q

شهدت أفغانستان في الفترة الأخيرة تدهورا للأوضاع الأمنية، حيث بدأت حركة طالبان تنفيذ هجمات ارهابية مكثفة على المدن الكبرى في البلاد، كما عزز تنظيم "داعش" الإرهابي نفوذه في هذه البلاد. الامر الذي اثار قلق ومخاوف الكثير من الدول والجهات التي حذرت من تفاقم اعمال العنف، فبعد أربعين عاما على بدء النزاع الأفغاني وكما نقلت بعض المصادر، أعلنت الامم المتحدة ان المدنيين ما زالوا يدفعون من أرواحهم ثمنا باهظا لا سيما بسبب الاعتداءات التي حولت كابول منذ بداية العام الى واحدة من أخطر مدن البلد.

ودعت الأمم المتحدة الجماعات المتشددة في أفغانستان لوقف الهجمات على المدنيين وذلك بعد سقوط أكثر من خمسة آلاف مدني بين قتيل وجريح خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017. وقال محققو الأمم المتحدة في بيان إن الحرب في أفغانستان أسفرت عن مقتل 1662 مدنيا على الأقل وإصابة 3581 في النصف الأول من العام وهو ما يماثل تقريبا عدد الضحايا المدنيين خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وارتفعت أعداد القتلى والمصابين في التفجيرات الانتحارية وغيرها من "الهجمات المعقدة" بنسبة 15 % وسقط 40 % على الأقل من الضحايا المدنيين في هجمات شنتها جماعات مناهضة للدولة تستخدم متفجرات بدائية الصنع منها قنابل تزرع على جوانب الطرق. وقال تاداميتشي ياماموتو رئيس بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في أفغانستان "الخسائر البشرية لهذه الحرب القبيحة في أفغانستان، القتل والدمار والمعاناة الهائلة، كبيرة للغاية". وأضاف "الاستمرار في استخدام متفجرات بدائية غير قانونية بشكل عشوائي وغير متناسب أمر مروع ويجب أن يتوقف على الفور".

وقال محققو الأمم المتحدة إن طالبان مسؤولة عن 43 % على الأقل من الضحايا المدنيين. وتنظيم داعش مسؤول عن خمسة بالمئة في حين ألقيت المسؤولية عن 19 %على عاتق قوى غير محددة مناهضة للحكومة. أما الحكومة الأفغانية فقال المحققون إنها مسؤولة عن نحو 20 % من الضحايا المدنيين. والأطفال من أكثر ضحايا العنف في أفغانستان هذا العام إذ ارتفع عدد الوفيات بين الأطفال تسعة بالمئة. وقال ديفيد سكينر مدير هيئة إنقاذ الطفولة في أفغانستان "يجب أن تتوقف هذه الهجمات على المدنيين. وتابع "انها لا تصيب وتقتل الأبرياء بأبشع الصور فحسب وإنما تتسبب في صدمة وأسى لا يوصف خاصة للأطفال وتؤدي في كثير من الأحيان إلى مشاكل نفسية واجتماعية وتؤثر في نموهم على المدى البعيد".

هجمات مستمرة

وفي هذا الشأن قال مسؤولون إن انتحاريا قاد سيارة محملة بالمتفجرات ليصدم حافلة لدى مغادرتها مركز تدريب عسكري في كابول عاصمة أفغانستان مما أدى إلى مقتل 15 جنديا على الأقل بينهم متدربون ومدربيهم. وأعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن الهجوم الذي جاء بعد أسبوع دموي بالنسبة لقوات الأمن الأفغانية. والتفجير هو ثاني هجوم كبير في العاصمة خلال 24 ساعة إذ أسفر هجوم انتحاري على مسجد للشيعة في كابول عن مقتل أكثر من 50 من المصلين.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع دولت وازاري ”كان أفراد من الجيش يغادرون جامعة مارشال فهيم العسكرية عندما استهدفهم مفجر انتحاري في سيارة. لقي 15 جنديا كانوا هناك للتدريب حتفهم وأصيب أربعة آخرون“. وذكر بيان صادر عن مكتب الرئيس أشرف عبد الغني أن الحافلة كانت تقل مدربين وطلابهم من جامعة الدفاع على مشارف غرب كابول وهي مقر لتدريب ضباط الجيش الأفغاني وأكاديميات عسكرية أخرى.

