نبض الإنسانية الخالد.. |
رحلة العشق الحسيني |
بقلم: ولاء الفاطمي |
قبسات من نور تضيء أركان قلبي... خيوط أشعة الشمس تسطع على غرة حبيني ليلمع بها دمعي... شلال من الدموع أغرفها بيدي لأسكبها على رأسي لعل الدموع يرق لها قلبي...أرمق ببصري إلى الشمس التي في كبد السماء علني أجد جواباً لأشفي به جرحي... قد غرقت في بحر أفكاري، ولم أجد لكلماتي سوى تلك البراري القفار لأبعثرها على تلك الرمال....... فعلى حبيبات تلك الرمال الذهبية التي قد تجمعت حول نهر رقراق، ينساب منه جدول من الماء العذب، عصفور قد أهلكه الظمأ بعدما حلق في جو السماء، قد رأيته وهو يرتشف جرعات من قطرات الماء البارد ليطفئ بها لهب عطشه، ولكنه رمق بعينه إلى شيء، بكى ورمى الماء من فمه إلى ذلك النهر، فانسكبت منه دمعة ساخنة قد تحركت بها أمواج ذلك النهر الراكد. ثم يحلق مرة أخرى إلى الفضاء المتناهي، مخلفاً وراءه تلك الدمعة الساخنة التي انحدرت من عينيه الصغيرتين. في تلك اللحظات، وعلى ذلك النهر، قد رأيت تلك الطيور المجتمعة حول شيء وهي تلطخ أجنحتها بذلك الدم القاني. أبصرتها ترفرف بأجنحتها و كأنها تريد أن تقول شيئاً... فالدم القاني قد تحول إلى قبسات من الأنوار الإلهية... تضيء ذلك المكان بالإشعاعات النورانية و النفحات القدسية. تلك الطيور قد اجتمعت حول ذلك الجسد المرمي تصهر خده حرارة الشمس الملتهبة. فهذه الدموع تسيل حتى من الطيور والعصافير لذلك الجسد.. لمن يا ترى ذلك الجسد الذي بقي ثلاثة أيام في هجير تلك الصحراء؟! و من يا ترى ذلك الخد الذي لامس حبيبات التراب ؟! حُقّ لهذا التراب أن يفتخر بملامسة حبيباته لذلك الخد الطاهر ! كيف لنا أن نترك ذلك الجسد الطاهر بدون غسل ولاكفن ؟! فإنه غريب! ليس الغريب غريب الدار و الوطن إن الغريب غريب النعش و الكفن و لكن حلقت فوق رأسي تلك الطيور، فبادرتها بالسؤال : لماذا تفعلين هكذا... ؟! ولماذا تلطخين أجنحتكِ بذلك الدم القاني ؟! فخاطبتني إحداهن: أو ما تعلمين من ذاك المرمي على التراب......؟! قد رضّته حوافر الخيل و أكبته على وجهه !! أو ما تعلمين من ذاك الذي بكته ملائكة السماء دماً؟! إنه جسد الشهيد بكربلاء... جسد من بكته أهل الأرض و السماء... نحن قد أتينا لذلك النور الملقى على الثرى... لسبط محمد المصطفى... وابن فاطمة الزهراء... لابن علي المرتضى... و أخ الحسن المجتبى... ذالك هو مولاي الحسين شهيد كربلاء... المرمل بالدماء... فقلت لها : نعم أيتها الطيور... تلك هي ملحمة الطف الخالدة.... قد سطرتها الأيام... وكتبتها أقلام الزمان... بحبر من الدماء الدافقة... على روابي كربلاء... فهنالك وعلى البقعة الطاهرة... تجري أنهر من دماء الشهداء... فيا مدينة الحسين... يامدينة الشوق و الحنين... سوف نأتيِكِ فمدي اليدين... يا كربلاء أنتِ معنا كل يوم... أنتِ معنا مهما باعدت بيننا الأيام و السنين... نحلم بك في كل ساعة وحين... سوف نتذكرك بلهفة وأنين... فغداً.. أو بعد غدِ... حين تشرق الشمس من جديد... وحينما يتلاشى ظلم الأعداء... وتنزاح السحب السوداء عن كبد السماء... سنأتيكِ يا كربلاء... فآه يا كربلاء... سيبقى صراخك مدوياً في أفق السماء.. كطفلة جريحة سقطت من قافلة الأحباء... فها نحن قادمون.. وقد عزمنا على الرحيل.. وأي رحيل... رحيل إلى تلك الأرض الطاهرة... إلى تلك الأرواح المقدسة... إلى ضريحك يا حسين... فعندما تسيل شلالات الدموع من المقل... سنأتيكَ ولو حبواً... ونحط رحالنا حول حرمك الطاهر وضريحك النوراني المقدس... فمتى تلك الأيام تعود..؟ ومتى ذالك النصر يتجدد...؟ متى نحمل بيارق النصر والفداء... ونهتف بتلك الشعارات الثائرة....؟ فلقد طال الغياب والانتظار يا كربلاء.... فما ذنبنا نحن على البعد والفراق.... ما ذنبنا حتى نحرم منكِ يا كربلاء... ألأننا ترجمنا ذلك الحب والشوق أنشودة نعزف بها على قيثارة الحياة... ألأننا سكبنا الدمع من ينابيع مآقينا.... أم لأننا عشقنا الحسين والشهداء وكربلاء الحسين... لماذا هؤلاء الأعداء يمنعونا من الوصول إليكِ... ؟!. إنهم منعونا من زيارتكِ كما منعوا الحسين من شرب الماء... فنحن لا نلام إن سكبنا بدل الدموع دماً... ونحن لا يُعتب علينا إن نحن صرخنا أو بكينا... فهذه رسالة أبعثها إلى تلك الرياح لمتضي بها إلى روابي كربلاء... فأرسلي يا رياح سلامي... وأرسلي معها قبلة من الأعماق إلى ذالك الضريح المقدس... ممزوجة بدمعة محترقة من الوجدان... ولا تنسي تلك الدمعة الساخنة التي امتزجت بمياه ذالك النهر الجاري... أنسيتم تلك الدمعة...؟ إنها دمعة ذالك العصفور الذي رمى بقطرة المياه الباردة لتعود من جديد لذلك النهر... أتعلمون لماذا ؟ لأنه تذكر عطش الغريب حسيناً , فقال في نفسه : أألتذ بالماء البارد وابن بنت رسول الله قتل عطشاناً. هيهات ! هيهات! أن ألتذ بها. يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أو تكوني هــذا حــسـيـن وارد الـمـنـون وتشربين بارد المعين انظروا أيها المؤمنون كيف أن الطيور والعصافير آلمها فقد الحسين عليه السلام وعطشه. وقد جاءت لتواسينا بدموع العين من أجل مولانا الحسين. فحين تنطق السماء... سوف تنطق: سلام عليك يا كربلاء... سلام عليكَ يا شهيد الدماء... |