q

رانج علاء الدين

 

في 26 نوفمبر، أقر البرلمان العراقي قانوناً يدمج بموجبه قوات الحشد الشعبي رسمياً في القوات المسلحة، والتي تضم عدداً من الميليشيات المختلفة، وستعمل الآن رسمياً بالتوازي مع الجيش العراقي.

ظهرت هذه الميليشيات على الساحة بسبب النجاحات الميدانية التي حققتها ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام بعد انهيار الجيش العراقي في العام 2014. حُشد أكثر من 100,000 مقاتل شيعي (وبعض العرب السنة) لملء الفراغ الأمني وساعدتهم على ذلك فتوى أصدرها آية الله العظمى السيد السيستاني، رجل الدين الشيعي الأبرز في العراق.

وقد انتقدت هذه الخطوة لأنها تُعتبر أنها تقوّض عملية المصالحة الطائفية ولأن قوات الحشد الشعبي اتُهمت بارتكاب فظائع طائفية.

إلا أنّ إعطاءها الطابع المؤسسي تطلّب وقتاً طويلاً قبل أن يتحقق. وقد كان لقوات الحشد الشعبي تفاعلات طويلة الأمد وتداخل مع الدولة العراقية، كما أنها عملت مع قوات الشرطة الاتحادية العراقية خلال الحملة ضد داعش، بما في ذلك العمليات الحالية الجارية في الموصل.

ظهور الميليشيات الشيعية

رغم أن بعض مكونات قوات الحشد الشعبي العراقية الرئيسية تتبع رئيس الوزراء حيدر العبادي بالاسم فقط، إلا أنّها كانت أصلاً قوة تنعم بموافقة الحكومة وحوالي نصف ميليشياتها تتماشى بشكل وثيق والحكومة الاتحادية.

أُسس بعض أقوى ميليشياتها (وأكثرها استقلالية)، مثل منظمة بدر، من قبل إيران وعلى الأراضي الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، ولكنها دمجت بشكل كبير في الأجهزة الأمنية للدولة خلال العقد الماضي. وقد شغل هادي العامري، رئيس منظمة بدر، مناصب وزارية عديدة، والأمر سيان بالنسبة لأعضاء كبار آخرين في قيادة بدر.

تزدهر هذه الجهات الفاعلة عندما تكون الدولة العراقية تعتمد على العمل مع المجموعات المسلحة غير الحكومية أو حيث تكون غير قادرة على التضييق على المجموعات المسلحة العنيفة.

بيد أنّ المشكلة هي أن هذه الميليشيات لا يمكن أن تهزم عسكرياً، لاسيما عندما ستكلف هزيمتها أكثر مما يمكن أن يكسبه مجتمع مزقته الحرب ودولة عراقية ضعيفة. وعلاوة على ذلك، فإنّ هذه الميليشيات باقية ولن تُهزم في أي وقت قريب، نظراً لترسخها في المجتمع العراقي.

وبشكل عام، تسيطر فئتان من الميليشيات على المناخ السياسي والأمني العراقي: الميليشيات التي تشكلت في وجه نظام البعث السابق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والتي سيطرت على الدولة العراقية منذ العام 2003 (على غرار منظمة بدر) والميليشيات التي ظهرت من الفوضى والفراغ اللذين أعقبا حرب العام 2003 (على غرار جيش المهدي التابع للتيار الصدري والمجموعات المنشقة عنها مثل عصائب أهل الحق).

في حين أن عناصر الميليشيات من الفئة الثانية قد صنّفوا كمجرمين ووكلاء لإيران من قِبل وسائل الإعلام والمعلّقين ومنافسيهم في العراق (بما في ذلك الطبقة السياسية الشيعية)، إلا أنّ مقاتلي هذه الميليشيات وأعضاء أتوا من جيل من الشيعة المعدمين الذين تشكّل وعيهم السياسي قبل حقبة التسعينيات التي شهدت الوحشية البعثية والسياسات المعادية للشيعة والفقر المدقع.

تمت تعبئة هذا الجيل وسُمعت كذلك شكواهم من قبل التيار الصدري، الذي أنشأه آية الله السيد محمد صادق الصدر الذي تمتّع بشخصية كاريزمية، علماً بأن نجله مقتدى يقود الحركة الآن.

إن تشكيل هذه الميليشيات هو العامل الذي زعزع النظام السياسي بعد العام 2003. ومهد انهيار الدولة بعد العام 2003 الطريق أمام بنى أمنية محلية. كانت المجتمعات بحاجة إلى الحماية والخدمات والقيادة. وحين فشلت الدولة بعد العام 2003، تدخّل التيار الصدري، فأنشأ مكاتب محلية تابعة له وسيّر الدوريات المحلية وقدّم الخدمات الاجتماعية والدينية.

إنّ العديد من المجموعات الميليشية الشيعية في العراق منشقة عن التيار الصدري الذي انهار بعد العام 2003 نتيجة للخلافات بين القيادة الصدرية بالإضافة إلى تحديات تنظيمية وإدارية.

رغم هذا الانشقاق، تؤكد الميليشيات التي انبثقت عن التيار السلطة الأخلاقية ذاتها: كانت هي ومجموعاتها من قاوم نظام البعث بينما نعمت الطبقة الشيعية والمعارضة السياسية الشيعية بحياة الترف في الخارج وعادت إلى العراق على ظهر الدبابات الأمريكية والبريطانية.

بعبارة أخرى، هذه الميليشيات ترى نفسها الوريث الشرعي للعراق الجديد.

ضرورة دمج قوات الحشد الشعبي

إن مأسسة قوات الحشد الشعبي قد تساعد على إرساء بعض الاستقرار في البنى الأمنية العراقية المشتتة من خلال المساعدة على وضع حدود لنفوذها. علاوة على ذلك، من شأن دمج الميليشيات الشيعية رسمياً في الدولة العراقية أن يساعد على إقامة حوار وعقد اجتماعيين قد يبنيا الأسس للثقة والنية الحسنة.

في غياب ذلك، لا يمكن كبح المجموعات المسلحة التي حصلت وتستمر بالحصول على مقاتلين ومناصرين بالإضافة إلى الأسلحة والمال سواء أتم دمجها في الدولة أم لا.

علاوة على ذلك، ستستمر هذه المجموعات في الإذعان لإيران التي اعتادت عبر التاريخ استخدام التشتيت والتقسيم كوسائل للتحكم بالعراق والحصول على نفوذه داخله.

إن دمج قوات الحشد الشعبي في الدولة لا يعني نهاية العراق، حتى وإن أشار ذلك إلى نهاية الحيش العراقي، الذي عانى على مر التاريخ سوء الاستخدام والفساد المستشري وأيضاً غياب المصداقية.

لا يزال أمام الدولة العراقية الكثيرة لفعله. لقد فازت قواتها لمكافحة الإرهاب (التي تعرف باسم الفرقة الذهبية) بتأييد واسع النطاق بين الأطياف العرقية والدينية العراقية. وينحدر مقاتلوها البالغ عددهم 10 آلاف مقاتل من المجتمعات الكردية والعربية السنية والشيعية وقد انبثقوا كرموز للوحدة الوطنية وقادوا كلّ المعارك الكبيرة منذ ظهور داعش منذ سنتين.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن يفعل السلاح والمال الكثير للميليشيات الشيعية التي تتطلع إلى الانتخابات الوطنية في السنوات المقبلة كوسيلة لاكتساب الشرعية والدعم.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق