نبض الإنسانية الخالد..

عودة إلى صفحة عاشوراء >>

المرجعية الدينية

شارك في الكتابة

مجلة النبأ

الصفحة الرئيسية

 
 

السيدة زينب (ع) ووعي المسؤولية(2)*

- شخصية زينب (عليها السلام) التكوينية –

هشام محمد الحرك

أما البحث عن شخصيتها من خلال بحث قانوني عام في أصل التدرّج الإنمائي في حياتها التكوينية. فتمثل المراحل الآتية:

أ - المرحلة ما قبل انعقاد النطفة: وهي مرحلة الإعداد الأسري حيث أنّ بناء الأسرة القائمة بين الزوجين لابدّ أن تقوم على أساس الرضا والمحبّة والصفاء والإخلاص والتفاهم والطهارة؛ وهذا ممّا نلاحظه في أسرة الزوجية بين علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام)، قد نشأ عن تمام الرضا بين من نفسيته نفسية رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (قل تعالوا ندعُو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)(1). وبين وعاء الإمامة وهي فاطمة (عليها السلام). وورد في قوله تعالى: (إنما يريد الله ليُذهبَ عنكُم الرِّجسَ أهلَ البيت ويُطهرُكم تطهيراً)(2). وممن دخل تحت الأسرة الطاهرة هم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ولما كانت زينب (عليها السلام) وليدة عنصري الإمام ووعاء الإمامة ووليدة الطهارتين لابدّ أن يكون سيرها التكويني يمثل الإعداد الطاهر في وجودها قبل النطفة لتسير في مراحل النقاء والطهارة التي تتناسب مع ذاتها. ولا تخرج عن المعايير الحقيقية في مقام التصنيع الإلهي.

ب - المرحلة ما بعد انعقاد النطفة: حيث يحتاج الجنين إلى غذاء لما ورد في قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه)(3)، ويراد بالنظر الرعاية والمحافظة على طهارة الطعام وحليته وعمله من حيث المنشأ ومصدره كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه). قلت: وما طعامه؟ قال (عليه السلام): علمه الذي يأخذ عمّن يأخذ)(4). فكانت النظرة الإسلامية توجيه المجتمع الإسلامي إلى أنّ الأطعمة تحتوي على عاملين: 1 - الطيب. 2 - الخبيث.

ولكن النظرة الإسلامية وجّهت الإنسان إلى اختيار الطعام الطيّب والابتعاد عن الأطعمة الخبيثة فإنها تؤثر في الجسم والروح كما يحدثنا (ألكسيس) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول)(5) (إنّ تأثير المخلوطات الكيماوية التي يحتوي عليها الطعام على النشاط الفسيولوجي والعقل لم يعرف معرفة تامة حتى الآن فالرأي الطبي فيما يتعلق بهذه المسألة ليست له غير قيمة ضيئلة لأنه لم تجر تجارب ذلك أمر كاف على البشر للتحقق من تأثير طعام معين عليهم وليس هناك شكّ في أنّ الشعور يتأثر بكمية الطعام وصفته).

ج - مرحلة الترابط بين الغذاء والفكر: إنما تعرّضنا إلى الدور الإعدادي ثم الدور الغذائي وأثره على الجنين، ثم يقع الحديث عن دور الترابط بين النشاط الخلقي والفكري والغدد؛ ويكون الموضوع الذي تفرزه الغدد هي تلك المواد الواقعة فوق الكلية والتي وظيفتها (الهببوفيز وثابر وكسيد) وهي التي أعدّت دماغ باستور للاكتشاف(6).

د - مرحلة الرضاع وأثره في نمو الطفل: فإنّ الرضاع إذا كان عن طهارة وإيمان يؤثر في الولد كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) انظروا من يرضع أولادكم فإنّ الولد يشبّ عليه)(7).

وقد ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يعدي وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن يعني الظئر في الرّعونة والحمق)(8). وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تسترضعوا الحمقاء ولا العشماء فإنّ اللبن يعدي)(9). إن ما يدلّ عليه أن ما ورد عن العترة الطاهرة يؤكد أنّ بنية السيدة زينب (عليها السلام) كانت من لبن الطهر والنزاهة بأتمّ مراحلها كما أنه ورد عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول: (تخيّروا للرّضاع كما تخيّرون للنكاح فإنّ الرضاع يغيّر الطباع).

هـ - مرحلة الذكاء: وقد ورد في تعريف الذكاء تارة بمعنى القدرة على التفكير أو بمعنى القدرة على إدراك العلاقات واستنباط المتعلقات أو القدرة على أن يكيف الإنسان تفكيره شعورياً للظروف البيئية أو بمعنى سرعة الانتباه. والمهم أنّ ما نلاحظه من السيدة زينب (عليها السلام) الذكية في صباها ونبوغها والعالمة الفقيهة في كبرها.

أما دور ذكائها في صغرها فقد ورد أنّ خطبة الزهراء (عليها السلام) عندما احتجّت على الخليفة الأول في تصرفه في أرض فدك بوجه غير شرعي، وخطبت تلك الخطبة مع المجموع من اللواتي حضرن من النساء في الاحتجاج مع أبي بكر؛ وكان عمرها في ذلك الوقت (4) سنوات. كما ورد أن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال: (سمعت هذه الخطبة من زينب عليها السلام).

و - مرحلة الفقاهة: حيث ورد عن الإمام زين العابدين (عليها السلام) إذ يقول لها: (وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة). وكان يروي عبد الله بن عباس (رض) (ذكرت عقيلتنا). وكان الإمام جعفر بن محمد الباقر (عليه السلام) يقول: (قالت عمتي).

