q

ملف حقوق الإنسان في مصر ما يزال محط اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية، حيث أكدت الكثير من التقارير وبالرغم من تصريحات النفي المتكررة تصاعد الانتهاكات والممارسات القمعية، التي تقوم بها السلطات المصرية ضد المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان. حيث اكدت بعض تلك التقارير الحقوقية وكما نقلت بعض المصادر، استمرار التعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز بمصر بصورة منهجية في مناخ يساعد على الإفلات من العقاب، والطرق الأكثر استخدامًا في التعذيب وفقًا للشهادات هي الضرب بآلات وأدوات صلبة والصعق بالكهرباء والتعليق. ويكون المحتجزون أكثر عرضة للتعذيب في أثناء لحظة القبض عليهم، وفي بداية فترة الاحتجاز، وهذا لا ينفي وقوع التعذيب بداخل السجون في أثناء تنفيذ العقوبات، ولا يقتصر التعذيب على فئة بعينها من المساجين سواء كانوا جنائيين أم سياسيين.

هذا الملف ايضا كان سببا في احراج بعض حلفاء مصر ومنهم الولايات المتحدة الامريكية، التي تتعرض لضغوط داخلية وخارجية متواصلة، في سبيل اجبار السلطات المصرية على الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، وهو ما دفع الادارة الامريكية الى اتخاذ قرارات جديدة ضد مصر، ومنها اقتطاع مبالغ معينة من المساعدات الاقتصادية وتعليق نسب أخرى من المساعدات العسكرية بسبب عدم إحراز تقدم في ملف حقوق الإنسان في مصر. وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن المحللين فوجئوا بهذا القرار رغم ما سبقه من اجتماع ودود بين الرئيس ترامب ونظيره المصري في أبريل الماضي أشاد خلاله ترامب برجل الجيش القوي وفق الصحيفة. ومصر ثاني أكبر متلق للمعونة الأميركية بعد إسرائيل، لكن وزارة الخارجية أعلنت أنها بصدد تخفيض جزء من تلك المعونة بسبب حقوق الإنسان المتردية والقانون الجديد الذي يقيد أنشطة المنظمات الأهلية.

وتبلغ قيمة المساعدة الأميركية لمصر التي أقرت بموجب توقيع الأخيرة لاتفاقية كامب ديفيد 1979 التي أنهت حربها مع إسرائيل نحو 1.5 بليون دولار، ثم تحولت إلى صداع موجع عقب 3 يوليو 2013 حينما تم عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، فقد أعلن الرئيس السابق أوباما تعليق معظم هذا المبلغ لإجبار القيادة المصرية الجديدة في ذلك الوقت على التوقف عن انتهاكاتها الحقوقية والسياسية ضد معارضيها. وتلقت مصر خلال الثلاثين عاما الماضية نحو 80 بليون دولار مساعدات عسكرية واقتصادية. ويمثل قرار الاقتطاع والتجميد من المعونة انشقاقا في الإدارة الأميركية ما بين دعم ترامب للسيسي وتحفظات أعضاء في إدارته من بينهم وزير الخارجية تيلرسون وعدد من القانونيين الذين لديهم تحفظات جدية بشأن الملف الحقوقي والإصلاحات الديمقراطية.

جريمة محتملة

وفي هذا الشأن ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن مصر لم تف بالقواعد الأساسية لقانون حقوق الإنسان الدولي "في ظل الاعتقالات التعسفية واسعة النطاق والاختفاء القسري والتعذيب ضد المعارضين الذي أصبح أمرا شائعا منذ عام 2013". وقالت المنظمة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني: "تعتقد هيومن رايتس ووتش أن وباء التعذيب في مصر يشكل على الأرجح جريمة ضد الإنسانية"، وحثت الحكومة والأمم المتحدة على مقاضاة رجال الأمن والمسؤولين الآخرين المتهمين بالتعذيب في محاكمهم بمصر. وأفادت المنظمة بأن "التعذيب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية وعدم العقاب انتشر منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2014".

وفي تقرير يتألف من 63 صفحة بعنوان "نحن نقوم بأشياء غير منطقية هنا: التعذيب والأمن الوطني في مصر السيسي"، عرضت هيومن رايتس ووتش شهادات 19 سجينا سابقا وشهادة أسرة سجين آخر "تعرضوا لأساليب من التعذيب ما بين عامي 2014 و2016 تضمنت الضرب والصعق الكهربائي والاغتصاب". ويقول كريم (18 عاما) وهو طالب جامعي، حسب ما أورد التقرير، إنه تم توقيفه من جانب الأمن بعد مشاركته في تظاهرة وتم اقتياده من قبل ضباط قسم شرطة البدرشين بمحافظة الجيزة إلى غرفة داخل القسم "ليقوموا بتجريده من ملابسه وصعقه كما تم ربط معصميه بالحبال وتعليقه منهما على مسافة من الأرض". وتابع "لقد شعرت بألم في كتفي وكأنهما تعرضا للخلع".

وبحسب التقرير، فان ضباط الشرطة لجأوا بانتظام الى "التعذيب لإجبار المعتقلين على الادلاء باعترافات وكشف معلومات". ويقول التقرير إن جميع من تمت مقابلتهم من السجناء السابقين قالوا "إنهم أخبروا وكلاء النيابة العامة بما تعرضوا له من تعذيب، لكنهم لم يجدوا ما يدل على اتخاذ أي إجراء للتحقيق في مزاعمهم كما يتطلب القانون الدولي". وتابع التقرير إن "شهادات الـ20 (معتقلا) في التقرير لا تمثل سوى بعض حالات التعذيب العديدة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش خلال فترة حكم السيسي من بينها حالات تعذيب أطفال في الاسكندرية بعد اعتقالهم لمشاركتهم في تظاهرات".

وأشارت المنظمة إلى توثيقها تعرض مستشار وزير مالية سابق وشقيقه "للتعذيب بالصواعق الكهربائية ليعترف بانتمائه لجماعة الاخوان المسلمين". وبحسب التقرير فإن "التعذيب المستمر وحصانة هذه الممارسة من العقاب يخلق مناخا لا يرى فيه من تعرضوا للتعذيب أي فرصة لمحاسبة من عذَبوهم". وأوصت المنظمة السيسي بتعيين محقق خاص من خلال وزارة العدل للتحقيق في شكاوى التعذيب ومحاكمة المسؤولين عنها.

كما طالبت المنظمة من الرئيس المصري بإصدار تعليمات لوزارة الداخلية لحظر احتجاز أي شخص داخل مكاتب او منشآت الأمن الوطني وأن يكون الاحتجاز داخل أقسام الشرطة والسجون المسجلة رسميا. وعقب عزل مرسي، شنت الشرطة حملة قمع ضد المعارضة الاسلامية وخصوصا جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها الرئيس السابق. وامتد القمع بعد ذلك ليشمل النشطاء الشباب الليبراليين والعلمانيين الذين اطلقوا ثورة 2011. ومنذ تولي السيسي الحكم في مصر، تندد المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بانتظام بممارسات أجهزة الأمن. وتمّ توقيف 60 ألف شخص على الأقل خلال هذه المدة كما تم إنشاء 19 سجنا جديدا خلال الفترة ذاتها لاستيعاب هذه الاعداد، بحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها في نيويورك.

المساعدات الامريكية

من جانب اخر قالت رويترز إن من وصفتهما بمصدرين مطلعين قدما لها معلومات حصرية تفيد بأن الولايات المتحدة قررت حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى لعدم إحرازها تقدما على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية. وقال المصدران، اللذان طلبا عدم نشر اسميهما، إن القرار يعبر عن رغبة واشنطن في مواصلة التعاون الأمني كما يعكس في الوقت نفسه الإحباط من موقف القاهرة بخصوص الحريات المدنية خاصة قانون الجمعيات الأهلية الجديد. وهو القانون الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه جزء من حملة متزايدة على المعارضة.

وقالت إنه لم يتسن الوصول للمتحدثين باسم البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية للتعليق على هذه الأنباء. وشعر المسؤولون الأمريكيون بالاستياء لسماح الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو/ أيار بدخول قانون الجمعيات الأهلية حيز التنفيذ. وقالت جماعات ونشطاء يدافعون عن حقوق الإنسان إن القانون يحظر عملهم فعليا ويصعب على المنظمات الخيرية العمل. وقال المصدران إن المسؤولين المصريين كانوا قد أكدوا لمسؤولين أمريكيين في وقت سابق هذا العام أن القانون، الذي يقصر نشاط المنظمات الأهلية على العمل التنموي والاجتماعي ويفرض عقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات على المخالفين، لن يتم إقراره.

زيادة الضغوط

على صعيد متصل طالب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور الجمهوري، جون ماكين، الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بـ"الضغط" على مصر فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وذلك في رسالة وجهها إليه. وقال ماكين إن هناك ما لا يقل عن 20 مواطناً أمريكياً في سجون مصر، مطالباً ترامب بأن يناقش ذلك خلال عمله مع الحكومة المصرية. وعاد ماكين ليشدد على "التزام" واشنطن بعلاقتها مع القاهرة، إلا أنه قال إن ذلك يجب أن يقترن بـ"التزام مصري" فيما يتعلق بحقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية.

وأضاف ماكين في الرسالة، التي نشرها نصها على موقعه الرسمي: "على مدى أربعة عقود من التعاون، بُنيت العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر على الأهداف والمصالح المشتركة. وكما تعلمون، فإن مصر حليف مهم للولايات المتحدة وتتعاون (معها) بشكل وثيق في مكافحة الإرهاب ومنع التهريب غير المشروع وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، شهدنا على مدى السنوات القليلة الماضية بعض الاتجاهات المثيرة للقلق في مصر، بما في ذلك احتجاز عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، وقمع المنظمات الإعلامية والمجتمع المدني، والتصديق على التشريعات التي تفرض أنظمة صارمة على المنظمات غير الحكومية. وتثير هذه الإجراءات مخاوف كبيرة بشأن مستقبل التحول الديمقراطي في مصر واستعداد الرئيس عبدالفتاح السيسي لضمان احترام حقوق جميع المصريين." بحسب CNN.

وتابع ماكين: "وشجعتني رؤية تقارير إعلامية تفيد بأن إدارتكم منعت عن مصر مبلغ 96 مليون دولار من المساعدات، وأخرت مبلغ 195 مليون دولار من التمويل العسكري بسبب المخاوف بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان. أحد العناصر الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية لطالما كان دعم حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والمجتمع المدني ويجب أن يظل كذلك. ومن الواضح أن مصر لم تلب المعايير الديمقراطية التي حددها الكونغرس وظروف حقوق الإنسان للمساعدات الأمريكية، والحد من التمويل مهم لضمان أن تظل حكومة مصر ملتزمة بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان والإصلاح السياسي."

اضف تعليق