q

لاشك ان بقاء واستمرار اي مجتمع يتوقف على مدى تماسكه الاجتماعي وتكامل مؤسساته الاجتماعية مع بعضها الاخر، وفق مجموعة من المبادئ والقيم الاجتماعية التي تعتمد بالدرجة الاساس على تنمية ثقافة السلام أي الابتعاد عن كافة مظاهر العنف والحروب ، فاستمرار المجتمع وتماسكه يحتاج الى وجود اي شكل من اشكال الشعور والاحساس بالانتماء له، والتمتع فيه بالحقوق مقابل الالتزام بأداء كافة الواجبات، ولذا سعت العديد من المجتمعات للاهتمام بالثقافة السلام وتنميتها بين افراد المجتمع بعد الكثير من الازمات التي خاضها المجتمع سواء كانت بين افرادها ام بين افراد المجتمع الأخر ولهذا عمل المجتمع على تنمية ثقافة السلام، لأنها تؤدي الى التكامل العضوي وتكوين مجتمع متماسك اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا باعثا للأمن والسلام والطمأنينة اذ ان الدين مكملا لهذه العملية من خلال ابراز المفاهيم الدينية التي تتضمن القيم والمبادئ الاخلاقية والاجتماعية التي تعترف او لا تمانع بالتعددية الدينية كأساس من اسس تشكيل المجتمع وتنمية ثقافة السلام في مجتمع متعدد القوميات والاديان، بما يبقي الباب مفتوحا امام كافة الافراد سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين للتعبير عن اراءهم وتلبية حاجاتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وفق اطار الانتماء الوطني والمجتمعي، لذا في دراستنا هذه سوف نتطرق الى مفهوم الدين والثقافة والسلام كما سوف نتحدث عن السلام في المنظور السلامي وأيضا عناصر ثقافة السلام ودورها في نشر وتنميتها في نفوس افراد المجتمع كما قدمنا روية تحليله عن دور الدين في تنمية ثقافة السلام في المجتمع العراقي واخير وقبل الأخير تم وضع بعض الاستنتاجات التي يمكن من خلال التوصل الى بعض التوصيات التي تساهم في بناء ثقافة السلام ونشرها داخل المجتمع العراقي.

الدين هو كل تلك الأعمال والمشاعر والمعتقدات، التي تتعلق بعمل الإنسان وما يراه واجبا نحو ربه " وهو السلوك اليومي للإنسان وفق إطار عقائدي وفكري معين، وهو المسلك الذي يسلكه الإنسان، روحاً وعقلاً وجسداً، منظما بصورة تعكس إيمان الإنسان، على نحو معين بالحياة ونظرته إليها(1).

فالدين يعد من الجوانب المهمة والضرورية لحياة الانسان والمجتمع ، وهو يمثل مجالات واسعة من الانشطة، والاشكال، والرموز ذات الاهمية الكبيرة للأفراد والجماعات وان كانت اشكال السلوك الديني تختلف اختلافا كبيرا من دين لأخر ، ومن مجتمع لأخر وعلى الرغم من ذلك فان الدين وكظاهرة ثقافية تلبي حاجات الانسان كالرغبة بالأمان والتعلق بهدف كما يقدم قيما مرجعية تبرر سلوك الانسان الاجتماعي في الوقت الذي ينظم العلاقة مع الخالق فهو يستمد منه القوة لكي يسخرها لخدمته النفسية والاجتماعية ، والدين كذلك يؤدي دورا مهما في حراسة الاخلاق والقيم والاعراف في المجتمع.

الثقافة مجموعة الانماط السلوكية التي تؤثر في سلوك الفرد وتشكل شخصيته وتتحكم في خبراته وقراراته ضمن جماعة من الناس يعيش بينهم(2).

ومن الملاحظ نرى ان الثقافة هي كل ما ينتجه الانسان من عادات وتقاليد وقيم واعراف من الاسرة او المجتمع الذي يعيش فيه الانسان فالدين يعتبر أحد أهم عوامل في نشر وتنمية ثقافة السلام في المجتمعات فالثقافة السلام تحقق للإنسان حالة من التوازن مع ما يحيط به وهي تنطوي بهذا المفهوم على قيمة الانسجام الإنسان مع الطبيعة من ناحية ومع افراد مجتمعه من ناحية أخرى.