كيف وقد تولدت في وعاء الإمامة وعاشت في مهد النبوة وترعرعت في حضن الإمامة بين علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين وقليل من حياة الإمام الباقر (عليهم السلام)، فقد تغذت بالعلم والفضل والمعرفة وقوة الإطلاع، وكان ما يخرج من علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين (عليه السلام).

* وعي المسؤولية

أولاً - عن التحسّس بالمسؤولية: وهو الشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل وليست المسؤولية مجرّد الإقرار فإنّ الجزم بالشيء لا يعطي صفة المسؤولية وإنما يجد المتحسّس بها أنّ هناك واجبات لابدّ من الإنقياد إليها بغضّ النظر عن النتائج فإنّ إنقاذ الغريق ممّا يشعر الشّخص بالمسؤولية في إنقاذه إذا كانت له القدرة على الإنقاذ وإنّ دفع الظلم ممّا له القدرة على دفع الظلم على ذلك الشخص أن يدفع عن المظلوم وهو المسؤول على الترك فالمسؤولية تختلف بلحاظ الأفراد الخاصة وبلحاظ المجتمعات.

وبهذا يمكن أن نقسم المسؤولية على الأنحاء الآتية:

1 - المسؤولية الأخلاقية: وتقع في الأفعال الباطنة المكللة بالحياء والعفة والوفاء وعدم الخيانة.

2 - المسؤولية الفردية: وذلك فيما إذا شعر الفرد بوجود قرارات وأحكام قانونية يجب عليه الطاعة والانقياد سواء كانت الأحكام شرعية أم وضعية، ولا يختصّ الفرد سواء كان من طبقة الحكام أم المحكومين لأنّ طبيعة الحكم سارية على الأفراد من غير تميز طبقي.

3 - المسؤولية الاجتماعية: وهي أن يتحسّس المجتمع المسؤولية حيال مجتمع آخر كما إذا كان مضطهداً أو فقيراً ويعبّر عن مثل هذه النوعية من المسؤولية بالتكافل الاجتماعي.

ومما ينبغي أن يلتفت إليه أن التحسّس بالمسؤولية يكون بنحو القضية الحقيقية أي للأفراد الموجودين فعلاً وللأفراد الذين سيوجدون فيما بعد.

ويبدو أن (جنكيفتش) يفرق بين المسؤولية عن الماضي والمسؤولية عن المستقبل؛ إذ الماضي يسمّى بفعل الذنوب والمسؤولية عن المستقبل دائماً في صفحة المستقبل، وهي كما ذكره أنّ التحسّس بالمسؤولية عن وجود حكم إلزامي يراد امتثاله سواء كان من جانب خلقي أم شرعي أم وضعي.

* أدوار مسؤولية السيدة زينب (عليها السلام)

1 - مسؤولية أسرة الزوجية.

2 - مسؤولية فترة الأسر.

3 - مسؤولية ما بعد الأسر.

أما مسؤوليتها في أسرة الزوجية فقد عاشت بعد اقترانها بعبد الله بن جعفر ابن عمها تحت كنف الزوجية الحميمة، وقد أكنّ لها الحبّ العميق؛ والمودة الصادقة؛ والاحترام الفائق؛ والتقدير المتواصل؛ لما يعرف لها من المكانة وعلوّ الهمة والإطلاع في الشريعة الإسلامية، وقد أنجب منها أربعة ذكور وأنثى، ولا تنس شخصية عبد الله بن جعفر. عندما استشهد والده في مؤتة أخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجره قائلاً: (أما عبد الله فشبيه خلقي وخُلقي اللهمّ أخلف جعفراً في أهله؛ وبارك لعبد الله في صفقة يمينه)، وخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسماء زوجة جعفر والتي كانت متأثرة ليُتم أبنائها قائلاً: (لا تخافي عليهم أنا وليهم في الدنيا والآخرة)(10). وكان معروفاً بالكرم والسّخاء قد انهال عليه أبناء السبيل والفقراء(11)، وكان عبد الله لم ينفصل عن الإمام علي (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام)(12).

وأشار ابن عبد ربّه الأندلسي أن عبد الله بن جعفر كان كاتباً لعمّه الإمام علي فترة خلافته. وذكر السيد الأستاذ الخوئي في (معجم رجاله) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يتحفظ على عبد الله بن جعفر من القتل كما كان يتحفظ على الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بن الحنفية(13). والمهم أن دور السيدة زينب (عليها السلام) العائلي قد احتفظت فيه بمصداقية البناء الأسري بشتى أبعاده: الاجتماعي والأخلاقي والتربوي والنفسي.

 

مصياف - سورية

www.srmdnet2.jeeran.com


الهوامش

*  ألقيت في مجمع السيدة زينب (عليها السلام) للمعلومات والأبحاث.

1 - سورة الأحزاب: الآية 33.

2 - سورة عبس: الآية 24.

3 - سورة عبس: الآية 24.

4 - تفسير البرهان: ص 173.

5 - الإنسان ذلك المجهول: ص 232.

6 - راه ورسم زندكي، ترجمة فاضل الميلاني: ص 167.

7 - الوسائل: أحكام الأولاد: باب 78 / ح1.

8 - المصدر السابق: باب 78 / ح2.

9 - المصدر السابق: باب 78 / ح4.

10 - مع بطلة كربلاء، محمد جواد مغنية: ص 32.

11 - مقاتل الطالبيين: ص 91 - 92.

12 - العقد الفريد: ج 4 ص 164.

13 - معجم رجال الحديث، الأستاذ السيد الخوئي: ج 10 ص 138