q

دفعت الصراعات والحروب والأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة في العديد من الدول، الملايين من البشر الى الهروب من هذا الواقع المرير والبحث عن حياة أفضل، من خلال اختار طريق الهجرة غير الشرعية للوصول إلى أوروبا عن طريق البحر او الصحراء، هذه الرحلة المميتة نحو المجهول والتي أودت بحياة الكثير من الناس، كانت وماتزال محط اهتمام واسع خصوصا مع ازدياد المهاجرين وارتفاع أعداد الضحايا، الذين أصبحوا ايضاً رهينة بيد عصابات التهريب و سماسرة الموت، يضاف الى ذلك معاناتهم في مراكز الاحتجاز والإجراءات والقوانين المتشددة التي أقرتها بعض الدول للحد من ظاهرة الهجرة.

فقد ذكرت المنظمة الدولية للهجرة، أن حصيلة القتلى بين المهاجرين ارتفعت بشكل حاد العام الماضي، لاسيما في منطقة البحر المتوسط، وذلك مع تزايد محاولات المهربين نقل طالبي اللجوء واللاجئين على سفن غير صالحة للإبحار. ووثقت المنظمة في التقرير، وفاة 7763 حالة بين المهاجرين في عام 2016 بجميع أنحاء العالم، بزيادة 27 في المائة بعد تسجيل 6107 حالة وفاة في 2015.

وأوضحت المنظمة أن ثلثي الوفيات وقعت في البحر المتوسط، حيث فقد 5098 شخصا حياتهم خلال محاولة القيام برحلة من شمال إفريقيا وتركيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. وارتفع عدد ضحايا المهاجرين في البحر المتوسط العام الماضي بنسبة 35 في المائة مقارنة بما كان عليه الوضع عام 2015، رغم جهود الإنقاذ الأكثر تنظيما ومحاولة عدد أقل من الأشخاص خوض الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

كما كشفت المنظمة عن وجود "أسواق عبيد" حقيقية في ليبيا، حيث يباع المهاجرون الأفارقة فيها بما بين 200 و500 دولار قبل أن يُحتجَزوا مقابل فدية ويُكرَهوا على العمل من دون أجر أو يتم استغلالهم جنسيًا. وقال عثمان بلبيسي رئيس مهمة منظمة الهجرة في ليبيا (وكالة تابعة للأمم المتحدة)، في أثناء زيارة لجنيف "تذهب إلى السوق حيث يمكنك دفع ما بين 200 و500 دولار للحصول على مهاجر" واستغلاله "في أعمالك"، حسب صحيفة ذي غارديان البريطانية، وأضاف "وبعد أن تشتريه تصبح مسؤولاً عن هذا الشخص، بعضهم يهرب وآخرين يبقون قيد الاستعباد".

مصرع الآلاف

وفي هذا الشأن لقي اكثر من خمسة آلاف مهاجر حتفهم منذ بداية 2016 لدى محاولتهم عبور البحر الابيض المتوسط، بحسب ما اعلنت الجمعة الامم المتحدة. وقال ويليام سبيندلر المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين في لقاء اعلامي "ان هذه المآسي الاخيرة ترفع عدد الوفيات الى اكثر من خمسة آلاف هذا العام" مقابل 3771 في 2015.

وهي اكبر حصيلة تسجل رغم تراجع كبير في عدد من عبروا البحر المتوسط في 2016 (نحو 360 الفا بحسب المنظمة الدولية للهجرة) مقارنة مع 2015 (اكثر من مليون)، بحسب الامم المتحدة. واوضح المتحدث انه هناك اسباب متعددة لارتفاع الوفيات التي "يبدو انها على صلة باستخدام المهربين مراكب اقل جودة، وتقلبات الطقس، والتكتيكات المتبعة من المهربين لتفادي رصدهم من السلطات". واشار مثلا الى ان ارسال المهربين عددا كبيرا من المراكب في وقت واحد يعقد عمل المنقذين. كما ان الفوضى السياسية والامنية في ليبيا تؤدي الى ارتفاع عدد المغادرين سرا باتجاه اوروبا حتى عندما تكون الاحوال الجوية سيئة. وناشدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدول فتح المزيد من مسارات الهجرة الشرعية أمام اللاجئين.

على صعيد متصل قالت وكالة دوجان التركية للأنباء إن قاربا مطاطيا يحمل 22 مهاجرا غرق قبالة مدينة كوشاداسي ببحر إيجه مما أدى إلى مقتل 11 شخصا وفقد أربعة. وقالت الوكالة إن لقطات تلفزيونية أظهرت جثثا جرفتها المياه إلى شاطئ قرب المدينة مضيفة أن طواقم الإنقاذ استطاعت إنقاذ سبعة أشخاص بينما يبحث خفر السواحل عن أي ناجين آخرين. وأسهم اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية في خفض تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر الجزر اليونانية لكن لا يزال البعض يقدم على الرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر بحر إيجه.

من جانب اخر قالت وكالة إغاثة إنها انتشلت خمس جثث لمهاجرين من البحر قبالة الساحل الليبي بعد أن غرق قاربان كانا يحملان على الأرجح مئات المهاجرين ليلاقوا حتفهم. وقالت وكالة (بروأكتيفا أوبن آرمز)، وهي إحدى وكالات الإغاثة العديدة التي تعمل في المنطقة، إنها تلقت بلاغا عن أن قاربا مطاطيا يتعرض للغرق وعثرت على آخر يغرق بعدها بقليل.

وقالت الوكالة على فيسبوك "انتشلنا خمس جثث من البحر ولا ناجين. إنها حقيقة مرة أن نرى المعاناة هنا التي لا تُرى في أوروبا." وقالت لورا لانوزا المتحدثة باسم بروأكتيفا إن هناك على الأرجح أكثر من مئة مهاجر في كل قارب بالنظر إلى حجمهما وإلى حقيقة أن مهربي البشر في ليبيا عادة ما يكدسونها بالناس. بحسب رويترز.

وأكد متحدث باسم خفر السواحل الإيطالي الذي ينسق ويشارك في عمليات الإنقاذ انتشال سفينة بروأكتيفا للجثث الخمس وقال إن السفينة ستبقى في المنطقة تحسبا لأي نداءات استغاثة. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن 559 مهاجرا غرقوا في البحر المتوسط حتى الآن هذا العام.

عمليات الانتقاذ

على صعيد متصل قالت المنظمة الدولية للهجرة إن حوالي ستة آلاف مهاجر أنقذوا في الممر الرئيسي بين شمال أفريقيا وإيطاليا عبر البحر المتوسط في الأيام القليلة الماضية. وأشارت المنظمة إلى أن أعدادا أكبر بدأت تسلك طريق التهريب البحري إلى أوروبا مع بدء تحسن الأحوال الجوية وارتفاع حرارة الطقس. وقال جويل ميلمان المتحدث باسم المنظمة في إفادة صحفية " أصبحنا نسابق الزمن لاستيعاب الواصلين الذين تجاوز عددهم أي مستوى سابق شهدناه في البحر المتوسط." وأضاف "عادة ما يحدث ذلك في الربيع، أن تزداد الأعداد... لكن ليس من المعتاد أن تبلغ هذا الارتفاع في هذا الوقت المبكر وتزداد معها أعداد الوفيات." وأشار ميلمان إلى أن حوالي 500 مهاجر غرقوا حتى الآن هذا العام بينهم 22 حالة وفاة أبلغ عنها مؤخرا خفر السواحل الليبي.

وقال مسؤولون أوروبيون وإيطاليون إنهم مستعدون لإرسال معدات ومساعدات اقتصادية إلى ليبيا للمساعدة في مكافحة المهربين الذين ازدهر نشاطهم في ظل الفراغ في السلطة في البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011. ومنذ أوائل العام وصل 16248 مهاجرا إلى إيطاليا في ارتفاع عن عددهم في الفترة عينها من العام الماضي الذي بلغ 13825. بحسب رويترز.

غير أن العدد الإجمالي للمهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا وخصوصا الجزر اليونانية قد انخفض بشكل ملحوظ منذ أن اتفق الاتحاد الأوروبي وتركيا على منع المهاجرين من العبور إلى اليونان في مقابل حوافز دبلوماسية واقتصادية. وفي أجزاء مختلفة من أوروبا وصل 20484 مهاجرا عبر البحر حتى الآن هذا العام بما في ذلك من وصلوا إلى اليونان وإسبانيا مقارنة بعدد 160331 في نفس الفترة من العام الماضي.

مراكز الاحتجاز

في السياق ذاته أفادت وثائق من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ماليزيا اطلعت بأن أكثر من 100 أجنبي لاقوا حتفهم على مدى العامين الماضيين في مراكز احتجاز اللاجئين في البلاد بسبب أمراض شتى علاوة على أسباب أخرى مجهولة. واستند عدد الوفيات الذي لم ينشر من قبل على بيانات وفرتها إدارة الهجرة الماليزية إلى اللجنة التي تمولها الحكومة. وتوفى 83 شخصا في عام 2015 في حين توفي 35 آخرون على الأقل في 2016 حتى يوم 20 ديسمبر كانون الأول.

