نبض الإنسانية الخالد.. |
انفعالات الثقافة في المسيرة الحسينية |
محمود الموسوي * |
الثورة الثقافية وقعت المعركة الكربلائية الدامية على أرض الطف في سنة إحدى وستين للهجرة، وانبجست منها منظومة من القيم الربانية العظيمة ، قاصدة ربوع العالم الإسلامي ، بل تجاوزته إلى غيره من العوالم ، هذا على النحو الفعلي ، أما الصفة الذاتية للثورة الحسينية فإنها ثورة عالمية وشمولية ، أي أنها أخذت في اعتباراتها صلاح العالم بأسره ، فلم تتقيد بمجتمع دون آخر ، ولم يسلبها زمانها ومحدودية مكانها من الإنطلاق إلى رحاب العالم . عندما نقرأ الثورات التي أثّرت في المجتمعات البشرية ، نجد بواعث قيامها إما لتحقيق قيمة جديدة ما أو للمطالبة بإقامة قيمة معطلة ، ولكن ثورة الإمام الحسين (ع) مع تحقق كلتا الخاصيتين فيها إلا أنها أيضاً كانت مصنعاً للقيم ، فكانت ثورة لصناعة ثروة من القيم . وإننا نجد أن الباحثين الذين تعاطوا مع هذه الثورة المباركة بالبحث والدراسة ، أجمعوا على أمر واحد ، هو عجزهم عن الإحاطة بمنظومة القيم واستيعابها بشكل كلي ، فكلما أمعن أحدهم النظر ودقق البحث في جوانبها فإنه يستكشف آفاقاً جديدة ورؤى لم يكن قد رآها من ذي قبل . وقد غدت تلك الثورة مغذية لجميع الثورات الشيعية التي انطلقت بعدها ، فرفعت ثورة التوابين شعار الأخذ بثأر الحسين من القوى الظالمة ، وهكذا المختار الثقفي في ثورته ضد ظلم بني أمية ، وحذا حذوهم زيد بن علي بن الحسين ، ويحيى ابن زيد ، وغيرها من الثورات والحركات وإلى تاريخنا المعاصر جعلت الثورة الحسينية في مقدمة أدبياتها التي تستلهم منها رؤاها . كما أن تلك القيم التي انطلقت من الثورة الحسينية توجهت نحو الآخر ، فعلى الصعيد الإسلامي السني تحدث الشيخ محمد عبده – رحمه الله- قائلاً : (لو لا الحسين لما بقي لهذا الدين من أثر) ، بياناً لتأثير تلك الثورة على الواقع الإسلامي والحركات الإسلامية المختلفة. وإشارة إلى بعد المأساة وقيمتها وصفها المؤرخ الإنجليزي الشهير (جبيون) بقوله : (إن مأساة الحسين المروعة ، بالرغم من تقادم عهدها ، وتباين موطنها لا بد أن تثير العطف والحنان في نفس أقل القرّاء إحساساً وأقساهم قلباً) . وهذا غاندي الذي تمكن من دحر الإحتلال البريطاني من وطنه الهند ، ورغم عدم انتمائه للإمام الحسين عقيدياً إلا أنه نهل من قيم الثورة الحسينية قيمة (المظلومية) واستطاع توظيفه ، وقد عبر عن ذلك قائلاً : (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر) . فالثورة الحسينية إنما كان من خصائصها أن قامت بدور ثقافي غير محدود ، وهو عملية انتاج وصناعة الأفكار والقيم للأجيال التي جاءت وستجيء بعدها . الإمام الحسين في ساحة الثقافة الثورة الحسينية نمط آخر من الثورات ، فقد أسست واقعاً مختلفاً وفكراً وأدباً خاصاً ومتميزاً ، إنها ثورة في كل جوانبها إضاءات ، ولذلك نقرأ فيها فكراً حسينياً وأدباً كربلائياً . ولكل ذلك أسباب ، والأسباب عديدة ، نلقي الضوء في بحثنا هذا على دور الثقافة في المسيرة الحسينية ومشاهد انفعال الثقافة فيها . نؤكد في البدء أن للإمام المعصوم في العقيدة الإسلامية دور واسع ، ومنه أنه يهتم بالشأن الثقافي ويماس العمل في ميدان الثقافة ، التي هي المعارف المحركة للمجتمع والمتحكمة في ديناميته ، والإمام الحسين(ع) بصفته أحد المعصومين سار على ذات المنهاج ، وقد تميّز بأنه (ع) كان ربيب رسول الله (ص) في طفولته ، وربيب السيدة فاطمة الزهراء (ع) في صغره ، وربيب أبيه الإمام علي في شبابه ، ومصاحبة لأخية الإمام الحسن في كهولته . فمن الأسباب التي أدت إلى تكوين الإنفعال الثقافي بعد الثورة الحسينية بهذه السعة وهذا العمق هو انفعال الثقافة والفكر في حياة الإمام (ع) منذ الصغر ، فقد كان (ع) مستوعباً وممارساً للمعارف الإلهية منذ صغره ، والحوادث التاريخية تشهد بذلك بكل وضوح . ومنها أنه عندما ارتقى المنبر أحد الرجال الغير مؤهلين ، وقف الإمام الحسين وهو طفل صغير وقد دعاه أمام الحاضرين للنزول علن المنبر وقال هذا منبر أبي ، لأنه كان يؤمن بأن ولاية الإمام علي (ع) من الله ولا يحق لأحد أن يحتل منصبه .. وكذلك في القصة الشهيرة التي كان مع أخيه الإمام الحسن وهما صبيان صغيران وقد علّما الرجل الكبير الوضوء ، فقد نم ذلك عن حكمة وعلم ، ووضع لنا الإمام (ع) منهاجاً تربوياً للتأثير في الناس من أجل الخير. ويمكننا أن نلاحظ اهتمامه (ع) بالمجتمع وبأحوال وعيه ، من خلال متابعته لحركة الثقافة في المجتمع وسؤاله من يلاقيهم عن أقوامهم ، فينقل لنا التاريخ أن الإمام الحسين (ع) لمّا أتاه جعيد الهمداني ، بادره الإمام بالسؤال: (أخبرني عن شباب العرب ؟) فأخبره .. وعندما قدم عليه (أناس من أنطاكية سألهم عن حال بلادهم ؟ وعن سيرة أميرهم فيهم ؟ فذكروا خيراً ، إلا أنهم شكوا البرد ) . هذه نماذج من الفعل الذي كان يمارسه الإمام (ع) في المجتمع ، كما ويمكننا أن نضيف بعض المشاهد المهمة في هذا المجال ألا وهي رحلات الإمام (ع) إلى الحج ، فإن الروايات تؤكد على أنه (ع) قد حج خمسة وعشرون عاماً ، والحج يمثل ملتقى للشعوب المختلفة ، وقد استثمر الإمام الحج في توعية الناس وتغذيتهم بالمفاهيم الإلهية ، وقد تمثلت صور العطاء في الحج في الحوار أو الدعاء أو الإجابة على التساؤلات أو إلقاء الخطب ، ولعل أشهر تلك الخطب تلك التي ألقاها قبل وموت معاوية بسنتين في مؤتمر (منى) ، فقد جمع الإمام الحسين (ع) بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم ، والأنصار ، وأصحاب الرسول (ص) وأبناءهم ، والتابعين والمعروفين بالصلاح ، فاجتمع في ذلك المؤتمر أكثر من ألف رجل .. فألقى الإمام (ع) فيهم خطبته الطويلة التي حوت معالم الثقافة الإسلامية في جوانب عديدة ومن أبرزها الجانب السياسي، وتضمنت واقع بني أمية ، وجاء فيها : (اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ، فمن أمنتم من الناس به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا ..) . هذا فضلاً عن كلمات الإمام الحسين وتوجيهاته المضيئة بالعطاء الثقافي طول فترة إمامته التي دامت عشر سنوات وعشرة أشهر ومنها قوله (ع) : (إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلاً ناكباً عن المنهاج ، طاعناً بالأعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلً غير جميل). رعاية المسيرة ثقافياً لقد ساعد انفعال الثقافة في مسيرة الإمام الحسين (ع) طوال مدة حياته وقبل الثورة الكربلائية على بلورة الخطاب الحسيني بشكل تكاملي فاعل . وهذا الخطاب هو أحد أروع تجليات الإنفعال الثقافي في الحركة الحسينية التي قارعت الظلم و الظالمين ، فقد تغفل الحركات وقادتها عن بلورة خطاب ثقافي يدعم التحرك السياسي والعسكري ويكتفون بالخطاب السياسي المحض ، فلا يكتب للحركة النجاح أو أنها تصاب بالوهن في كثير من تفاصيلها ، إلا أننا نقرأ المسيرة الحسينية وقد صاحبتها حالة الثقة والقوّة من قبل المنتسبين لها والملتحقين بركبها ، بل وحتى بعد مقتل آخر رجل منهم في جبهة القتال ، بقيت المسيرة - ورغم تعرض نسائها للسبي - قوية ثقافياً وواثقة فكرياً ، فلم تصب الرؤى التي تحدّث عنها الخطاب الحسيني أي عطب أو تراجع ، بل تعززت وصدّقها الزمن ، وأخذت طريقها في الاستمرار . والمستنتج من ذلك أن هنالك حالة من الوثوقية الشديدة بالمنطلقات الفكرية والأسس التي قامت عليها الثورة ، فإن الإمام الحسين (ع) قد أولى الخطاب الحركي بمضمونه الثقافي اهتماماً واسعاً واستمرارياً . ولو قرأنا المشاهد التاريخية لوجدنا أن الإمام (ع) لم يتوقف لحظة عن إلقاء الخطب ، فمنذ اليوم الأول للخروج قد أعلن أهداف المسيرة الحسينية برؤية شفافة ، لتكون ماثلة أمام ركب المسيرة ، وذلك عند خروجه من المدينة ، وتحديداً عند لقائه بمروان عند محاولة الأخير تحسين صورة أمر بيعة يزيد في عين الإمام (ع) أجابه قائلاً : على الإسلام السلام إذا ابتليت براعٍ مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول : ( الخلافة محرمة على آل أبي سفيان فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه ، وقد رءاه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق). وقد أشار في خطاباته (ع) إلى أهدافه وهي طلب الاصلاح في أمة جده رسول الله (ص) ، وإعادة المسلمين للإسلام ، وبناء الوضع الإجتماعي المنهار . وإلى آخر أيامه في كربلاء عندما نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن الإمام (ع) أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : قد نزل بنا من الأمر ... إلى أن قال ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربه .. وهذا الخطاب جاء تصديقاً واقعياً لمضامين الخطابات السابقة ، الأمر الذي يضفي تعزيزاً إضافياً للوثوقية بالمنطلقات الفكرية ليتجلى الإيمان بها والتضحية من أجلها ، وهذا ما حكاه واقع الطف بشكل جلي . المرجعية الفكرية في الخطاب الحسيني من الأسباب التي ولّدت انفعالاً ثقافياً في عقول الملتحقين بركب المسيرة الحسينية ، وحفرت المنهج الذي كان على اثره يسير الإمام ، بالاضافة إلى ما ذكرناه من رعاية الإمام الحسين(ع) المسيرة بالخطاب ذي المضمون الثقافي ، فهنالك أيضاً خصيصة أخرى تتصل بمضمون الخطاب ، فالاهتمام بالخطاب من قبل الإمام (ع) كان عرضياً وطولياً ، وما يكتنفه من المضمون الفكري هو الذي يشير إلى الطولية فيه ، أما العرض فهو تكثيف وتعدد الخطاب وفق مراحل المسيرة ، وهذه الصفة في الخطاب من عوامل نجاحه ومن عوامل ديمومة النهج إلى يومنا هذا ، فهو يذكرنا بالخطاب القرآني الذي نزل (منجّماً) أي مصاحباً فترات ومراحل الدعوة المحمدية ، كما تنوع الخطاب القرآني ، فكان الخطاب المكي ، والخطاب المدني ، اللذان يتباينان من حيث الموضوع ، ولكنهما يلتقيان في المبدأ والمنطلق. ولقد كانت من المضامين التي أكسبت الخطاب الحسيني قوة وتأثيراً في الرجال المخلصين هي بيان المرجعية لهذه المسيرة ، ومرجعية أية حركة هي الشرعية التي تستمد منها رؤاها وتقيس وفق معاييرها خطواتها ، فقيمة المرجعية من قيمة شرعيتها التي تستمدها من الثقافة التي يرجع إليها ذلك المجتمع ويقيم لها وزناً واعتباراً ، فالخطاب كان لمجتمع مسلم آمن بالله عز وجل وبرسوله المصطفى (ص) ، فخير مرجعية هي الله تعالى ، ورسوله الكريم ، وهذا ما اعتمده الإمام الحسين (ع) في خطابه ، فإنه قد كان دائماَ يذكّر بالله عز وجل، ويردد آياته، ويستدل بها على منطلقاته ، و هو الذي كان يكرر الآية الكريمة : (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين). وقد أشار في خطابه (ع) أنه يحذو حذو جده (ص) وأبيه (ع) ، إذ قال : (لم اخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً. وانّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف، وانهي عن المنكر، واسير بسيرة جدي وأبي)، ولو تصفحنا تاريخ الرسول الأعظم (ص) في ذات الموضوع الذي يتحرك في دائرته الإمام الحسين (ع) وهو مجابة الفساد والمفسدين في الأرض، لوجدنا قول الرسول (ص) : (من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله). وقد خاطب أول كتيبة للجيش الأموي مفصحاً لهم عن التصاق خطاب المسيرة بتعاليم الرسول (ص) قائلاً : (أيها الناس: إني سمعت رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهده... إلى أن يقول: فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله). انفعال الثقافة .. تأثر الأصحاب مثالاً عندما نبحث