وتواجه القوات الأفغانية صعوبات في مكافحة طالبان منذ مغادرة أغلب القوات الأجنبية للبلاد في نهاية عام 2014. وأعلن ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان المسؤولية عن الهجوم في رسالة بالبريد الإلكتروني للصحفيين. واقتحم مسلحون من طالبان قاعدة عسكرية في إقليم قندهار جنوب البلاد مما أسفر عن مقتل 43 شخصا على الأقل من بين 60 جنديا في القاعدة التي تحولت إلى أنقاض بفعل الهجوم. بحسب رويترز.

وفي وقت سابق قتل 36 على الأقل من أفراد الأمن وأصيب العشرات في هجمات لطالبان على مقار للحكومة في إقليمي باكتيا وغزنة. وكان من بين القتلى قائد بارز في الشرطة المحلية. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم انتحاري في كابول م دخل فيه انتحاري إلى مسجد للشيعة أثناء الصلاة وفجر نفسه. وقال داعي الحق عابد نائب وزير الشؤون الدينية في مؤتمر صحفي إن حصيلة قتلى الهجوم على مسجد إمام الزمان ارتفعت إلى 54 قتيلا من بينهم أطفال إضافة إلى إصابة 55 آخرين. وتسبب هجوم آخر على مسجد يوم الجمعة في مقتل 33 شخصا على الأقل في إقليم غور وسط البلاد.

تسلح وتدريب المدنيين

الى جانب ذلك أعلنت السلطات الأفغانية أنها سلحت ودربت مدنيين لحماية المساجد، وخاصة في المناطق الشيعية، من الهجمات الإرهابية. بعد مجموعة من الاعتداءات التي شنها تنظيم داعش على الأقلية الشيعية في أفغانستان، حيث أعلن وزير الداخلية ويس أحمد برمك أن قوات أمن إضافية ستنشر حول المواقع المهددة. وأعلن أيضا توزيع أسلحة "على مئات الأشخاص" في أعقاب اجتماع بين مسؤولين رفيعي المستوى ومندوبين عن رجال الدين الشيعة. وتضمن بيان للوزير الأفغاني صدر بعد الاجتماع، "ستتمركز قوات إضافية حول المواقع الدينية. وانتهى عمليا تدريب مئات الأشخاص الذين جندتهم وزارة الداخلية لهذه الغاية".

وتابع أن "تدابير اتخذت لتأمين توزيع الأسلحة ومعدات ضرورية أخرى على المجندين الجدد، وكذلك المكافآت". فيما اعتبر نائب الرئيس الثاني سرورد دانيش أيضا أن "على الناس ألا يعتمدوا على قوى الأمن وحدها لحمايتهم، بعد الحوادث الأخيرة المؤسفة". وأضاف أن "على الناس، ولاسيما الشبان، تنظيم صفوفهم لحماية مساجد أحيائهم خلال فترة محرم". وأكد نائب وزير الداخلية الجنرال مراد علي مراد، أن "توزيع الأسلحة في المواقع الدينية على الأشخاص المجندين حديثا، وكذلك معدات الاتصال، سيبدأ عما قريب". ولم يقدم مزيدا من الإيضاحات. بحسب فرانس برس.

ويذكر أنه ومنذ صيف 2016، تعرضت الطائفة الشيعية في أفغانستان لاعتداءات وهجمات انتحارية استهدفت المساجد خلال المناسبات الدينية. وقتل 28 شخصا في 25 آب/أغسطس في مسجد شيعي خلال صلاة الجمعة. وفي الأول من آب/أغسطس، لقي 50 شخصا مصرعهم وأصيب 80 بجروح، في اعتداء انتحاري شنه تنظيم داعش على مسجد في هراة. وأثار ذلك الاعتداء موجة من الاحتجاجات على الحكومة المتهمة بالتخلي عن حماية الأقلية الشيعية.

