q
إنسانيات - حقوق

انقلاب ثاني في تركيا

معارضو اردوغان بين حملات التطهير وغياب القضاء المستقل

في ظل حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اصبح اليوم يتمتع بصلاحيات جديدة حصل عليها عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية ماتزال تركيا وكما نقلت بعض المصادر، تعيش حالة ضبابية ومشهد عام من الاعتقالات والتضييق على الحريات تفاقمت حدتها بعد محاولة الانقلاب العسكري، التي عدها البعض مسرحية متقنة من أردوغان للتخلص من الخصوم وبناء نظام رئاسي جديد في البلاد، وعقب محاولات الانقلاب الفاشل، كثف النظام التركي ما أسماه عمليات التطهير، وأقال آلاف من الموظفين ورجال الشرطة والقضاء، كما عمد الى اغلاق ومصادرة الكثير من المؤسسات التعلمية والاعلامية، بتهمة إرتباطها بالداعية فتح الله غولن.

وتقول منظمات حقوقية ومعارضون للحكومة منهم أعضاء في حزب الشعب الجمهوري إن تركيا تنزلق إلى حكم استبدادي مستشهدين بحملة صارمة أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي وشهدت سجن أكثر من 50 ألف شخص وإقالة نحو 150 ألفا آخرين أو وقفهم عن العمل. ويرى بعض المراقبين ان مثل هكذا تصرفات ستدخل البلاد في دوامة من العنف وعدم الاستقرار، خصوصا وانها تعيش في محيط غير مستقر، كما ان الحكومة دخلت في حرب مع الكثير من الجهات داخل وخارج تركيا.

وفي هذا الشأن خرج عدة آلاف في مسيرة في تركيا احتجاجا على الحكم بسجن نائب برلماني معارض 25 عاما لإدانته بالتجسس. وقضت محكمة بسجن النائب أنيس بربر أوغلو الذي ينتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض بعدما أمد صحيفة معارضة بمقطع فيديو يزعم أنه يظهر جهاز المخابرات التركي وهو يرسل أسلحة إلى سوريا.

وبربر أوغلو هو أول نائب من حزب الشعب الجمهوري المعارض يحكم عليه بالسجن منذ بدء حملة الحكومة التي أعقبت الانقلاب الفاشل العام الماضي. ووصف كمال قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري قرار المحكمة بأنه غير قانوني وله دوافع سياسية. وتظاهرت حشود وكان البعض يحمل لافتات كتب عليها "العدالة" والبعض يحمل أعلام تركيا مع بدء مسيرة لمسافة 425 كيلومترا من العاصمة أنقرة إلى سجن اسطنبول المحتجز به بربر أوغلو.

وخرج زعيم الحزب البالغ من العمر 68 عاما مرتديا قميصا أبيض وهو يلوح لمؤيديه ليبدأ الرحلة التي قال مسؤولون بالحزب إنها قد تستغرق 20 يوما على الأقل. وقال كاليجدار أوغلو إن اعتقال النائب غير قانوني ومدفوع من القصر الرئاسي في إشارة إلى الرئيس رجب طيب إردوغان. وقال "مسيرتنا ستستمر حتى يسود العدل في هذا البلد". وتجمعت حشود في ساحة بالعاصمة لوداعه وللاحتجاج على سجن بربر أوغلو.

وقالت نوران وهي معلمة متقاعدة مشاركة في المسيرة "إردوغان يلوح متوعدا أي شخص يعارضه". وأضافت "الهدف من الاعتقال هو توجيه رسالة لكننا لسنا خائفين. سنظل نقاوم حتى يسجنوننا جميعا". ورفع كثيرون لافتات ولوحوا بأعلام تركية وحملوا صور كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.

وفرضت الشرطة إجراءات أمن مشددة عند الموقع وأقامت حواجز أمنية وأغلقت شوارع قريبة ونفذت عمليات تفتيش مع فريق الكشف عن المفرقعات. واصطفت عربات شرطة مدرعة مزودة بمدافع مياه في مكان قريب. ويقول حزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد إن 11 من مشرعيه سجنوا في اتهامات تتعلق بالإرهاب منذ العام الماضي منهم زعيما الحزب. واستأنف محامي بربر أوغلو الحكم وطلب الإفراج الفوري عنه لكن المحكمة في اسطنبول رفضت الطلب. بحسب رويترز.

واتهم بربر أوغلو بإمداد صحيفة جمهوريت بتسجيل فيديو استخدمته كأساس لتقرير نشرته في مايو أيار عام 2015 يزعم أن شاحنات مملوكة للمخابرات التركية كانت تحمل سلاحا وذخيرة وتتجه إلى سوريا عندما جرى توقيفها وتفتيشها في جنوب تركيا في أوائل عام 2014. ونفت الحكومة اتهامات بأن الأسلحة كانت في طريقها إلى معارضين سوريين قائلة إن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إنسانية. وأقر إردغان بعد ذلك بأن الشاحنات تابعة للمخابرات وقال إنها كانت تحمل مساعدات للتركمان الذين يقاتلون الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم داعش. واتهم أردوغان كلا من جان دوندار رئيس تحرير صحيفة جمهويت وارديم جول مدير مكتب الصحيفة في أنقرة بتقويض سمعة تركيا وتوعد دوندار بأنه "سيدفع الثمن غاليا".

انقلاب ثاني

من جانب اخر اتهم زعيم أبرز أحزاب المعارضة التركية الرئيس رجب طيب أردوغان بتنفيذ "انقلاب ثان" من خلال المداهمات التي تلت انقلاب تموز/يوليو الفاشل، في الوقت الذي يتابع فيه ضغوطاته بالمضي في مسيرة احتجاجية من أنقرة الى اسطنبول. وفي أكبر تحد له بوجه السلطة حتى الآن، يسير زعيم ثاني أكبر حزب في تركيا في مسيرة احتجاجية الى السجن الذي يقبع فيه بربر أوغلو في منطقة مالتبة في اسطنبول، وهو دعا مناصريه للانضمام اليه. وقال كيليتشدار أوغلو ان "الانقلاب الثاني" جاء عندما أعلن أردوغان حالة طوارئ في 20 تموز/يوليو شهدت منذ ذلك الحين اعتقال 50 ألف شخص وفقدان أكثر من 100 ألف لوظائفهم.

وأضاف كيليتشدار أوغلو "ان نتائج (15 تموز/يوليو) استخدمت لتنفيذ الانقلاب الثاني في 20 تموز/يوليو". ومنذ اعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وتجديدها ثلاث مرات، زاد من القلق حول وضع حقوق الانسان في هذا البلد. وقال الزعيم المعارض ان المسيرة تعتبر تحديا للاجحاف، وهي مطلوبة "لغياب القضاء المستقل". واضاف "القضاة في أغلب الأحيان ينتظرون التعليمات من أردوغان، وهم يصدرون القرارات بالاستناد الى هذه التعليمات"، فيما رفع أنصاره لافتات تحمل كلمة واحدة "العدالة". بحسب فرانس برس.

وغالبا ما تنقض قوات الأمن على التظاهرات في أنقرة واسطنبول، لكن لم يتم التعرض لمسيرة كيليتشدار أوغلو حتى الآن، ولو ان الحراسة الأمنية المرافقة لها تعد مشددة. وقال كيليتشدار اوغلو انه لا يعتقد ان لدى الحكومة "الجرأة" لايقاف المسيرة او اعتقاله "لأن المسيرة قانونية". لكنه حذر "اذا حدثت توقيفات او اعتقالات، فسوف يكون لذلك نتائج وخيمة". وانتقد رئيس الوزراء بن علي يلديريم مسيرة كيليتشدار وقال ان العدالة "لا يمكن العثور عليها في الشارع"، وانه "يجب احترام قرارات المحاكم حتى لو لم تعجبنا". وترتبط قضية بربر أوغلو التي كانت الشرارة المسببة للمسيرة بنشر صجيفة جمهورييت عام 2015 صورا وفيديو تظهر الاستخبارات التركية وهي تسعى الى نقل اسلحة عبر الحدود الى سوريا.

وقال رئيس الوزراء بن علي يلدريم للصحفيين "أنصح قليجدار أوغلو بأن يكف عن هذا التصرف، لا يمكن السعي لتحقيق العدالة في الشوارع. تركيا بلد قانون...حتى وإن لم يعجبنا حكم محكمة ينبغي لنا أن نحترمه". وأدانت محكمة النائب بربر أوغلو بتقديم تسجيل فيديو لصحيفة جمهوريت استخدمته كأساس لتقرير في مايو أيار 2015 زعم أن السلطات أوقفت شاحنات مملوكة للمخابرات التركية وعثرت بداخلها على أسلحة وذخيرة متجهة إلى سوريا.

اعتقالات مستمرة

على صعيد متصل قالت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء إن السلطات التركية أصدرت أوامر باعتقال 189 محاميا في إطار تحقيق بشأن أتباع رجل دين متهم بتدبير محاولة انقلاب فاشلة في يوليو تموز الماضي. وأقلق اتساع نطاق حملة تطهير، شملت كذلك إغلاق أكثر من 130 منفذا إعلاميا وسجن نحو 150 صحفيا، الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان والحلفاء الغربيين الذين يخشون أن يكون الرئيس رجب طيب إردوغان يستغل محاولة الانقلاب الفاشلة كذريعة لتكميم أفواه معارضيه.

وقالت الوكالة إن شرطة مكافحة الإرهاب تسعى للقبض على المحامين المشتبه فيهم في ثمانية أقاليم منها اسطنبول فيما يتصل بمزاعم عن صلاتهم برجل الدين فتح الله كولن. وينفي كولن أي صلة له بمحاولة الانقلاب. واعتقلت الشرطة حتى الآن 78 محاميا يعتقد أن بعضهم من مستخدمي تطبيق بايلوك المشفر لتبادل الرسائل الذي تقول الحكومة إن أتباع كولن يستخدمونه. ويقول إردوغان إن الحملة ضرورية بسبب خطورة محاولة الانقلاب التي قتل فيها 240 شخصا.

