q

الانقسامات والخلافات بين ما يسمى بالمعارضة السورية وكما يرى بعض الخبراء، تفاقمت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، خصوصا بعد ان منيت فصائل المعارضة السورية المسلحة المدعومة من جهات ودول خارجية، بخسائر بشرية ومادية فادحه أفقدتها الكثير من المكاسب العسكرية، وجعلتها تعيش حالة من الارتباك والتفكك بسبب اختلاف الأهداف والتوجهات، التي تصب في خدمة الدول الداعمة، يضاف الى ذلك تفاقم الخلافات على موارد التمويل والتي بدأت بشكل مبكر بين تلك الفصائل، فالصراع في سوريا وكما نقلت بعض المصادر لم يعد صراعا بين المعارضة والنظام السوري فحسب، بل اخذ اشكالا اخرى من بينها الصراع المسلح بين الجماعات السورية المختلفة كالجيش السوري الحر و داعش وباقي التنظيمات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة. الأمر الذي قد يجعل الحرب بين هذه الجماعات اكثر ضراوة من الحرب بين المعارضة والنظام.

وقد شهدت دير الزور في أواخر عام 2013 اقتتالًا بين فصائل الجيش الحر على الآبار النفطية، في حين ركز تنظيم داعش معاركه على المناطق الشرقية في دير الزور والرقة والحسكة بحثًا عن موارد تمويل. كما شهدت المعابر الحدودية مع تركيا وخاصة معبر باب الهوى الحدودي اشتباكات متكررة بين عدة فصائل بهدف السيطرة عليه، والاستفادة من مدخوله. ويرى بعض المراقبين ان نهاية المجاميع المسلحة التي تفتقر لقيادة موحدة وهدف اساسي، ربما اصبحت قريبة جداً خصوصا بعد ان أدركت بعض الدول الداعمة لهذه الجماعات، فشل مشاريعها وخططها بعد تحول موازين القوى لصالح الحكومة السورية، الأمر الذي دفعها إلى تقديم تنازلات و بناء تحالفات جديدة في سبيل إنهاء هذه الحرب التي اثرت سلباً على جميع دول المنطقة.

المعارضة منقسمة

وفي هذا الشأن تشهد صفوف المعارضة المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد انقسامات أكثر من أي وقت مضى ومعنوياتها منخفضة جراء هزيمتها في حلب وعدم قدرتها على التوحد في قوة واحدة للدفاع عن أراضيها المتبقية. وكشفت الدبلوماسية الجديدة التي يقودها الروس حلفاء الأسد مزيدا من الانقسامات في أوساط معارضة لم يكن لها رئيس واضح على الإطلاق في ظل تشرذم قديم لفصائلها جراء التنافس الإقليمي وعلاقاتها بالدول ومعارك فكرية بشأن اتباع أهداف سورية قومية أو سنية متشددة.

وقتل العديد من القادة البارزين في الصراع المستمر منذ نحو ست سنوات وتشكل العديد من التحالفات العسكرية والسياسية لتنهار سريعا. وبعد هزيمة المعارضة في حلب انهار أحدث مسعى لتوحيد الأجنحة المتشددة والمعتدلة للمعارضة المسلحة. وعلى النقيض من ذلك لا يزال الأسد قويا مثلما كان في أي وقت منذ بداية القتال بفضل التزام داعميه الروس والإيرانيين ببقائه في الوقت الذي زاد فيه اختلاف أهداف الدول الأجنبية التي تساند المعارضة من انقساماتها.

ولم يمثل وفد المعارضة في المحادثات مع الحكومة السورية في أستانة عاصمة قازاخستان سوى جزء من المعارضة المعتدلة التي تقاتل الأسد في تحالف فضفاض يعرف باسم الجيش السوري الحر. ويتكون في معظمه من جماعات تقاتل في شمال سوريا بدعم من تركيا أما الجماعات المعارضة الأخرى التي تعتبر قريبة من الولايات المتحدة والسعودية فقد جرى تجاهلها.

وأدت التحركات الروسية من أجل السلام أيضا إلى تفاقم الانقسام بين الأجنحة المعتدلة والمتشددة بالمعارضة المسلحة مما أجج التوتر الذي تحول إلى مواجهة في إدلب المعقل الرئيسي الباقي للمعارضة. واستثنى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا الجماعة المتشددة الرئيسية في شمال غرب سوريا وهي جبهة فتح الشام كما تردت الثقة في معسكر المعارضة أكثر بعد سلسلة من الضربات الجوية التي استهدفت زعماء الجماعة. ويصب هذا كله في صالح الأسد في وقت يرغب فيه حلفاؤه الروس والإيرانيون في قيادة الجهود الدبلوماسية بخصوص سوريا بينما يشير دونالد ترامب إلى أنه سيقطع الدعم عن المعارضة السورية المعتدلة بعد توليه السلطة.

