q

يسعى تنظيم داعش الارهابي الذي مُني بخسائر كبيرة في سوريا والعراق، الى بناء قاعدة جديدة له في ليبيا مستغلاً حالة الفوضى والانقسام التي تعيشها البلاد كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا ان تفاقم الصراعات السياسية في هذا البلد المضطرب منذ إسقاط حكم الرئيس معمر القذافي، اسهمت بتنامي وتمدد خطر تنظيم "داعش"، الذي تمكن اليوم من السيطرة على الكثير من المدن الليبية المهمة، الامر الذي اثار قلق ومخاوف المجتمع الدولي خصوصا وان خطر تمدد داعش وبحسب بعض المصادر لا يهدد ليبيا فقط، بل يهدد الدول المجاورة، على رأسها مصر وتونس وإيطاليا وباقي الدول الاخرى القريبة من ليبيا، والتي تعاني بعضها من مشكلات وازمات امنية بسبب انتشار الجماعات والتنظيمات المسلحة، وتحدثت مصادر استخباراتية أميركية، بحسب صحف أميركية، عن إرسال أمير التنظيم أبوبكر البغدادي قياديا بارزا في التنظيم إلى سرت الليبية، لتعزيز وجود التنظيم وإدارته في ليبيا. ويرى مراقبون أن نقل "داعش" لأعماله القتالية إلى ليبيا لا تنحصر أسبابه في فقدان عدد كبير من مقاتليه بسوريا والعراق فقط، ولكن أيضاً بهدف تعويض مصادر تمويله التي فقدها جزئياً هي الأخرى.

وأعرب مراقبون عن تخوفهم من تمكن التنظيم الذي اعلن في وقت سابق سيطرته مدينة صبراتة الليبية من التمدّد نحو تونس وتطويق العاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى سيطرته على المناطق الغنية بالغاز الذي يصدر إلى أوروبا، وأكدوا أن سيطرة داعش على تلك المواقع سيؤدي إلى قطع الغاز عن إيطاليا، وتتراوح تقديرات عدد مقاتلي داعش في ليبيا بين 3 آلاف و6 آلاف مقاتل. ويبدى مسؤولون قلقهم علانية من أن التنظيم قد يستغل وجوده في ليبيا لتخفيف ضغط الغارات الجوية الأمريكية والقوات المحلية على قاعدته الرئيسية في العراق وسوريا.

ووصف مسؤولون أمريكيون وأوروبيون وجود تنظيم داعش في ليبيا بأنه مثير للقلق على نحو متزايد على الرغم من أنه ليس بحجم سيطرته على مساحات من العراق وسوريا. وهاجم التنظيم البنية النفطية الأساسية في ليبيا وسيطر على مدينة سرت مستغلا فراغ السلطة في ليبيا حيث تتصارع حكومتان متنافستان السيطرة على البلاد.

الورقة الرابحة

في هذا الشأن فالأزمة في ليبيا تزداد قتامة يوما تلوَ آخر. ليس فقط بسبب مستقبلها المجهول ولكن أيضا جراء الأعلام السوداء لتنظيم داعش التي أضحت ترفع في مواقع عدة ونرى رقعتها تتمدد يوما بعد آخر على خارطة البلاد. مخطئ من يعتقد أن الأسوء نشهده حاليا في سوريا والعراق، لأن القادم في ليبيا سيكون أمرا ربما لم نره من قبل. فحظ سوريا والعراق إستراتيجيا أفضل بكثير من ليبيا، لأن الأقدار شاءت أن يكونا محاطين بقوى كبرى وفاعلة لن تسمح للتنظيم بالتوسع في محيطه الإقليمي حفاظا على مصالحها.

والحديث هنا طبعا عن تركيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي ثم إسرائيل القوة الأكبر في المنطقة استخباراتيا وعسكريا وأخيرا وليس آخرا إيران وحليفها "حزب الله" ذو الخبرة القتالية في "حرب العصابات". هذا فضلا عن تقاطع مصالح قوى عالمية كبرى كروسيا والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. أما ليبيا فلسوء حظها محرومة من هذه المناعة الإستراتيجية الإقليمية. جيرانها دول ضعيفة وفقيرة تغرق في مشاكلها اليومية المتعددة. مصر، السودان ، تشاد، النيجر، الجزائر وتونس، ستة بلدان تتقاسم حدودا مع ليبيا، أي من هذه الدول ليست عضوا في تحالف عسكري دولي نافذ ولا قوة إقليمية وازنة تربك حسابات الآخرين. بل على عكس ذلك، الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهؤلاء الجيران قد تجعلهم هم أيضا هدفا لتنظيم داعش.

