q

عند الحديث عن ملف المهاجرين في ليبيا نجده ملف شائك ومعقد ويحمل الكثير من الانتهاكات الحقوقية، خاصة ان ليبيا هي الممر الوحيد المتاح إلى أوروبا بالنسبة للمهاجرين من غرب أفريقيا بعد أن أغلقت ممرات أخرى عبر جزر الكناري والجزائر والمغرب بسبب زيادة دوريات المراقبة في الأعوام الأخيرة.

كما اعتبر ان مشكلة الهجرة السرية واردة خصوصا من الجنوب الليبي حيث الحدود "مفتوحة على مصراعيها" امام المهاجرين. فقد تفاقمت المشكلة بعد سقوط نظام القذافي عام 2011 واستغلال المهربين الفوضى التي سادت البلاد لنقل عشرات الالاف من المهاجرين سنويا باتجاه ايطاليا، التي تبعد 300 كلم عن السواحل الليبية.

بعد ست سنوات على الإطاحة بمعمر القذافي تنزلق ليبيا فيما يبدو نحو مزيد من الفوضى. ويقوم المهربون بتحميل أعداد كبيرة من المهاجرين في قوارب غير آمنة فقد خاض كثيرون رحلات استغرقت أعواما أخذتهم عبر الصحراء الكبرى إلى ليبيا حيث غالبا ما يقعون في أيدي عصابات إجرامية تحتجزهم وتبتزهم وتسيء معاملتهم وتبيعهم وتشتريهم. ويركب المحظوظون منهم قوارب وتنقذهم سفن أوروبية.

181 الف مهاجر دخل الى أوربا عبر السواحل الإيطالية انطلق 90% منهم من ليبيا في العام الماضي، ازدادت اعداد المهاجرين في هذا الى العام الى حوالي 30% عن العام الماضي وقالت وكالة الأمم المتحدة للهجرة إنه جرى الإبلاغ عن هلاك أو فقد أكثر من ألف مهاجر في البحر المتوسط هذا العام في حين لقي عدد غير محدد حتفه في الصحراء. نتيجة الظروف الصعبة التي تواجههم في رحلة الموت.

بحسب مسؤولون في جهاز مكافحة الهجرة في ليبيا ان هنالك ما يقارب بين 7000 الى 8000 مهاجر موقوفون في حوالى 20 مركزا في ليبيا. لذا يرى المختصون في شؤون الهجرة ان ليبيا تحتاج الى مساعدات لوجستية لكي تستطيع ان تتغلب على هذه الازمة عليه طالبت الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس المزيد من السلطات للتصدي لتهريب البشر.

من اجل ذلك قامت إيطاليا والاتحاد الأوروبي بإمداد خفر السواحل بالسلاح والتدريب للقيام بدوريات في هذه المياه وإعادة قوارب المهاجرين. ووقعت إيطاليا اتفاقا مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والتي تدعمها الأمم المتحدة في فبراير شباط تشمل أيضا تعهدات بالتدريب وتوفير معدات وأموال لمكافحة مهربي البشر وهو اتفاق وافق عليه الاتحاد الأوروبي وألمانيا بشكل مبدئي.

لكن جماعات إنسانية تشكك في هذه الإستراتيجة قائلة إن المهاجرين الذين يجري إعادتهم يوضعون في مراكز احتجاز تسيطر عليها حكومة طرابلس حيث يمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمى وفي ظروف مروعة لا يحصلون فيها على طعام أو رعاية طبية تذكر. واكد هذه الادعاءات شهود عيان من المهاجرين الذين تحدثوا عن تعرضهم للاحتجاز التعسفي والاستعباد والضرب في ليبيا.

بسبب ذلك عبرت المحكمة الجنائية الدولية عن قلقها بشأن الاحتجاز غير الإنساني لآلاف المهاجرين في ليبيا وقالت إنها تبحث في إمكان فتح تحقيق في ارتكاب جرائم ضدهم.

