q

حرية الانسان في التنقل والعيش في المكان الذي يرغب واحدة من أهم الحريات التي يحرص الانسان عليها وتمثل في الوقت عينه مصلحة مؤكدة للفرد ولمجتمعه، وقد نالت هذه الحرية اهتمام على نطاق عالمي إذ تناولت المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان النص عليها، وعلى الصعيد الوطني اهتمت الدساتير لا سيما العراقية منها بالتأكيد على الحرية الشخصية بكل تطبيقاتها (السفر واختيار محل الاقامة والسكن والتنقل وغيرها) وهو ما عبر عنه دستور جمهورية العراق لعام 2005 في اكثر من موطن بالتأكيد على الحرية مطلقاً وتطبيقاتها المختلفة وقانونية الجرائم والعقوبات وان لا يمكن ان تفرض أي عقوبة أو تقيد حرية أي شخص الا بمقتضى حكم قضائي ووفق اجراءات قانونية سليمة.

والملاحظ ان عقوبة السجن أو الحبس وفق قانون العقوبات العراقي رقم ((111)) لسنة 1969 هي من العقوبات السالبة للحرية وتعد عقوبة أصلية وتعرف بانها ايداع المحكوم عليه في إحدى المنشئات العقابية المخصصة قانوناً لهذا الغرض لمدة عشرين سنة ان كان مؤبداً والمدد المبينة في الحكم ان كان مؤقتاً، الا ان لعقوبة السجن اثاراً سلبية من شأنها ان تقلل من أهميتها وتحد من دورها في إصلاح المدان ومنها على سبيل المثال:-

1- الآلام النفسية والجسدية التي سيكابدها المحكوم عليه إذ يبعد عن وسطه العائلي والاجتماعي ولا يوجد من يسمع صوته أو يخفف الالم عنه.

2- ان عقوبة السجن أو الحبس بعد انقضائها تخلف اثاراً اجتماعية تلاحق المحكوم بها إلى آخر يوم في حياته إذ تلاحقه نظرة مجتمعية سلبية تعده شخصاً غير مرغوب به عندما يقبل على العمل أو الزواج مثلاً.

3- انها كعقوبة تؤدي إلى إهدار الطاقات وتعطل الإنسان عن الإنتاج والعمل وتحول دون أن يكون المدان عنصراً ايجابياً في عائلته ومجتمعه، بل انها تهدر سنوات الوفرة في الحيوية والنشاط المتطلبة في العمل بالخصوص لفئة الشباب.

4- السجن كعقوبة يكلف موازنة الدولة تكاليف باهظة ونفقات كبيرة في تهيئة المكان المناسب للمدانين وتوفير المأكل والملبس لهم والحماية..الخ الأمر الذي يزيد من النفقات غير المنتجة على المدى القصير والمتوسط.

5- فقدان الكثير من مرتكبي الجرائم وبخاصة من يقضون مدد طويلة نسبياً في المؤسسات الاصلاحية الشعور بالمسؤولية تجاه عائلته ونفسه ومجتمعه ويفضل التكاسل عن العمل لأنه اعتاد على الحصول المأكل والملبس بلا مقابل لسنوات.

6- عقوبة السجن بالعادة تسبب تفكك اسري للسجين إذ بالعادة تهجره زوجته ويشقى أولاده من بعده ما ينعكس سلباً على مجمل المنظومة المجتمعية.

7- قضاء أحد الأفراد في السجن سنوات طوال يسبب انحرافه في العادة في عالم الجريمة بسبب مخالطة ارباب السوابق وحملة الفكر الضال.

وفي الوقت الذي يؤكد المختصون في السياسة الجنائية إن هدف العقوبة الردع والاصلاح نرى في ضوء السلبيات أعلاه أن ذلك لن يتحقق ما يتطلب البحث عن بدائل لعقوبة السجن، لهذا هنالك من يطالب بإصلاح المدانين والمجرمين خارج أسوار السجون، للتخفيف من الآثار السلبية لإيداع الأشخاص في السجون ويقضي على عوامل الانحراف نحو عالم الجريمة بطرق حديثة أقل تكلفة من إدارة السجون وأكثر مراعاة لحقوق الانسان المدان بارتكاب جرم معين ويصون كرامته الانسانية وبالتأكيد لن يقطع الصلة بينه وبين أسرته ومجتمعه.