وليس وحده المحيط الاقليمي ما يعقد مستقبل ليبيا، بل أيضا غياب الاهتمام الدولي بهذه المنطقة. فرغم أن الملف الليبي ما زال مدرجا في أروقة الأمم المتحدة ضمن البند السابع إلا أن الأمر يبقى حبرا على ورق، دون اهتمام دولي ببلد عمر المختار. فإيطاليا المستعمر السابق أدارت ظهرها لما كانت بالأمس حديقتها الخلفية، وهي الآن غارقة في أزمتها الاقتصادية.

فرنسا التي حققت أمنية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بالتخلص من الديكتاتور معمر القذافي، فلم تعد ليبيا على رأس أولوياتها بعد وصول فرانسوا هولاند إلى السلطة. لأن هولاند، وفي خضم منافسته السياسية مع ساركوزي، يفضل التحرك في بلد مغاير هو مالي ليظهر هو الآخر قدرته على القيادة العسكرية. ومن مصلحته في الآن ذاته أن يحسب الإخفاق في ليبيا على غريمه السياسي الطامح للعودة إلى الحكم في العام المقبل.

أما داخليا فما كان يعد بالأمس امتيازات أضحى اليوم نقصا. عدد سكان ليبيا محدود مقارنة بمساحتها الشاسعة التي تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا مثلا. أكثر من مليون وسبعمائة ألف كم مربع لا يقطنها سوى ستة ملايين ونصف مليون نسمة. الأمر الذي قد يجعل الخيارات الشعبية لمواجهة التنظيمات الإرهابية محدودة الفعالية في ظل ما نشهده من تنقل كثيف للمقاتلين عبر الحدود تلبية لدعوات الجهاد في هذا البلد أو ذاك. بحسب فرانس برس.

الخشية ألا يلتفت المجتمع الدولي للوضع في ليبيا إلا بعد فوات الأوان. فلا الاجتماعات في الفنادق الفخمة، ولا تصريحات التضامن تحت أضواء الكاميرات، ولا عبارات القلق المعتادة لبان كي مون ستنقذ ليبيا من غدها المظلم. وحده التقدير الدقيق لخطورة الأمر والتحرك العاجل للمجتمع الدولي بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة، كفيل بإعادة توجيه المسار الليبي بعيدا عن الهاوية.

ملاذ امن

الى جانب ذلك انتقل قادة بارزون من تنظيم داعش من العراق وسوريا إلى ليبيا مؤخرا، بحسب ما ذكره مسؤول في الاستخبارات الليبية. وقال المسؤول إن عددا متزايدا من المقاتلين الأجانب وصلوا مدينة سرت. ويسيطر التنظيم منذ العام الماضي على مدينة سرت، موطن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي. ويعتقد أن مسلحي التنظيم تلقوا دعما من بعض الموالين للنظام السابق في البلاد. ويقول إسماعيل شكري، رئيس الاستخبارات الليبية في مدينة مصراتة، إن أفواجا من المقاتلين الأجانب وصلت إلى ليبيا في الأشهر الأخيرة. ويضيف أن "أغلبية هؤلاء من الأجانب، إذ تبلغ نسبتهم 70 في المئة. ومعظمهم تونسيون، يتلوهم مصريون، وسودانيون، وبعض الجزائريين." "أضف إلى ذلك العراقيين والسورين. ومعظم العراقيين جاءوا من جيش صدام حسين الذي حله الأمريكيون."

وقال شكري إن قادة رفيعي المستوى في التنظيم، لجأوا إلى ليبيا، تحت ضغط الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي على مسلحيه في العراق وسوريا. وأضاف "بعض أعضائهم، خاصة من يتمتعون بأهمية في التنظيم على مدى طويل، لجأوا إلى هنا. إذ يرون في ليبيا ملاذا آمنا." وتقول السلطات في مصراتة إنها تعد لشن هجوم على مسلحي التنظيم في سرت. لم يشاهد في بلدة أبوقرين، التي تبعد نحو 120 كيلومترا من مصراتة، أي دليل على مواجهة وشيكة.