الى جانب ذلك قال مسؤولون ان السلطات الافغانية تدرس امكانية تدريب وتسليح 20 ألف مدني للدفاع عن المناطق التي تمت استعادتها من الإسلاميين، ما يثير مخاوف من تحول أي قوات محلية من هذا النوع إلى ميليشيا جديدة تغرق البلاد في مزيد من الفوضى. وحذرت الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، باتريسيا غوسمان، من أن "توسيع الحكومة الافغانية للقوات غير النظامية قد يتضمن مخاطر هائلة بالنسبة للمدنيين".

وأوضحت المنظمة، ومقرها نيويورك، ان دبلوماسيين غربيين في كابول اطلعوا على الخطة التي تحتذي بنموذج الجيش الإقليمي الهندي الداعم لقوات البلاد الرسمية، تحدثوا عن قلق أعرب عنه مسؤولون افغان من إمكانية استغلال "رجل قوي يملك نفوذا" للميليشا أو "اعتمادها على شبكات مصالح محلية". وقال مسؤولون أميركيون وافغان إن المقاتلين سيعملون تحت قيادة الجيش الافغاني ويصبحون مدربين بشكل أفضل من الشرطة المحلية، وهي قوة على مستوى القرى أسستها الولايات المتحدة عام 2010 واتهمت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

سياج حدودي

من جانب اخر تعتزم باكستان إقامة سياجين من الشبك المعدني بارتفاع تسعة أقدام (2.75 متر) بينهما أسلاك شائكة لمنع توغل المتطرفين الإسلاميين من أفغانستان التي تعارض إقامة حاجز على امتداد الحدود المتنازع عليها. وسيقام السياجان على امتداد معظم الحدود المشتركة التي يبلغ طولها 2500 كيلومتر رغم اعتراضات من كابول أن الحاجز سيفصل بين العائلات والأصدقاء في منطقة حزام قبائل البشتون التي يمر بها خط دوراند الذي رسمه البريطانيون في 1893 خلال العهد الاستعماري.

ويقدر الجيش الباكستاني أنه سيحتاج نحو 56 مليار روبية (532 مليون دولار) لتنفيذ المشروع. وتوجد خطط أيضا لبناء 750 موقعا حدوديا واستخدام نظم المراقبة المتطورة لمنع عبور المتشددين. وحتى الآن أقام الجيش الباكستاني السياج على امتداد 43 كيلومترا من الحدود بادئا بأكثر المناطق عرضة للعنف ومن المتوقع أن يجند عشرات الآلاف من الجنود لحراسة الحدود. ولم يتضح متى يكتمل بناء السياج. غير أن خطط باكستان أثارت انتقادات من أفغانستان. فقد قال جولاب مانجل حاكم إقليم ننكرهار في شرق أفغانستان إن السياج سيخلق “المزيد من الكراهية والاستياء بين الدولتين الجارتين ولن يفيد أيا منهما. وأضاف ”من المؤكد أن السياج سيخلق مشاكل كثيرة للناس على امتداد جانبي الحدود. لكن ما من سور أو سياج يمكن أن يفصل هذه القبائل“. وتابع ”أطالب القبائل بالوقوف في وجه هذا العمل“.

وتقول باكستان إن مسلحي حركة طالبان الباكستانية يعملون انطلاقا من الأرض الأفغانية وتحملهم مسؤولية سلسلة من الهجمات التي شهدتها البلاد في العام الأخير وتحث كابول على القضاء على ”ملاذات“ المتشددين. وفي المقابل تتهم أفغانستان إسلام أباد بإيواء قيادات حركة طالبان الأفغانية التي تحارب حكومة كابول. وينفي البلدان دعم المتطرفين لكن العلاقات بينهما ساءت في الأشهر الأخيرة.

وسيمتد السياج، الذي تعارض كابول إقامته، وسط ما يطلق عليه ”القرى المقسمة“ حيث لا يملك معظم السكان جوازات سفر وحيث يغلب عادة ولاء السكان لقبائل البشتون على ولائهم للدولة. وتتناثر سبع من هذه القرى حول منطقة تشامان التي تضم بلدة تشامان الحدودية المزدهرة في إقليم بلوخستان في جنوب غرب باكستان. ويعتقد أن هناك قرى مقسمة أخرى موجودة في موقع أبعد باتجاه الشمال في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية.