الإنفعال وندّعي أن هنالك إنفعالاً عميقاً للثقافة في المسيرة الحسينية ، فهذا يعني أننا لابد أن نرى أثره في المتلقين بشكل مباشر لخطاب الإمام الحسين (ع) قبل أن نلقي الضوء على الأثر الذي لحق الثورة . الذين التحقوا بالركب الحسيني كما ينقل التاريخ لم يكونوا كثرة ،بل كانوا قلة ، وكان عددهم إثنان وسبعون رجلاً ، والقلة هنا نسبية ، لأن الواقع الذي كان سائداً آنذاك واقعاً يعاني من بعده عن روح الإيمان، ومنفصل بفعل سياسة معاوية عن مناقب آل البيت (ع) ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى قد كان الظرف حرجاً وصعباً من حيث الظلم السائد والقمع الذي كان يمارسه الأمويون في حق العباد ، وخصوصاً من يخالفهم الرأي ، فعدد (اثنان وسبعون) رجلاً لم يكن قليلاً بالنظر لتلك الظروف ، ولكن هذا لا يعني إيجاد عذر للأغلبية الذين لم يستجيبوا لدعوة الإمام (ع) . ولقد كان أولئك الرجال يتصفون بصفات عظيمة ، فقد كان فيهم العلماء والوجهاء والمؤمنين المخلصين ، فقد كانوا صفوة نوعية من مجتمع آيل للانهيار . أما انفعالهم فقد كان واضحاً وصارخاً ، ترجمته ردود أفعالهم أمام الدخول في معركة تسلب الأرواح ، فهذا انفعال علي الأكبر في قوله : ( إذاً لا نبالي بالموت أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا ) ، و هذا العباس يقول مخاطباً الإمام الحسين (ع) : (لا والله لا نفارقك يا أبا عبد الله حتى نفديك بالأرواح ونقيك بالأنفس ) . ومسلم ابن عقيل في الكوفة في قصر ابن زياد وليس بينه وبين الموت إلا لحظات ، عندما قال له ابن زياد : كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئاً ، فقال له مسلم بكل ثقة : لا والله ما هو بالظن ولكنه اليقين) . كما ترجم تلك الحقيقة زهير ابن القين ذلك الوجيه في قومه بعد الخطاب الحسيني الذي ألقاه في طريقهم إلى العراق ، يقول : ( قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك .. والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلدين ، إلا أن فراقها في نصرِك ومواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها) . وهنالك الكثير ممن أبدوا انفعالهم الواعي بوضوح الرؤية والإيمان بها ، ومن تلك المواقف التي ظهر فيها التأثر بوضوح ، عندما وصل كتاب الإمام الحسين (ع) لحبيب ابن مظاهر الذي جاء فيه : (فإن كنت يا حبيب تروم أن تحضى بالسعادة الأبدية فبادر إلى نصرتنا) ، فكان انفعالاً ثلاثياً ، فحبيب نهض للخروج قائلاً : ( أفديه بنفسي وأهلي وولدي) ، واستشرى الإنفعال إلى زوجته عندما قالت له : ( يا حبيب إن لم تمض إلى نصرة الحسين لألبسن ملبوس الرجال وأمضي إلى نصرته ..) ، وتعداهما إلى العبد الذي أمره حبيب بالإنتظار عند الخيل ليأتيه للخروج ، فلمّا أبطئ حبيب سمع العبد يقول للجواد : (والله لئن لم يأت صاحبك ويركبك لأعلون ظهرك وأمضي لنصرة سيدي ومولاي الحسين) . فقلما نجد تلك الإنفعلات في عمقها ووثوقيتها في هذا الزمن المحدود ، فكانت ردود فعل صادقة عبرت عن استيعاب للرؤية واستعداد للتضحية في سبيلها ، وقد لخصها برير ابن خضير المقاتل ، بقوله : (والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم) . بعد أن رأى الإمام الحسين (عليه السلام) من أصحابه هذه المواقف التي تدل على عمق الإيمان ووعي المبدأ والتمسك به في أصعب الظروف ، قال قولته المشهورة فيه : (أما بعد فاني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً) ، فكانت وساماً أبدياً يبين مدى انصهارهم في قيادتهم الربانية ، وقد جسّد هذا التفاعل الواعي بين القيادة والأتباع قول الله تعالى : (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). * باحث بحريني |
شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 4/3/2003 - 30/ ذو الحجة/1423 |