وتمثل أبوقرين الخط الأخير للدفاع في مواجهة التنظيم. وفيما وراء ذلك، يسيطر مسلحو التنظيم على الطريق شرقا. وقال قادة في أبوقرين إن قواتهم، الموالية للحكومة في طرابلس، تبلغ نحو 1400 جندي، أي أقل من نصف العدد المقدر لمسلحي التنظيم. وأقر محمد البيوضي، القائد في كتيبة 166، بأن القوات لا تستطيع هزيمة مسلحي التنظيم بدون مساعدة دولية.

وأضاف "نحن بالتأكيد نرحب بدعم حلف شمال الأطلسي. لكن الغارات الجوية وحدها لا يمكن أن تهزم التنظيم. ما يحتاجه التنظيم بالفعل هو دعم في العتاد والنقل والتسهيلات." ولا يزال احتمال التدخل العسكري الدولي في ليبيا أمرا صعبا. وقد أقرت الولايات المتحدة مرة واحدة على الأقل في الأسابيع الأخيرة بأنها أرسلت عددا صغيرا من القوات الخاصة. بحسب بي بي سي.

ويفهم أيضا أن مجموعات مماثلة من دول حلف الطلسي (ناتو) الأخرى تبحث مع حلفاء محليين مسألة القوات البرية لمعركة محتملة مع مسلحي التنظيم. لكن مقاتلين في أبوقرين قالوا إنهم لا يريدون قوات برية غربية على الأرض. وقال البيوضي "نحن الليبيين سنقاتل. ليس هناك حاجة إلى قوات أجنبية." وقد أخذ قلق الحكومات الغربية يتزايد، وينفذ صبرها. ولم يتم الاتفاق بعد على فكرة إرسال قوات تدريب بقيادة إيطاليا، يبلغ قوامها 6000 جندي، من عدد من دول الناتو. والعقبة الكبرى أمام ذلك هو عدم وجود إجماع من برلماني ليبيا المتنافسين. وكان اتفاق بوساطة الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة قد توقف، بعد معارضة كلتا السلطتين في ليبيا: السلطة المدعومة من الإسلاميين في طرابلس، والسلطة المعترف بها دوليا في طبرق في الشرق.

من جانب اخر بقيت مدينة سرت الليبية معقلا للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي لاربعة عقود، لكنها، وفي غضون عام واحد، تحولت الى ملاذ لتنظيم داعش على بعد 300 كلم فقط من اوروبا الخائفة من وصول التهديد الجهادي اليها. وفي المدينة المتوسطية الواقعة على بعد 450 كلم شرق العاصمة طرابلس، تقطع الايادي ويعدم الناس بشكل علني ويسود الرعب. وفي شوارعها الرئيسية، تنتشر منذ حزيران/يونيو الماضي اعلام التنظيم الجهادي، بحسب ما يؤكد شهود عيان.

وتجوب سيارات التنظيم شوارع سرت من الصباح وحتى المساء، يراقب ركابها حركة المارة واصحاب المحلات، ويفرضون على السكان اداء الصلاة في مواعيدها، ويتاكدون من عدم خروج النساء من منازلهن من دون رجل يرافقهن. ويقول مسؤول في المجلس البلدي لسرت "الوضع ماساوي جدا، فالحياة المدنية معدومة، والاحكام المتشددة التي كنا نشاهدها في التلفزيون في العراق وسوريا باتت تفرض على السكان". ويتابع هذا المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن اسمه والمتواجد خارج سرت حاليا "ما تبقى من سكان المدينة البالغ عددهم اصلا 180 الف نسمة، اصبحوا اسرى الخوف والرعب، وايضا ضحايا التهميش واهمال السلطات". وتحولت سرت منذ ان سيطر عليها تنظيم داعش بالكامل في حزيران/يونيو الماضي بعد ستة اشهر من اعلانه وجود خلايا له فيها، الى قاعدة خلفية له، يدرب فيها المقاتلين الليبيين والاجانب.

ومع الضربات المستمرة التي يتلقاها هذا التنظيم في سوريا والعراق، اصبحت سرت التي تضم مطارا وميناء يبعدان نحو 300 كلم عن ايطاليا، محطة رئيسية لاستقطاب المتشددين وارسالهم لتنفيذ عمليات في الخارج، بحسب تقارير عدة. ويقول مسؤول في المجلس المحلي للمدينة ان التنظيم يعمل على تحويل سرت الى "معقل جهادي كبير، حيث اصبح يفرض على المدارس، التي بقيت ابوابها مفتوحة، تدريس الجهاد". وتابع "يتعلم التلاميذ الصغار الذين فصل الذكور منهم عن الاناث، الجهاد في مدارسهم، فيما يتلقى آباؤهم في الوقت نفسه دروسا مماثلة عن الجهاد في المساجد وفي اماكن اخرى".