السلام: السلام في الأصل السلامة یقال سلم یسلم سلاما وسَلامةً، وذهب بمعناها إلى الإسلام والسلم ضد الحرب یقال السلم والسلم واحد، وقیل للجنة دار السلام لأنها السلامة من الآفات، والسلام: الاسم من التسلیم والسلام من أسماء الله تعالى قال الفراهیدي: وقول الناس السلام علیكم یعني السلامة من الله علیكم، والسِّلْم بفتح السین وكسرها یذكَّر ویؤنث، وسمیت بغداد مدینة السلام لقربها من دجلة وكانت دجلة تسمى نهر السلام والإسلام: الاستسلام لأمر الله تعالى وهو الانقیاد لطاعته والقبول لأمره(3).

ولهذا يتبين ان مفهوم السلام عند بعض الباحثين أنها تنقسم الى ست مراحل:

المرحلة الأولى : السلام باعتباره غياباً للحرب كممارسة وسلوك ، وهو يطبق على الصراع العنيف سواء بين الدول أو داخل الدول ذاتها في صورة الحروب الأهلية وهذه الفكرة عن السلام ذائعة لدى الجماهير العادية ولدى السياسيين في نفس الوقت، والمرحلة الثانية: ركزت على السلام باعتباره توازناً للقوى في اطار النظام الدولي ، والمرحلة الثالثة: هي التأكيد على السلام السلبي (أي منع نشوب الحرب) والسلام الايجابي (منع العنف البنيوي في المجتمع)، والمرحلة الرابعة: هي تلك التي ساد فيها مفهوم نسوي للسلام حاول أن يربط بين المستوى الكلي للسلام والمستوى الجزئي ولذلك فهو لا يفرق بين الحرب والعدوان على الأفراد مثل ممارسة العنف غير المنظم على النساء في الحروب كالاغتصاب وكل صور العنف ضد الأشخاص ،ولو انتقلنا الى المرحلة الخامسة: لوجدنا تركيزاً على فكرة السلام مع البيئة باعتبار أن الممارسات الرأسمالية قد اعتدت بوحشية على البيئة الانسانية ، ونصل أخيراً الى مرحلة السادسة: التركيز على السلام الداخلي للإنسان باعتباره يرتبط بالضرورة بالسلام على المستوى الكلي(4).

ولهذا يمكن ان نعرف ثقافة السلام على انها تلك المعايير والاحكام النابعة من تصورات اساسية عن الكون والحياة والانسان والالة كما صورها الإسلام والتي تسعى الى نبذ كافة مظاهر العنف والحروب بين المجتمعات البشرية والعمل على نشر الامن والامان والسلام في المجتمعات.

مفهوم السلام في المنظور الإسلامي

إن ما تتعرض له المجتمعات من هزات عنيفة مثل الحروب والمجاعات، أو الكوارث تعد من العوامل القوية المهددة للمعتقدات الدينية والقيم التي كانت توجه سلوك الفرد، إذ يتزعزع إيمانه بها ويجد نفسه في صراع دائم بين أن يعمل بموجب ما يؤمن به أو أن يعمل لإشباع حاجاته بحسب ما تمليه عليه الظروف الحالية(5).

اذ ذكر لفظ السلام فجاء على خمسة أوجه من المعاني:

الأول: السلام هو الله تبارك وتعالى وذلك في قوله تعالى (السلام المؤمن) (سورة الحشر: الآية 23). السلام يعني الله وهو صفة من صفاته جل جلاله.

الثاني: أطلق السلام وأريد به الخير وذلك قوله تعالى (فاصفح عنهم وقل سلام) (سورة الزخرف: الآية 89) يعني خيرا وعلى لسان سدينا إبراهيم (ع) قوله تعالى (سلام عليك) (سورة مريم:(47).

الثالث: السلام بمعنى الثناء الحسن وذلك قوله تعالى (سلام على نوع في العالمين) (سورة الصافات: الآية 79) يعني الثناء الحسن لسيدنا نوح(ع) من بعده وكذلك قوله تعالى (سلام على موسى وهارون) (سورة الصافات: الآية 120).

الرابع: السلام يعني السلامة من كل شر وذلك قوله تعالى (يا نوح اهبط بسلام منا) (سورة هود: الآية 48)، يعني السلامة من كل شر كالغرق وغيره وقال تعال (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) (سورة الأنبياء: الآية 69)، يعني سلامة من شر حر النار وبردها.