وبدائل عقوبة السجن هي مجموعة من العقوبات والتدابير الاحترازية التي تتكفل بإصلاح الفرد وفي الوقت نفسه تشعره بالجرم الذي ارتكبه واستحق عنه العقاب ليتجنب ارتكابه مستقبلا ويرتدع غيره ايضاً، كما أن بعض المدانين يتمتعون بمركز اجتماعي أو انقاد إلى الجريمة بطريق الصدفة أو تحت تأثير الحاجة الملحة أو الحالة العصبية والنفسية الأمر الذي يتطلب معاملة هؤلاء بشكل مختلف، ومن جانب اخر أغلب الجرائم الجنح والمخالفات معاقب عليها بالحبس أو السجن لمدد قصيرة ويشير العلماء إلى عدم فاعلية تلك العقوبة بل انها ستكون سبباً مباشراً في افساد الشخص بدل اصلاحه.

ومن أهم انواع العقوبات البديلة عن عقوبة السجن:

اولاً: العقوبات المالية، ومن أهم صورها:

1- الغرامة النقدية:- وهي الزام المحكوم عليه بان يدفع إلى الخزينة العامة مبلغاً مالياً معيناً في الحكم وتراعي المحكمة في تقدير الغرامة حالة المحكوم عليه المالية والاجتماعية وما افاده من الجريمة أو كان يتوقع افادته منها وظروف الجريمة وحالة المجنى عليه.

2- المصادرة ونزع الملكية:- وتعني مصادرة الاموال والاشياء التي تحصلت من الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها أو كانت معدة لهذا الغرض.

3- سحب رخصة أو اجازة ممارسة عمل أو مهنة معينة:- وهو الحرمان من حق مزاولة مهنة أو حرفة أو نشاط صناعي أو تجاري أو فني تتوقف مزاولته على اجازة من سلطة مختصة كسحب اجازة فتح صيدلية أو معمل أو سحب هوية المحامٍ وغيرها والغاء اجازة السوق الممنوحة لشخص ما تكرر ارتكابه جريمة دهس، وكل ما تقدم يكون اما بإنهاء مفعول الاجازة أو الرخصة الصادرة للمحكوم عليه لوقت معين أو حرمانه منها بشكل مؤبد ومنعه من الحصول عليها من جديد.

وفقدان الاموال أو الترخيص لا يقل وطأة عن الالام التي تنتج عن زج المحكوم عليه في السجن، ومن جهة اخرى يشكك بعض المختصين بالعقوبات المتقدمة بوصف عقوبة الغرامة لن تردع الجناة الميسورين والمصادرة وفق القانون العراقي من العقوبات التكميلية وسحب الاجازة ومنع مزاولة المهنة هي من التدابير الاحترازية، بيد انه يمكننا الرد على ذلك بان تتم دراسة حالة كل مدان على حدة وتقدير العقوبة الملائمة له بما يردعه فالمبالغة بتحديد مبلغ الغرامة لا شك سيردع أي مدان مهما كانت ثروته أضف لذلك اننا نقترح الجمع بين الغرامة والمصادرة ومنع مزاولة مهنة معينة وغيرها من العقوبات للوصول إلى الغاية من العقاب الا وهي الزجر والردع العام والخاص.

ثانياً: عقوبات العمل لمصلحة المجتمع، وهي عقوبات متنوعة واعتمدت في العديد من الدول ومن صورها الاتي:-

1- إلزام المدان بالعمل لتقديم خدمة عامة في إحدى المؤسسات الخدمية:- وقد اخذت بهذه التجربة عديد الدول ومنها ايرلندا والبرازيل واستراليا وبعض الولايات في امريكا ومنها الزام المدان بتنظيف المسابح أو العمل في نظافة الشوارع أو المدارس والمستشفيات، وخشية استغلال هذه العقوبة للتنكيل بكرامة المحكوم عليه اقترح البعض العمل في دور الايتام والعجزة.

2- عقوبة العمل الانتاجي:- اذ يمكن الاستفادة من المدانين بالعمل في المعامل والمصانع والمزارع الانتاجية أو المناجم واستثمار طاقاتهم بدل تكسرها بين جدران السجون.

ثالثاً: العقوبات والتدابير المقيدة للحرية، وهي لا تشابه السجن بوصفه يسلب الحرية تماماً وأهم صورها:

أ‌- الحجز في مأوى علاجي:- أي بوضع المحكوم عليه في مستشفى أو مصح للأمراض العقلية ان كان يعاني الاضطراب العقلي أو النفسي لعلاجه واصلاحه.

ب‌- منع المحكوم عليه من السكن أو دخول مناطق بعينها:- أي منع المحكوم عليه من السكن في الاحياء أو الضواحي التي ينشط فيها بعض من اعتاد على مخالفة القانون كالعصابات أو منعه من دخول الحانات والملاهي.

ت‌- ترحيل الاجانب:- فمن الاجانب من يرتكب جريمة لا تشكل خطورة كبيرة فيصار إلى ترحيله إلى بلد اخر وهو اجراء اجدى من انفاق ملايين الدنانير لإطعامه أو اكسائه بلا طائل كما لو خالف قوانين الاقامة وسمة الدخول.

رابعاً: العقوبات ذات الطابع القضائي، وتتم بمنح سلطة تقديرية للقاضي لتحديد العقوبة وتنفيذها أو تأجيل ذلك بحسب ظروف الجريمة والمدان ومن أهم صورها:-

1- نظام وقف تنفيذ العقوبة:- وهو نظام عالمي معروف في اغلب الدول ومنها العراق اذ ورد النص عليه في قانون العقوبات المادة (144) والتي منحت المحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالحبس مدة لا تزيد على سنة ان تأمر بوقف تنفيذ العقوبة وفق شروط معينة وخصوصا ان لاحظت المحكمة اخلاق المحكوم عليه وسنه وماضيه وظروف الجريمة ما يبعث على الاعتقاد انه لن يعود لارتكاب الجريمة مجدداً.

2- الوضع تحت الاختبار القضائي:- اخذت بعض الدول لاسيما الاوربية بهذا النظام اذ توقف المحكمة اجراءات المحاكمة وتضع المحكوم عليه لفترة تحت رقابتها ((في منزله تحت رقابة الشرطة القضائية)) بعد تقديم العون له فان استقام انتهت الدعوى الجزائية ضده.

3- نظام التوبيخ القضائي:- وهو يلائم بعض فئات المدانين كالتجار والمحامين والاطباء بنشر قرار الحكم بالتوبيخ ما يلحق اشد الضرر بسمعتهم ويلقي بضلاله على عملهم فيكون رادعاً لهم وفي بعض الدول يستعمل مع الشركات لاسيما شركات التأمين.

خامساً: الاستعاضة عن العقوبات المادية بالإلكترونية ومنها:-

1. اجهزة التعقب.

2. السجن الاليكتروني.

وهذه البدائل لم تكن ذات صدى وطني فحسب بل حظيت باهتمام متزايد من قبل الأمم المتحدة وعقدت العديد من المؤتمرات بهذا الخصوص ومنها:

1- مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في كراكاس 1980.

2- مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في ميلانو 1985.

3- مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في هافانا 1990 وهو الاهم اذ تمخض عنه اقرار قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية أو كما تسمى قواعد "طوكيو" 1990، ثم صدرت قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات أو قواعد "بانكوك" لعام 2011 وأهم ما تضمنه هذه القواعد التأكيد على استبدال عقوبة السجن بعقوبات اخرى ومنها.

1- العقوبات الشفوية كالتحذير والتوبيخ والانذار.

2- اخلاء السبيل المشروط.

3- العقوبات الاقتصادية والجزاءات النقدية

4- الاقامة الجبرية.

5- دور التأهيل والاصلاح..الخ

وبعد هذا الاستعراض لاهم بدائل عقوبة السجن نؤكد ضرورة اعادة المشرع العراقي النظر بعقوبة السجن أو الحبس في العراق لأنها وفي كثير من الاحيان تناهض حقوق الانسان وتخدش الكرامة الانسانية وتحط من قدر الفرد الذي كرمه الله وجعله سيد الكائنات على الأرض وضرورة ان يلاحق قانون العقوبات أخر التطورات التي كشفت عنها البحوث والدراسات في الميدان الاجتماعي أو النفسي، وكيفية التعامل مع النزعة الاجرامية، اذ يؤكد المختصون بما لا يدع مجالا للشك بوجود محاذير من الافراط في الاعتماد على عقوبة السجن أو الحبس، ولنا في معتقلات الجيش الامريكي في العراق المثال الابرز اذ كانت مدرسة تخرج عتاة الارهابيين والمتطرفين الذين يعيثون اليوم في أرض العراق فساداً، وان تتوجه الدولة نحو العقوبات البديلة لأنها انجع في الإصلاح واقل تكلفة ونقترح ان تنشأ الدولة دور تأهيل بدل المؤسسات الاصلاحية أو السجون يلزم المحكوم عليه بزيارتها دورياً لتقدم له بعض الرعاية والخدمات وتتابع تطور حالته وتقدم تقاريرها للقاضي والمحكمة المختصة على ان تتضمن برامجها الاصلاحية الاتي:

1- إعداد برنامج لتشجيع مرتكبي الجرائم على حفظ سور القرآن الكريم.

2- إعداد برنامج اصلاحي متكامل يضعه المختصون بالشؤون القانونية والاجتماعية وعلم النفس لتأهيل مرتكبي الجرائم الذين تورطوا في جرائم الثأر أو الصدفة وغيرها من الجرائم غير الخطيرة لأجل مساعدتهم معنوياً ومادياً لتخطي الازمة التي يمرون بها نتيجة تورطهم في سلك الجريمة بلا قصد أو عن غير عمد.

3- بالنسبة للأشخاص المدانين بالجرائم الخطيرة فلابد من اتباع احدث الوسائل العقابية البديلة عن عقوبة السجن أو الحبس بتبني برنامج متكامل للقضاء على العوامل التي تدفعه نحو الجريمة اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية وتعزيز ثقته بنفسه وبالمجتمع الذي يعيش فيه ويؤثر أو يتأثر به.

4- التأسيس لمؤسسة اصلاحية اتحادية في العراق بتخصيصات كافية لتمويل برامج اصلاح الأشخاص غير البالغين والنساء ممن ارتكبوا جرائم معينة باتباع العقوبات البديلة الملائمة لمراحلهم العمرية وجنسهم وقضاء مدة محكوميتهم في منازلهم برقابة قضائية، مع ضرورة اعادة النظر بقانون رعاية الاحداث رقم (74) لسنة 1983 والغاء النصوص التي تسمح بفرض عقوبات الحبس أو السجن بحق غير البالغين.

5- إعداد برنامج دراسي للأشخاص الذين سبق وارتكبوا جرائم لاتمام دراستهم الاساسية أو الاولية وحتى العليا ومن خلال ذلك يتم اعادة تأهيلهم والقضاء على نوازع الشر فيهم.

6- تنمية مهارات الأشخاص الذين سبق وان ارتكبوا جرائم ومساعدتهم بالحصول على فرصة عمل بما يتفق مع مؤهلاتهم.

7- استضافة أهالي واقرباء المدانين والاستيضاح منهم أو تقديم النصح اليهم في كيفية التعاطي مع الأشخاص الذين سبق وان ارتكبوا جرائم وصدرت بحقهم احكاماً معينة.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق


التعليقات

علي
العراق
موضوعك جديد وذكي ويحتاج منك نشر فكرتك العظميه علئ الفيس لكي يقرأها الجميع ويستفاد الجميع2016-12-26