q

"أين حقوق المهاجرين؟" عبارة رددها متظاهرون وناشطون في العاصمة الفرنسية باريس ووجهوها الى المسئولين في الدولة احتجاجا على سوء المعاملة السيئة والإجراءات التعسفية التي تمارسها الدولة ضد المهاجرين معتبرين أن سلوك فرنسا إزاء الأشخاص الهاربين من مناطق نزاع "غير لائق".

قصص متنوعة وحكايات كثيرة تلك التي يتعرض اليها المهاجرون الى أوربا نتيجة الظروف المعاشية الصعبة والإجراءات المتشددة، فبعيدا عن المخاطر التي تواجههم والمغامرات التي يخوضونها من اجل الوصول الى فردوس الجنان التي يحلمون بها بحثا عن مستقبل مشرق لكنهم يتفاجئون بمعاملة سيئة وبدلا ان يعيشوا الحرية التي كانوا يحلمون بها يسجنون بمخيمات اللاجئين.

يمثل مخيم كاليه جهود أوروبا المضنية للتعامل مع أعداد قياسية من المهاجرين الذين يفرون من الحروب والفقر في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. يقع المخيم بمنطقة الساحل الشمالي لفرنسا نقطة العبور الرئيسية للمهاجرين بين بريطانيا العظمى والقارة. منذ إغلاق مركز سانجات من قبل الحكومة في عام 2002، واصل اللاجئون الوصول الي هناك. وهم منتشرين على طول الساحل الفرنسي والبلجيكي. ويعيشون في اماكن استولوا عليها و "أدغال".

يتعرض اللاجئون في مخيم كايله الى حرب من قبل الحكومة الفرنسية والبريطانية، فرنسا لا تريد ابقائهم في المخيمات وبريطانيا لا تقبل استقبالهم مما زاد من التوتر الدبلوماسي بين الحكومتين حيث وجه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند خطابا الى بريطانيا وحثها على تحمل مسؤولياتها حيال 1500 قاصر تم إسكانهم مؤقتا في حاويات شحن في كاليه على أثر إزالة المخيم. وتنص قواعد الاتحاد الأوروبي على أنه يتعين على بريطانيا استضافة الأطفال الذين لهم أقارب في البلاد.

من ضمن الظروف القاسية التي يعيشها اللاجئين في باريس منع الغذاء عنهم حيث أصدرت ناتاشا بوشار رئيسة بلدية كاليه، قرارا يمنع توزيع الطعام على المهاجرين داخل المدينة خشية إقامة مخيم عشوائي مماثل. وقد نددت المنظمات الإنسانية هذا القرار واعتبروه قرار غير انساني. ايضا منعت الشرطة الفرنسية من توزيع البطانيات على المهاجرين رغم برودة الجو الذي يوجهونها. لذلك تقوم جمعية "إيثوبيا 56" كل مساء بتوزع بطانيات على المهاجرين وتقوم بجمعها في الصباح عند وقوفهم في طابور الانتظار بمركز الاستقبال. لكن على ما يبدو ان الشرطة الفرنسية تحارب من يحاول ان يساعد اللاجئين وحتى وان كانوا ناشطين فقد اعتقلت السلطات الفرنسية أربعة ناشطين في جمعية تساند المهاجرين في مرتفعات "رويا" قرب مدينة نيس في جنوب شرق فرنسا، كان برفقتهم عدة مهاجرين غير شرعيين بينهم قاصرون.

بالإضافة الى ذلك تتعرض مراكز إيواء اللاجئين الى موجات هجمات ممنهجة ومخططة حيث تم اشعال النار في احدى مخيمات استقبال المهاجرين أو الأشخاص المشردين وراح ضحية الحادث 14 جريح وقتيلا. هذا وقد داهمت قوات الأمن الفرنسية مخيما غير قانوني للمهاجرين في شمال شرق باريس ما أطلق مواجهة قصيرة في الموقع حيث زادت الأعداد منذ إغلاق مخيم "الغابة" في مدينة كاليه الشمالية الساحلية. وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد أقامت هذا المخيم الذي وصل عدد سكانه إلى حوالي 1500 شخص منذ إزالة مخيم "الغابة" قرب كاليه.

إزالة غابة كاليه

في نفس السياق داهمت قوات الأمن الفرنسية مخيما غير قانوني للمهاجرين في شمال شرق باريس مما أطلق مواجهة قصيرة في الموقع حيث زادت الأعداد منذ إغلاق مخيم "الغابة" في مدينة كاليه الشمالية الساحلية. وتأتي العملية التي تشمل بالأساس التحقق من بطاقات هوية ما يقدر بنحو 2500 مهاجر ينامون في العراء حول قناة وجسر للسكك الحديدية قرب محطة مترو ستالينجراد في باريس مع تصاعد الضغوط على الحكومة لإزالة وإغلاق المخيم.

ويزداد التوتر في ظل تكهنات بأن الشرطة ستنتقل لإخلاء وإغلاق المخيم بشكل نهائي في الأيام المقبلة مثلما تطالب سلطات باريس. وقال صحفي لرويترز في المكان إن حفارا انتقل لإزالة جزء صغير من المخيم وهو امتداد من الخيام والحشايا والبطاطين والمتعلقات المتواضعة للمهاجرين الذين جاءوا بأعداد كبيرة من بلدان مزقتها الحروب مثل أفغانستان.

وصاح المهاجرون في وجه الشرطة المسلحة بمعدات مواجهة الشغب مع إزاحة الحفار الأنقاض والقمامة من قطاع صغير من المخيم. وقام شرطي برش مهاجر بالغاز المسيل للدموع. وبعد ساعتين سمحت الشرطة لمهاجرين بالعودة بعد قيام عمال النظافة المحليين بتنظيف المكان.

وفي رسالة إلى وزير الداخلية برنار كازنوف حصلت رويترز على نسخة منها طلبت رئيسة بلدية باريس آن إيدالجو بإغلاق المخيم على وجه السرعة لأسباب إنسانية وصحية. ويقول مسؤولو مجلس المدينة إن الأعداد التي تعيش وتنام في العراء في المنطقة زادت بنحو الثلث بعد أن أخلي الأسبوع الماضي مخيم الغابة في كاليه حيث كان يعيش أكثر من ستة آلاف شخص يأمل معظمهم في عبور قنال بحري صغير إلى بريطانيا.

حريق متعمد

على صعيد متصل خلف حريق "يعتبر متعمدا" في مركز لإيواء المهاجرين قتيلا و14جريحا في ضاحية باريس بعد اعتداءات أخرى على منشآت لاستقبال المهاجرين أو الأشخاص المشردين. قتل شخص في حريق اندلع في مركز بولونيو-بيلانكور، وهي ضاحية راقية تقع غرب العاصمة الفرنسية، يستقبل عمالا مهاجرين يعيشون وحدهم وفي أوضاع منتظمة. بحسب فرانس برس.

ويعتبر الحريق "متعمدا" بعد هجمات أخرى على منشآت لاستقبال المهاجرين أو الأشخاص الذين لا يمتلكون مركز إقامة ثابت. وتوفي شخص ألقى بنفسه من النافذة، وفق ما قالت مديرية الشرطة. وأوضح باكاري سيسوكو رئيس لجنة السكان "إنه مواطن من مالي في الأربعين من عمره قفز من الطابق الثالث". وأصيب 14 شخصا في الحريق. وتشير عناصر التحقيق الأولية إلى وجود آثار وقود وآلة لنفخ النيران في مدخل هذا المبنى من ثلاثة طوابق.

قرار غير إنساني

من جهتها تخشى ناتاشا بوشار رئيسة بلدية كاليه المنتمية لحزب الجمهوريين اليميني المحافظ إقامة مخيمات مجددا داخل النطاق الإداري لمدينتها. ولتحقيق هذا الهدف وإبعاد المهاجرين، وقعت قرارا بلديا بمنع متطوعي الجمعيات الإنسانية من التجمع لتوزيع الطعام على المهاجرين في المنطقة.

ومن الملاحظ أن القرار بمنع توزيع الطعام صيغ بشكل مبطن بحيث أن نصه يمنع تجمع العاملين الإنسانيين، ولا يتحدث مباشرة عن توزيع الطعام بحد ذاته. يقول جاييل مانزي منسق نشاطات جمعية أوتوبيا 56 إن "هذا القرار موجه ضدنا مباشرة"، ويضيف "إنه شنيع ولا إنساني". وأضاف: "ولو أتت السيدة ناتاشا بوشار رئيسة البلدية بنفسها لملاقاة هؤلاء المهاجرين الذين لا تبلغ أعمار بعضهم 14 سنة، لاختلط الأمر عليها هي نفسها، لفهم منطقها وقراراتها".

وتعتبر البلدية من ناحيتها أن "تجمعات المهاجرين هذه تؤدي إلى التوتر الدائم بين مختلف الجنسيات الموجودة، وقد حصلت سابقا بعض الإشكالات من قبيل الاشتباك والعراك والحرائق واستعمال المفرقعات". أما جمعية أوتوبيا 56، فترد على هذه التصريحات بالقول:" إنها حجج أمنية كاذبة"،وفق جاييل مانزي منسق نشاطات الجمعية الذي يقول:" بالطبع توجد مشكلات تتعلق بالأمن ولكن منع الطعام عن المهاجرين لا يعالج هذه المشاكل".