الخامس: السلام يعني التحية التي يحيي بها المسلمون بعضهم بعضا وهي تحية اهل الجنة وذلك قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) (سورة الرعد: الآيتان 23-24)، وتحية المسلمين مع بعضهم واهلهم قوله تعالى (فاذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) (سورة النور: الآية 61).

والإسلام يدعو للسلام (بمعناه السياسي) وحل الخلافات بالطرق السلمية، قال تعالى" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" [الأنفال:61] وهكذا ينص القرآن الكريم على الاحتكام إلى السلام إذا دعا أحد طرفي الصراع الى ذلك، ولقد قال الله تعال (يا ايها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين) (سورة البقرة: الآية 208)

ويعد السلام مبدأً من المبادئ التي عمَّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين فأصبحت جزءاً من كيانهم، وعقيدة من عقائدهم فلقد نادى الإسلام بالدعوة إلى السلام، فالإسلام يحب الحياة، ويقدسها، ويحبب الناس فيها، وهو لذلك يحررهم من الخوف، ويرسم الطريق الأمثل للتعايش الإنساني القائم على المحبة والسلام والود والاحترام، والإسلام شريعة السلام ودين الرحمة فان الاهتمام بالسلام والسعي نحوه كان دائما مطلبا انسانيا، فالمفاهيم المتعلقة بالسلام والحرب قديمة قدم الانسان نفسه، وكان السلام ولم يزل حلماً للبشرية منذ عصور عديدة فقد عانت البشرية كثيراً من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب لدرجة أن السلام يكاد يشكل استثناء في مواجهة قاعدة الصراع والحرب، وخاصة في الوقت الحالي ونحن في الألفية الثالثة إذ نشهد تزايداً ملحوظاً في معدلات الصراعات والعنف بجميع أشكاله على الرغم من تطور الوعي بوحدة المصير الإنساني وبأهمية السلم كفرض من فروض التنمية والرخاء فإن ثقافة السلام تهدف الى تغيير اتجاهات البشر للقضاء على النزاعات العدوانية ونقد ما يمكن تسميته ثقافة الحرب وترسيخ قيم احترام الآخر من خلال حوار فعال بين الثقافات بدلاً من الدعوات العنصرية للصراع بين الحضارات(6).

كما حث الإسلام على حرية الاعتقاد وجعل الأساس في ذلك أن يختار الفرد الدين الذي يرتضيه من دون إكراه وأن يكون هذا الاختيار قائماً على أساس التفكير السليم وأن يحمي دينه الذي ارتضاه ويقاتل لأجل هذه الحرية، وعد الفتنة في الدين أشد من القتل، وأن الناس اعتنقوا الإسلام وأخذوا يدخلون في دين الله أفواجاً ولم يصادفهم أي نوع من أنواع حرية العقيدة وإخلاصها لرب السماوات والأرض كما صادفوا ذلك في الديانة الإسلامية، وتلك هي الحقيقة الكبرى، فالشريعة الإسلامية نادت بحرية العقيدة، حيث تتيح لكل إنسان اختيار الحرية الكاملة في اعتناق ما يشاء من العقائد السماوية، وأن يقيم شعائرها، وليس كائن من كان أن ينكر عليه ذلك أو يكرهه على ترك العقيدة التي اعتنقها(7).

ومن الملاحظ ان الإسلام في هذا السياق يريد للمجتمعات البشرية ان ترتفع كما يريدها ان تكافح من اجل استمرار وتنمية ثقافة السلام والابتعاد عن الفواحش والمنكرات والصراعات والحروب وذلك ما تشير اليه الآية الكريمة ( الذين ان مكناهم في الأرض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهو عن المنكر) ( سورة الحج: الآية 41) كما ان الدين الاسلامي رفض اشكال العنف كافة ودعا الى المحبة والرفق واللين والاخاء كما يتجلى ذلك في قوله تعالى  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  (سورة النحل: الآية 125 ).

كما ان الإسلام لا يقر العنصرية أو التحيز لجنس على أخر، أو تفضيل لون على لون، وإنما جاء ذكر الألوان في الخطاب القرآني للدلالة على قدرة الله في الخلق: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (الروم:22). وجاء الحديث الشريف ليؤكد أنه لا فضل لقوم على قوم أو للون على لون، وإنما معيار التفضيل عند الله يرتكز على دعامة مختلفة تماماً: ((كلكم لآدم وأدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) (حديث صحيح). هذه هي المساواة المطلقة بين البشر من دون تفرقة أو عنصرية أو تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرقية أو اللغة أو حتى الدين، طالما أن المعيار كما جاء في الحديث الشريف هو التقوى.

عوامل تنمیة ثقافة السلام لدى افراد المجتمع العراقي

هناك جملة من عناصر تنمية ثقافة السلام الا اننا سوف نركز في دراستنا هذه على اربعة عناصر فعال ورئيسة في مجتمعنا الحالي وهي كالاتي

أولاً: العوامل الاسرية: فالأسرة هي الممثلة الاولى للثقافة السلام واقوى الجماعات تأثيرا في سلوك الفرد، وللأسرة وظيفة اجتماعية بالغة الاهمية فهي المدرسة الاجتماعية الاولى للطفل والعامل الاول في صبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية فالأسرة هي التي تقوم بعملية التنشئة الاجتماعية وتشرف على النمو الاجتماعي للطفل وتكوين شخصيته وتوجيه سلوكه وتتشابه الاسر او تختلف فيما بينها من حيث الاساليب السلوكية السائدة او المقبولة في ضوء مجموعة المعايير الاجتماعية والقيم المرتضية حسب طبقتها الاجتماعية وبيئتها الجغرافية والثقافية وتبقى الاسرة النموذج الامثل للجماعة الاولية التي يتفاعل الطفل مع اعضائها وجهاً لوجه ويتوحد مع اعضائها ويعتبر سلوكهم سلوكاً نموذجياً وللعلاقات الاسرية الاثر الاكبر في التنشئة الاجتماعية سواء علاقة الوالدين مع بعضهما او علاقة الوالدين مع الأبناء.

ثانياً: العوامل التعليمية: فالمدرسة او الجامعات هي بيئة تعليمية وتربوية لاتحد اسوارها ولها مكان الصدارة في اهتمامات الدولة بوصفها اداة ضرورية للتربية والتعليم والتثقيف وتدعيم النظام القائم واستقراره وهي اداة استكمال لما قام به الأسرة من تنشئة اجتماعية وتصحيح لما اكتسبه الطفل من معارف وقيم واتجاهات لا تنبثق والنظام المجتمع القائم.

فضلا عن الوظيفة الاجتماعية الرئيسية لهاتان المنظومتان في ديمومه ثقافة السلام وتنميتها من خلال المناهج التعليمية والتي تساهم في توفير البيئة الملائمة لتيسير عملية قيم المجتمع واتجاهاته ومعايير السلوك فيه وتكييفهم لأنماط السلوك التي يرتضيها المجتمع في المواقف والمناسبات الاجتماعية المختلفة بما يؤدي الى حصول عملية التنشئة الاجتماعية وفي اطار هذه البيئة تمارس المدرسة انشطة عديدة تتوسل بها لتحقيق وظيفتها الاجتماعية وتشرف على التفاعلات والمعاملات المؤدية الى تسريع عملية الاجتماعية ومنها ما يحدث في المدرسة من نشاطات مصاحبه غير منهجية تواكب التحصيل الدراسي وتعززه بشكل غير مباشر مثل احترام النظام والمواظبة وحسن الاصغاء والتوقعات المرتبطة بالتحصيل الدراسي والتنافس وكل ما من شأنه المساعدة في تنمية الذات وفق الانموذج المطلوب(8).

ثالثاً: العوامل الدينية: تعيد المؤسسة الدينية هي ظاهرة تاريخية واجتماعية ارتبطت بالأديان والعقائد كافة وتختلف اشكال المؤسسات الدينية وتركيبها باختلاف مجموعة الوظائف التي تقوم بها والتي تتشابك فيما بينها وبدرجات متفاوتة ولكن تبقى المؤسسة الدينية في شكلها وفي مضمونها في كل وظيفي يستمد او يعتمد في مقوماته على النظام الديني السائد في المجتمع ومن بين أنواع واشكال المؤسسات الدينية نجد المسجد والزوايا والجمعيات الخيرية ذات الطابع الديني والأحزاب الدينية فالهدف الأساسي التي تسعى اليه هذه المؤسسات هو نشر وتنمية الثقافة الدينية والوعي الديني وبث روح التعاون والتضامن بين افراد المجتمع وبعبار ة أخرى للمؤسسة الدينية بعد روحي اكثر منه مادي.

