q

لا تزال قضية تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، من أهم القضايا بالنسبة لدول الاتحاد الاوروبي، خصوصا وان هذا الملف قد أثار العديد من المشكلات والخلافات السياسية بين دول الاتحاد الأوروبي، التي تعمل اليوم وبطرق مختلفة على التصدي لهذه الظاهرة باعتبارها خطر كبير يهدد وحدة القارة العجوز، التي تعاني وكما نقلت بعض المصادر، من أزمات كبيرة في ظل عاصفة المتغيرات والمشكلات والصراعات العالمية المتزايدة. فالخوف المتزايد من تفكك الإتحاد الأوروبي، يطغى اليوم على تصريحات المسؤولين السياسيين البارزين في الدول الأوروبية.

ومع تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية في السنوات الأخيرة، سعت بعض دول الاتحاد الى اتخاذ قرارات وخطط جديدة من اجل التصدي لهذه الظاهرة، حيث تقدمت أربع دول بمشروع قرار للاتحاد الأوروبي يسمح باستخدام القوة لملاحقة مهربي البشر للحد من الهجرة السرية، كما تقدمت دول أخرى بمقترحات وقرارات مختلفة لوقف الموجات غير المسبوقة من المهاجرين غير الشرعيين التي تصل إلى أراضيه، التي وصلها هذا العام والعام الماضي ما يقارب من 1,4 مليون لاجئ ومهاجر.

فقد عرض على النيجر التي تعد من أهم محطات المهاجرين من أفريقيا نحو القارة العجوز، مبلغ 610 ملايين يورو للحد من محاولات الهجرة، وأكد سعيه لعقد صفقات مماثلة مع دول أخرى. وعرض الاتحاد الأوروبي بالفعل خططا مشابهة على السنغال وإثيوبيا ونيجيريا ومالي، بالإضافة إلى أفغانستان والأردن ولبنان وتركيا ودول أخرى. واتفق قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل على السعي لضم مزيد من الدول الأفريقية إلى هذه الاتفاقات.

وعزز الاتحاد من الرقابة على حدوده الخارجية، ويحاول ترحيل مزيد من القادمين إلى أوروبا ممن لا تستدعي حالتهم اللجوء. لكن الاتحاد الأوروبي ما زال منقسما حول كيفية اقتسام اعداد طالبي اللجوء الموجودين فيه بالفعل. ولم تنجح المشاحنات السياسية المستمرة منذ أكثر من عام في الوصول إلى اتفاق حول كيفية توزيع المهاجرين على دول الاتحاد. وقال قادة الاتحاد الأوروبي في آخر قمة لهم في 2016 إن هدفهم الآن هو تجاوز الخلافات بحلول منتصف عام 2017، ومن المؤكد أن يكون هذا صعبا.

وطالبت إيطاليا واليونان ومالطا التي يصل إلى شواطئها اللاجئون والمهاجرون الدول التي لا يمر بها المهاجرون عادة باستضافة بعضهم. وتلقى هذه الدول دعم دول غنية مثل ألمانيا والسويد والنمسا التي يتدفق عليها معظم المهاجرين. لكن دولا بشرق الاتحاد الأوروبي ومنها بولندا والمجر، ترفض استقبال أي مهاجرين وتقول إن هذا سيحمل مخاطر أمنية وسيغير من البنية المجتمعية.

وتباطأت أيضا دول أخرى. وأعيد توزيع عدد يقل عن 9000 شخص ونقلوا من اليونان وإيطاليا إلى دول أخرى بموجب قرار اتخذ في سبتمبر/أيلول 2015 وكان من المفترض أن ينتج عنه إعادة توطين 160 ألف شخص. وأصبحت إيطاليا بوابة عبور المهاجرين الرئيسية إلى أوروبا هذا العام لتحتل مكانة كانت تشغلها اليونان. وحد اتفاق مثير للجدل مع أنقرة من تدفق المهاجرين من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية، لكن اتفاقا كهذا يستحيل عقده مع ليبيا التي تعاني فوضى واضطرابات. ويأمل قادة الاتحاد الأوروبي في توفير مزيد من المساعدات المالية لمنظمات غير حكومية تعمل مع المهاجرين في ليبيا للمساعدة في إعادتهم من حيث أتوا.

خلاف مستمر

في هذا الشأن اختلفت وجهات نظر وزراء الداخلية الأوروبيين بشأن كيفية التعامل مع قضية الهجرة وسط جدال محتم بين الدول الأعضاء التي تريد المزيد من المشاركة في تحمل الأعباء وتلك التي تعارض أي نوع من إعادة التوطين الإجباري. وقال وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره "نحن نبحث عن حلول وسط لكن لم نتوصل إليها حتى اللحظة". واستقبلت ألمانيا في العام الماضي حوالي 900 أف مهاجر ولاجئ.

