q

كانت مجمل القراءات والتوقعات تذهب الى ان تحرير مدينة تلعفر من عصابات داعش الارهابية يتطلب ما لا يقل عن ثلاثة شهور، وهي فترة زمنية لا تعد طويلة وفق الحسابات العسكرية. وكانت مجمل القراءات والتوقعات تقول بأن عصابات داعش ستبدي مقاومة ومطاولة اكبر في معركة تلعفر، على اعتبار ان الاخيرة تعد واحدة من اخر معاقل التنظيم الارهابي في العراق، واكثرها اهمية وحساسية، بسبب موقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية.

ولعل تلك القراءات والتوقعات استندت الى حقائق ومعطيات لم تكن بعيدة عن الواقع كثيرا، ومن بينها:

-ان معظم عناصر تنظيم داعش الذين نجوا من القتل خلال معارك تحرير الموصل، فروا باتجاه تلعفر، وتحصنوا فيها مع العناصر المتواجدة بالاساس هناك، ليشكلوا حائط صد عسكريا قويا، ان لم يتمكن من الاحتفاظ بالمدينة، فعلى اقل التقادير يستطيع منع القوات العراقية من دخولها لعدة شهور.

-على عكس مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، تتميز تلعفر بجغرافيتها المفتوحة، فهي تقع شمال غرب محافظة نينوى، وتبعد مسافة تسعين كيلومترا عن الحدود العراقية-السورية، وستين كيلو مترا عن الحدود العراقية-التركية، ولا يتجاوز عدد سكانها مائتين وخمسين الف نسمة، أي انه لا توجد فيها كثافة سكانية كبيرة.

-بما ان غالبية سكانها من التركمان الشيعة، فإن البعض توقع ان يكون هناك بطء من قبل القوات العراقية في ايقاع العمليات العسكرية في المدينة.

-التدخلات الاميركية والتركية، التي تسببت طيلة شهور عديدة بتعطيل وتأجيل انطلاق عمليات تحرير تلعفر، لم تنته ولم تتوقف، وبقيت واشنطن وانقرة حتى اخر اللحظات قبل اعلان القائد العام للقوات المسلحة بدء عمليات تحرير المدينة، في العشرين من شهر اب-اغسطس الجاري، تحاولان وضع العصي في دواليب معركة التحرير.

-وجود تقاطعات سياسية حادة بين القوى السياسية التي تمثل المكونات المختلفة، قوميا وطائفيا ومناطقيا، وتباين اولوياتها، وتعدد اجنداتها، لا سيما ان واقع تلعفر لا ينفصل عن واقع عام يشمل مدنا ومناطق مختلفة، منها الموصل وكركوك وديالى.

ولمن يتأمل في الاجواء والمناخات التي سبقت انطلاق عمليات تحرير تلعفر، بما انطوت عليه من هواجس ومخاوف، يجد انها لم تكن مختلفة عن الاجواء والمناخات التي سبقت انطلاق عمليات تحرير الجانب الايمن للموصل في التاسع عشر من شهر شباط-فبراير الماضي، اذ ان بعضا من تلك الهواجس والمخاوف كانت مبررة، وبعضها الاخر، كان مبالغا فيه، وربما اندرج تحت عنوان الحرب النفسية، او تحت عنوان التقييمات السطحية والمتسرعة للامور.

بيد ان ما لم يقرأ بدقة، وما لم يتم التوقف عنده واخذه بنظر الاعتبار هو ان بعض ذات الحقائق والمعطيات التي استندت اليها القراءات والتوقعات القائلة بتأخر اكتمال تحرير تلعفر لعدة شهور، كانت تحمل بين طياتها عوامل ومحركات التسريع، ومن هنا كانت مختلف الاوساط السياسية العراقية وغير العراقية المعنية والمتابعة لما يجري في المشهد العراقي، وخصوصا في جانبه المتعلق بالحرب ضد تنظيم داعش، كانت تلك الاوساط مبهورة ومندهشة من الايقاع السريع جدا للانتصارات على الدواعش في تلعفر، وبدلا من ثلاثة شهور، بدا واضحا ان المهمة لا تحتاج اكثر من ثلاثة اسابيع ليس الا.

وبدلا من ان يساهم الدواعش الهاربون من ايمن الموصل في رفع معنويات رفاقهم بتلعفر، وتحصين وتقوية جبهتم، فأنهم رفعوا مستوى الاحباط واليأس والقلق لديهم، لا سيما بعد ان فرت اغلب العناصر الداعشية التي تحمل جنسيات اجنبية نحو سوريا وتركيا.

الى جانب ذلك فإن الجغرافيا المفتوحة للمدينة، ساعدت القوات العراقية، في توفير هامش كبير للمناورة، وتنويع جبهات الضغط، بأقل قدر من الخسائر والاضرار، سواء في صفوف تلك القوات او في صفوف المدنيين، وامساك الحدود من قبل قوات الحشد الشعبي، عبر تنسيق الحكومة العراقية مع الجانب السوري، ضيق الخناق كثيرا على الدواعش، وجعل امر فرارهم صعبا للغاية، ناهيك عن مقاومتهم.

والنقطة الاخرى، تتمثل في ان حجم الضرر والاذى الذي خلفه تنظيم داعش الارهابي على مختلف المكونات، جعلها تدرك ان استمرار بقائه يعني مزيدا من الضرر والاذى والخطر، وانه لا بد من تشجيع ودفع الحكومة العراقية الى القضاء على ذلك التنظيم بالكامل، وارتباطا بذلك، ليس غريبا ان نسمع الكثير من الاصوات المطالبة بالاسراع بتحرير قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك من الدواعش، وكذلك مدن تابعة لمحافظة الانبار، مثل القائم وعانة وراوة.

واما فيما يتعلق بالعراقيل الاميركية والتركية، فان ما افشلها هو قوة القرار العراقي، والدعم الايراني، اذ كان للطائرات الايرانية بدون طيار (drone) دور كبير في ضرب الدواعش وتحطيم خطوطهم الدفاعية، بالتعاون والتنسيق مع سلاح الجو العراقي، مما سهل المهمة امام قطعات الجيش والشرطة الاتحادية ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي للاجهاز على فلول داعش خلال فترة زمنية قياسية.

واليوم حينما نرى مدينة تلعفر وقد تحررت من الدواعش، بعد ثلاثة اعوام واكثر من شهرين على احتلالها (15 حزيران-يونيو 2014)، فإنه من الطبيعي جدا ان نؤشر على حقيقة ان تنظيم داعش بات في خبر كان بالعراق، ولن يحتاج تحرير الحويجة وعانة والقائم وراوة الى وقت طويل، مع بقاء خلايا نائمة هنا وهناك، يمكن ان تنفذ عمليات ارهابية في اوساط المدنيين، كما حصل مؤخرا في مدينة الصدر والشرطة الرابعة وابو دشير، كردود فعل طبيعية ومتوقعة على الهزائم الساحقة والخسارات الفادحة في ميادين القتال، التي افقدت داعش كل قواعده ومرتكزاته ومواطئ اقدامه الاساسية والمهمة.

اضف تعليق