q

وضع مأساوي ذلك الذي يعيشه المسيح في الدول العربية نتيجة لظهور المنظمات الإرهابية المتطرفة التي جعلت مستقبل المسيح في الدول العربية في مهب الريح. وذلك لان الإرهاب يسعى الى تخريب التعايش السلمي بين الشعوب والأديان ونشر الطائفية والعنف.

تشهد مصر منذ قرون خلافات واضحة وصراعات مدوية بين المسيح والمسلمين لكن مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي في مصر ساء استقرار أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وذلك لان التنظيم المتشدد أعلن حربه على المسيح ليأجج التطرف والطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر.

يشكل المسيحيون نحو عشرة في المئة من سكان مصر البالغ عددهم حوالي 92 مليونا الأمر الذي يجعلهم أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط. يمثل الأقباط الكاثوليك الذين يقل عددهم عن 150 ألفا نسبة صغيرة من مسيحيي مصر.

ان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية واحدة من أقدم كنائس العالم. وهي أكبر كنيسة في مصر التي تسكنها أغلبية مسلمة. ويوصف أتباعها بالأقباط الأرثوذكس تمييزا لهم عن الأقباط الذين تحولوا إلى الكاثوليكية والأقباط الشرقيين ومعظمهم روم. لكن رغم جذورهم التي تعود إلى العصر الروماني فإنهم يشعرون بالتهميش والاضطهاد.

فقد تعرض الأقباط لهجمات طائفية عبر السنوات لكنها كانت محدودة النطاق. وفي الآونة الأخيرة أصبحوا هدفا لتنظيم داعش الارهابي وقتل أكثر من 70 شخصا في ثلاث هجمات انتحارية استهدفت ثلاث كنائس في القاهرة وطنطا والإسكندرية منذ ديسمبر كانون الأول أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.

من اجل ذلك وبعد فترة قصيرة من الانفجارات التي استهدفت أحد السعف في مصر قرر البابا فرنسيس زيارة مصر وسط إجراءات أمنية مشددة للغاية. كانت مصر قد أعلنت بعد التفجيرين اللذين استهدفا كنيستين في طنطا والإسكندرية هذا الشهر فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر ونشرت قوات كبيرة في الشوارع وحول الكنائس.

واجهة بربرية المحرضين

وصل البابا فرنسيس إلى القاهرة يحدوه الأمل في تحسين العلاقات مع كبار رجال الدين الإسلامي في وقت يواجه فيه المسيحيون في البلاد ضغوطا غير مسبوقة من متشددي تنظيم داعش الذين لاحقوهم بالتهديدات. وقال في كلمة ألقاها في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام ""لنؤكد سويّا استحالة الخلط بين العنفِ والإيمان بين الإيمان والكراهية". وأكد البابا فرنسيس أهمية التعليم الجيد. وقال "من الضروريّ، كي نواجه فعلًا بربريّة من يحرّض على الكراھية والعنف، أن نرافقَ ونقودَ إلى النضوجِ أجيالًا تجيبُ على منطقِ الشرّ المحرّض بنموٍّ صبور للخير: شبابًا، مثل الأشجار الراسخة، يكونون متجذّرين في أرضِ التاريخ." وفق رويترز.

ورغم التهديدات الأمنية التي تحدق بزيارة البابا، أصر على أن يستخدم في تنقلاته سيارة عادية محافظا على عادته في تجنب السيارات الفارهة المدرعة من أجل أن يبقى قريبا من الناس. وكان رئيس الوزراء شريف إسماعيل قد استقبل فرنسيس لدى وصوله إلى مطار القاهرة في الساعة الثانية بعد الظهر بالتوقيت المحلي.

تحسين العلاقات مع الازهر

تأتي زيارة البابا فرنسيس في إطار جهوده لتحسين العلاقات مع مؤسسة الأزهر التي يعود تاريخها لأكثر من ألف عام بعد أن قطع الأزهر الاتصالات مع الفاتيكان عام 2011 بسبب ما اعتبره إساءات متكررة للإسلام من جانب البابا بنديكت الذي كان يتولى البابوية قبل البابا فرنسيس. وفق رويترز.

واستؤنفت العلاقات العام الماضي بعد أن زار شيخ الأزهر الفاتيكان. وتهدف زيارته للقاهرة أيضا إلى تعزيز العلاقات التي أصابها الفتور في بعض الأحيان مع الكنائس القبطية حيث سيلتقي مع البابا تواضروس الثاني بطريرك الأقباط الأرثوذكس الذي نجا من تفجير كنيسة بالإسكندرية هذا الشهر.

ليس الإسلام دين ارهاب

حملت رسالة البابا فرنسيس صدى خاصا داخل الأزهر حيث يحل ضيفا على الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب. وقال الطيب في كلمته إن المتشددين أساؤوا تفسير النصوص الدينية عن جهل. وأضاف "فليس الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه وأولوها تأويلا فاسدا، ثم راحوا يسفكون بها الدماء ويقتلون الأبرياء ويروعون الآمنين ويجدون من يمدهم بالمال والسلاح والتدريب". وفق رويترز.

وأضاف الشيخ الازهر "وهل ممكن أن نشير في مؤتمرنا هذا ولو على استحياء إلى أن الإرهاب الأسود الذي يحصد أرواح المسلمين والمسيحيين في الشرق أيا كان اسمه ولقبه واللافتة التي يرفعها لا تعود أسبابه إلى شريعة الإسلام ولا إلى قرآن المسلمين، وإنما ترجع أسبابه البعيدة إلى سياسات كبرى جائرة نعرفها وقد اعتادت التسلُّط والهيمنة والكيل بمكيالين؟".

استراتيجية عنف تستهدف المسيحيين

عمل البابا فرنسيس جاهدا على تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي لكن شيا من معهد هدسون قالت إنه سيضطر للتطرق بشكل مباشر أثناء زيارته المرتقبة إلى مسألة الاضطهاد الديني. بعد ان جمد الأزهر، أعلى سلطة إسلامية في مصر، الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية في 2011 بعدما ندد البابا السابق بنديكت بما سماه "استراتيجية عنف تستهدف المسيحيين".

قالت نينا شيا رئيسة مركز الحريات الدينية التابع لمعهد هدسون للأبحاث ومقره واشنطن "يدرك البابا جيدا حقيقة أن الشرق الأوسط قد يفقد الوجود المسيحي فيه تماما". وأضافت قائلة لرويترز بالهاتف "إنها مجتمعات قديمة تمتد جذورها إلى الكنيسة الأولى. ليست نبتة صناعية ولا نتيجة للتنصير الغربي. إنها فريدة وتندثر". وأضافت قائلة "سياق هذه الزيارة هو الإبادة الجماعية الدينية الواسعة ضد المسيحيين في الشرق الأوسط... إنها حقيقة واضحة تماما لا يمكن تجاهلها".

الحوار المسيحي الاسلامي

تأتي الزيارة في وقت مؤلم لأقباط مصر، أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط، بعد حوالي ثلاثة أسابيع من تفجيرين انتحاريين استهدفا كنيستين وأوقعا 45 قتيلا. وجاء الهجومان بعد تفجير استهدف الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في القاهرة في ديسمبر كانون الأول وأسفر عن مقتل 28 شخصا. حسب رويترز.

وبعد موجة قتل أجبرت مئات المسيحيين على الفرار من محافظة شمال سيناء حيث تنشط جماعة موالية لتنظيم داعش. وقال البابا مرارا إن الحوار المسيحي الإسلامي هو السبيل الوحيد للتغلب على المتشددين الإسلاميين الذين اضطهدوا المسيحيين وطردوهم من مجتمعاتهم التي ظلوا بها لنحو ألفي عام في العراق وسوريا ويستهدفونهم حاليا في مصر.

لقاء تاريخي

توالت ردود الأفعال حول لقاء البابا فرنسيس مع الشيخ الطيب ووصف بأنه جراحة كبيرة للجسد العالمي كما قال تامر سلامة منسق عام مركز الفتوى الالكترونية بالأزهر لرويترز إن كلمتي فرنسيس والطيب في ختام المؤتمر "هما جراحة دقيقة للجسد العالمي وما يعانيه من آلام وأمراض. "العالم يحتاج إلى عملية جراحية دقيقة من قامات دينية ذات منصب وذات قيمة ورمزية عند الناس من اجل تحقيق سلام حقيقي يؤمن به الجميع ويلتف حوله كل البشر".

وقال القس الفرنسي جان فرانسوا بور من مكتب الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية للعلاقات الإسلامية المسيحية "مثل هذا النوع من الاجتماعات يمنحنا أملا جديدا لأن علينا أن نؤمن بأن الإنسان قادر على بناء السلام من أجل العالم". ووصف مصطفى حجازي المفكر المصري والمستشار السابق لرئاسة الجمهورية لقاء البابا فرنسيس بالشيخ الطيب بأنه تاريخي.

