نبض الإنسانية الخالد.. |
النهضة الحسينية عوامل النصر … عوامل البقاء |
رضي منصور العسيف |
وفق موازين عقول بني البشر فإن الانتصار هو حليف من يمتلك أقوى الأسلحة، والترسانات المدمرة، والعدد الهائل من الجيوش، إلا أنه في موازين ثورة الحسين تتبدل هذه المعادلة ليصبح النصر حليف تلك الفئة القليلة، والتي فرض عليها الحصار في بقعة صغيرة جداً، وأسلحة لا تكاد تسمى بالسلاح أمام ذلك الجيش الذي لم يحدد عدده وسلاحه. وقف العديد من المحللين والمفكرين العسكريين وراء هذا النصر العظيم يتساءلون فيما بينهم عن سبب النصر، ولكن أخذتهم الحيرة، ولم يصلوا إلى نتيجة حتمية. ولكن شيعة الحسين يعون تماماً أسباب وعوامل النصر في تلك المعركة التي لم تتجاوز الساعات، ومن خلال نظرتي المتواضعة أضع أمام القارئ العزيز بعض هذه العوامل، ولكن قبل هذا أود أن ألفت نظر القارئ إلى ملاحظة هامة جداً في سلك الحركات التحريرية وهي: هناك في عالمنا هذا العديد من الحركات التي تجاهد لتحقيق أهدافها، وتقدم العديد من التضحيات ولكنها لا تتقدم خطوات في سبيل تحقيق النصر ويعود السبب الحقيقي في ذلك إلى أن النصر ليس وليد عامل واحد أو استراتيجية واحدة، بل هو وليد العديد من العوامل وينبغي أن تكون تلك العوامل مجتمعة في وقت واحد، وخلاف هذا فلا نصر. عوامل النصر في نهضة الحسين أولاً: التحرك وفق منهج الله إن نهضة الحسين (ع) لم تنطلق كغيرها من النهضات لأجل تحيق المآرب، والطموحات الشخصية، بل انطلقت من مبادئ مقدسة، وشعارات إلهية. فنهضة الحسين كان شعارها كما قال الإمام (ع) (الإصلاح) وهو شعار رسالة الأنبياء، وهذا يعني أنها امتداد لرسالة الأنبياء (ع) ونحن نقرأ في الزيارة: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد المصطفى … إنه منهج واحد، أليس دعوة الأنبياء تسير وفق منهج واحد، وشعار واحد ؟ كذلك ثورة الحسين تسير وفق هذا المنهج. ومن جانب آخر فإن ثورة الحسين (ع) انطلقت من الله وفي سبيل الله، كما قال الحسين (ع)، وهذا يعني أن الحسين خرج دفاعاً عن العقيدة، دفاعاً عن المقدسات، وبعبارة فإن الحسين خرج لنصر الله، ومن يكون هذا شعاره فإن الله تعالى يرزقه النصر، ألم يقل ربنا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ؟! نعم فالنصر هو نصر الله . ثانياً: القيادة الرشيدة حين تمتلك الحركة قيادة رشيدة فذلك يعني امتلاكها للنصر، لأن القيادة لها الدور البارز في توجيه، وتنظيم الطاقات، ودفعها نحو الهدف المراد تحقيقه. وهذا ما كان يتمتع به الحسين (ع)، فقد كان قيادة تمتلك جميع المؤهلات سواء الدينية، أو العسكرية. و من بين الصفات التي كان يتمتع بها الحسين (ع) هي نفاذ البصيرة، أو ما يسمى بمصطلح اليوم تكاملية الرؤية، فالحسين (ع) اختار المكان، والزمان، والرجال، وفق خطة، ووفق بصيرة واضحة، ثم أنه نقل هذه الرؤية إلى أصحابه حتى يحثهم على الإقدام في مواجهة العدو. ثالثاً: الطليعة الرسالية أنصار الحسين هم أحد الأسباب التي مكنت الثورة من النصر، فهم أولاً رجال الله، ثم أنهم رجال الإسلام، وهم العمود الفقري في الثورة. و هذه الطليعة كانت تمتاز عن غيرها بصفات منها: الشوق للشهادة حيث أن الحسين (ع) أوضح لهم ما سيحدث لهم، وأمرهم بالرجوع إن أحبوا ذلك، وقد تراجع البعض ممن لم يجد في نفسه هذه الصفة (الشوق للشهادة)، ومن صفاتهم أيضاً الحب والولاء للحسين (ع) وهذا الحب لا لشخص الحسين (ع) وإنما لما يمثله الحسين (ع) في الأمة، حيث أن الحسين هو الإمام المفترض الطاعة، وهو القائد، وهو ضمير الأمة. ويحرم الولاء لغيره أو التسليم لغيره . هذه الطليعة كانت تتنافس فيمن يتقدم أولاً في أرض المعركة، كل واحد منهم كان يريد أن يتقدم، وهذا يعني أنهم اتصفوا بصفة الشجاعة والإقدام. نعم إن وجود هذه الطليعة قليلة العدد، ولكنها كانت تتدفق إيماناً بالله، وإيماناً بالقضية الإسلامية مكن الثورة من النصر. و من خلال هذا نعي عوامل الخلود لهذه الثورة ويمكن القول أن من عوامل الخلود: أولاً: التأييد الإلهي: يقول ربنا (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره)، فرغم محاولات الطمس لهذه الثورة ورغم تجاهل البعض لها أو تزوير التاريخ، أو حذفها منه، إلا أن ذكر الحسين (ع) وذكر ثورته لا تزال خفاقة في عنان السماء. ثانياً: البقاء والخلود ببقاء الأهداف المقدسة حيث أن (الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدفاع عن المقدسات) كلها تسهم في بقاء وخلود الثورة. ثالثاً: مجالس الحسين (ع) إن إقامة مجالس عاشوراء، ومجالس العزاء لها الأثر الكبير في خلود ذكر الحسين وثورته، وليس هذا فحسب بل إصرار شيعة الحسين على إقامة هذه المجالس كان سبباً في خلودها. ألم نقرأ في التاريخ كيف تعرض زوار الحسين (ع) إلى المنع، وقطع الأيدي، والقتل ؟! ولكن يبقى الإصرار على العمل سبباً في نجاحه. السائرين على خط الحسين (ع) ليس الحسين (ع) حكراً على شيعته بل هو مناراً لجميع الثائرين، وجميع المناضلين من أجل الحق والحرية والعدالة، وقد سمعنا عن غاندي محرر الهند الذي صرح بكلمته (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)، نعم فالحسين معلم الأجيال، ومن ثورته ونهضته تستلهم الدروس والعبر. و جميعنا غمرته السعادة بذلك النصر الذي حققه المجاهدون في جنوب لبنان، لأنهم ساروا على مبادئ الحسين، فلا مساومة على القيم والمبادئ، ولا رضوخ للباطل، وخضوع الإغراءات، أو التنازل عن شبر واحد من الأرض، بل ساروا على العزة والكرامة، ساروا على خط الشهادة يتسابقون إلى الجنة. و هكذا تبقى النهضة الحسينية، شعلة وضاءة، مدرسة في الشهادة والجهاد … و هكذا تنتصر الثورات المقدسة، وهكذا تخلد ذكرى عاشوراء … |