فان ما يميز هذه المؤسسات بانها ذات طبيعة اجتماعية خاصة حيث تتخذ لنفسها مجموعة ام سقا من العادات والأعراف والتقاليد والتحريميات بالإضافة الى الطقوس ومستويات السلوك والتنظيم والادوار وغيرها من أنماط السلوك التي ينصب اهتمامها ويبرر وجودها على كل ما هو مقدس وفي الأخير تتداخل المؤسسة الدينية مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى وهذا نلمسه خاصة لدى المجتمعات العربية الإسلامية عامة والمجتمع العراقية خاصة(9).

ومن الملاحظ من هذا نرى ان المؤسسة الدينية تحتل مكانة مركزية ومحورية داخل المجتمع وذلك انطلاقا من تسييرها وتحكمها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية في حين نجدها في بعض المجتمعات تعاني من التهميش والانعزال واللامبالاة فدرجتها ومركزتيها داخل مجتمع نجدها في ادنى السلم الاجتماعي وذلك راجع الى عدة أسباب منها العنف والجريمة والعدوان وكذلك الصراع بين الأحزاب الدينية وكذلك ظهور تيارات واتجاهات نادت بفصل الدين عن الدولة أي فصل المؤسسة الدينية عن نشاطات وميادين الحياة الاجتماعية

رابعاً: الاعلام: فلا شك ان الاعلام اليوم اصبح وفي ظل التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية وتفشي العولمة وسيطرتها على الفكر العالمي وبروز النظام العالمي الجديد في ثوبه الاستعماري تحت سيطرة أصحاب النفوذ العالمي من الدول الكبرى في العالم ونتيجة لتعدد وسائلها الإعلامية وسيطرتها على منابر الاعلام العالمي ومؤسساته صارت الحاجة ضرورية وملحة لان تدافع الأمم ومنها الامة الإسلام عن كيانها والتي تطمح الدول الكبرى الى مسخها وجعلها تابعة فكريا لها وهذا الدفاع يتطلب تظافر الجهود من أبناء الامة الإسلامية وعامة المختصين في مجال الاعلام خاصة.

ومن هنا نرى ان للأعلام دور مهم في الحفاظ على هوية الامة وثقافتها كان من الأسباب التي تقف وراء عظيم عناية الإسلام والحث على ممارسته عن طريق المدرين الرئيسين للتشريع الإسلامي الا وهما القران الكريم والسنة النبوية فالأعلام يساهم في نشر الاخبار والآراء والمعلومات الثقافية الاسلامية على الجماهير أي انه يساهم في تنمية الثقافية الإسلامية لدى افراد المجتمع(10).

كما ان الإعلام أي الاعلام الإسلامي يساهم او يهدف في نشر تعاليم الدين الإسلامي ومعالجة القضايا الدينة ونشر ثقافة السلام بين افراد المجتمع وكذلك العمل على اعداد راي عام منصف تجاه الدين وحقائقه لا كما يحاول البعض تصويرة بانه دين يحث على العنف والتطرف وغيرها من الصفات الذميمة أي تلك التي تعمل على تفرقة أبناء المجتمع وعزلهم عن بعضهم البعض.

كيف يساهم الدين في تنمية ثقافة السلام؟

لقد رسم الدين الإسلامي الطريق السليم لبناء إنسان صحيح النفس والعقل والجسم بحيث يصبح لبنة قوية متماسكة وعنصراً ايجابياً صالحاً في مجتمعه الكبير، ورسم الطريق ايضاً لبناء مجتمع انساني فاضل الذي يشكل البيئة الصالحة لبناء الإنسان بالتنشئة السليمة والتربية القويمة فالثقافة السلام فهي القوة الفاعلة من قوى البناء الحضاري، والفلسفي والأدبي، والسياسي، والاقتصادي والتنموي.

ثم إن الثقافة السلام لابد وأن تكون في خدمة السياسات الدول التي تتجه نحو ترقية وجدان الإنسان، وتهذيب روحه، وصقل مواهبه، وتوظيف طاقاته وملكاته في البناء والتعمير، والتي تعمل من أجل تحقيق الرقي والتقدم والرخاء والازدهار والامن.