وذكر هذا المسؤول ان تنظيم داعش اصبح يطلق اسم "قاعة الفلوجة" على قاعة واغادوغو الشهيرة التي كانت تستقبل ابان نظام القذافي مؤتمرات واجتماعات وقمما عربية ودولية وافريقية. وذكر ان "موقف السيارات يمتلأ عن اخره كلما دعا التنظيم سكان المدينة الى حضور درس ديني في هذه القاعة، فالسكان يخشون ان يعاقبوا اذا لم يحضروا". ومنذ ان سيطر على المدينة، نشر تنظيم داعش تسجيلات وتقارير مصورة عديدة عن الحياة اليومية في سرت، بينها مشاهد من محلات بيع الحلوى واللحوم، في محاولة لاظهار وتيرة حياة طبيعية فيها.

لكنه لم يتوان ايضا عن نشر تقارير تظهر عمليات قطع ايادي اشخاص اتهموا بالسرقة، واعدامات في الساحات العامة في حق اشخاص اتهموا بممارسة السحر، او التجسس، او غيرها... ويقول المسؤول في المجلس البلدي "اعلن عن 37 عملية اعدام بحق اشخاص في المدينة منذ دخول التنظيم الى سرت قبل عام، بعضهم من الليبيين، لكن آخرين يحملون جنسيات عربية مختلفة بينها مصرية ومغربية".

واعلن التنظيم في تقرير بالصور بعنوان "حصاد الجواسيس" نشر على الانترنت، اعدام ثلاثة اشخاص في سرت بتهمة التجسس لصالح تحالف "فجر ليبيا" الذي خاض معه معارك استمرت اسابيع قبل ان يطرده من كامل سرت ومحيطها في حزيران/يونيو. ودفع سقوط سرت في ايدي تنظيم داعش نحو سبعة الاف من سكانها الى مغادرتها نحو مناطق قريبة، بينها طرابلس ومصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، بحسب المسؤول في المجلس البلدي. ويقول المسؤول المحلي ان النازحين من سرت الى المناطق الليبية الاخرى "يتعرضون للتهميش من السلطتين"، السلطة المعترف بها دوليا في شرق ليبيا والسلطة الموازية في طرابلس وغرب البلاد.

وتعرضت سرت التي كانت "مدللة" في ظل حكم القذافي خلال الثورة ضد النظام السابق لدمار كبير. وفي هذه المدينة التي هي الموطن الاصلي لأبناء قبيلة القذاذفة، اعتقل معمر القذافي في 2011، وقد لجأ اليها بعد سقوط طرابلس بايدي الثوار في نهاية آب/اغسطس من العام ذاته. ودفعت سرت ثمن دعمها للقذافي غاليا. فقد تحولت شوارع باكملها عقب انتهاء المعارك الى مبان مهدمة، بينما ظل سكانها ينتقدون السلطات الجديدة ويتهمونها بتهميشهم والانتقام منهم، وباتوا يطلقون على مدينتهم اسم "المنسية".

وتقف السلطات المتنازعة على الحكم اليوم عاجزة عن استرداد المدينة من ايدي تنظيم داعش في انتظار تحرك دولي محتمل في ليبيا في ظل اعلان دول كبرى عن خشيتها من الخطر الجهادي المتصاعد على ابواب اوروبا. ويقول المسؤول في المجلس البلدي ان "السلطات في ليبيا ومنذ توليها الحكم بعد سقوط النظام السابق تهتم بكرة القدم اكثر من اهتمامها بسرت. فهل ان سقوط المدينة بيد داعش يشكل فارقا بالنسبة اليها؟".

تحذيرات ومخاوف

من جانب اخر حذرت الولايات المتحدة وايطاليا خلال اجتماع للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في روما من ان الجهاديين يوسعون نفوذهم ويخططون للتقدم بشكل اضافي في ليبيا وشن هجمات في دول غربية. وقال وزير الخارجية الايطالي باولو جينتيلوني ونظيره الاميركي جون كيري للدول الحليفة ان التنظيم مني منذ الاجتماع السابق قبل ستة اشهر بنكسات في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق.

