مجالات التطوير المقترحة :

مجال الرثاء والتعزية(2):

كانت بدايات المآتم الحسينية وما يذكر فيها من أمور مأساوية جرت في كربلاء ، تحقق أمرين : تفريغ زخم اللوعة والألم الموجود في نفوس أهل البيت وشيعتهم ، ونشر الظلامة الحسينية وشحن النفوس على أثرها بالنقمة على أعداء الحسين . وهنا تحول إلى دور رسالي رائد ، ولهذا أصر أهل البيت عليهم السلام عل عقد المجالس بما يستطاع . فإنه من جهة كانت تصنع الفرد الرسالي وتربيه وكانت أيضا تهدف هدم صروح الظلم بالوسيلة المتيسرة .

ومع أن هناك من ينتقد التعاطي مع الرثاء وجانب المصيبة في المجلس إلا أنه لا بد من التعادل في الأمر فلا يصح التخلي عنه من جهة كما أنه لا ينبغي الإغراق فيه من جهة أخرى .وإنما نمسك العصى من وسطها فنقف بين المصرّين عليها وعلى توسعتها وبين المطالبين بحذفها والإستغناء عنها .

ويقترح أن يتم التركيز على الشعر القريض والمنتقى والذي يتميز بأداء حار ومستوى مرتفع ، بل حتى في الشعر الدارج والعامي يوجد ما هو عالي المضامين ، وجيد السبك ، وفيه ما هو هابط . فلينتخب ما هو في مستوى إعلاء شأن صاحب النهضة وأصحابه ونسائه.

انظر إلى الفرق بين شعر الشريف الرضي(3) ، والسيد حيدر الحلي(4)، والكعبي ، والكواز، والقسام ، والهندي(5)، ونظرائهم وفي المقابل استمع إلى بعض ما يقرأ في المجالس حيث لا تجد غير ركة المعاني ، واصطناع الألفاظ ..

ثم تأمل في الصور التي يظهرها  هذا الشاعر أو ذاك ويجليها في أفضل نحو.. كما نجد في ملحمة الدمستاني ( أحرم الحجاج ..) فقد جمع  ( كل الصيد في جوف الفرا ) و مثلما صنع الجمري(6) في تصويره شجاعة الحسين ( صوّل أبو سكنه ..) والتي أبدع فيه رسم صور البطولة بقدر ما أجاد في التقاط معاني الثورة ، وغيرهم ولا نريد الآن التعرض إلى كل من أجاد وأحسن . وفي المقابل مثلا الصورة التي نجدها عن الإمام زين العابدين عليه السلام وكأنه لا يدري عن شيء مما يجري حوله في المعركة ، فلا هو يعلم عن الأنصار وشهادتهم ولا يعرف شيئا عن بني هاشم وقتالهم ، بل كان نائما(7).. ويحتاج إلى زينب أن توقظه وتخبره !! أو أنه في طريق السبي يصيح واذلاه !! أين عشيرتي ؟ .

ومع أن الخطيب يبحث عادة عن القصيدة شديدة الوقع على المستمع ، حتى يبكي ويحظى الخطيب والمستمع بثواب ( من بكى وأبكى ) ، إلا أن من القصائد ما هو عالي المضمون وجيد السبك وشديد التأثير في نفس الوقت .

لا ننسى أن نشير هنا ونحن في هذه العجالة إلى أن ارتفاع المستوى الثقافي للمستمعين والذي يلاحظه الخطيب بادنى تأمل ، يحتاج أيضا إلى الارتفاع في مستوى الصور ـ حتى الرثائية منها ـ والتي تلقى على أسماعهم .

كما أنه ينبغي اختيار القصائد التي تنسجم في مضامينها مع القضايا التاريخية الثابتة في السيرة ، وذلك أن الشعر هو أيضا من منافذ الثقافة العامة التي تتسرب للمستمع ، فأنت تجد من يعتقد بقضية والدليل عليها هو أنها قد وردت في شعر دارج قد سمعه من خطيب .. كما حدث أن سأل أحدهم عن عدد الجيش الأموي فلما قيل له أنهم حوالي ثلاثين ألفا ، لم يقبل ذلك لأن العباس عليه السلام قد قتل في كل حملة عشرة آلاف كما في بعض الأشعار التي سمعها !!

وسؤال البعض عن قدوم الامام علي عليه السلام ليلة الحادي عشر من المحرم ، وفي بعض الأشعار أنه كان بصورة أسد ، أو وجود ابن العقيلية في الشام .. وهكذا .. وهذه كلها قضايا تحتاج إلى تحقيق .. لكنها تحولت بعدما صارت شعرا إلى جزء من السيرة الثابتة .

 


(1) نشير هنا بإكبار للعمل الموسوعي الضخم الذي يقوم به المحقق الشيخ الكلباسي في كتابه ( دائرة المعارف الحسينية ) الذي يفترض أن يزيد على الخمسمائة مجلد .

(2) سوف نستفيد في هذا  العنوان بشكل أساسي من الكتاب القيم الذي أنصح قارئي بقراءته ، للشيخ الوائلي : تجاربي مع المنبر .

(3) محمد بن الحسين بن موسى توفي عام 406 هـ  في بغداد ، فقيه عالم وأشعر الطالبيين انتهت إليه نقابة الأشراف في حياة والده ، له ديوان شعر ، وعدة كتب منها المجازات النبوية ، وحقائق التأويل في متشابه التنزيل ، و ( رسائل الصابي والشريف الرضي ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ..

(4) حيدر بن سليمان الحلي توفي عام 1304 هـ في الحلة  شاعر أهل البيت له ديوان الدر اليتيم ، والأشجان في مراثي خير إنسان . وأفضل شعره حولياته في الحسين عليه السلام

(5)  تجد تراجمهم وتراجم غيرهم من عمالقة الشعر الحسيني في كتب متعددة منها ( أدب الطف للسيد جواد شبر ، والنجفيات للشيخ علي الخاقاني ، وشعراء الحسين ..

(6) عطية بن علي الجمري البحراني ، خطيب حسيني وشاعر مجيد لا سيما بالدارجة ، يفضل شعره على غيره من قبل خطباء المنبر ، طبع من شعره خمسة مجلدات باسم ( الجمرات الودية في المودة الجمرية ) .

(7) هناك بعض الروايات تشير إلى أن مرض الامام زين العابدين قد حصل من مشاركته في القتال وأنه جرح حتى ارتث .. وقد نتعرض إلى تحقيقها ، وملاحظة صحتها أو عدم ذلك  في القسم الثالث من الكتاب . . وشتان بين الصورتين .