q

لوسي بي. ماركوس

 

لندن ــ في أيامنا هذه، تشترك الحكومات مع قادة الأعمال في القلق بشأن عدد كبير من القضايا. وتُعَد قضايا مثل تغير المناخ، وأسلحة الدمار الشامل، ونُدرة المياه، والطاقة أعظم التهديدات التي نواجهها، وفقاً لاستطلاع آراء 750 خبيراً ساعدوا في إعداد تقرير المخاطر العالمية لعام 2016 لصالح المنتدى الاقتصادي العالمي. وفي الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام، كان العدد الهائل من القضايا غير المحسومة ــ الانهيار في الشرق الأوسط، ومستقبل الاتحاد الأوروبي (وخاصة في ظل احتمال خروج بريطانيا)، والانتخابات الرئاسية الأميركية، وأزمة اللاجئين، وتباطؤ الاقتصاد في الصين، وأسعار النفط، وغير ذلك الكثير ــ مثيراً للانزعاج الشديد في حد ذاته.

ولكن لنتأمل هذه الحقيقة: لم يكن أي من المخاطر التي أبرزها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السبب وراء الارتفاع الأخير في أزمات الديون أو موجة الفضائح التي عَصَفَت في العام الماضي فقط بشركة فولكس واجن، وشركة توشيبا، وشركة فاليانت، والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). الواقع أن جذور هذه التطورات (وغيرها الكثير) تمتد إلى مشكلة أكثر بساطة واستدامة: عدم القدرة على ــ أو عدم الرغبة في ــ إدراك الحاجة إلى تصحيح المسار (بما في ذلك الإدارة الجديدة).

ومع اكتساب الأحزاب والمرشحين المناهضين للمؤسسة المزيد من الأرض بين الناخبين في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، ربما يجد القادة السياسيون الذين يستحسنون نهج العمل كالمعتاد أنفسهم يبحثون عن وظيفة جديدة. ويصدق نفس القول على قادة الأعمال: فقد سأم المستثمرون الناشطون الوضع الراهن وباتوا عازمين على فرض التغيير بالقوة، إما من خلال نهج المشاركة النشطة أو عن طريق الإعراب عن سخطهم بالانصراف عن الشركات التي لا تلبي معاييرهم.

وكما لاحظت باربرا نوفيك، نائبة رئيس بلاك روك، في إطار لجنة حوكمة الشركات والأخلاق في منتدى دافوس هذا العام، فإن شركتها تنظر بعناية في ما إذا كانت مجالس إدارة الشركات التي تستثمر فيها شركة بلاك روك تضم أشخاصاً حريصين على المشاركة وطرح الأسئلة الصعبة بشكل مستمر طوال العام.

ورغم هذا، لا يزال رؤساء بعض الشركات الأكبر في العالم في حالة إنكار. فقد أمضيت عِدة ساعات في العام الماضي مع المدير التنفيذي ورئيس أحد البنوك والذي كان يرى أنه من الظلم أن يخطط المستثمرون للتصويت ضد شغله للمنصبين معا. ورغم أنه اتفق معي على أن قيام شخص واحد بالدورين فكرة سيئة من حيث المبدأ فقد أصر على أنه هو شخصياً الاستثناء.

وقد اشتركت في محادثة مماثلة هذا العام مع شخص أشار إلى أن أغلب أعضاء مجلس إدارة شركته ظلوا في مناصبهم لمدة تتجاوز العشرين عاما، وأن شركته فرضت للتو حداً للسن لا يتجاوز ثمانين عاماً لأعضاء مجلس الإدارة. وربما ينجح تغيير الأوجه بشكل أسرع مع شركات أخرى، كما اعترف؛ غير أنه، مرة أخرى، أكَّد أن شركته استثناء على نحو أو آخر.

ومن ناحية أخرى، حدثني هيرواكي ناكانيشي، المدير التنفيذي ورئيس شركة هيتاشي، ببلاغة عن أهمية حوكمة الشركات والمطالب المتغيرة التي تواجهها الشركات العالمية. كما لاحظ أهمية الاستعانة بأعضاء مجلس إدارة من غير اليابانيين مع سعي شركة هيتاشي إلى توسيع عملياتها دوليا.

والمشكلة أن أولئك الذين يتحدثون بصراحة لصالح الاستثمار الطويل الأجل، والالتزام بالمجتمع، وبناء شركات قادرة على البقاء، يفعلون ذلك على موائد العشاء، أو خلف الأبواب المغلقة، أو تحت حماية قاعدة تشاثام هاوس (التي تقضي ببقاء البيانات المذكورة غير منسوبة لأولئك الذين يذكرونها). والواقع أن عبارة "حوكمة الشركات" في برنامج اجتماع دافوس هذا العام لم تُذكَر سوى مرة واحدة (في إطار اللجنة مع نوفيك والتي ترأستها). وقد انطبق نفس الشيء على "مجلس الإدارة" و"قاعة اجتماعات مجلس الإدارة"، في حين برز البحث عن "الأخلاق" في جلسات بشأن الطب والتكنولوجيا الحيوية. أما "الحوكمة" فكانت تتعلق في المقام الأول بالحكم السياسي، ولم يُذكَر مفهوم "القوامة المسؤولة والإشراف" إلا في ما يتعلق بكوكب الأرض.

يَسخَر كثيرون من دافوس ــ وهم ليسوا مخطئين تماما. فقبل سنوات، كان ذلك لأن الاجتماعات كانت سرية على نحو شديد الوضوح (على نحو أشبه كثيراً بالطريقة التي ينظر بها الناس إلى اجتماعات مجالس الإدارة). وفي الوقت الحاضر، يبث المنتدى الاقتصادي العالمي على شبكة الإنترنت العديد من جلساته، وتأتي السخرية من الإحساس بأن ما يجري مناقشته ليس هو ما يتعين على قادة الأعمال والحكومات أن يفكروا فيه.

وهذا ليس خطأ المنتدى الاقتصادي العالمي. إذ تتمتع اجتماعات دافوس بقوة إقناع غير عادية فضلاً عن قدرتها على جلب قضايا مهمة إلى الصدارة، بما في ذلك قضايا المثليين هذا العام. ولا يوجد من الأسباب ما قد يمنعها من ضم قضايا مثل فجوة الأجور بين المسؤولين التنفيذيين والعمال، وتأثير القرارات التي تصدرها الشركات على المجتمعات والبيئة، والخسارة المتنامية للثقة في الأعمال والحكومة. أما ما لا يمكنها إنجازه فهو إرغام المسؤولين التنفيذيين، ومديري مجالس الإدارة، والمستثمرين، وصناع السياسات، على التحدث صراحة عن مثل هذه القضايا علناً وفي محاضر الاجتماعات المسجلة.

من السهل أن ترى الشركات المخاطر البعيدة التي لا يمكنها السيطرة عليها. أما الأمر الأكثر صعوبة ولكنه الأكثر أهمية بكل تأكيد فهو أن يعترفوا بالمخاطر الناجمة عن الكيفية التي يزاولون بها أعمالهم. والأمر الأشد صعوبة أيضاً هو إقناع قادة الأعمال الذين يدركون هذه المخاطر ويتفهمونها بالحديث عنها علنا. ومن المؤكد أن هذا العزوف عن التحدث صراحة عن كيفية إعادة هيكلة ممارسة حوكمة الشركات على النحو الذي يساعد في تحسين عمليات الإشراف والقوامة يعرضنا جميعاً للخطر.

* الرئيسة التنفيذية لاستشارات فينشر ماركوس

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق