q

لوسي بي. ماركوس

 

لندن - غالبا ما تكون الأخبار حافزا مهما لمراجعة الذات، ولاسيما بالنسبة لأعضاء مجالس الشركات. كُشِف النقاب مؤخرا عن تورط الحكومة الروسية في اختراق نظام الكمبيوتر للجنة الوطنية الديمقراطية -بعد عامين فقط من اختراق كوريا الشمالية لنظام سوني بيكتشرز- مما دفع مجالس الإدارات حول العالم إلى تشديد الأمن الالكتروني لمنظماتها.

وبالمثل، هناك قصص عن ممارسات غير قانونية أو غير أخلاقية -على سبيل المثال، بين مزودي شركة أبل في الصين- ألهمت الشركات لإلقاء نظرة فاحصة على سلاسل التزويد الخاصة بها. وأدى انتقاد أجور المديرين التنفيذيين المفرطة لاجتماعات جامحة من قبل لجان تعويض العديد من المجالس. لكن هناك قضية أخرى في الأخبار لم تستأثر حتى الآن بالاهتمام الكافي في قاعات المجالس: الاعتداء الجنسي على الأطفال.

في المملكة المتحدة، نُشرت الشهر الماضي تقارير مروعة عن إساءة معاملة الأطفال في فرق كرة القدم للشباب، حيث يحاول الرياضيون الشباب الوصول إلى المستوى المهني. في آخر إحصاء سُجل تورط 98 ناد للهواة والمحترفين في المملكة المتحدة بطريقة ما.

في حين أن الجمهور صُدم بسبب ما تم الكشف عنه، لكن المسألة لم تكن صادمة بالنسبة لقادة الأندية المتضررة -على الأقل ليس في جميع الحالات. بعد كل شيء، قد سمعت العديد من الأندية سابقا مزاعم الاعتداء الجنسي على اللاعبين الشباب، لكنها فضلت تجاهلها أو التستر عليها، في بعض الأحيان كانوا يتبرعون بمبالغ مالية كرشوة للضحايا- كل ذلك من أجل حماية سمعتهم الخاصة.

على سبيل المثال، ناقش مجلس كرو ألكسندر مزاعم الاعتداء الجنسي ضد المدرب باري بينيل، في أواخر عام 1980، لكنه قرر عدم تقديم أي تقرير ضده إلى الشرطة أو حتى فصله من العمل. بدأ بينيل يتحرش بالأطفال بشكل متسلسل. على الرغم من أنه حوكم في نهاية المطاف وحُكم عليه في عام 1998، لكنه تمكن أولا من قضاء عدة سنوات أخرى في استغلال الصبية الصغار، وترجع المسؤولية في ذلك إلى مجلس كرو الضعيف والمرتشي.

حتى اليوم، تُفضل المجالس أحيانا الدفاع عن سمعتها على حساب الكرامة الإنسانية الأساسية. في شهر يوليوز/ تموز الماضي، دفع نادي تشيلسي لكرة القدم للاعب السابق 50.000 جنيه استرليني (62.000 دولار) ليوافق على عدم التحدث عن التحرش الذي عانى منه في السبعينيات من القرن الماضي. وقد تم تجاهل فحص التدابير المتخذة خلال الخمس سنوات الماضية لضمان سلامة الأطفال، والذي أطلقه اتحاد كرة القدم (الهيئة الحاكمة لكرة القدم في المملكة المتحدة) في عام 2001 بعد عامين فقط، ويقال ردا على مقاومة بعض موظفي الاتحاد الانجليزي.

لكن الفضيحة التي تعاني منها كرة القدم في المملكة المتحدة ليست فريدة من نوعها. ووفقا لإجراء تحقيق مشترك صدر مؤخرا من قبل "إيندستار و"الولايات المتحدة الأمريكية اليوم"، زعم 368 لاعب جمباز على الأقل في الولايات المتحدة التعرض لبعض من أشكال الاعتداء الجنسي على مدى السنوات 20 الماضية. كبار المسؤولين في نوادي الجمباز في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي واحدة من المنظمات الأولمبية الأبرز في البلاد، لم يُبلغوا الشرطة عن هذه الاتهامات، بل أخفوا الشكاوى. وأكد التقرير أنه حتى المدربين الذين تم فصلهم لم تتم إدانتهم، وهذا يعني أن المدربين المفترسين يمكنهم ببساطة البدء بتدريب الأطفال في مركز رياضي جديدة.