وقال إن "هذه اللحظة من التاريخ تقول إن قيادتين روحيتين كبيرتين أكدتا على أن المشاكل الإنسانية تتجاوز التصنيفات العقيدية والفكرية وأننا في مواجهة تحديات إنسانية تقول إن الإنسان بفطرته يحتاج أن يواجهها أيا كان مرده العقدي أو الديني".

تعاون المؤسسات الدينية

قال المطران اللبناني بولس سفر ممثل الكنيسة السريانية في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام إن "هناك ضرورة للتعاون ما بين المؤسسات الدينية وبين الأديان ككل لمواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه اليوم في الشرق الأوسط وفي العالم اجمع وهو التطرف والإرهاب." وأضاف "هذه الرسالة نراها ضرورية في عالم اليوم أن تتعاون الأديان سويا لمواجهة خطر كبير يواجه البشرية وليس يواجه بلد أو كنيسة أو جماعة دينية". وفق رويترز.

وتعليقا على ما يتعرض له مسيحيو الشرق الأوسط من ضغوط من جانب الجماعات المتشددة في الأعوام القلية الماضية وهجرة عدد منهم للغرب قال سفر إنه "عندما يتعاون أبناء الوطن الواحد في مواجهة عدو مشترك هذا يرسخ السلام والأمن والاستقرار وعندما يترسخ الاستقرار والأمن والسلام سوف يبقى المسيحيون في أرضهم ولكن بغياب الاستقرار والسلام الكل سوف يهاجر وخاصة المسيحيين لأنهم في نظر المتطرفين هم أعداء".

الإرهاب غريب عن أي دين

ألقت قيادات دينية مسيحية بارزة كلمات في الجلسة الافتتاحية من بينهم جيم وينكلر الأمين العام للمجلس الوطني للكنائس في الولايات المتحدة وأولاف فيكس الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي والبطريرك برثلماوس الأول رئيس أساقفة القسطنطينية. وقال برثلماوس الأول في كلمته باللغة الإنجليزية إن "الإسلام لا يساوي الإرهاب لأن الإرهاب غريب عن أي دين".

دعا المشاركون في المؤتمر إلى أهمية الحوار بين الإسلام والمسيحية لتعزيز السلام في العالم خاصة في ظل انتشار التشدد وتكرار الهجمات الإرهابية في دول الشرق والغرب. وألقى الأنبا بولا أسقف طنطا كلمة بالنيابة عن البابا تواضروس الثاني بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر الذي يقوم بزيارة للكويت. وفق وكالة رويترز.

فكر متطرف

في مارس آذار الماضي أصدر الأزهر إعلانا للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في الدول العربية يؤكد على مبدأ المواطنة ويندد بالعنف والتمييز والازدراء. وصدر الإعلان في ختام مؤتمر نظمه الأزهر ومجلس حكماء المسلمين في القاهرة على مدى يومين تحت عنوان (الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل) وشاركت فيه وفود من أكثر من 50 دولة بينهم رؤساء الكنائس الشرقية وعلماء ورجال دين مسلمون ومسيحيون. حسب رويترز

وعن هجمات المتشددين التي باتت تستهدف المسيحيين في الشرق الأوسط بشكل متزايد في الآونة الأخيرة قال حجازي إن "العالم كله بما فيه أبناء مصر والشرق الأوسط وهذه المنطقة تحديدا من العالم مسلميهم قبل مسيحيهم يواجهون ضغوطا من فكر متطرف لا يقبل بفكرة الاعمار في الأرض .. لا يقبل بفكرة التعايش في سلم". وأضاف: "في النهاية من يعاني هو الإنسان في هذه المنطقة من العالم وليس المسيحيين فقط".

تجنب الازمة

ان الإرهاب مصطلح غريب من حيث المعنى والمضمون وليس لديه جذور ويسعى لتخريب الود والالفة بين البشر فهم اجندات مدفوعة الثمن هدفها الأساسي هو بث روح التفرقة والطائفية والنبذ بين أبناء الشعب الواحد وهذا واضح فكل مكان يدخل به هذا الداء المتوحش يصبح رماد ودخان.

لذا على الشعوب والأديان ان تتفق وتقف وقفة واحدة امام هذا الداء المتطرف وعلى الحكومات العربية والمنظمات الحقوقية ان تسعى جاهدة لمساعدة الشعوب التي تعاني من ويلات داعش وان تأخذ بيدها لتقدمها نحو الامام لتجنب الازمة وارجاع الحياة الطبيعية والتعايش السلمي ما بين الشعوب والأديان وارجاع حق المسيحيين الذين عانوا ماعانوا من انتهاكات وخسائر فادحة من التنظيمات الإرهابية.

اضف تعليق