جرائم ضد المهاجرين

في نفس الموضوع تقول المنظمة الدولية للهجرة إن 20 ألف مهاجر تحتجزهم عصابات إجرامية في مراكز احتجاز غير قانونية في ليبيا وإن أعدادا متنامية من المهاجرين يجري بيعهم فيما يصفونها بأسواق العبيد قبل أن تحتجزهم العصابات طلبا للفدى أو العمالة القسرية أو الاستغلال الجنسي. وفق رويترز.

وأبلغت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا مجلس الأمن أن مكتبها يجمع ويحلل معلومات "متعلقة بجرائم خطيرة وواسعة النطاق تثور مزاعم عن ارتكابها ضد مهاجرين يحاولون عبور ليبيا". وقالت "انتهز هذه الفرصة أمام المجلس لكي أعلن أن مكتبي يدرس بعناية إمكان فتح تحقيق في جرائم متعلقة بالمهاجرين في ليبيا إذا جرى تلبية المتطلبات القضائية".

مهاجر غير شرعي

من جهته قال عيسى إبراهيم (28 عاما) من منطقة دارفور السودانية "اعتقلتنا الشرطة ... وضعونا في مكان ... ليومين أو ثلاثة دون أكل أو شرب.. وضربونا". وكان إبراهيم ضمن نحو 600 شخص على متن سفينة الإنقاذ أكويريوس التي تديرها منظمتا (إس.أو.إس ميديتريني) و(أطباء بلا حدود) والتي تتجه حاليا إلى ميناء إيطالي. وفق رويترز.

وقضى جون أوسيفو (29) وهو من نيجيريا 11 شهرا في ليبيا. وقال إنه لم يكن يخطط للذهاب إلى أوروبا لكن بعدما عمل لبضعة أشهر في مغسلة للسيارات مزق رجل ليبي جواز سفره وتصريح عمله وهو ما جعله مهاجرا غير شرعي. وأضاف أنه أجبر على القيام بأعمال شاقة.

السود عبيد

وقال أحد المهاجرين من نيجيريا إن الناس في ليبيا "يعتقدون أن السود عبيد. هكذا يطلقون علينا. عندما يريدون ضربنا .. يضربونا بالمواسير" كاشفا عن أثر جرح في كفه اليسرى. وأضاف بينما كان طاقم أكويريوس يقدمون الشاي والخبز للمهاجرين "كانوا يأخذوننا إلى العمل.. ويجبروننا على أعمال شاقة دون أجر... في بعض الأحيان كانوا يأخذوننا إلى سجن ويحتجزوننا ويضربوننا فيه". وفق رويترز.

تزايد اعداد الوافدين

حيث اكدت المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من 45 ألف شخص وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر من شمال أفريقيا هذا العام بزيادة أكثر من 40 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2016. ولقي أكثر من 1200 شخص حتفهم غرقا وهم في الطريق إلى أوروبا. ومع تزايد أعداد الوافدين تتصاعد دعوات بالتدخل في الدول الأفريقية التي يأتي منها أغلب المهاجرين ويحاولون عبور البحر للوصول إلى أوروبا. وفق رويترز.

وقال مصدر في وزارة الداخلية الإيطالية إن إيطاليا وألمانيا أرسلتا خطابا مشتركا في 11 مايو أيار للاتحاد الأوروبي لطلب إرسال بعثة للحدود الجنوبية لليبيا التي يعبرها كثير من المهاجرين في طريقهم شمالا إلى السواحل. وأضاف المصدر أن وزيري الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي والألماني توماس دي مايتسيره طالبا في الخطاب بالتزام أكبر من جانب الاتحاد الأوروبي للمساعدة في ضبط حدود طولها نحو خمسة آلاف كيلومتر لطالما واجهت ليبيا صعوبات في السيطرة عليها.

افتتاح مركز جديد

من اجل ذلك أعلن مسؤول في جهاز مكافحة الهجرة السرية في ليبيا لوكالة فرانس برس ان ما بين 7000 الى 8000 مهاجر موقوفون في حوالى 20 مركزا في ليبيا. وادلى المسؤول مدير مكتب المراسم في الجهاز عبد الرزاق الشنيتي بتصريحاته بمناسبة افتتاح مركز حجز جديد في تاجوراء في الضاحية الشرقية لطرابلس، ما يرفع الى 23 عدد المراكز المماثلة العاملة، حسب قوله.