فالثقافة السلام لها دوراً كبيراً في حياة الإنسان، فهي متنفسه الوحيد في كل وقت وحين، خاصة في أوقات الأزمات والشدائد، وزيادة على ذلك فإن الاسلام يسهم في تحصين الفرد ضد الانحرافات والجرائم الاخلاقية والحروب واكد ايضا الإسلام على تنمية أسس" رصينة وقوية من المودة والرحمة والاخلاق الفاضلة السامية بين الافراد اذ وجه القران الكريم المجتمعات الاسلامية ودعاها مجتمعة متعاونة لترفع صوتها في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساندة المؤسسات التي تلتزم بهذه المسؤولية، والامر بالمعروف يعني الامر بما قدره الكتاب والسنة من مبادئ وقيم واحكام للمجتمع والنهي عن المنكر يعني النهي عما نهى عنه الكتاب والسنة من معاصٍ تعد خروجا عن المبادئ الاسلامية وقيمها. قال تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة ال عمران : الآية 104).

كما يهتم الدين الاسلامي بتقوية العلاقات الاجتماعية بين افراد المجتمع كما يساهم الدين الإسلامي أيضا في تنمية ونشر ثقافة السلامي في نفوس الافراد، وأيضا يعمل على تعميقها وتقويمها على المودة والتعاطف ليسود الصفاء وتأتلف القلوب، ويصبح المجتمع اسرة واحدة متكاتفة متضامنة يشد بعضها بعضا.

وعلى الرغم ما نلاحظه مجتمعنا اليوم من أجواءٍ مليئةٍ بالتوتر بعد أن فقد الأمن والأمان ، ولم يقتصر الصراع ام الازمات ام العنف على ما نشاهده في الشارع أو في وسائل الإعلام ، لكنه امتد إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ اخترق العنف جدران المنازل ليفرض نفسه على الأسرة وكذلك على نفوس افراد مجتمعنا، وزيادة على ذلك يمكننا القول بأن العنف الذي نقرأ عنه في الصحف قد طفا على السطح ، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أخفاء آثاره أو التعتيم على مضاره أو أخطاره ، ولاسيما إذا وصلت هذه المشكلة إلى اسلوب ألضرب المفضي أحياناً ألذي قد يؤدي إلى العاهة ألمستديمة، لذا فان الدين الاسلامي جاء معززاً بمنظومة قيمية كبرى من الاخلاق والمبادئ والمثل والحكم، التي اراد ان يبثها وينشرها في المجتمع الاسلامي، لصياغة راي عام فاضل يتولى تعزيز ثقافة السلام والقيم الفاضلة ومحاربة القيم والعادات الفاسدة التي تتقاطع مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية.

وعلى الرغم من ذلك فان ثقافة السلام الاجتماعي لها تأثير هام على افراد مجتمعنا، وقد يظهر هذا التأثير من خلال سلوكياتهم في حياتهم اليومية حيث تحدد ثقافة دينية مرغوب فيها وغير المرغوب فيها من السلوك وهي بذلك تعتبر بوجه عام موجه لسلوك الشباب وتحدد لهم اتجاهاتهم وتصرفاتهم تجاه المواقف المختلفة، ومن جهة أخرى يحتاج الشباب الى تنمية ثقافة السلام الاجتماعي الذي ينشأ عن تحقيق الأهداف التي يسعون اليها باعتبارهم أعضاء في الجماعة كالشعور بالانتماء والولاء واحترام آراء الآخرين وتقبل أفكارهم واستقرار علاقاتهم مع غيرهم من الأعضاء من خلال تنمية قيمة العمل الجماعي المشتركة وتنمية الاحساس بالمسئولية الاجتماعية المشتركة.

ويعتبر غرس وتنمية ثقافة السلام في افراد المجتمع العراقي من الأغراض الأساسية التي تسعى اليها طريقة العمل مع الجماعات وتأثير ذلك في نمو شخصية العضو وشعوره بالولاء والانتماء في المجتمع الذي يعيش فيه وتجنبه من الوقوع في صراعات بينه وبين المجتمع نتيجة تمسكه بثقافة السلام التي يرضي عنها المجتمع، وبالتالي تساهم طريقة العمل مع الجماعات في تحقيق ذلك من خلال ممارسة الأنشطة في الجماعات المختلفة التي ينتمي اليها العضو.

