نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

زينب الكبرى (ع).. رمز التضحية ومثال الطهر والوفاء

هشام محمد حَرَك

ألا زر بقعة بالشام طابت لزينب بضعة لأبي تراب

فقل للمذنبين أن ادخلوها تكونوا آمنين من العذاب

لم أكن بالذي أرجأ مطالعة (العرفان) عن يوم وصوله ولكن حلول الشهر الحرام وموجة المهرجانات الدينية وقيام مواسم للخطابة أخراني أكثر من شهر، ومذ سمح الوقت بفترة مكنتني من التروح في هذه الجنينة النضرة رأيت في بعض ما رأيت كلمة فضيلة الشيخ موسى عز الدين حول سيدتنا زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولمّا كان فيها من الخبط ما لا يمت إلى الحقيقة بصلة أرسلت هذه الكلمة حرصاً على بيان الواقع ونرجو من الله أن نكون متثبتين عند الخوض في مثل هذه المواضيع، نقاشنا معك – أيها الأخ – من ناحيتين، الأولى أنكم أرسلتم تزويج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) من عمر بن الخطاب إرسال المسلمات مع أنها من القضايا التي اضطرب فيها التاريخ وحسبك أن تقف على (المستدرك على الصحيحين في الحديث) للحافظ الكبير الحاكم النيسابوري: ج3 ص142 عندما يروي زواج أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) من عمر ويأتي الذهبي في الذيل فيقول: قلت منقطع، ومتى علمنا أن الخبر إذا لم يصححه (الذهبي) سقط عن الاعتبار أيقنا بسخافة هذه الرواية، وهنا أستميح الإصغاء من فضيلة الكاتب لنقع على الحقيقة، ذكر ابن عبد البر المالكي في (الاستيعاب) أن عون بن جعفر بن أبي طالب المولود على عهد رسول الله (ص) قد استشهد في (تستر) ولا عقب له، وذكر ابن حجر العسقلاني الشافعي في (الإصابة): ج8 ص275 زواج أم كلثوم من عمر قال: وبعد وفاة عمر تزوجها عون ثم أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده، وهذه الرواية إذا نظرتموها في نفس الكتاب عرفتم اضطرابها ثم يروي في: ج5 ص45 أن عون بن جعفر استشهد في (تستر) وذلك في خلافة عمر وما له عقب، وبدورنا نسأله إذا كان عون بن جعفر قتل يوم تستر ولا كلام في أن يوم تستر كان في خلافة عمر بن الخطاب وفيه أسر الهرمزان وكان موت عمر بعد يوم تستر بسبع سنين فكيف تزوجها عون بعد عمر؟. وها نحن نورد كلام شيخنا الجليل الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي المتوفي (سنة 413) في جواب المسألة العاشرة من المسائل السرودية لما سأله السائل عن حكم ذلك التزويج – وكلامه الفصل – وهذا نصه: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين ابنته من عمر غير ثابت، وطريقه من الزبير بن بكار وطريقه معروف لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين فيما يذيعه عنهم على بني هاشم، وإنما نشر الحديث لإثبات أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه فظن كثير من الناس أنه حق لرواية رجل علوي له، وإنما هو رواه عن الزبير كما روى الحديث نفسه مختلفاً فتارة يروي أن أمير المؤمنين تولى العقد على ابنته، وتارة يروي أن العباس تولى ذلك، وتارة يروي أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروي أنه من اختيار وإيثار. ثم بعض الرواة يذكرون أن عمر أولدها ولداً سماه زيداً، وبعضهم ذكر أن لزيد بن عمر عقباً، ومنهم من يقول أمهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول كان مهرها خمسمائة درهم، وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف فيه يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على حال.. انتهى كلامه. وعقيدتي أنكم إذا غربلتم الأخبار تبين لكم أن أم كلثوم لم يتزوج بها غير ابن عمها عون ابن جعفر بن أبي طالب حتى قتل عنها بكربلاء وكانت هي أيضاً قد جاءت إلى طف كربلاء مع أخيها سيد الشهداء وقد توفيت بالمدينة بعد رجوعها من وقعة الطف كذا ذكر عدة من المؤرخين. الناحية الثانية تعيين قبر زينب الكبرى ويظهر أنكم مقتنعون برأي الشيخ النقدي (رحمه الله) وهو ممن عاصرناه وساجلناه وليس لنا أن نقف أمام آرائه مكتوفي الأيدي على أن كتابه هذا من أقل مؤلفاته قيمة. وهذا أيضاً مقتنع برواية العبيدلي ومطمئن إليها، تلك الرواية التي جاء فيها ما يتنافى وكرامة آل البيت (عليهم السلام) منها قوله في ص 17: لما قام عبد الله بن الزبير بمكة وحمل الناس على الأخذ بثأر الحسين وخلع يزيد بلغ ذلك أهل المدينة فخطبت فيهم زينب وصارت تؤلبهم على القيام فبلغ ذلك عمرو بن سعد فكتب إلى يزيد فأمره أن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار وطلب الوالي إليها أن تخرج من مصر – ويراها هناك عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري بعد قدومها مصر بأيام ويقول: فو الله ما رأيت مثل وجهها كأنه شقة قمر..(!!) إن التي تتحدث عنها هي مخدرة علي بن أبي طالب وعقيلة الهواشم ومعنى العقيلة هي الكريمة في قومها والمخدرة في بيتها أهذه هي التي يراها كما يصف فأين إذن مجد هاشم وشممهم:

جفت عزائمهمو فهو أم ترى بردت     منها الحمية أم قد ماتت الشيم؟

ولا تنسى انخذال يزيد بعد يوم الطف وكيف كان يتستر من عارها ويعزوها إلى ابن مرجانة ويوصي جنود (الحرة) بعدم التعرض لعلي بن الحسين السجاد وأن تكون داره مأمناً أتراه يعيدها جذعة بتسفيره عقيلة بني هاشم؟ ثم إذا علمنا أن أكثر ضرائح أهل البيت ومزارات الشيعة يأخذها الخلف عن السلف وإنهم أعرف بآثار ساداتهم (وأهل البيت أدرى بما فيه) أيقنا بنسبة بقعة الشام للسيدة الطاهرة. تقول صاحبة (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) ص 233 إن للسيدة زينب مقامين أحدهما بدمشق وهو مقصود من كل الجهات خصوصاً من الشيعة، وما إقبال الشيعة على هذا المزار دون غيره إلا لأنهم أخذوه بالتواتر، وهاك طائفة من أقوال عظمائنا ومحققينا ثم لك الحكم بعد التأمل فيها:

1- العلامة الكبير ثقة الإسلام السيد حسن الصدر (قدس الله نفسه الزكية) قال في (نزهة أهل الحرمين): زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) وكنيتها أم كلثوم قبرها قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف، جاءت مع زوجها عبد الله بن جفعر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة فماتت زينب هناك ودفنت في بعض تلك القرى. هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك وغيره غلط لا أصل له فاغتنم فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا خبط العشواء انتهى.

2- معالي العلامة البحاثة السيد هبة الدين الحسيني (رحمه الله) قال في كتابه (نهضة الحسين) ما نصه: جاء في (الخيرات الحسان) وغيره أن مجاعة أصابت المدينة فرحل عنها بأهله عبد الله بن جعفر (رحمه الله) إلى الشام في ضيعة له هناك، وقد حمّت زوجته زينب من وعثاء السفر أو ذكريات أحزان وأشجان من عهد سبي يزيد لآل الرسول ثم توفيت على أثرها في نصف رجب سنة 65هـ ودفنت هناك حيث المزار المشهود.

3- العلامة الثبت السيد جعفر بحر العلوم أيده الله شيخ الأسرة في عصرنا قال في كتابه (تحفة العالم) بعدما ذكر البقعة الزينبية خارج الشام ما نصه: ونقل بعض الموثقين عن أستاذه المحدث النوري (رحمه الله) أنه وقع قحط عظيم في المدينة وأن عبد الله بن جعفر انتقل إلى الشام فراراً من القحط، ومن قصده الرجوع إلى المدينة بعد ارتفاع القحط عنها وكانت زينب معه فاتفق أنها مرضت في أيام إقامتها في الشام في القرية التي فيها المزار الآن فماتت هناك في ضيعة في تلك القرية انتهى. وفي (الطراز المذهب في أحوال زينب) يقول: الذي يظهر من الأخبار أن قبرها بالشام، وكذلك الإمام الشعراني في كتابه (لواقح الأنوار في طبقات السادة الأخيار) – طبع بولاق – قال: توفيت زينب بنت علي بن أبي طالب بدمشق الشام في سنة أربع وسبعين هجرية فعلى هذا يكون عمرها يوم وفاتها سبعاً وستين سنة انتهى. إن عظمة المزار في مصر ترجع إلى عهد الفاطميين الذين يفتخرون بولائهم لأهل البيت تقوية لمركزهم ثم لتعلق المصريين بآل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين) لأقل نسبة صحت أم لم تصح وحتى إنك ترى قبوراً مشادة لرقية ولسكينة ولزينب عدة مزارات وهكذا. ولعل من عناية الله بشأن هذه السيدة الطاهرة أن تتعدد مزاراتها أعلاءً لقدرها وتخليداً لعظمتها وأخيراً يهدى لها القفص الفضي تقرباً إلى الله بها:

قوم لهم فضل ومجد باذخ يعرفه المشرك والموحد

قوم أتى في هل أتى مديحهم هل شك في ذلك إلا ملحد

قوم لهم في كل أرض مشهد لا بل لهم في كل قلب مشهد

 

مصياف - سورية

www.srmdnet2.jeeran.com