نبض الإنسانية الخالد.. |
من قضايا النهضة الحسينية /أسئلة وحوارات / القسم الأول |
ملاحظات على قضايا تأريخية |
هل التقى الركب الحسيني بجابر بن عبد الله الأنصاري ؟ بعد رحلة متعبة ومجهدة إلى الكوفة ثم إلى الشام ، استمرت قرابة أربعين يوما ، عاد الركب الحسيني محملا بأثقال الألم ، إلى جانب أكاليل النصر و تحقيق هدف النهضة الحسينية (وهل كانت ولادة الأهداف السامية من غير ألم ؟) ، واتجه إلى كربلاء ..حيث موطن الذكريات . وهناك التقى عند المصرع بجابر بن عبد الله الأنصاري فقد روى الشيخ عماد الدين محمد بن أبي القاسم محمد بن علي الطبري في كتابه بشارة المصطفى قصة الحادثة كما يلي : أخبرنا الشيخ الامين ابوعبدالله محمد بن شهريار الخازن بقرائتي عليه في مشهد مولانا أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام في شوال سنة اثنى عشرة وخمسمائة قال أملى علينا ابوعبدالله محمد بن محمد البرسي قال أخبرني ابوطاهر محمد بن الحسين القرشي المعدل قال حدثنا ابوعبدالله أحمد بن أحمد بن حمران الأسدي قال حدثنا ابوأحمد اسحق بن محمد بن علي المقري قال حدثنا عبدالله قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن الايادي قال حدثنا عمر بن مدرك قال حدثنا يحيى بن زياد الملكي قال أخبرنا جرير بن عبدالحميد عن الاعمش عن عطية العوفي قال : خرجت مع جابر بن عبدالله الانصاري زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب " ع " فلما وردنا كربلا دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر بأزار وارتدى بآخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى حتى اذا دنا من القبر قال ألمسنيه فألمسته فخر عل القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما أفاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال وانى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك فاشهد انك ابن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكسا وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء وما لك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الإيمان وفطمت بالإسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير ان قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك ولا شاكة في الخيرة لك فعليك سلام الله ورضوانه وأشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا . ثم جال بصره حول القبر وقال : السلام عليكم أيتها الارواح التي حلت بفناء الحسين وأناخت برحله وأشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين والذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه . قال عطية : فقلت له يا جابر كيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت أزواجهم فقال يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم والذي بعث محمدا بالحق نبيا ان نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين " ع " وأصحابه . خذني نحو إلى أبيات كوفان فلما صرنا في بعض الطريق قال يا عطية هل اوصيك وما اظن انني بعد هذه السفرة ملاقيك أحبب محب آل محمد صلى الله عليه وآله ما أحبهم وابغض مبغض آل محمد ما أبغضهم وإن كان صواما قواما وارفق بمحب محمد وآل محمد فانه إن تزل له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له اخرى بمحبتهم فان محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار(1). وقد شكك الشهيد الشيخ المطهري رحمه الله في الملحمة الحسينية بأمر لقاء الركب الحسيني بجابر بن عبد الله الأنصاري ، وذكرها تحت عنوان التحريفات اللفظية : قصة زيارة الأسراء لقبر الحسين في كربلاء وملاقاة السجاد لجابر وذلك بعد أن وصل الأسرى إلى مفترق طريق بين المدينة والعراق والاستعانة بالنعمان بن بشير لمعرفة طريق كربلاء في حين أن حقيقة الزيارة المعروفة هي زيارة جابر وعطية العوفي لقبر الحسين لا غير . (هذا على فرض كون كل ما جاء في الطبعة العربية المترجمة صحيح النسبة إلى الشهيد المطهري وهو ما لم يقبله المحقق السيد جعفر العاملي في كتابه الجديد كربلاء فوق الشبهات ) . ولم يذكر الشهيد المطهري رحمه الله ـ وهو المحقق المتتبع ـ ما يدل على كون الواقعة غير حقيقية ، أو جهة كونها من التحريفات اللفظية ! ولعل حرصه على أن تكون الأمور محققة وحماسه ضد المبالغات غير المقبولة في السيرة الحسينية كما يلحظ ذلك قارئ الملحمة أدى به لذلك . فمع أننا لا نجد تأريخا صريحا للواقعة في المصادر التاريخية القديمة ـ في الباقي منها ـ كما هو الحال في الباقي من مقتل أبي مخنف الأزدي ، والذي نقل منه الطبري كثيرا ، ولم ينقله بكامله ، وإنما نقل ما يرتبط بالقضية التأريخية التي تنفعه في كتابه .. و لا يضر عدم ذكره الواقعة فإنه لم يذكر أصل زيارة جابر الانصاري ، كما لا يضر عدم ذكرها في المصادر التاريخية القديمة . فإن أول من ذكر الزيارة هو صاحب بشارة المصطفى المتوفى بعد سنة 553 هـ فإنه قد التزم الشيخ الطبري بأنني (سميته بكتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى صلوات الله عليهم ولا أذكر فيه إلا المُسنَد من الأخبار عن المشايخ الكبار والثقاة الأخيار ..) والشيخ الطبري وهو من تلاميذ ابن شيخ الطائفة الطوسى أعلى الله مقامهم في تلك الطبقة يمكن أن تقبل شهادته في التوثيق وأنها عن حس لا عن حدس واجتهاد . ومع هذا يمكن الاطمئنان إلى وثاقة من هم في سند هذه الرواية التي نقلها في كتابه . . فإنهم يتحدثون في علم الرجال في باب التوثيقات العامة عن كتاب بشارة المصطفى كواحد من الكتب التي تفيد وثاقة من ورد في اسانيد رواياته ـ إما كل من ورد في سلسلة السند كما لعله الأظهر باعتبار أن صاحب الكتاب وهو الضليع في هذا الفن يريد أن يصحح رواياته وهذا لا يتم إلا بالحكم بوثاقة من هم في السند جميعا وإما خصوص مشايخه على الخلاف المبحوث في بابه ـ . كما ذكر الشيخ الجليل نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر ابي البقاء هبة الله بن نما الحلي (وهو الشيخ الفقيه الذي كان من الفضلاء والأجلة وكبراء الدين والملة ، عظيم الشأن جليل القدر ، وأحد مشايخ آية الله العلامة ... كما ذكر المحدث القمي في الكنى والالقاب وغيره في غيره) و المتوفى سنة 645 هـ في كتابه ( مثير الاحزان ص 76 طبع المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف بنحو الاختصار موضوع اللقاء بين جابر وبين ركب السبايا فقال ولما مر عيال الحسين بكربلا وجدوا جابر بن عبدالله الانصارى رحمة الله عليه وجماعة من بنى هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد فتلاقوا بالحزن والاكتياب والنوح على هذا المصاب المقرح لاكباد الاحباب،..