وأجرى الوزراء مناقشة ساخنة بعد أن تقدمت سلوفاكيا الرئيس الحالي للاتحاد باقتراح لإصلاح نظام اللجوء بالاتحاد الذي انهار العام الماضي مع تشاحن الدول الاعضاء حول كيفية التعامل مع تدفق 1.3 مليون من للاجئين والمهاجرين معظمهم من شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. وقال روبرت كاليناك وزير داخلية سلوفاكيا "أجرينا نقاشا مفتوحا جدا كان في بعض الأحيان انفعاليا وصريحا جدا." وأضاف قائلا "جميعنا لدينا نفس الهدف. نريد أن نحل أزمة اللاجئين .. ما ابتكرناه في العام الماضي ليس فعالا كما توقعنا لهذا نجد أنفسنا مضطرين لاقتراح وسائل أخرى."

وفي المجمل تراجعت أعداد الوافدين هذا العام عن العام الماضي لكنها ما زالت مستمرة بلا انحسار في إيطاليا وما زال عشرات الآلاف عالقين في اليونان وايطاليا في ظروف بالغة السوء أحيانا. ولم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على كيفية التعامل مع اللاجئين. وعلى الرغم من موافقتها في العام الماضي على إعادة توطين 160 ألفا من ايطاليا واليونان إلا أن دول شرق أوروبا مثل سلوفاكيا وبولندا والمجر رفضت استقبال أيا منهم. بحسب رويترز.

وتدعم ألمانيا -التي فتحت حدودها أمام معظم من وصلوا إلى أوروبا في العام الماضي- كلا من السويد وإيطاليا ومالطا التي ستتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد في يناير كانون الثاني من أجل إقرار إعادة التوطين الاجبارية في إصلاح نظام اللجوء. وقال كارميلو أبيلا وزير داخلية مالطا "يجب أن يكون لدينا آلية على أساس دائم. لا يمكننا مناقشة ذلك في كل مرة نواجه فيها أزمة."

قنبلة موقوتة

على صعيد متصل تتضافر عناصر كثيرة لتحول ملف المهاجرين الى قنبلة موقوتة في اليونان: من يأس اللاجئين، الى تعبئة اليمين المتطرف، وصولا الى نقص الدعم الاوروبي، في وقت يبقى الافق مسدودا امام اكثر من 16 الف مهاجر عالقين على الاراضي اليونانية نتيجة الاتفاق بين الاتحاد الاوروبي وتركيا. فبعد ليسبوس وساموس في الاسابيع الاخيرة، وصل التوتر الى جزيرة خيوس. فقد اصيب مهاجر سوري بجروح خطرة في الراس بحجارة تم رشقها في مخيم سودا قرب كبرى مدن الجزيرة. ورشق مجهولون بالحجارة ومواد حارقة المخيم من مرتفع يطل عليه ما تسبب بتدمير خيم تؤوي مئة من المهاجرين ال 800 في المخيم.

واتجهت شكوك الشرطة الى سكان مغتاظين من سرقتين حدثتا تلتهما عمليات تخريب منازل وسيارات تم اثرها توقيف مراهقين جزائريين وايراني اربعيني. وجزيرة خيوس التي تستقبل نحو اربعة آلاف لاجىء ومهاجر تشهد حالة "غليان" بحسب مسؤول امني طلب عدم كشف هويته. والوضع مشابه في باقي جزر المنطقة حيث يتكدس اكثر من 16 الف مهاجر ولاجىء. وفاقم شكوى سكان الجزر من تدفق المهاجرين، موسم سياحي سيء. كما ان صبر اللاجئين بدا ينفد وبعضهم ينتظر منذ اشهر دراسة ملفاتهم التي قدموها.

ويبقى هم هؤلاء ان لا يتم طردهم الى تركيا بموجب الاتفاق الموقع بين الاتحاد الاوروبي وانقرة في آذار/مارس لوقف تدفق المهاجرين على بحر ايجه. وهذا الوضع يجعلهم يكابدون عناء العيش ممزقين بين القلق على مصيرهم وظروف غير مريحة يزيد من تدهورها حلول فصل الشتاء وتضاؤل مواردهم المالية. وقال رولان شوينبوير المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين في اليونان "نرى في كافة الجزر اناسا محبطين وبلا امل". وحذر الفرع البلجيكي لمنظمة اطباء بلا حدود امن نه "لم يبق الا مشاعر الثورة".

رغم تراجع العدد فان وصول المهاجرين متواصل بالعشرات كل يوم. ومعظمهم من السوريين والافغان والعراقيين بحسب مفوضية اللاجئين. واضاف المسؤول الامني ذاته انه في ظل مثل هذه الظروف "لا يمكن استبعاد محاولة استغلال منظمات اليمين الراديكالي" للتوتر. وزار نواب من حزب "الفجر الذهبي" للنازيين الجدد خيوس وليبسوس. وبحسب موقع هذا الحزب وهو الثالث في اليونان، كان معهم اربعة نواب بلجيكيين من حزب اليمين المتطرف الفلامنكي الانفصالي "فلامس بيلانغ".