وفي المركز الجديد 130 مهاجرا افريقيا شابا أوقفوا في مستودع في تاجوراء حيث كان المهربون يجمعونهم بانتظار محاولة عبور البحر الابيض المتوسط، بحسب مسؤول في المركز. وأضاف ان المهاجرين يتم ترحيلهم دوريا الى بلدانهم بالتنسيق مع ممثلي سفاراتهم والمنظمة الدولية للهجرة التي "تتكفل بتقديم المساعدات الى المهاجرين في مراكز الحجز".

مساعدة لوجيستية

في نفس السياق قال عبد السلام كاجمان نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي في الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس إن حكومته على استعداد لتشكيل وحدة جديدة من الحرس لتنفيذ دوريات على الحدود الجنوبية للبلاد التي تتسم بالفوضى لكنه أضاف أن ذلك لن يكون ممكنا إلا إذا ساعدت دول أخرى في تنفيذه. وفق رويترز.

وقال كاجمان لصحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية إن مشكلة الهجرة لن تحل إلا إذا تم التوصل لحلول لمشكلات الجنوب الليبي. وأضاف أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في المنطقة تدفع الكثير من الشبان للعمل لصالح المهربين وأشار إلى أن إيطاليا أبدت استعدادها لتدريب قوة الحرس الجديدة. وقال إن ليبيا تحتاج بالأساس إلى مساعدة لوجستية وإدارية وأضاف أن تركيا تبرعت بعشرين طنا من الأدوية لكن يتعين نقل الكمية الآن إلى الجنوب الليبي لتوزيعها.

معسكرات اعتقال

أيضا قال وزير الخارجية الألماني إن اتفاقا بين إيطاليا وليبيا لاحتجاز المهاجرين في مخيمات في البلد الواقع بشمال أفريقيا يتجاهل "الأوضاع الكارثية" في ليبيا ولن يؤدي للسيطرة على الهجرة. وقال زيجمار جابرييل الذي يشغل أيضا منصب نائب المستشارة الألمانية للصحفيين "المخيمات الموجودة على الأرض تظهر بالفعل الأوضاع المروعة والكارثية. فكرة إقامة مخيمات... تتجاهل تماما أحوال الناس". وفق رويترز.

وقال البابا فرنسيس إن مراكز الاحتجاز أصبحت "معسكرات اعتقال". وقال جابرييل الذي تحدث في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد اجتماع مع مسؤولين من الاتحاد الأفريقي إن ألمانيا والاتحاد الأوروبي يفضلان مساعدة الدول الضعيفة في التصدي لانعدام الاستقرار عند التعامل مع الهجرة القادمة من أفريقيا لكنه أضاف أن هذا سوف يستغرق وقتا.

ثقب اسود

في تفس الشأن قالت المنظمة الدولية للهجرة إن قرابة 300 ألف مهاجر عبروا الصحراء من النيجر إلى ليبيا بين فبراير شباط وديسمبر كانون الأول العام الماضي انتهى الحال بمعظمهم في سبها. وقال جوزيبي لوبريتي مدير مكتب المنظمة في النيجر لرويترز "المهاجرون يغادرون النيجر إلى ثقب أسود". وفق رويترز.

وضمن برنامج تموله دول أوروبية بشكل أساسي تهدف المنظمة الدولية للهجرة لنقل ما يصل إلى عشرة آلاف مهاجر إلى مواطنهم من ليبيا هذا العام. وتقول إن خطة الترحيل الطوعية تهدف إلى إيجاد طريق للخروج لمن تقطعت بهم السبل في ليبيا دون مال أو عمل أو وسيلة للانتقال.

سوء التغذية

من جانبها قالت منظمة أطباء بلا حدود، وهي واحدة من قليل من منظمات الإغاثة التي تدخل المخيمات التي تسيطر عليها الحكومة، في بيان إنها رصدت سوء تغذية بين البالغين وزحاما شديدا وإصابات مرتبطة بالعنف وغيابا لوسائل الصحة العامة الأساسية. حسب رويترز.

