q

هادي حسن شويخ-أمين عام مؤسسه أشور للتنمية وحقوق الإنسان

 

برغم أن تجربة وجود منظمات مجتمع مدني فعال ومؤثر في العراق يعتقدها البعض أنها حديثة وجاءت بعد العام 2003، إلا أنها ترجع إلى ابعد من ذلك بكثير وان دورها الأساسي هو حلقة الوصل وملء منطقه الفراغ مابين الأسرة والمجتمع والدولة وان اختلفت تسمياتها، بل أن دورها الحقيقي أصبح أكثر من ذلك بكثير في ظل التحديات تواجه العراق اليوم، وفي ظل تجربته الفتية والتي يحاول الكثير من اجل إيقافها بل العودة بها إلى ما قبل 2003، عبر إثارة العديد من القضايا ومنها التطرف والنعرات الطائفية واللعب على هذا الوتر بغية حسابات خاصة معلنة وغير معلنة.

ولقد كان لمنظمات المجتمع المدني دور كبير في محاربة التطرف بكل إشكاله ونشر ثقافة الاعتدال وتقبل الآخر وتقبل الآراء الهادفة لبناء البلد لا على أي أساس قومي أو مذهبي أو عرقي أو اثني على أساس الإنساني والوطني الوجودي.

بل يمكن القول أن أساس تأسيس هذه المنظمات تم على أساس انساني بحت كما هو اليوم في عملها في تقديم كل المساعدات الممكنة لكل العراقيين بدون استثناء ودون أي أساس سوى الإنساني منها.

ولعل من أهم السمات التي تمتاز بها هذه المنظمات القدرة على التكيف، إذ إنها تمتلك القدرة القانونية والتنظيمية بشكل يمكّنها من التكيف مع المتغيرات في البيئة التي تعمل بها، كذلك الاستقلال بالرأي والقرار عن السلطة السياسية، وهي ليست تابعة لجهة حكومية ولا تكون خاضعة لغيرها من المنظمات والمؤسسات، ناهيك عن التجانس، حيث تعمل وفق منظومة متكاملة وبرامج مدروسة وبشكل توافقي، مما لا يؤدي إلى صراعات واختلافات داخل المؤسسة.

وعليه فإن منظمات المجتمع المدني تلعب دوراً فاعلاً في عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وهي إحدى الوسائل الرئيسية في هذا المجال، ويمكن لنا إيجاز الأدوار التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني في مكافحه التطرف والغلو ومن خلال مايلي:

أولاً: تحقيق النظام والانضباط في المجتمع، إذ إن هذه المنظمات ليست تطرفية أو موجهة، والأصل فيها الحياد والحيادية في العمل والإجراءات المتعلقة بتلك المنظمات، وتشكل أداة رقابية على سلطات الحكومة وضبط سلوك الأفراد والجماعات تجاه بعضهم البعض، ومن المعروف أن كل منظمة لها جملة من القواعد (النظام الداخلي) بخصوص الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق الفرد المنضوي تحت مظلتها كعضو فيها، وبعض المنظمات تلزم الأعضاء بالقواعد والأسس وأحياناً تكون شرطاً لقبولهم في العضوية.

ثانياً: عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية، حيث أن هذا الدور من أهم الأدوار التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني من القيم والمبادئ بين الأفراد الأعضاء وغير الأعضاء من خلال النشاطات المختلفة التي تقوم بها، ناهيك عن خلق القيم المثالية والانتماء والولاء والتعاون والتضامن والقدرة على تحمل المسؤولية وتنقل هذه القيم لبقية أفراد المجتمع بوسائل متعددة، وتسعى هذه المنظمات إلى تعزيز روح المبادرة بين الأفراد؛ ما يقود إلى طرح وابتكار مقترحات خلاقة تعزز بناء قدرات المجتمع بصورة كلية.

إضافة إلى قدرة هذه المؤسسات على احترام حرية الفرد والمجموعات، إذ لا يتغول عليها أحد بسبب معتقده، أو مذهبه، وهذا معيار أساسي في تكوين منظمات المجتمع المدني، حيث تعمل على حماية الفرد ومعتقده وتمثل مظلة قانونية للجميع، وهي أيضاً حامية للآخر لا مكان فيها للعنصرية، والتطرف، والغلو، ولا مكان فيها للإقصاء والتهميش للآخرين.

ويضاف إلى ذلك احترام حقوق الإنسان السياسية والمدنية قولاً وفعلاً من حيث دعم وتعزيز حقوق الفرد الأساسية والسياسية والثقافية والاقتصادية بغض النظر عن جنسه، أو عرقه، أو دينه، أو معتقده السياسي، أو مذهبه، فهي تلعب دوراً أساسياً في حماية الحريات العامة وحقوق المواطنين، وبالتالي لا مجال فيها للتطرف والغلو لأن من أهم أساسياتها هو معيار الاعتدال والتوازن، وتساهم أيضاً في عملية نشر الوعي والثقافة المتوازنة المعتدلة من أجل ضمان حريات وحقوق المواطنين وإعلاء مبادئ المساواة وإرساء العدل في الواجبات، وهذا بحد ذاته يكفل للدولة والوطن مستويات عالية من الأمن والاستقرار.

إن وجود مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني فاعلة تسهم في توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتعميق مستويات الديمقراطية وتعميق المشاركة المجتمعية على أسس قانونية ومشروعة، وهذا بحد ذاته دور مهم في عملية التنشئة التي تقوم بها هذه المؤسسات في بناء مجتمع واعي سياسياً وديمقراطياً، إذ يمارس فيه كل فرد حقوقه وحرياته دون الاعتداء على الآخرين والكيان السياسي للدولة.

* ملخص بحث مقدم الى مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة الذي يعقد بمدينة كربلاء المقدسة في 22-23/3/2017، والذي ينظم من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ومركز الفرات للتنمية للدراسات الاستراتيجية

اضف تعليق