q

اعاد حزب العمال البريطاني الذي يعيش حالة من الفوضى والخلاف، انتخاب رئيسه اليساري المتشدد جيريمي كوربن بعد فوزه على النائب أوين سميث، بنسبة 61.8 في المئة إلى 38.2 في المئة. وجاءت الانتخابات وسط انقسام عنيف يمر به جزب العمال بسبب اختلاف سياسات كوربن، الذي يتهم بعدم بذل مجهود كاف من أجل منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويرى بعض المراقبين ان هذه التطورات يمكن تدخل الحزب في أزمة خطيرة ، وربما تصل إلى حد انشقاق وتفكك الحزب، وظهور تنظيم جديد، كما يُرجح البروفيسور في قسم العلوم السياسية في جامعة الملكة ماري، تيم بايل.

وترى الأوساط السياسية والإعلامية كما نقلت بعض المصادر، أن إعادة انتخاب كوربين على رأس حزب العمال البريطاني، قد تؤدي إلى تمرد حوالي 170 نائباً سبق لهم أن حجبوا الثقة عنه. وربما تؤدي إلى تأسيس كتلة برلمانية خارج قيادة كوربين، دون الخروج من الحزب. لكن السيناريو الأسوأ في تاريخه، منذ تأسيسه قبل 116 عاماً، يتمثل باحتمال تأسيس حزب جديد، أقرب إلى الوسط، ومؤيد لأوروبا، ويتحالف مع نواب حزب الديمقراطيين الأحرار، ويُشكل حكومة الظل بوصفه الكتلة المعارضة الأوسع في البرلمان في مقابل "كتلة كوربين" العمالية التي لن تتجاوز في أحسن الأحوال 60 نائباً. كما أن كوربين سيكون عاجزاً عن تشكيل "حكومة ظل" حتى في حال اختار التحالف مع نواب الحزب القومي الإسكتلندي البالغ عددهم 54 نائباً.

وكان أوين سميث الذي لم يكن يحظى بشعبية عالية في أوساط الحزب شكّل الأمل الوحيد لمناهضي كوربين بعد انسحاب انجيلا ايغل واعلانها دعم سميث، وهؤلاء لم يقبلوا ابدا انتخاب كوربين في العام الماضي لانهم يعتبرونه يساريا اكثر من اللازم وعاجزا عن الفوز في الانتخابات. وواجه حزب العمال الذي يعد الحزب الرئيسي المعارض في بريطانيا أزمة عميقة منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، وتبادل المعسكران المختلفان في الرأي الاتهامات أمام أعين المحافظين (الحزب الحاكم وصاحب الأغلبية في البرلمان) الذين كانوا يراقبون الوضع بهدوء. وحزب العمال أسسته النقابات في العام 1900، وتطور باتجاه عقيدة وسطية بين 1997 و2010 بقيادة رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي فاز في الانتخابات 3 مرات متتالية، ومنذ عودة المحافظين إلى السلطة في 2010، يبحث الحزب عن هويته بين هذا الخط الوسطي وتيار يميل إلى اليسار دفع به قدما إيد ميليباند وسرعه جيريمي كوربن.

اعادة انتخاب كوربن

وفي هذا الشأن أعيد انتخاب اليساري المتشدد جيريمي كوربن رئيسا لحزب العمال البريطاني، ما يترك الهوة كبيرة بين قاعدة الحزب وقيادته ويهدد حظوظ العماليين في العودة الى السلطة سريعا. وقد اضطر كوربن للخضوع لتصويت جديد في وقت مبكر بعدما صوت 172 من اصل 230 نائبا في حزب العمال في حزيران/يونيو على مذكرة لحجب الثقة عنه منتقدين تأخره في الدفع نحو منع خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

وبإعادة انتخابه بـ61,8 بالمئة من الاصوات يضيف كوربن الرافض للتقشف والمؤيد للهجرة نقطتين الى رصيده الذي سجله العام الماضي، بفارق كبير عن منافسه الوحيد النائب عن ويلز اوين سميث (46 عاما). وعلى وقع التصفيق، سارع كوربن الى دعوة حزب العمال الى رص الصفوف، قائلا لمعارضيه امام مؤتمر الحزب المجتمع في ليفربول "فلنعمل سويا من اجل تغيير حقيقي ولنفتح صفحة جديدة".