فتح الشام والجيش الحر

الى جانب ذلك سحقت جبهة فتح الشام الإسلامية المتشددة جيش المجاهدين وهو أحد فصائل الجيش السوري الحر في هجوم يهدد بتوجيه ضربة قوية للجناح المعتدل من المعارضة السورية وعرقلة محادثات السلام التي تدعمها روسيا. وشنت جبهة فتح الشام التي كانت تعرف من قبل باسم جبهة النصرة هجوما على عدد من فصائل الجيش السوري الحر في شمال غرب سوريا واتهمتها بالتآمر ضد الجبهة في محادثات السلام التي جرت في قازاخستان.

وشمل القتال آخر معقل رئيسي للمعارضين في شمال غرب سوريا مما دفع فصيلا إسلاميا رئيسيا إلى التحذير من أنه قد يترك المنطقة للرئيس بشار الأسد وحلفائه. وقال مسؤولون من فصيلين من جيش سوريا الحر إن جبهة فتح الشام اجتاحت مناطق يسيطر عليها جيش المجاهدين غربي حلب. وقال أحد المسؤولين إنه يتوقع أن تواجه فصائل أخرى من الجيش السوري الحر المصير نفسه ما لم تنظم صفوفها بشكل أفضل للدفاع عن نفسها وهو ما فشلت فيه هذه الفصائل حتى الآن.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن فتح الشام هاجمت في وقت لاحق سجن إدلب المركزي على مشارف المدينة والذي كانت تسيطر عليه جماعة أخرى لأسباب منها محاولة تحرير سجناء هناك. وقالت فتح الشام في بيان على الانترنت إن ألوية صقور الشام سلمت لها السيطرة على السجن وإنه تم السماح للمقاتلين الذين كانوا يحرسونه بالمغادرة دون احتجاز أحد منهم. بحسب رويترز.

وتعثرت المعارضة السورية من البداية بسبب انقسامات بين الجماعات التي تقاتل الأسد شملت خلافا فكريا بشأن ما إذا كان يتعين اتباع نهج المتشددين السنة أم الفكر القومي الذي تؤيده فصائل الجيش السوري الحر. وقال مسؤول من الجيش السوري الحر طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع "النصرة تريد القضاء على الجيش السوري الحر." وأضاف أنها إذا نجحت في ذلك "سينتهي أمر الذين حضروا (محادثات) آستانة." ودعمت روسيا وإيران وهما حليفان رئيسيان للأسد هذه المحادثات وكذلك تركيا التي دعمت العديد من فصائل الجيش السوري الحر. ودعت روسيا لإجراء المحادثات الجديدة بعد مساعدة الأسد في هزيمة المعارضين في حلب.

اتحاد جديد

على صعيد متصل قالت حركة أحرار الشام الإسلامية المسلحة في بيان إن ستة فصائل معارضة أخرى انضمت إليها في شمال غرب سوريا لصد هجوم كبير لجماعة متشددة قوية. وشنت جبهة فتح الشام المتشددة- التي كانت تعرف بجبهة النصرة وجمعتها صلات بتنظيم القاعدة- هجوما على عدد من فصائل الجيش السوري الحر متهمة إياها بالتآمر عليها خلال محادثات السلام التي جرت في قازاخستان.

ووقفت حركة أحرار الشام إلى جانب الجماعات المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر قائلة إن فتح الشام رفضت جهود الوساطة. وقالت أحرار الشام في بيانها "إن أي اعتداء على أحد أبناء الحركة المنضمين لها أو مقراتها هو بمثابة إعلان قتال لن تتوانى حركة أحرار الشام في التصدي له وإيقافه مهما تطلب من قوة." والفصائل التي انضمت لأحرار الشام وفقا للبيان هي "ألوية صقور الشام وجيش الإسلام-قطاع إدلب وكتائب ثوار الشام والجبهة الشامية-قطاع حلب الغربي وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم كما أمرت وغيرها من الكتائب والسرايا."

وقالت الحركة في بيانها إن الساعات الماضية شهدت "سلسلة من الاعتداءات التي كادت تنزلق بالثورة إلى هاوية الاحتراب الشامل" وهو ما دفعها إلى بذل جهود "ومحاولة التواصل مع جميع الأطراف وبذل النصح لهم." وتعتبر موسكو أحرار الشام جماعة إرهابية ولم تشارك في محادثات آستانة التي رعتها روسيا. وقالت الجماعة إنها ستساند فصائل الجيش السوري الحر التي شاركت في مؤتمر آستانة إذا ما توصلت إلى نتائج إيجابية لصالح المعارضة. بحسب رويترز.

واستبعدت فتح الشام التي يعتبرها المجتمع الدولي جماعة إرهابية من جميع الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الصراع السوري ومنها هدنة جرى التوصل إليها في الآونة الأخيرة بوساطة روسية تركية. وتستهدف غارات جوية أمريكية الجماعة منذ بداية العام الجديد. ورغم أن الجبهة حاربت الأسد إلى جانب الجيش السوري الحر لكن سبق أن سحقت فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من الخارج خلال الصراع السوري المعقد المندلع منذ نحو ست سنوات.

اضف تعليق