وقد طبع هذا الكلام في حاشية مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي ص220 . وقد ذكر الموضوع أيضا السيد علي بن طاووس الحلي المتوفى سنة 664 هـ في كتابه اللهوف في صفحة 196 فقال : ولما رجع نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ووصلوا إلى المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم . ونحن لا نرى وجود مانع يمنع من الالتزام بالرواية المذكورة ، فمن الناحية التاريخية كان دخول السبايا إلى الشام في أول يوم من صفر كما رواه الكفعمي والبهائي والمحدث الكاشاني وكان بقاؤهم في الشام خمسة أو سبعة أيام ، ثم عودتهم إلى كربلاء ـ مع ملاحظة أن ذهابهم كان أكثر من ذلك لتوقفهم في الكوفة ، ولأنهم كانوا يريدون التفرج عليهم في رحلة الذهاب بخلاف ذلك في رحلة العودة ، وعلى أي حال فإن خمسة عشر يوما أو ثلاثة عشر يوما كافية للوصول إلى كربلاء في رحلة العودة . هذا ولكني عثرت فيما بعد على كلام لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله يشير فيه إلى يوم الأربعين باعتباره اليوم الذي عاد فيه حرم الحسين عليه السلام إلى كربلاء وهو نفسه اليوم الذي زار فيه جابر بن عبد الله قبر الحسين ، فأحببت إضافته إلى هذه الصفحات . وربما يتوهم أنه اليوم ( كتاريخ ومناسبة ) لا اليوم الشخصي لكنه بعيد جدا من سياق الخبر كما ستلاحظ : قال الشيخ في مصباح المتهجد : ( وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنه من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فكان أول من زاره من الناس ويستحب زيارته عليه السلام فيه وهي زيارة الأربعين ..) (2). * هل كانت أم البنين موجودة بعد كربلاء ؟ جرت عادة الخطباء على ذكر أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية ، واستقبالها بشر بن حذلم ، ثم استقبالها للركب الحسيني ، والنساء ، وهكذا خروجها لندبة أبنائها ، ولكن استبعد المحقق المقرم في كتابه القيم ( مقتل الحسين ) بقاء أم البنين وأنها كانت موجودة إلى يوم الطف .. ونحن لا نرى استبعاد العلامة المحقق السيد المقرم رحمه الله في محله . فإنه بعد أن قال : لم اعثر على نص يوثق به يدل صراحة على حياة أم البنين يوم الطف ، ثم بدأ بمناقشة رواية أبي الفرج الاصفهاني عن محمد بن علي بن حمزة عن النوفلي عن حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام أن أم البنين كانت تخرج إلى البقيع تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها فيجتمع الناس اليها ليسمعوا منها وكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك فلا يزال يسمع ندبتها .. ثم شرع في مناقشة رواة السند ، قائلا بأن رجال اسناده لا يعبأ بهم ، فإن النوفلي وهو ، حكي عن أحمد أن عنده مناكير ، وعند أبي زرعة ضعيف الحديث ، وعامة ما يرويه غير محفوظ ، وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا ، وقال النسائي متروك الحديث . ومعاوية بن عمار بن ابي معاويه قال أبو حاتم لا يحتج بحديثه ، وإن أريد غير هذا فمجهول .. ثم عرج على المتن ، وانتهى إلى أن نسبة أبي الفرج خروج ام البنين إلى البقيع هي فرية واضحة إذ لا شاهد عليها وغايته التعريف بأن مروان بن الحكم رقيق القلب .. ثم عطف المحقق المقرم على ذلك أن أبا الفرج ناقض نفسه بأن قال في موضع آخر أن العباس كان آخر من قتل من إخوته فحاز مواريثهم وورث العباسَ ابنُه .. عبيد الله ، وهذا يفيدنا وثوقا بوفاة أم البنين يوم الطف فإنها لو كانت موجودة لكان ميراث العباس مختصا بها لكونها أمهم ولا يرثهم العباس لأنه أخوهم . ذكر ذلك في سفره القيم ( مقتل الحسين ) . ولنا مع العلامة المحقق المقرم رضوان الله عليه وقفتان : الأولى : نقاشه في رجال السند : فأول