وبفوزه يضع كوربن حدا نهائيا لارث رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير الذي اثارت سياسته الوسطية وقراره التدخل في العراق عام 2003 معارضة الالاف من اعضاء الحزب. ويعود فوز كوربن بشكل كبير الى الاعضاء الجدد في الحزب. فقد حصل 300 عضو جديد على بطاقاتهم الحزبية السنة الفائتة ليضاعفوا بذلك عدد اعضاء الحزب الذي اصبح الاكبر في اوروبا. وادى مشروع "الثورة الديموقراطية" والأفكار التي تميل الى اقصى اليسار لدى "الرفيق كوربن" الى جذب الكثيرين، ما غذى اتهامات بتسلل ماركسيين قدامى وعناصر من انصار حماية البيئة الى حزب العمال.

وقال باتريك دونليفي الاستاذ في كلية لندن للاقتصاد "في كل انحاء اوروبا، شهدنا نشوء احزاب مبنية على حركات ناشطين مثل بوديموس في اسبانيا، او النجوم الخمسة في ايطاليا، او سيريزا في اليونان. ومع جيريمي كوربن يقترب حزب العمال من هذا الاتجاه". اما المعتدلون المدعومون بنتائج استطلاعات الرأي، فيعتقدون ان هذه الاستراتيجية ستؤدي الى بقاء حزب العمال في صفوف المعارضة على مدى سنوات عدة او حتى عقود. وقال انان مينون استاذ العلوم السياسية في كلية كينغز في لندن "ان النتيجة الأولى لاعادة انتخاب جيريمي كوربين هي ان حزب العمال لن يعود الى السلطة قريبا".

وبالنسبة الى المحللين فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2020 ستصب في صالح المحافظين الموجودين في السلطة والذين يعتبرون في نهاية المطاف الفائز الحقيقي. غير ان كوربن لا يوافق على ذلك اطلاقا. وقال "سنقاتل من اجل الفوز في الانتخابات المقبلة في عام 2020". وحتى قبل اعادة انتخابه، قال كوربن انه "يمد يد السلام" الى جميع النواب الذين اظهروا انقساما خلال الصيف. وبحسب أوساط كوربن فإن العديد من المعارضين يستعدون للانخراط في صفوف الحزب. لكن الشتائم والتهديدات المتبادلة أثناء الحملة الانتخابية قد تترك ندوبا عميقة. ولا يبدو ان المصالحة كفيلة بحل مشكلة قائد لحزب العمال غير مرغوب به من القيادة، رغم تأييد الناشطين له.

ولا يبدو ممكنا التوفيق بين مواقف المعسكرين داخل الحزب في هذه المرحلة، الى حد ان البعض يخشى على مستقبل الحزب. فالنواب المعتدلون المقتنعون بأن وجود كوربن يمنع عودة الحزب إلى السلطة، قد تغريهم فكرة الانفصال لخلق تيار جديد يساري وسطي. لكن معظم المحللين لا يتوقعون سيناريو مماثلا، على الأقل في المدى المنظور. وقال توني ترافرز، من كلية لندن للاقتصاد ان "البعض سيدخلون الى صفوف الحزب، فيما سيواصل اخرون التمرد. سيتحول حزب العمال الى عائلة تعيسة تحاول التعايش". بحسب رويترز.

وقد تؤدي اي هزيمة انتخابية مقبلة الى تغيير في الحزب، علما أن لا ضمانات تؤكد ان ذلك سيعني خروج كوربن ومؤيديه من الحزب. وقال انان مينون "الفكرة تكمن في بناء حركة اجتماعية، ومؤيدو هذه الفكرة مستعدون لأن يقبلوا بأن يستغرق ذلك وقتا طويلا. الامر يتعلق بتغيير الحزب اولا قبل التحضير للانتخابات" المقبلة. وقال ستيفن فيلدينغ من جامعة نوتنغهام "انها فرصة ذهبية ولن يدعوها تمر". واضاف "حرب الاستنزاف ستستمر. ويجب ان يضرب كويكب الارض من اجل ان يتغير ذلك".