تخشى المدينة من إقامة مخيمات عشوائية جديدة كتلك التي عرفتها، والتي كانت توصف "بأدغال كاليه". وقالت رئيسة البلدية " لقد أخذت هذا القرار لدرء خطر تثبيت المهاجرين هنا أو إقامة مجمعات عشوائية"، تفاديا لما "عانيناه سابقا" حسب تصريح العمدة لإذاعة صوت الشمال.

مهما يكن الأمر فإن جمعية أوتوبيا 56، لا تنوي التوقف عن تقديم المساعدة. "سنواصل عملنا لأن هؤلاء الناس محتاجون للطعام"، يقول جاييل مانزي، ويتابع: " لن نعمل حيث يسري مفعول قرار المنع، ولكننا سنبتعد قليلا عن الأمكنة الممنوعة". وتوزع هذه الجمعية ما يقارب 200 وجبة طعام في بعض الأحيان على الأشخاص الوافدين [جددا كانوا أم قدماء]، والذين تبلغ نسبة القاصرين بينهم حوالي 80%، كما يقول جاييل مانزي.

ظروف صعبة جدا في المخيم

هذا وقد أقام أكثر من عشرة مهاجرين غالبيتهم من إريتريا إضافة إلى سودانيين اثنين مخيما صغيرا بالقرب من مركز لاستقبال المهاجرين في شمال العاصمة الفرنسية. وقال أحدهم لفرانس24، التي زارت المخيم، إنهم وصلوا إلى هنا عبر إيطاليا. ويعيشون في المخيم ظروفا جدا صعبة بسبب قساوة البرد.

وقال دافيد، 18 عاما، إنهم يقضون النهار في ظروف عادية، لكن الليل "جد قاس". ويقر هذا الشاب القادم من إريتريا أنه "لولا المنظمات الإنسانية، لكان الأمر أكثر تعقيدا"، مشيرا إلى أنها "توفر لهم البطانيات"، فيما قال زميله بوروكيت إنه "لم يسمع ببيان منظمة "أطباء بلا حدود" التي نددت بقيام الشرطة بحجز بطانيات المهاجرين". بسبب وضعهما يعيش الشابان جنبا إلى جنب مع رجال الشرطة، ولا يشتكيان من كونهم مارسوا يوما العنف بحقهم. لكنهم يؤكدون أنهم "يوقظوننا في الصباح الباكر جدا بشكل يومي تقريبا، ويأمروننا بالوقوف في طابور الانتظار للدخول إلى مركز لاستقبال المهاجرين. يأمروننا بإخلاء المكان"، يقول بوروكيت.

وحسب هذين الشابين، فالشرطة في العاصمة الفرنسية لم يسبق لها أن انتزعت منهما البطانيات. "كيف يمكن لنا أن نقاوم البرد" يتساءل أحدهما إن تمت مصادرة بطانياتنا. لكن يجهل إن كانت المخيمات الصغرى الأخرى تلقى نفس المعاملة أم لا. وعلى خلاف تصريحات الشابين، تؤكد إحدى الجمعيات التي تساعد المهاجرين في المقاطعة 18 من العاصمة الفرنسية انتقادات "أطباء بلا حدود" الموجهة إلى شرطة باريس.

وقال منسقها "إننا تابعنا تفريق المهاجرين حول مركز الاستقبال"، مشيرا إلى "أنهم قدموا مرتين وحجزوا بطانيات وخيما". ويرفض بعض المهاجرين دخول مراكز الاستقبال حتى لا تأخذ بصماتهم، باعتبار أن ذلك يمكن أن يحرمهم من تسوية وضعيتهم في يوم من الأيام في بريطانيا، التي يحلمون بالوصول إليها، معتبرين فرنسا مجرد محطة أخرى في سفرهم نحوها.

اعتقال ناشطون

ايضا اعتقلت السلطات الفرنسية أربعة ناشطين في جمعية تساند المهاجرين في مرتفعات "رويا" قرب مدينة نيس في جنوب شرق فرنسا، كان برفقتهم عدة مهاجرين غير شرعيين بينهم قاصرون. وسيمثل هؤلاء أمام القضاء في نيس بتهمة مساعدة مهاجرين غير شرعيين على الدخول إلى فرنسا والإقامة فيها والتجول عبر ترابها. وتم الإفراج عنهم بعد قضاء يوم كامل قيد الاعتقال الاحتياطي.