ويعمل مسؤولون باكستانيون في إقليم بلوخستان الآن على نقل المواطنين الباكستانيين في القرى المقسمة إلى الجانب الباكستاني من السياج ويقولون إن المخاوف الأمنية تفوق المخاوف من تقسيم المجتمعات المحلية. وقال الكولونيل محمد عثمان قائد قوات أمن الحدود الباكستانية في تشامان ”(الجدار الحدودي) كان موجودا في ألمانيا، ومازال موجودا في المكسيك. إنه في العديد من أرجاء العالم - فلما لا يكون في أفغانستان وباكستان؟“ وأضاف ”هذه القبائل يجب أن تفهم أن هذه هي باكستان وإن تلك هي أفغانستان“.

لكن الشكوك كبيرة بشأن الجدار. فمحاولات باكستان السابقة لبنائه فشلت قبل نحو عشر سنوات ويشك الكثيرون في إمكانية تأمين خط حدودي بهذا الطول. وتراجعت الرغبة في بناء جدار حدودي بعد هدم جدار برلين في عام 1989. لكن في السنوات القليلة الماضية دعا عدة زعماء شعبويين إلى بناء جدار لتقييد حركة الأجانب وكان من أبرزهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يريد بناء جدار على امتداد الحدود مع المكسيك. وأقام فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر اليميني جدارا على الحدود مع صربيا لمنع اللاجئين السوريين وغيرهم من المهاجرين المسلمين من دخول المجر الواقعة في شرق أوروبا والتي تعتبر بوابة للاتحاد الأوروبي.

وقال مصدر عسكري بارز إن باكستان تعتزم، استعدادا لبناء الجدار، إقامة أكثر من مئة موقع حدودي جديد وتسعى إسلام أباد حاليا لتعيين أكثر من 30 ألف جندي لإدارتها. وقال عثمان ”ترامب يقوم بما تتطلبه الأوضاع في أمريكا، ونحن نقوم بما تتطلبه الأوضاع في باكستان“. وظهرت دلائل على العلاقات المتوترة بين أفغانستان وباكستان في قريتين مقسمتين في مايو أيار أثناء إجراء مسح للتعداد السكاني في باكستان. فقتل أكثر من عشرة أشخاص عندما اشتبكت قوات الحدود الأفغانية، المعترضة على التعداد السكاني، مع حرس الحدود في قريتي كيلي جاهانجير وكيلي لقمان قرب تشامان.

وتبادلت كابول وإسلام أباد الاتهامات بإيواء متشددين وتقديم ملاذات آمنة لجماعات إسلامية تنفذ هجمات عبر الحدود. ورحب العديد من سكان قريتي كيلي جاهانجير وكيلي لقمان ببناء الجدار على أمل أن يمنع إراقة الدماء. لكن آخرين يخشون أن يضر بالأعمال ويفصلهم عن أقاربهم وأصدقاءهم. وقال عبد الجبار وهو باكستاني يملك مشروعا صغيرا في كيلي جاهانجير ”لن يكون هناك تسلل للإرهابيين والمشتبه فيهم من مناطق في أفغانستان... لكن نشاطي الصغير الذي أمارسه مع الأفغان سيتضرر“. بحسب رويترز.

وواجه المسؤولون الباكستانيون صعوبات على مدى فترة طويلة في إقرار الأمن في مناطق قبائل البشتون. وتمتد المنطقة مئات الكيلومترات وتشمل مناطق جبلية وعرة وكانت مركزا مزدهرا لتجارة السلاح والهيروين على مدى عقود. واستهدفت ضربات جوية أمريكية متشددين من تنظيم القاعدة وجماعات أخرى في المنطقة. وبالنسبة لسائق السيارة الأجرة عبد الرزاق (30 عاما) وكثيرين غيره فإن راحة البال تعوض تراجع الأعمال نتيجة لبناء الجدار. ويقول ”الآن يمكنني النوم بلا خوف في بيتي“.

اضف تعليق