لكنهما حذرا من ان التنظيم الجهادي يتكيف مع الضغوط في معاقله ويعيد توجيه جهوده الى ليبيا حيث سيطر على مناطق جديدة ولشن هجمات مثل تلك التي شهدتها باريس وانقرة وسان بيرناردينو في ولاية كاليفورنيا الاميركية. وبعد ان اكد ان مقاتلي التنظيم خسروا اربعين بالمئة من الاراضي التي سيطروا عليها في العراق وعشرين بالمئة في سوريا، صرح كيري "بالتأكيد لسنا هنا للتباهي"". واضاف "نحن هنا لنؤكد التزامنا من جديد ونعيد التقييم ونحكم على الامور التي بدأناها ويمكن ان يكون اداؤنا افضل فيها".

من جهته، اكد جينتيلوني ان التحدي الذي يواجه التحالف الذي يضم خصوصا دولا غربية وعربية كبير. وقال "نعرف اننا نواجه منظمة مرنة جدا وقادرة على التخطيط بطريقة استراتيجية لذلك لا نقلل من اهمية ذلك". واضاف "اذا كنا نحتاج الى مزيد من الحظر والتيقظ فلاننا نعرف انه بقدر ما يتعرض داعش للضغط في معاقله فانه سيسعى لمواصلة نشاطاته الارهابية في اماكن اخرى". واضاف "نحن نشهد تجدد نشاطه في ليبيا وافريقيا جنوب الصحراء".

وتعمل ايطاليا مع التحالف في التخطيط لطريقة مواجهة تهديد التنظيم للسواحل الجنوبية لليبيا التي تبعد لمسافة قصيرة عن شواطئها. وقال الوزير الايطالي "في الاشهر القليلة الماضية اتخذ التهديد في بلداننا ابعادا خطيرة جديدة تتطلب اهتماما مركزا ومنسقا من قبل التحالف". وقال كيري انه يجب تعزيز الجهود حاليا. وذكر مثالا على ذلك قيام الولايات المتحدة بنشر عدد محدود من القوات الخاصة داخل سوريا. بحسب فرانس برس.

واضاف في بداية الاجتماع مع زملائه في التحالف قبل بدء محادثات مغلقة ان "التحدي الآن يا اصدقائي اصبح واضحا". واضاف "علينا الدفع قدما باستراتيجية نعرف انها مجدية وان نفعل ذلك بلا تردد، حتى لا نعطي داعش مهلة للتجمع مجددا ولا مكان يجري اليه ولا ملاذا آمنا ليختبئ فيه". وتابع كيري ان "هذا الاجتماع لن يكون مفيدا اذا لم نتحدث عما يمكننا ان نفعله بشكل افضل لاننا لم نصل بعد الى النصر الذي نريد تحقيقه وسنبلغه".

قطاع النفط الليبي

في السياق ذاته كانت الهجمات على أكبر موانئ النفط الليبية فتاكة ومتواصلة. فقد شهدت تفجيرات انتحارية وحرائق ضخمة في مستودعات تخزين وتفجير خط أنابيب رئيسي. وأغلق ميناءا السدر وراس لانوف منذ أكثر من عام وتوقف تقدم مقاتلي تنظيم داعش باتجاههما بعد قصف واشتباكات. لكن تصاعد العنف في منطقة "الهلال النفطي" على الساحل الليبي يؤكد ضخامة الخطر الذي تتعرض له صناعة الطاقة التي ما زالت- رغم الفوضى السياسية السائدة في البلاد- تمثل مصدر دخل حيويا للدولة.

والنفط حيوي لحياة الليبيين وكثيرا ما تركزت الصراعات على السلطة منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 على قطاع النفط. وتراجعت بشدة صادرات ليبيا العضو في منظمة أوبك منذ عام 2013 عندما بدأت جماعات مسلحة في وقف الانتاج من أجل الضغط لتحقيق مطالب سياسية. وفي العام الماضي ووسط تناحر حكومتين على السلطة إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق حصل تنظيم داعش على موطئ قدم في مدينة سرت وشن أولى هجماته على البنية الأساسية النفطية.

ولم يسيطر التنظيم على حقول نفطية كما فعل في سوريا. لكنه تقدم على الساحل من سرت وعزز وجوده في بلدات منها بن جواد على مسافة 30 كيلومترا غربي ميناء السدر. وقال محمد الحراري المتحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط الليبية إنه يعتقد أن الخطر شديد جدا خاصة في السدر. وأضاف أن المنطقة تبدو مؤمنة لكن لا أحد يستطيع أن يضمن أي شيء.