وفي البدء امكن تهميش التيار اليوناني العنصري بفضل موجة تضامن مع اليونانيين منذ تدفق مليون مهاجر معظمهم من السوريين في 2015. لكن يبدو ان هذا التيار ينشط في الجزر وايضا في باقي الاراضي اليونانية حيث اسفر اغلاق الحدود الاوروبية شتاء 2016 عن اكثر من 45 الف لاجىء آخرين. وتشعر الحكومة ايضا بالقلق بشان السيطرة على الوضع خصوصا ان التوتر بين الاتحاد الاوروبي وتركيا ينذر بعودة مفاجئة لوصول المهاجرين انطلاقا من السواحل التركية.

لكن مسالة افراغ الجزر ليست سهلة. ومنذ ايلول/سبتمبر لم يتمكن الا 350 شخصا من مغادرتها باتجاه البر اليوناني لتوافر شروط اللجوء فيهم، بحسب مفوضية اللاجئين. ومع معارضتهم لعمليات نقل مكثفة للمهاجرين الى البر اليوناني خشية عودة عمليات العبور غير المنظم الى باقي اوروبا، فان الشركاء الاوروبيين لم يرسلوا حتى الان الا ربع التعزيزات الموعودة لاسناد اجهزة الهجرة في الجزر اليونانية وتسريع دراسة طلبات اللجوء. بحسب فرانس برس.

واعرب وزير سياسة الهجرة اليوناني يانيس موزالاس نهاية تشرين الاول/اكتوبر عن "غضبه" وقال "يتعين على الاتحاد الاوروبي دعم" تطبيق الاتفاق الاوروبي التركي" مضيفا ان "الامر ليس مسالة تضامن مع اليونان بل انه امر ملزم". وبحسب وسائل اعلام يونانية فان التوتر في الجزر اليونانية دفع بلجيكا هذا الاسبوع الى اعلان سحب خبرائها في شؤون اللجوء من اليونان.

المجر وايطاليا

الى جانب ذلك قال رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إن بلاده ستقاضي المفوضية الأوروبية وستقاوم حصص توطين المهاجرين الإلزامية إذا لم ترفع المفوضية هذا البند من جدول أعمالها. وقال أوربان إن حكومته ستستخدم استفتاء أجري أخيرا في المجر في تحدي المفوضية. وكانت أغلبية كاسحة ممن أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء قد رفضت حصص الاتحاد الأوروبي.

وقال رئيس وزراء المجر إن الموضوع دخل الآن في طريق مسدود وأضاف أوربان قائلا للإذاعة الرسمية إنه إذا لم تتخل المفوضية الأوروبية عن فكرة الحصص فإننا "سنقاوم... لن ننفذ (قرار الاتحاد الأوروبي).. سنقاضي المفوضية." ويقول أوربان إن قرار قبول مهاجرين قرار يتعلق بالسيادة الوطنية وإنه يريد تعديل الدستور المجري الشهر المقبل ليحظر توطين المهاجرين. بحسب رويترز.

وكان أوربان قد رد على تدفق المهاجرين العام الماضي بأن أغلق حدود المجر الجنوبية بالأسلاك الشائكة ونشر الآلاف من رجال الجيش والشرطة. ويقول أوربان إن بلاده بجذورها المسيحية لا ترغب في استقبال أعداد كبيرة من المسلمين وإنهم يمثلون خطرا أمنيا.

من جهة اخرى قال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي إن بلاده لا يمكنها التعامل في العام المقبل مع نفس عدد المهاجرين الذين وصلوا إليها هذا العام داعيا الدول الأوروبية الأخرى إلى بذل مزيد من الجهود في هذا الشأن. وفي مقابلة مع التلفزيون الايطالي الرسمي كرر رينتسي تهديده باستخدام حق النقض على إنفاق أموال الاتحاد الأوروبي على الدول التي ترفض مساعدة إيطاليا واليونان اللتين استقبلتا مئات الآلاف من المهاجرين في السنوات الثلاث الماضية.

وقال رينتسي خلال البرنامج "لا يمكن لإيطاليا أن تتحمل عاما إضافيا مثل العام الذي يمر علينا حاليا" مشددا على ضرورة كبح تدفق المهاجرين بحلول مارس آذار من دون أن يحدد عواقب عدم حدوث ذلك. وشجب رئيس الوزراء الايطالي مرارا افتقار الاتحاد الأوروبي للتضامن حيال أزمة المهاجرين في الوقت الذي تسعى فيه روما للحصول على موافقة الاتحاد على موازنة موسعة تتضمن نحو 3.9 مليار يورو (4.25 مليار دولار) لإنفاقها على المهاجرين في العام المقبل. وشجب رينتسي بعنف انتقاد المفوضية الأوروبية لموازنته التي ترفع مستوى العجز المتفق عليه مسبقا ولا تتفق مع أهداف الدين. وقال "بدلا من فتح أفواههم عليهم أن يفتحوا حافظات نقودهم."

اضف تعليق