الى جانب ذلك قالت محكمة جرائم حرب تابعة للأمم المتحدة في لاهاي بهولندا إن تركيا حكمت بالسجن على قاض بالمحكمة لمدة سبع سنوات وستة أشهر بتهمة الانضمام إلى "تنظيم إرهابي". والقاضي ايدين سيداف أكاي محتجز منذ سبتمبر أيلول ضمن عشرات الألوف من المسؤولين الأتراك الذين اعتقلوا في حملة أمنية على أفراد ومؤسسات بعد انقلاب فاشل.

وقالت المحكمة في بيان إن ما تقوم به تركيا ينتهك القانون الدولي وإن أكاي يتمتع بحصانة دبلوماسية. وأكاي قاض في آلية المحاكم الجنائية الدولية وهي محكمة تأسست في لاهاي للنظر في الاستئنافات النهائية والقضايا المتبقية من محاكمات في جرائم حرب في يوغوسلافيا ورواندا. ووقت اعتقاله كان أكاي عضوا في لجنة تشكلت لتحديد ما إذا كانت أدلة جديدة قد أظهرت أن الرواندي أوجاستين نجيراباتوير أدين بدون وجه حق بالتورط في مذبحة وحكم عليه بالسجن 35 عاما. بحسب رويترز.

وأفاد بيان للمحكمة بأن أكاي أدين بالانتماء إلى شبكة رجل الدين فتح الله كولن التي تقول تركيا إنها كانت وراء تدبير محاولة الانقلاب وتصفها بأنها منظمة إرهابية. وقال تيودور ميرون رئيس المحكمة "اعتقال أكاي والإجراءات القانونية المتخذة ضده لا تتمشى مع تأكيد حصانته الدبلوماسية من الأمم المتحدة والأمر القضائي الملزم (بالإفراج عنه) .. الصادر في يناير (كانون الثاني) 2017". وفي مارس آذار شكا ميرون تركيا في مجلس الأمن بسبب ذلك.

من جانب اخر قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات التركية أمرت بحبس رئيس فرع تركيا التابع للمنظمة في انتظار محاكمته بسبب اتهامات "بعضوية منظمة إرهابية" وجهت له في إطار حملة تلت محاولة انقلاب فاشلة في يوليو تموز الماضي. واعتقلت الشرطة تانر كيليج و22 محاميا آخر في إقليم إزمير على بحر إيجة للاشتباه في صلاتهم بحركة رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تقول أنقرة إنه وراء محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي.

وقالت العفو الدولية في بيان "قرار الادعاء التركي توجيه اتهامات لتانر كيليج... بأنه ’عضو في منظمة إرهابية’ سخرية من العدالة ويوضح الأثر المدمر لحملة القمع التي تشنها السلطات التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو من العام الماضي". وأضافت أنه متهم باستخدام تطبيق بايلوك للرسائل المشفرة الذي تقول الحكومة إن أتباع كولن يستخدمونه لكنها أشارت إلى أنه نفى استخدام التطبيق في شهادته. وقال سليل شتي الأمين العام للعفو الدولية إن الاتهامات لا أساس لها ولا تشير إلى فعل إجرامي في حين تتجاهل الاعتقالات حقوق الإنسان وتعتبر محاولة لإسكات كل من يدافع عنها.

سحب الجنسية

في السياق ذاته أعلنت وزارة الداخلية التركية إنها ستسحب الجنسية من 130 شخصا يشتبه بصلاتهم بحركات مسلحة بينهم الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن إلا إذا عادوا إلى البلاد في غضون ثلاثة أشهر. وأوردت وزارة الداخلية على لائحة "الهاربين من العدالة" كولن الذي تتهمه الحكومة بالتدبير للانقلاب الفاشل في يوليو تموز الماضي والنائبين عن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد فيصل ساري يلدز وطوبى هزير والنائب السابق عن الحزب عينه أوزدال أوجير.

ونفى كولن، الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999، ضلوعه في الانقلاب وأدانه. وقالت الوزارة إنه سيتم إسقاط الجنسية التركية عن الموجودين على اللائحة إلا إذا عادوا إلى البلاد ضمن الفترة الزمنية المحددة وسلموا أنفسهم "للسلطات المختصة". وبعد إعلان الوزارة قال نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة إن مجلس الوزراء سيتخذ قرارا نهائيا بشأن الأشخاص الذين ستسحب منهم الجنسية من "الهاربين". بحسب رويترز.

وردا على سؤال عما إذا كان سحب الجنسية سيعني استبعاد تسليمهم إلى تركيا حيث إنهم لن يكونوا حينئذ مواطنين أتراكا قال قورتولموش إن الحكومة ستضع هذه النقطة في الاعتبار عندما تتخذ قرارها. وسجنت السلطات التركية أكثر من 12 نائبا عن حزب الشعوب الديمقراطي على خلفية تهم يستند معظمها إلى الاشتباه بصلات بينهم وبين حزب العمال الكردستاني المحظور. وينفي حزب الشعوب الديمقراطي وجود علاقات مباشرة بحزب العمال الكردستاني الذي تدرجه الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي على لوائح المنظمات الإرهابية.

اضف تعليق