وينشط هؤلاء في جمعية "رويا المواطن" التي تدعم المهاجرين غير الشرعيين خاصة القادمين من إيطاليا. وفي قضية مشابهة، كانت المحكمة في مدينة نيس أفرجت عن الباحث الجامعي بيير منوني، الذي تمت ملاحقته بتهمة نقل أجانب في وضعية غير قانونية، وهذا بعد أن توصل القضاء إلى أن ما قام به كان في إطار إنساني بحث. وطالبت النيابة العامة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني بمعاقبته بستة أشهر سجنا موقوفة التنفيذ. بحسب فرانس برس.

وتم توقيف منوني في ساعة متأخرة من 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مرتفعات “رويا” على الحدود الإيطالية الفرنسية، وهو على متن سيارته برفقة ثلاث مهاجرات من إريتريا. ويعاقب قانون الهجرة الفرنسي كل من يساعد مهاجرا غير شرعي بالسجن خمس سنوات وغرامة 30 ألف يورو، وحتى تتوقف بحقه الملاحقة القضائية على المتهم أن يثبت أن ما قام به كان بهدف إنساني لا غير.

أين حقوق المهاجرين

في الشأن ذاته أفاد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية أن نحو ألف شخص، بحسب الشرطة، تظاهروا في باريس للترحيب بالمهاجرين ورفض عزلهم، معتبرين أن سلوك فرنسا إزاء الأشخاص الهاربين من مناطق نزاع "غير لائق". كما حمل المتظاهرون لافتات كتبوا عليها بالفرنسية والعربية "أهلا بالمهاجرين" و"لا حدود تفرقنا" و"أين حقوق المهاجرين".

وتجمع المتظاهرون، وبينهم كثير من الناشطين اليساريين والنقابيين، في ساحة ستالينغراد في شمال العاصمة باريس، حيث كانت الشرطة قد أجلت في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر أكثر من 3800 مهاجر من مخيم أقيم في المنطقة. وبعد عملية الإجلاء أقيم مركز إنساني لإيواء المهاجرين بضعة أيام فقط قبل توجيههم نحو مراكز لطالبي اللجوء للذين تتم دراسة طلباتهم، أو إلى مراكز استقبال للذين لم يقدموا طلبات بعد.

وقالت دانييل (67 عاما) التي شاركت في التظاهرة وكانت تعمل مفتشة في مصلحة الضرائب قبل تقاعدها "نحن من أقل بلدان أوروبا استقبالا للاجئين مقارنة بألمانيا أو السويد" ودعت إلى "مزيد من التضامن" مع المهاجرين. وتفرق المتظاهرون بهدوء. بحسب فرانس برس

خلافا دبلوماسيا بين باريس ولندن

نقلت السلطات الفرنسية أكثر من 1600 طفل مهاجر بدون رفقة الأهل من موقع مخيم تمت إزالته إلى مراكز استقبال في مختلف أرجاء البلاد مشيرة إلى أن بريطانيا ستمنح حق اللجوء لعدة مئات منهم. ونقلت السلطات أكثر من خمسة آلاف مهاجر من مخيم الغابة قبل إزالته.

غير أن مئات الأطفال الهاربين المهاجرين بدون رفقة أهلهم تركوا دون رعاية وعند إزالة المخيم أمنت لهم السلطات الفرنسية الإقامة في حاويات شحن في مكان يقع على طرف المخيم المهدوم بينما وقعت مشادات بين فرنسا وبريطانيا بشأن أي من البلدين سيستقبلهما. وبين هؤلاء الكثير من المراهقين من أفغانستان التي تعاني من الحرب ومنطقة دارفور بالسودان. وودع الأطفال المهاجرون مرافقيهم وعمال الإغاثة قبل أن يصعدوا إلى الحافلات التي كانت بانتظارهم.

وأثارت أزمة الأطفال خلافا دبلوماسيا بين باريس ولندن وتصاعدت التوترات في الأيام القليلة الماضية بعد أن حث الرئيس الفرنسي فرنسوا أولوند بريطانيا على تحمل نصيبها من المسؤولية عن القصر. وقال وزير الداخلية برنار كازنوف أمام البرلمان إن بريطانيا وافقت في المفاوضات على أن تستقبل "عدة مئات" من الأطفال المهاجرين. بحسب رويترز.

وقال مصدر في وزارة الداخلية إن هؤلاء سيضافون إلى أكثر من 300 قاصر استقبلتهم بريطانيا بين العاشر من أكتوبر والفترة التي تمت فيها عملية هدم المخيم. وانتقدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل حكومتي باريس ولندن لعدم اهتمامهما بمصلحة الأطفال المهاجرين. وقال اللجنة في بيان "تعرض مئات الأطفال لظروف معيشة لا إنسانية."

اضف تعليق