بعد ذلك حدثت فضيحة جامعة ولاية بنسلفانيا، حيث قام أمناء الجامعة بالتستر المستمر ومنذ فترة طويلة على الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل جيري ساندوسكي، المدرب المساعد السابق لكرة القدم الذي تمكن من الاعتداء على ضحاياه من خلال جمعيته الخيرية الخاصة بالشباب المضطرب. وقد اتُهم اثنين من مسؤولي الجامعة السابقين بالتستر المزعوم.

وبما أن الحقيقة قد ظهرت الآن، لم يعد هناك مكان للاختباء. يسعى اتحاد كرة القدم والأندية في جميع أنحاء المملكة المتحدة جاهدا لإجراء التحقيقات والاستكشافات. استأجرت أندية الجمباز في الولايات المتحدة الأمريكية مدعي عام سابق لمساعدتها على تعزيز سياسات حماية الأطفال، وقام مجلس إدارتها بإنشاء لجنة لمراجعة السياسة المتبعة. وفصلت ولاية بنسلفانيا المدرب الذي كان يعمل تحت قيادة ساندوسكي، جو بترنو، لفشله في متابعة ساندوسكي بعد ما أبلغه مرؤوسه بأن هذا الأخير يستغل الأطفال جنسا في عام 2002.

لكن لا ينبغي على المنظمات المتضررة فقط اتخاذ الإجراءات اللازمة. حتى الشركات والمؤسسات "البريئة" يجب عليها تقييم وترقية سياساتها لحماية من هم معرضون للخطر، جنبا إلى جنب مع استعمال بعض الوسائل لتطبيق تلك السياسات. كما ينبغي عليها مراجعة سجلاتها، وتحديد الثغرات وضمان أن أخطاء الماضي لن تتكرر.

هناك حاجة لمثل هذه الفحوصات ليس فقط في القطاعات ذات الصلة بالطفل، مثل التعليم أو الرياضة، بل أينما كان التفاوت في السلطة سمة دائمة. يجب على أي منظمة أو مؤسسة تتمتع بقدر كبير من التأثير والنفوذ اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم وجود موظفين يستخدمون مواقعهم لاستغلال الأشخاص أو المجموعات الضعيفة. وكأمثلة على ذلك قطاع النفط والغاز، قطاع الصحة، وقطاع المساعدات الإنسانية، بما في ذلك وكالات المساعدة وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

المسؤولية تتجاوز المنظمات نفسها. كما رأينا مع فضيحة فساد كرة القدم، يمكن للشركاء والمستثمرين استخدام نفوذهم لإحداث التغيير. بغض النظر عن الضرورة الأخلاقية، القيام بذلك هو في المصلحة الذاتية لهذه الجهات. فالتستر على فضيحة قد يساعدك على المدى القصير، لكنه من الصعب إبقاء الأمور سرا هذه الأيام - وأولئك الذين يتسترون على الأمر ويسمحون بحدوث الجرائم والانتهاكات الأخلاقية هم متواطئون معهم.

في السياق نفسه، ينبغي على الشركات مراقبة المنظمات الأخرى التي تتعامل معها. كما هو الحال مع ممارسات الشغل غير العادلة أو غير القانونية، يجب على الشركات رفض رعاية، إمداد، أو العمل مع المنظمات التي لا توفر حماية عمالها من الاعتداء الجنسي. وإلا، فهم أيضا مذنبون.

الاعتداء الجنسي على الأطفال ليس مشكلة جديدة. ما بات واضحا في الآونة الأخيرة هي سلطة مجالس إدارة الشركات -وكذلك كبار المستثمرين، مثل صناديق التقاعد والثروة السيادية- التي تمكنها من المساعدة في وقف ذلك الاعتداء. في الوقت الذي تنهار فيه الثقة في "النخبة" -من القادة السياسيين، إلى أعضاء مجالس الإدارات- استخدام هذه السلطة بقوة لحماية الشباب ستكون له فائدة إضافية تتمثل في تعزيز الثقة في المجتمعات المنقسمة. لم يعد هناك ما يبرر التأخير.

* لوسي بي. ماركوس، الرئيسة التنفيذية لاستشارات فينشر ماركوس
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق