q
إنسانيات - حقوق

جرائم عارية

جلست كعادتي اقلب العالم بين يدي، متنقلا بين المواقع الالكترونية ابحث عن رغيف من الافكار والمعلومات يشبع شغفي لتحصيل المعرفة، برز امامي عنوان صحفي نصه "مترجم: ١٠ جنود اغتصبوا طفلة! نساء الروهينغا يروين قصص اغتصابهن المروعة"، تبين فيما بعد انه تحقيق مميز يستحق عناء قراءته عبر شاشة الهاتف الصغيرة.

اقشعر بدني وشعرت بالعار كوني رجلا انتمي لهؤلاء المجرمين الذين وصفهم التحقيق، بل من العار ان انتمي لملايين مثلهم، نتشارك في نوع الجنس ولا نضع حدا لجرائمهم (الذكور)، وما يزيد شعوري خجلا ساذكره في فقرة اخرى من هذا المقال.

جذبني في التحقيق انه يتحدث عن الروهينجيا، هذه الاقلية الاسلامية في بورما التي يحكمها البوذيون، ويمارسون ابشع الجرائم بحق النساء والاطفال، يحرقون الرجال ويذبحون الرضع ويغتصبون الحامل امام زوجها والمراهقة امام ابيها، وصور اكثر بشاعة لا توجد الا في الخيال الهولويود وواقع حلفاء امريكا ايضا، ومع كل هذا لا نجد الا القليل والقليل جدا من التقارير التي تتحدث عن هذه الجرائم رغم بشاعتها، فكانت القراءة والتعليق عليه واجب عيني.

التحقيق الذي اعدته الصحفية كريستين جيلينيو لصالح وكالة اسوتشيتد برس، يقول ان اطباء منظمة اطباء بلا حدود عالجوا ١٣٣ من الناجيات من العنف الجنسي منذ اغسطس/اب، ثلثهن دون سن الثامنة عشرة.

في البداية اتفقت النساء المغتصبات اللاتي فررن الى بنجلادش على ذكر الحرف الاول منهن خوفا من تعرف الجنود عليهن وقتل ذويهن، الذين ما زالوا في بورما، وهو ما يعني ان الجرائم اكبر بكثير لان الضحايا يرفضن التصريح لوسائل الاعلام، كما يتبين ان معدل الجرائم مستمر لان هناك الكثير ما زالوا في بورما والحكومة لم تجد حلا للمجازر حتى الان. وهذا التحليل تدعمه اقوال الاطباء وعمال الاغاثة الذين يقولون انهم تفاجأوا بحجم حالات الاغتصاب الهائل، ويقولون انهم متاكدون ان نسبة الحالات المعروضة ضيلة جدا مقارنة لحجم الضحايا.

تشترك اغلب القصص التي استعرضها التحقيق بان الجنود قد مارسوا الاغتصاب الجماعي، بعد سرقة مقتنيات الضحية وتقييدها بحبل او بملابسها، وتحدث ان بعضهن تم ربط الحبل من افواههن، واستخدم مع بعضهن الضرب بالعصي.

بعض الحالات كانت لجنود اغتصبوا امرأة امام زوجها الذي تزوج قبل شهر واحد فقط، وقيدوه ووضعوه في احدى زوايا الغرفة، وحينما بدأ بالصراخ للتعبير عن رفضه اطلق احد الجنود النار على صدره، وقام جندي اخر بجز رقبته (اي انه ذبحه)، اي انسان له القدرة على القبول بهذه الجريمة، واي انسان يستطيع السكوت، او غض الطرف لانشغاله بقضايا اخرى، وهل هناك قضية اكثر اهمية من جريمة اغتصاب لعروس امام زوجها!؟

التحقيق يقول ان هذه الطريقة في الاغتصاب هي الاكثر شيوعا، وتحدث عن اغتصاب عشرة جنود لطفلة عمرها ١٣ عاما فقط، (عشرة ذكور يتبادلون الادوار لاغتصاب طفلة، هل يستحق التفكير ولو لمدة سنة واحدة فقط؟)، ربطوها الى الاشجار واغتصبوها امام اخوتها الصغار، وقد قتلوا والدها قبل عام.

وتحدثت النساء ايضا عن رؤية أطفالهن يذبحون أمامهن، وقتل أزواجهن بالرصاص. تحدثن عن دفن أحبائهن في الظلام، وترك جثث أطفالهن وراءهن. كما تحدثن عن آلام الاغتصاب، والرحلات الشاقة التي تستغرق يومًا سيرًا على الأقدام إلى بنجلاديش.

الجريمة الاكبر ان هؤلاء النسوة رغم أنهن لا يزلن يعانين من الألم والنزيف والالتهابات بعد أشهر من الهجمات، إلا أن قليلًا من النساء اللواتي قابلتهن الوكالة قد ذهبن للطبيب. فلم يكن لدى الآخرين أية فكرة عن وجود خدمات مجانية، أو كن يخجلن من إخبار الطبيب بتعرضهن للاغتصاب.

يعرج تحقيق اسوشيتد برس على موقف حكومة البلاد ورئيستها الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، (يبدو ان كل الذي يجري من جرائم هو نوع من السلام حسب معايير نوبل، اي عار هذا؟)، ويقول التحقيق ان رئيسة البلاد "أونج سان سو كي"، لم تفشل فقط في إدانة الروايات الأخيرة للاغتصاب، لكنها كذبهتا أيضًا. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016، أصدرت الحكومة بيانًا صحافيًا يكذب تقارير النساء الروهنجيات عن الاعتداءات الجنسية. (وربما اذن تحتاج نوبل استحداث جائزة جديدة تحت عنوان نوبل للمصداقية).

لا يجب تصديق ما تقوله رئيسة ميانمار لانها كذابة اصلا وحصلت عل جائزة نوبل للتضليل، لان جيش بورما يستخدم الاغتصاب كوسيلة لارهاب السكان، واجبارهم على مغادرة البلاد بعد ان جردهم من الجنسية وابقى على ممارسة الجنس كاحد اسلحة الابادة الجماعية ضد اقلية فقيرة مسكينة ذنبها الوحيد انها لم تكن على وفاق مع حلفاء امريكا (حمائم السلام).

ولان الموضوعية الاكاديمية محرمة اصلا في هكذا قضايا، لانها ذبحت من القفا بسكين جائزة نوبل الجائرة ومعاهد السلام التي تبيح بيع الاسلحة لقتل المدنيين في اليمن والصومال وسوريا وليبيا، وجدت من المهم التعليق قليلا واعبر عن مشاعري التي وعدت القاريء بالبوح عنها.

رغم ان التحقيق لم ياتي بجديد غير توثيق للجرائم لان الجميع يعرف ما يحدث في بورما، لكنه اثار التساؤل عن سبب الصمت تجاه القضية، هل للامر علاقة بالبوذيين انفسهم؟ هل الجماعات الاسلامية المتطرفة هي المسبب بهذا نتيجة صراع مع الحكومة؟ لو ان الروهينجيا قد امتلكوا السلاح والقوة الكافية هل تستطيع الحكومة معاملتهم بهذه الطريقة؟ ولو انهم خرجوا على القانون المخزي هل تعرضوا لهذه المجازر؟

اذا غاب القانون وسادت شريعة الغاب اليس من حق المجموعات الصغيرة ان تتخذ طريق الكفاح المسلح وسيلة لتحصيل حقوقها، لا سيما اذا كان القانون الدولي لا ينتصر الا للقوي، والقانون المحلي يستخدم لانتزاع الجنسية المعارضين واغتصاب نسائهم والاستيلاء على ممتلكاتهم.

لا حاجة لانتقاد امريكا حليفة نظام الحكم في بورما، لان الحكومات القادرة (بقوتها الغاشمة) على تبرير اغتصاب عشرة رجال لفتاة قاصر، يستطيعون تبرير كل شيء، ونقول لدعاة السلام وحماة الجنس اللطيف ان غايتكم لا تتحقق الا بتوفير سبيل الحماية للمساكين من الوحوش البشرية التي تجيد فن التلاعب بالانسان وترغم عقله على القناعة بان ما يحدث في بورما هو مشكلة هامشية لا تستحق تغطية اعلامية واسعة، لكن الجهات ذاتها تحشد عشرات الفضائيات الدولية لادانة ما يسمونه "جريمة اقرار قانون الاحوال الشخصية" وهي جريمة لم تحدث الا في اطار النقاش، ونعتقد ان النقاش جزء من حرية التعبير على عكس الاغتصاب.

اضف تعليق