إذا الدين السلامي يعتبر أحد مقومات الثقافة الإسلام في الشعوب بصفة عامة، فإن للدين الإسلامي الدعامة الأولى في تنظيم المجتمع الإسلامي لما أشتمل عليه من مبادئ تحدد مستوى المعاملات بين الناس، ومن نظم تحمي هاته المبادئ وتجعلها واقعية وليست مجرد توصيات أو توجيهات كما أنه لم يقتصر على المواعظ والوصايا الأخلاقية فهذا لا يؤثر غالبا في عموم الشعب إلا إذا صاحبته قوانين واضحة تحدد الواجبات وتحميها، اذ ان الدين السلامي يساهم في توفير وتنمية احساس الناس من شتى أصقاع المعمورة بالأمن والسكينة والطمأنينة، وعدم الخوف أو الجزع سواءً على النفس أو المال أو العرض أو الأرض، ممّا يجعل الإنسان أكثر إيجابيّة، وأكثر قدرة على البذل والعطاء والتضحية في سبيل الآخرين.

الاستنتاجات

1. تؤكد ثقافة السلام على أن الصراعات المتوارثة بين الناس يمكن حلها بعيداً عن العنف.

2. تبين من الدراسة الحالية بان للأسرة والمدرسة إثر عميق في تنمية ثقافة السلام بين افراد المجتمع من خلال قيام بدورها الأساسي في تنشئتهم منذ الصغر.

3. تبين من دراستنا هذه بان للمؤسسة الدينية دورا مهما في نشر ثقافة السلام بين افراد المجتمع العرقي كما انها تساهم في تحقيق التوازن واستقرار المجتمع في حالات الحروب والصراعات والأزمات سواء كانت داخلية ام خارجية

التوصيات

1. ينبغي تعزيز مضامين تعليم ثقافة السلام واللاعنف والمهارات والقيم والمواقف والتصرفات التي تعبر عن التفاعل والتكامل الاجتماعيين، وان تنبذ العنف وتسعى الى منع نشوب المنازعات.

2. ينبغي تعزيز الدور الفعال للأسرة والمجتمع المحلي في إطار تعاوني لتحديد معنى ثقافة السلام وكيفية تعزيزها في نفوس افراده.

3. ينبغي للدولة أن توجه كل المؤسسات الرسمية والشعبية نحو السلام أو الحرب كما يمكنها أن تستغل أجهزتها لإخماد كل نشاط عنيف ويؤثر على السلام الاجتماعي.

----------------------------

المصادر
(1) زيدان عبد الباقي، علم الاجتماع الديني، (القاهرة، دار غريب للطباعة)، 1981، ص100.
(2) ابراهيم ناصر، التربية وثقافة المجتمع، ط1، (القاهرة، دار الرحاب للنشر والتوزيع)، (ب، ت)، ص 75.
(3) عبد السلام إبراهيم مجيد الماجد، السلام معناه وأحكامه في الشريعة الإسلامية، مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية، المجلد(3)، العدد(3)، العراق،2006، ص377.
(4) مجدي فأوي أبو العلا أحمد تركس، العلاقة بين البرنامج في طريقة خدمة الجماعة وتنمية قيم ثقافة السلام الاجتماعي لدى جماعة البرلمان الشبابي، مدرس خدمة الجماعة بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية، سوهاج (من شبكة الانترنيت)، (ب، ت)، ص12.
(5) سالم البربري، (ب، ت). الإسـلام، ط2، (القاهرة: دار الفكر العربي)، (ب، ت)، ص53-54.
(6) محمد عبده الزغير، ثقافة السلام من اجل الاطفال والشباب، (سلطنة عمان، وزارة التنمية الاجتماعية)، 2012، ص1.
(7) محمد نجيب أحمد أبو عجوة، المجتمع الإسلامي دعائمه وآدابه في ضوء القرآن الكريم، (القاهرة، مكتبة مدبولي)، 2000، ص213-214.
(8) عبد الله الرشدان، علم الاجتماع التربية، ط1، (عمان، دار الشروق)، 1999، ص84-85.
(9) لغرس سهلية، المؤسسة الدينية المفهوم والاشكال، مجلة الناصرية للدراسات الاجتماعية والتاريخية، العدد(2)، 2012، ص218.
(10) نزار عامر حسين، الاعلام الإسلامي وتحديات العولمة الإعلامية المعاصرة، مجلة جامعة الانبار للعلوم الإسلامية، المجلد(6)، العدد(23)، 2015، ص373.

اضف تعليق