q

أ.د.طه حميد حسن العنبكي-كلية العلوم السياسية/الجامعة المستنصرية

 

لاجرم أن نزول القرآن الكريم على صدر الرسول الأعظم (محمد صلى الله عليه وآله وسلم) جاء لينقل البَشر من الظلمات إلى النور، من خلال العمل على انتشالهم من الجهل والتخلف ليرتق بهم إلى مصاف الإنسانية التي خلقهم الله تعالى عليها، ومن يتدبر نصوص هذا القرآن العظيم سيكتشف أن قيم الاعتدال والوسطية هي جوهر الرسالة الإسلامية، ومن ثم عززت السنة النبوية المطهرة هذا النهج، وما المنهج العلوي إلا امتداد طبيعي لهذه المسيرة الخالدة، ومما لاريب فيه أن كل الشرائع السماوية السابقة تصب في هذا الإطار.

ولكن الإشكالية التي تعترض هذا السبيل -تجسيد قيم الاعتدال والوسطية- تكمن في تخلي معظم الناس، والمسلمون على وجه الخصوص عن هذا المبدأ (قولاً وفعلاً)، إذا مازالت العادات والتقاليد التي ورثناها عن الجاهلية الأولى تتحكم بعقولنا وتتجسد في سلوكنا: كالحقد والكراهية والانتقام والتعصب والعنف والكبرياء والتسلط وما إلى ذلك.

ويضاف إلى ذلك ظهور مدارس فكرية نسبت إلى الإسلام –زوراً وبهتاناً- روجت لتكفير كل المخالفين لهم ومن ثم أباحت قتلهم بكل الوسائل والسبل، من خلال تأويل بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وعلى أساس ذلك تشكلت حركات (إسلامية) كثيرة تبنت هذا الفكر وبذلت كل ما في وسعها لتطبيقه على الأرض، وتمكنت فعلاً من استقطاب وتجنيد أعداد كبيرة من المسلمين وفي مقدمتهم الشباب، وأقرب مثال لنا (عصابات داعش الإرهابية)، والطامة الكبرى أن الرأي العام العالمي صار ينظر إلى الإسلام من خلال هؤلاء، حتى ترسخت - بفعل أفكار وأفعال تلك الحركات ومن يقف ورائها- قناعة تامة شاعت في أوساط سياسية وشعبية واسعة في العالم المعاصر مفادها: (أن الإسلام هو دين القتل والتدمير والعودة إلى عصور ماقبل الصناعة)، وهذا هو –بكل تأكيد- نسف لجوهر الرسالة الإسلامية الخالدة التي جاءت رحمة للعالمين.

وأمام هذا الواقع المرير لابد من بذل أقصى الجهود ومن قبل كل المعنيين المؤمنين بمبادئ هذه الرسالة العظيمة، للعمل على إزالة هذا اللبس والغموض، بل وتغيير القناعات السائدة لدى الكثير من الناس في عالمنا المعاصر، وهذا لايتحقق إلا من خلال إتباع مختلف السبل، يقف في مقدمتها إشاعة قيم الاعتدال والوسطية ولنا في القرآن الكريم والسنة النبوية والمنهج العلوي ما لايعد ولايحصى من المبادئ والقيم والسلوكيات التي تعد كفيلة لبلوغ تلك الغاية، على أن يجري ذلك على وفق خطط في التنشئة الاجتماعية السياسية وبمختلف قنواتها، وعلى ذلك سنقسم هذا البحث – فضلاً عن المقدمة والخاتمة- على المباحث الآتية:

المبحث الأول: الاعتدال والوسطية في القرآن الكريم...

المبحث الثاني: الاعتدال والوسطية في السنة النبوية...

المبحث الثالث: الاعتدال والوسطية في المنهج العلوي...

* ملخص بحث مقدم الى مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة الذي يعقد بمدينة كربلاء المقدسة في 22-23/3/2017، والذي ينظم من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ومركز الفرات للتنمية للدراسات الاستراتيجية

اضف تعليق