ولم يتضح بعد ما إذا كان معدل الوفيات هذا أعلى من نظيره في بلدان مجاورة. وقال مسؤولون حكوميون في إندونيسيا وتايلاند إنهم لا يكشفون مثل هذه الأرقام. لكن المعدل أعلى مقارنة بدول صناعية كبرى مثل الولايات المتحدة حيث سجل خلال العام المالي الماضي عشر حالات وفاة في إطار نظام احتجاز المهاجرين الذي يشمل عددا أكبر بكثير ممن لدى ماليزيا. وكان أكثر من نصف عدد الوفيات الذي بلغ 118 من ميانمار مصدر عشرات الألوف من اللاجئين إلى ماليزيا ومنهم مسلمو الروهينجا الفارون من اضطهاد سلطات ميانمار وسكانها الذين غالبيتهم من البوذيين. وعدد الوفيات من الروهينجا داخل مراكز الاحتجاز غير معروف.

واعتاد نجيب عبد الرزاق رئيس وزراء ماليزيا توجيه انتقادات لاذعة لحكومة ميانمار وزعيمتها أونج سان سو كي بعد شن حملة في أكتوبر تشرين الأول من جانب قوات الأمن في ميانمار أدت لفرار عدد كبير من المنتمين للروهينجا عبر الحدود في خضم سيل من الادعاءات بوقوع عمليات قتل واغتصاب جماعية من جانب القوات. كما دعا عبد الرزاق لتدخل أجنبي لوقف "الإبادة" في ميانمار. ولم يرد مكتب نجيب على اتصالات متكررة للحصول على تعليق. بحسب رويترز.

وقال جيرالد جوزيف أحد ثمانية أعضاء في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ماليزيا "إن العدد كبير للغاية وصادم ويدعو لإصلاح المنظومة". ووصف جوزيف الأوضاع داخل المراكز التي زار بعضها بأنها "مروعة" وقال إنه يجب إجراء تحقيق جنائي في حالات الوفاة. وأضاف متحدثا نيابة عن اللجنة أن الأمراض التي تسببت في وقوع بعض الوفيات ربما نجمت عن سوء النظامين الصحي والغذائي ونقص الرعاية الصحية أو أنها تفاقمت لهذه الأسباب.

من جانب اخر عثرت السلطات المختصة في اليونان على جثة لاجئ داخل خيمته في جزيرة ليسبوس مما يرفع عدد الوفيات هناك إلى ثلاثة خلال اسبوع ويزيد القلق بشأن الظروف البائسة في المخيمات اليونانية. وقال مسؤول في الشرطة إن الشاب يبلغ من العمر حوالي 20 عاما وهو من باكستان. وأشار إلى أن مهاجرا آخر كان يتشارك معه الخيمة ذاتها نقل إلى المستشفى وحالته حرجة.

وعثر اللاجئون على جثة الشاب في مخيم موريا الذي تحول من قاعدة عسكرية سابقة إلى مكان لإقامة آلاف اللاجئين والمهاجرين الذين يعيشون في ظروف بائسة بانتظار القرار بشأن مستقبلهم. وقال ستافروس ثيودوراكيس رئيس حزب تو بوتامي الوسطي الصغير "نتساءل كم يجب أن تبلغ الوفيات لتستيقظ الحكومة."

وتوفي في وقت سابق مصري (22 عاما) وسوري (46 عاما) كانا يتشاركان خيمة في المخيم المكتظ. وذكرت وسائل الإعلام اليونانية أن الرجلين توفيا جراء استنشاقهما غازات سامة من جهاز التدفئة وهو افتراض لم تؤكده أو تنفه السلطات. وقال المسؤول في الشرطة إن الوفيات ليست نتيجة جريمة لكن سببها لم يتضح بعد.

وأصبح أكثر من 60 ألف مهاجر ولاجئ - معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان- عالقين في اليونان في مخيمات عشوائية أو رسمية. ودعت مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين وغيرها من المنظمات الدولية اليونان إلى تحسين الظروف في منشآتها المكتظة التي وصفتها هيومن رايتس ووتش بأنها "في حال يرثى لها وقابلة للانفجار." وقال جوري فان جوليك مدير منظمة العفو الدولية في أوروبا "لا نعرف بعد كيف ماتوا لكننا نعرف أن آلاف العالقين على الجزر اليونانية يعانون من ظروف رهيبة في البرد محاصرين بفشل الاتحاد الأوروبي في توفير الحماية لهم وحفظ كرامتهم".

اضف تعليق