وبدأت أحدث موجة من الهجمات يوم الرابع من يناير كانون الثاني بتفجير متزامن لسيارتين ملغومتين عند موقع لحرس المنشآت النفطية قرب السدر. ومع تصاعد العنف نشرت المؤسسة الوطنية للنفط رسالة استغاثة على موقعها الالكتروني. وفي إجراء وقائي من هجمات محتملة قالت الشركة إنها أرسلت ناقلة لنقل النفط من الموانيء لكن الحراس منعوا دخولها مشيرين إلى اعتبارات أمنية.

وقوات الحرس وحدة فرعية تابعة للجيش تشكلت عام 2005 وتمولها المؤسسة الوطنية للنفط. وزاد عدد أفرادها إلى 12 ألف جندي على الأقل بعد الانتفاضة لكن محللين يقولون إن ولاءاتهم غير مؤكدة وقدراتهم القتالية محدودة. وقتل 18 على الأقل من الحرس في الاشتباكات في الآونة الأخيرة. وقال المتحدث باسم الحرس علي الحاسي إن القوة تتوقع هجوما جديدا لتنظيم داعش في أقرب فرصة.

وقال ريتشارد مالينسون المحلل في مركز انرجي اسبكتس للأبحاث والاستشارات إنه في ظل خطر اختراق المتشددين دفاعات السدر وراس لانوف "هناك تهديد حقيقي" بشن هجوم على ميناء البريقة الذي مازال يعمل والواقع على مسافة 115 كيلومترا باتجاه الشرق. وأضاف أن بامكانهم كذلك شن هجمات على حقول السرير ومسلة والنافورة المسؤولة عن نحو 60 بالمئة من انتاج ليبيا الراهن من النفط البالغ أقل من 400 ألف برميل يوميا. وكانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل يوميا قبل الانتفاضة.

وقالت كلاوديا جازيني المحللة المختصة بالشؤون الليبية لدى المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات إن تنظيم داعش يسعى- حتى الآن- إلى تدمير البنية التحتية للإضرار بمصادر الدخل للدولة وتقويض حكومة وفاق وطني تدعمها الأمم المتحدة. وأضافت أن مقاتلي التنظيم في ليبيا الذين يقدر عددهم ببضعة آلاف ربما يكونون غير قادرين على السيطرة على منشآت نفطية من الحرس.

لكن السيطرة قد لا تمثل الأولوية بالنسبة لهم. فصناعة النفط الليبية معتمدة بدرجة كبيرة على تصدير الخام عبر البحر المتوسط ولذا فمن الصعب أن تحقق أرباحا كبيرة على المستوى المحلي. وقالت جازيني "يستهدفون خلق عجز في التمويل العام وإثارة اضطرابات اجتماعية واقتصادية." وكان ميناءا السدر وراس لانوف -وتبلغ طاقتهما التصديرية 600 الف برميل يوما- يعالجان نحو 300 ألف برميل يوميا قبل إغلاقهما في ديسمبر كانون الأول عام 2014 وسط قتال ألحق بالفعل أضرارا ببعض مستودعات التخزين للمينائين وعددها 32 مستودعا.

وأصيب مستودعان آخران وامتدت الحرائق إلى خمسة آخرين خلال اشتباكات. وقال الحراري المتحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط إن المؤسسة لم تتمكن بعد من تقييم الأضرار بدقة لكن تقديراته تفيد بأنه تم تدمير نحو 850 ألف برميل. ويأمل مؤيدو حكومة الوفاق الوطني أن يدفع خطر داعش الفصائل الليبية العديدة الأخرى لتوحيد صفوفها في مواجهة العدو المشترك. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم انتحاري قتل فيه 60 شخصا على الأقل في بلدة زليتن في غرب البلاد. وقال مارتن كوبلر مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليبيا "قتال داعش والخوف من تمدد داعش من الموضوعات التي تحظى بالتوافق." وأضاف "أرى ميلا متزايدا للاحتشاد وراء الاتفاق السياسي." بحسب رويترز.

لكن الاتفاق على حكومة وفاق وطني ما زال يواجه معارضة شديدة من بعض الفصائل ولم يتضح كيف ومتى يمكن أن تنتقل الحكومة إلى طرابلس. وقال مالينسون "إنه جبل يتعين تسلقه من أجل أن تثبت حكومة الوفاق الوطني شرعيتها حتى قبل أن نبدأ الحديث عن تنظيم الأمن في مواجهة داعش".

اضف تعليق