ما هو مذكور في رواية أبي الفرج ( علي بن محمد بن حمزة ) وهذا الشخص لا ذكر له في كتب الرجال أصلا ، ويظهر أن في اسمه تقديما وتأخيرا والصحيح هو ( محمد بن علي بن حمزة المعروف بالعلوي ) وهو بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام والذي نقل عنه أبو الفرج كثرا واعتمد عليه فقد ورد ذكره في أكثر من عشرين موضعا من كتاب المقاتل ، وروى عنه النوفلي علي بن محمد أيضا في المقاتل ، وهذا الرجل يظهر أنه كان محيطا بأخبار حركات أبناء الائمة ، وتاريخ نهضاتهم ضد الحاكمين فكان المصدر الأساسي الذي اعتمد عليه أبو الفرج في كتابه ، وهو كما يقول النجاشي ( ثقة عين في الحديث صحيح الاعتقاد له رواية عن ابي الحسن وأبي محمد عليهما السلام ، وله مكاتبة وفي داره حصلت أم صاحب الأمر بعد وفاة الحسن عليه السلام ) . ويذكر آية الله الخوئي في معجمه أن له كتاب بإسم مقاتل الطالبيين . وأما النوفلي فإنه لقب رجال كثيرين منهم الحسن بن محمد بن سهل ، وعبد الله بن الفضل بن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وهو من اصحاب الصادق وثقة ، والحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي ، وهو من أصحاب الرضا ، وعلي بن محمد بن سليمان النوفلي وهو من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكري . والمكثر للروايات في الفقه هو الحسين بن يزيد الذي يروي عن السكوني عادة ، وله في ابواب الفقه لا سيما في المعاملات روايات كثيرة . ولكن الذي يروي عنه أبو الفرج في المقاتل ليس هذا ،وليس كما ذكر السيد المقرم أنه يزيد بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ..وإنما هو علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، ومع التتبع لكتاب المقاتل يظهر أنه يعتمد عليه اعتمادا كبيرا فيما ينقل من أمور ترتبط بأبناء علي عليه السلام في أكثر من 23 موضعا ، وهذا بدوره ينقل عن أبيه كثيرا ، فترى صاحب المقاتل ينقل عنه في قضية يجيى بن زيد ويعتمد على روايته بشكل أساسي في نقل أحداث حركة عيسى بن زيد ، وفي ثورة ابراهيم بن عبد الله بن الحسن . وهذا النوفلي قد يذكر في الرجال تارة بعنوان علي بن محمد وأخرى علي بن محمد بن سليمان ، ومع أن له رواية عن الإمام الجواد عليه السلام ، ومكاتبة للإمام العسكري عليه السلام ، وقد ذكره الصدوق في مشيخته ، وطريقه إليه صحيح .. إلا أنه لا توثيق له بخصوصه وإن كان اماميا ، لكن يمكن استفادة ذلك من التوثيق العام بالنسبة لمن لم يستثن من كتاب نوادر الحكمة ، بناء على أن عدم الاستثناء لهم لا يختص بتصحيح الروايات في الكتاب المذكور وإنما هو اضافة إلى ذلك توثيق للرواة . كما هو مسلك كثيرين .. فإنه قد ذكر علي بن محمد النوفلي في من لم يستثن من رواة كتاب النوادر. والنوفلي روى في أصول العقائد كما هو في الكافي في أكثر من موضع ، وفي الفروع أيضا، لكن يبدو أنه كان متخصصا أكثر في حقل التاريخ وضبط أحداث معارضة أهل البيت وأبنائهم للحاكمين ، ولذلك اعتمده أبو الفرج في مقاتله ، وروى عنه الطبري أيضا أحداث الثورات التي تقدم ذكرها . وأما حماد بن عيسى الجهني من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام كان ثقة في حديثه صدوقا ، وممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأقروا لهم بالفقه . وأما معاوية بن عمار بن أبي معاوية فهو العجلي الدهني ، من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، وقد نص على توثيقه وجلالة شأنه من تعرض لذكره في الرجال ، فقد قال النجاشي : كان وجها من أصحابنا متقدما كبير الشأن عظيم المحل ثقة ، وكان أبوه عمار ثقة في العامة وجها ، روى معاوية عن ابي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ومات في سنة خمس وسبعين ومائة . ومثله ذكر في الخلاصة . ولذا فمن العجيب أن ينقل العلامة المقرم قول أبي حاتم فيه : أن معاوية بن عمار بن أبي معاوية لا يحتج بحديثه ، وإن أريد غير هذا فمجهول . إذ تضعيفه عندهم كما هو جار في غيره ، إنما هو على أساس مذهبه وتشيعه ، فإنهم يسارعون إلى الطعن فيمن عرف عنه تشيعه لعلي عليه السلام ويكفي عندهم لعدم الاحتجاج بحديثه كونه رافضيا ـ كما يقولون ـ فكيف إذا كان وجها عندنا وعظيم الشأن ؟؟ ولم يكن منتظرا من المحقق المقرم الذي له الباع الطويل في هذا المجال أن يعتمد على تضعيف الرجاليين المخالفين لرواة أهل البيت ، خصوصا أنه ذكر في المقتل بعض النماذج على التضعيف لأجل المذهب ، وفي كتابه (العباس) قال في ذيل الحديث عن الأصبغ بن نباتة عندما نقل صاحب اللئالي المصنوعة فيه أنه متروك لا يساوي فلسا قال المقرم : ولقد طعنوا في أمثاله من خواص الشيعة بكل ما يتسنى لهم ، ويشهد لهذه الدعوى مراجعة ما كتبه السيد العلامة محمد بن أبي عقيل ( العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ) فإنه ذكر جملة من أتباع أهل البيت طعنوا فيهم بلا سبب إلا موالاة أمير المؤمنين وولده عليهم السلام . وأما كلامه في المتن : أما قوله أن خروج أم البنين فرية واضحة غايتها التعريف بأن مروان بن الحكم رقيق القلب فاستدرار الدمعة إنما يتسبب من انفعال النفس ..الخ ، فإنه يمكن على فرض صحة الخبر أن يكون ذلك من اظهار البكاء ، واصطناع حالة البكاء الكاذب ، وليس هذا بعيدا من شخصية مروان المنافقة ، حيث أنه قد يعمل الشيء وضده ، والأمر وخلافه إذا رأى في ذلك مصلحة دنيوية عاجلة ..فهو على عدائه المعروف لأهل البيت لا يعدم وسيلة لكي يحوز بها على بغلة للحسن المجتبى عليه السلام فيدفع أحدهم لمدح الإمام مدحا عظيما ..الى آخر ما ذكروه في أحواله .فمثل هذا الأمر ـ حضوره في الجبانة ـ وإظهار شخصه أمام السذج بمظهر المتعاطف ليس شيئا مستنكرا . فكم وجدنا من السياسيين ، والزعماء الدنيويين من يقتل القتيل ويمشي في جنازته باكيا !! ثم إنه بمراجعة كتابه الآخر ( العباس ) يتبين أن السيد المقرم رحمه الله يخالف نظريته في كتاب مقتل الحسين في أكثر من موضع ويبني على أساس أن أم البنين كانت موجودة إلى ما بعد زمان واقعة كربلاء ، فقد ذكر في صفحة ( 133 ) أن السيدة زينب قد زارت أم البنين بعد وصولهم إلى المدينة تعزيها بأولادها كما كانت تزورها ايام العيد . وتعزية زينب عليها السلام وزيارتها لأم البنين بعد وصولهم إلى المدينة يشير بوضوح إلى حياتها إلى ذلك الوقت . بل أن ما نفاه هناك ، أثبته هنا في مواضع متعددة منها في صفحة 398 حيث قال : وأول من رثاه _ العباس ـ أمه أم البنين كما في مقاتل الطالبيين فإنها كانت تخرج إلى البقيع تندب أولادها اشجى ندبة وأحرقها فيجتمع الناس لسماع ندبتها … ويستدل على خطأ ما نقله أبو الفرج والطبري من أنه أبا الفضل قدم إخوته ليقتلوا أمامه لكي يرثهم (!!) يقول في صفحة 203 : وما أدري كيف خفي عليهما ـ أي المؤرخين المذكورين ـ ( عدم إمكان ) حيازة العباس ميراث إخوته مع وجود أمهم أم البنين وهي من الطبقة المتقدمة على الأخ ، ولم يجهل العباس شريعة تربى في خلالها .. كما يقول مثبتا وجود أم البنين حتى يوم الطف ، في صفحة 206 : وهناك مانع آخر من ميراث العباس لهم وحده حتى لو قلنا على بعد ومنع بوفاة أم البنين يوم الطف لوجود الأطرف وعبيد الله بن النهشلية ..كما يشاركهم سيد شباب الجنة وزينب وأم كلثوم وغيرهن من بنات أمير المؤمنين …هذا إن قلنا بوفاة أم البنين يوم الطف ، ولكن التاريح يثبت حياته يومئذ وأنها بقيت بالمدينة وهي التي كانت ترثي أولادها الأربعة .. ولا نعلم عن تأريخ الكتابين وأيهما المتقدم ليكون المتأخر هو الناسخ ، والرأي الأخير للمؤلف ، فإن كان العباس هو الكتاب الأخير يكون ما ورد فيه عدولا عن ما ورد في كتاب مقتل الحسين ، وإن كان العكس فيلزم أن يشير إلى ما سبق أن شيده وأكده في كتاب العباس ؟ وعلى كل حال فإن ما بذله المحقق المقرم رضوان الله عليه من جهد ـ في كتاب مقتل الحسين ـ في نفي حياتها أخيرا مع أنه كان في بداية حديثه مقتصرا على عدم العثور على نص يوثق حياتها ، لا يمكن المساعدة عليه أو قبوله . ونفس الكلام الذي قاله بعدم وجود نص يوثق حياتها يعود في عدم وجود نص يوثق وفاتها ، مع أن بقاءها إلى ما بعد مقتل الحسين عليه السلام أمر طبيعي ، وهو مقتضى الأصل . كيف يمكن تقييم حركة المختار الثقفي وشخصيته ؟ فإننا نلاحظ في الروايات مدحا له وذما ؟ تعرض المختار بن أبي عبيدة الثقفي رحمه الله إلى حملة تشويه لحركته ولشخصيته على السواء من قبل فئتين في التاريخ الإسلامي : الأمويين الذين حاربهم في البداية واستأصل شوكتهم ، وانتقم لآل محمد منهم ، وسيأتي في الملحقات ذكر بعض من أقام عليهم جزاء جناياتهم من قادة الأمويين وأتباعهم الذين كان لهم دور سيء في كربلاء . ومن الزبيريين الذين حاربهم وهزمهم في البداية ومع أنهم قد انتصروا عليه في نهاية الأمر لفترة قصيرة لكي ينهزموا بعدها أمام الأمويين ، إلا أن المختار كان قد عبأ الجو الكوفي الذي كانوا يحاولون استمالته إلى جانبهم ، عبأه ضدهم فلم ينتفعوا به إلى الأخير . فكان أن شنوا عليه الحرب الاعلامية ـ أثناء المعركة ـ وبعدها .. وإذا علمنا أن من الزبيريين من كان شغله التأريخ وذكر الانساب ، فغذوا المصادر التاريخية بعدهم بالمعلومات المشوهة لحركة المختار وشخصيته بما يصل في بعضها إلى التناقض أوالتضاد ولكن ذلك لا يهم إذا كان الغرض عندهم يتحقق . وربما وصلت تأثيرات تلك الحرب الاعلامية إلى الوسط الذي كان يؤيد حركة المختار مما يشير إليه النهي الصادر عن الإمام بأن لا يسبوا المختار ولا يتكلموا ضده . فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام : لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا وطلب بثأرنا وزوج أراملنا وقسم فينا المال على العسرة وقد رواه الكشي بسنده عن حمدويه عن يعقوب عن ابن ابي عمير وهم ثقات عن هشام بن المثنى وهو وإن لم يوثق توثيقا خاصا إلا أنه ممن روى عنه المشايخ الثقات عن سدير والد حنان وهو ممدوح وممن روى عنه المشايخ الثقات ، وقد استحسن هذا الطريق في الخلاصة وكذا السيد بن طاووس . وعن الصادق عليه السلام بسند حسن : ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه السلام رواه الكشي عن ابراهيم بن محمد بن العباس الختلي ( وهو ممدوح ) عن أحمد ابن ادريس عن محمد ابن احمد عن الحسن بن علي ( بن عبد الله بن المغيرة ) عن العباس بن عامر عن سيف بن عميرة عن جارود بن المنذر ( هؤلاء تقات اماميون ) . والغريب أن هذه الحملة المضادة للمختار اشترك فيها ( المتخاصمان ) من الأمويين الذين انتقم منهم ومن أنصارهم ، ومن الزبيريين الذين ثار على واليهم في الكوفة وهم الذين تحالفوا فيما بعد مع من استطاع الهرب من قتلة الحسين عليه السلام .. وعملوا على تلك الحملة بشكل دقيق ومستمر مما جعل أثرها يبقى إلى الآن في كتب التاريخ والأدب . فتارة يصورونه بأنه ادعى النبوة وأن الوحي ينزل عليه وأخرى يتهمونه بأنه من الكيسانية أتباع محمد بن الحنفية ، ولا أدري ( ولا المنجم يدري ) كيف يجتمع ادعاء النبوة مع اتّباع محمد بن الحنفية ؟ والمشكلة التي ساعدت على انتشار مثل هذه التهم أن الظرف الذي كان يمر به الإمام زين العابدين لم يكن ليسمح له باظهار علاقة المختار به .. وربما يلاحظ أن في كتب الرجال روايات يستفاد منها ذم المختار بن ابي عبيدة وهذه إما أن تكون غير نقية السند ، وإما أنه يمكن توجيهها ببعض الجهات ، فإن من أفضل أصحاب الإمامين الباقر والصادق وهو زرارة لو لم يكن أفضلهم ، ومع ذلك قد وردت روايات ـ وبعضها تام السند ـ فيها ذم ظاهري له ، وذلك للحفاظ عليه مثلما خرق الخضر السفينة لكي تنجو من الملك الغاصب . فمنها ما رواه جبرئيل بن احمد عن العنبري عن محمد بن عمرو عن يونس بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السلام : كتب المختار بن أبي عبيدة إلى علي بن الحسين وبعث إليه بهدايا من العراق فلما وقفوا على باب علي بن الحسين دخل الآذن يستأذن لهم فخرج إليه رسوله فقال : أميطوا عن بابي فإني لا أقبل هدايا الكذابين ولا أقرأ كتبهم . وفيه أن جبرئيل بن أحمد وهو الفاريابي لم يوثق ، والعنبري لا ذكر له في الرجال ويحتمل أن يكون العبيدي محمد بن عيسى وهو ثقة ، والمشكلة أيضا في رواية يونس بن يعقوب وهو من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام وتوفي في زمن الإمام الرضا ولم يرو عن الباقر عليه السلام أصلا ، وإنما رواياته عن الباقر إما بالواسطة كما يلحظ المتتبع في الكافي والتهذيب أو مرفوعة عن الإمام الباقر كما في أصول الكافي ، ولم ترد ولا رواية واحدة عنه عن الإمام الباقر ، وأن يكون ( أبو جعفر ) في الرواية مقصودا به الجواد غير محتمل لوفاة يونس في زمن الرضا . فهذه الرواية مرفوعة للإمام الباقر ولا يمكن الاعتماد عليها . وهناك روايات أخرى حتى لو سلمت من المناقشة السندية ، فإنه يمكن توجيهها بالتقية حيث أن سلطنة المختار لم تكن شاملة ، وكان الإمام السجاد عليه السلام يعلم ـ حتى بالمقاييس الطبيعية للحكم على الاشياء ـ فضلا عن علم الإمامة أن أمر المختار لا يتم ، فلم يكن من الصالح إظهار التأييد العلني له ، أو بيان علاقته به . كما يمكن الجمع بين الروايات التي تشير إلى رفض الإمام استقباله وبين الروايات المادحة له بما ذكره ابن نما ، من أن أنصار المختار جاؤوا لمحمد بن الحنفية طالبين منه النصر والتأييد ، فجاء بهم إلى الإمام زين العابدين وعرض عليه أمرهم ، فقال عليه السلام : يا عم لو أن عبدا اسود تعصب لنا اهل البيت لوجب على الناس مؤازرته وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت .. وقد لا يحتمل وضع الكتاب هذا مزيدا من التحقيق في الروايات ، فيمكن لمن أراد المزيد من التفصيل مراجعة تنقيح المقال للعلامة المامقاني ، وتنزيه المختار للمحقق السيد المقرم وهو مطبوع في آخر كتابه زيد الشهيد .
(1) بشارة المصطفى ص 75 (2) نقله في الوسائل / ج 14 ص 479 ، وقال أنه قد روى المفيد ذلك أيضا مرسلا ، في (مسارّ الشيعة) . قلت : ليس عندي هذا الكتاب حتى أرى عبارته . |