نبض الإنسانية الخالد.. |
محرم الحرام.. موسم الدفاع عن الحرمات |
محمد حسن مطر |
إسلامياً وجاهلياًً، يعتبر شهر محرم أحد الأشهر الحرم، التي يحرم فيها القتال والانتقام وأخذ الثأر، وتحفظ فيها الدماء والأعراض من الاعتداء والانتهاك. وأضاف الإمام الحسين (ع) معناً أخرا، ودوراً إضافياً، لشهر محرم، وهو اعتبار هذا الشهر، وبالذات عشرة الأيام الأوائل منه، اعتباره موسماً للدفاع عن الحرمات، جميع الحرمات، الحرمات الإنسانية، والشرعية، والشعائرية، وهي التي شرعها الله سبحانه وتعالى، في قرآنه، وسنة نبيه (ص). وجاءت الحرمات في الدين الإسلامي تحت تعبير (حدود الله)، فحرم الله سبحانه انتهاك أو استباحة أو تعدي هذه الحدود / الحرمات. فقد انطلق الإمام السبط وسيد شباب أهل الجنة، في سنة 61 هـ، وقبل ذلك، انطلق في سبيل، إرجاع الحقوق، وحفظ الحدود، وإصلاح الأخلاق، وتحسين أوضاع الأمة الإسلامية، وقد تجلت في كل بياناته وخطبه ومواقفه، بل وكل أدبيات وبيانات الثورة التي سطرها أصحابه (رض)، فلم يذكر لنا التاريخ أي تجاوز للحرمات الإلهية من قبل الإمام الشهيد (ع) وأنصاره، سواء كانت تلك الحرمات ؛ إنسانية أو مكانية أو زمانية، أو قانونية / تشريعية، بل كان السبط شديد التحرز والتحرج من التعدي أو الانتهاك، حتى لو كان ذلك سبيلاً للانتصار العسكري، فلم يستغل موسم الحج لزيادة أنصاره بعد ما علم أن يزيد قد عزم على انتهاك الحج والكعبة، لهذا تسرع الإمام (ع) في الخروج من مكة لكي لا تستباح به.. ولم يبدأ بقتال ولم يبدأ برمي سهام الحرب، حتى بعدما حوصر من أجلاف بني أمية في صحراء كربلاء.. ولم يمنع الماء بعد سيطرته على مصادره عن الجيش الأموي رغم معرفته بنواياه الباطلة.. ولم يغرر بأحدٍ من أتباعه وأنصاره، ولم يمنع عنهم أي خبرٍ أو معلومة بالرغم من معرفته الشديدة بانهزام الكثير منهم بعد معرفتهم بنتائج الحرب.. ولم تأتي منه بيانات التكفير أو التفسيق لمن لم يرى رأيه بالرغم من أنه إمام العصر.. بل عذّرهم، وطلب من أصحابه استغلال جنح الليل للهروب، فكانت العظمة من الطريقين طريق الإمام (ع) وطريق أصحابه، ويا لها من عظمة! واستعراض كل تلك المواقف والخطب، يحتاج لمساحة كبيرة، نجدها بارزة وواضحة في كتب السيرة والمقاتل، ومعرفة تلك الأمور يجلي العظمة الربانية في النفس، التي تمثلت في سبط رسول الله (ص) وأهل بيته وأنصاره.. حتى أصبح الإمام (ع) سيد الشهداء على الإطلاق، وغدا أصحابه خير أصحاب على مر العصور. الدفاع عن الحرمات، وفي نفس الوقت الحفاظ عليها بدقة متناهية، في هذه الحادثة الخالدة، جعل من ذكراها ووقتها، موسماً للدفاع عن الحرمات في كل عصر، يجب على كل فرد، يريد أن يكون من أهل البيت، بل من أهل الحق من كل دين، ومن أهل الحرية، وفي كل ملة، يجب أن يتعرف على الحرمات الإلهية، في هذا الموسم، ويتبع المنهج الإلهي، والتربية الربانية، التي تساعده، على الحفاظ عليها، في هذا الموسم وبعده. وتمثل دور الدفاع عنها في كل مكان. الحرمات الإلهية كثيرة، وأقدسها هي حرمة الإنسان، وحرمة المسلم والمؤمن، فلا يجوز أن تنتهك حرمة المؤمن، وذلك بغيبته وخذله وتسقيطه وخيانته وغشه، والتعدي على أمواله وعرضه، فـ ( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه ) كما قال رسول الله (ص). وهناك حرمة للشعائر الإلهية (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).. وهناك حرمة لقانون وشريعة الله فلا يجوز التعدي عليها فلا يجوز الغناء والزنا والكذب والربا وووو. والدفاع عن الحرمات هو دور آخر يجب أن يتمثله المؤمن في هذا الموسم، وهذا ما يجب أن تكون عليه عزاءنا ومجالس الذكرى في عاشوراء، فلا إشكال أن نتذكر مآسينا ومآسي الشعب العراقي والفلسطينيين وغيرها، لكن يجب أن لا يطغى المصداق الصغير المؤقت على المصداق الأكبر الدائم، ولا أمور المقتدي على القدوة . السبيل إلى الدفاع عن الحرمات : لكي ندافع عن الحرمات الإلهية، بعد معرفتها، بجب أن نحقق التالي : أولاً : الإيمان بالله : وكلما ازداد الإيمان زاد الحفاظ على الحرمات والدفاع عنها، حتى لو أدى ذلك بذل المال الكثير والتضحية بالنفس، وهذا ما تجلى بوضوح في أنصار الحسين (ع) كزهير بن القين وحبيب الأسدي وغيرهما. ثانياً : التقوى : تمثل التقوى أكبر سلاحٍ يمنع المرء من التعدي على حرمة الناس والشرع، وأمضى السبل في التحفز والتحرك نحو تحقيق حدود الله والدفاع عنها. ثالثاً : تعظيم الحرمات : قال تعالى : ((ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خيرٌ له عند ربه))، فتعظيم حرمات الله وشرائعه، يجعل منها منطقة مقدسة، ذات هيبة، ويجب أن يقتنع الفرد المسلم أن تعظيم الحرمات فائدة له في الدنيا والآخرة. رابعاً : تقوية الغيرة الإلهية : وللغيرة الإلهية دور كبير في المحافظة على الحرمات، وهي التي تجعل من التحرك سريعاً وقوياً ومتقناً، لهذا يجب أن ننمي الغيرة الإلهية في نفوس أبناءنا، وتعزيز روح الأخلاق الإسلامية في نفوسهم التي تقضي على كل الأمراض النفسية الخاطئة. هذه بعض المناهج والوسائل التي تنمي روح الدفاع عن الحرمات الإلهية في نفوسنا، وعندها سيكون هذا الموسم خيرٌ لنا وتقل مشاكلنا فيه، بل وتحل أي مشكلة عندما نلغي الأنانية المقيتة ونُحل محلها الغيرة الإلهية. وعندئذٍ سيكون صالحاً أن نتمثل قول السبط الشهيد (ع) : (وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحق من غيّر). |