وقالت المنظمة "خلال الشهور الثلاثة الأولى من 2017 لوحظ عدم انتظام امدادات الأغذية في مركزي احتجاز حيث يقضي المحتجزون أياما دون أي طعام. "نتيجة لذلك تعالج أطباء بلا حدود بالغين يعانون سوء التغذية". وبعدما اعترض خفر السواحل الليبي قرابة 600 مهاجر قالت السفارة الإيطالية في طرابلس على تويتر "هذا هو السبيل الصحيح للمضي قدما".

قوارب متهالكة

جرى انتشال نحو 2300 مهاجر من 22 قاربا خشبيا ومطاطيا في البحر المتوسط وهلك الكثيرون منهم عندما أبلغهم عمال إنقاذ أن رحلتهم الطويلة إلى أوروبا أوشكت على الانتهاء. وعند مرحلة ما أمكن رؤية عشرة قوارب مهاجرين تطفو في الأفق خارج المياه الإقليمية الليبية.

وحلقت طائرات مراقبة في السماء فيما أضرم خفر السواحل الليبي النار في قوارب المهاجرين بمجرد انتشال الركاب منها لمنع المهربين من استعادتها وإعادة استخدامها.

ومن السفينة أكواريوس التي تديرها منظمتا (إس.أو.إس ميديترينيان) و(أطباء بلا حدود) انطلق زورقان لانتشال المهاجرين من القوارب المطاطية المكتظة ونقلهم، ما بين 18 و20 في المرة الواحدة، إلى السفينة. وجرى إبلاغ كل مجموعة إما بالإنجليزية أو الفرنسية "خلال أيام قليلة ستكونون في إيطاليا.. في أوروبا. ليبيا انتهت" لتقابل هذه الكلمات بالتصفيق والتهليل من أولئك الذين لم تصبهم الرحلة بالإرهاق أو المرض أو الصدمة.

مكافحة تهريب البشر

هذا وقد اتفق الاتحاد الأوروبي وإيطاليا في فبراير شباط على تقديم ملايين اليورو للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس لمساعدتها في مكافحة تهريب البشر ولتشغيل مراكز للمهاجرين تديرها منظمات الأمم المتحدة. سلمت إيطاليا خفر السواحل الليبي أربعة زوارق دورية جرى تجديدها بهدف تعزيز جهود ليبيا لمنع تهريب البشر غير أن هذا الدعم أثار قلق منظمات إنسانية تدير سفنا للإنقاذ قرب الساحل الليبي. وفق رويترز

لكن قدرات خفر السواحل الخاضع لطرابلس تزداد. وتخشى منظمات إنسانية أن يغذي هذا أنشطة التهريب المربحة نظرا لأنه سيتم اعتراض سبيل المهاجرين وإعادتهم إلى ليبيا حيث سيجري احتجازهم في مراكز بائسة تسيطر عليها الحكومة ثم سيحاولون في وقت لاحق العبور مجددا.

سلامة المهاجرين

لكن مسؤولين ليبيين يقولون إنهم بحاجة لعتاد أكثر بكثير بخلاف الزوارق التي تسلمها لهم إيطاليا والتي ليس من بينها أي قطع جديدة. وحشر مهربون مئات الآلاف من المهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا في زوارق غير آمنة خلال السنوات الأربع الماضية ولقي الآلاف حتفهم خلال تلك الرحلات. وفق رويترز.

وتقول منظمات إنسانية إن خفر السواحل الليبي عرض أطقم الإنقاذ والمهاجرين للخطر في عدة مرات. ولا تخشى تلك المنظمات على سلامة أفرادها فقط وإنما أيضا على سلامة المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا. ويتم نقل المهاجرين الذين يتم إنقاذهم إلى إيطاليا لأن ليبيا لا تعتبر مأوى آمنا. لكن تعزيز قدرات حرس السواحل الليبي يعني أنه سيتم إعادة مزيد من اللاجئين والمهاجرين إلى البلد الذي يفتقر للقانون.

اضف تعليق