الحزب في ارتباك

الى جانب ذلك تناولت العناوين الرئيسية لأبرز الصحف البريطانية وكما نقلت بعض المصادر، إعادة انتخاب جيريمي كوربين لزعامة حزب العمال البريطاني، وأثر هذا الفوز على سياسة الحزب الذي يمثل حكومة الظل المعارضة في البلاد. فقد أشارت افتتاحية تلغراف إلى ما يقوله منتقدو كوربين إنه يجب على الحزب الآن قبول النتيجة والمضي قدما بعد أن حسمت المعركة الانتخابية لصالحه بحصوله على نحو 62% من الأصوات أمام منافسه الوحيد أوين سميث، بالرغم من الحملات التي شنت ضده من قبل الإعلام وتصويت أغلب نواب الحزب ضده بعدم الثقة.

وألقت الصحيفة بلائمة الفوضى التي يعيشها الحزب على النواب، لأنهم يؤكدون أن الخطأ يكمن في القواعد التي أدخلها زعيم الحزب السابق إد ميليباند لأنها سمحت لكل من هب ودب بالتوقيع كأعضاء وتعزيز ناخبي الحزب باليساريين الذين أصبحوا أغلبية فيه، ومن ثم وقعوا في الفخ الذي نصبوه بأيديهم، وأي محاولة أخرى لإقصائه محكوم عليها بالفشل. وخلصت الصحيفة إلى أن الواقع المرير هو أن الأغلبية العظمى من ممثلي الحزب المنتخبين لا يعتبرون كوربين زعيما مناسبا لحزبهم ناهيك عن البلد.

أما افتتاحية الفايننشال تايمز فقد اعتبرت فوز كوربين للمرة الثانية مثبطا للهمة بقدر ما هو متوقع، ومع ذلك سيستمر أكثر من قبل في بناء حزب معارض. وأشارت الصحيفة إلى حديث كوربين عن وحدة ورأب صدع الحزب بعد هذه الانتخابات، وأنه يجب عليه أولا كبح أنصاره الأكثر فصاحة الذين يواصل الكثير منهم الضغط على أولئك المعارضين لمشروعه السياسي، وأضافت أن العلاقة بين القيادة والحزب البرلماني -الذي لا تؤيد أغلبيته كوربين- تتطلب أيضا اهتماما كبيرا بإظهار جديته بمد غصن الزيتون لنواب الحزب.

من جانبها، دعت افتتاحية الغارديان إلى اجتماع الحزب الذي يمثل المعارضة الرئيسية في البلاد على كلمة سواء، ورأت أنه يتعين على كوربين الآن إظهار كيف سيقود الحزب في الحكومة. وأشارت الصحيفة إلى أنه إذا كان هدف الحزب هو إحداث تغيير في المجتمع وتشكيله ليعكس القيم الأيديولوجية الخاصة به فقد تبدو المعارضة البرلمانية حينئذ في المكان الخطأ. وفي السياق، كتبت التايمز في افتتاحيتها أيضا أن تأكيد كوربين كزعيم لحزب العمال يبين أن المعارضة الآن في قبضة أفراد لا يحترمون المهمة التاريخية للحزب، واعتبرته حزبا جديدا في السياسة البريطانية. ورأت الصحيفة أن الطفرة في عضوية الحزب الداعمة لكوربين قد غيرته من حزب ديمقراطي اجتماعي رئيسي إلى مجموعة احتجاج مؤلفة من خليط مضطرب من اليساريين المتشددين والمثاليين الذين سئموا تقديم التنازلات الضرورية في العملية السياسية الديمقراطية.

استفتاء اخر

على صعيد متصل اتخذ نائبان بالبرلمان البريطاني عن حزب العمال المعارض خطوات لتنظيم استفتاء ثان على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قائلين إنه ينبغي منح البريطانيين فرصة للموافقة أو رفض خطة الخروج قبل بدء المفاوضات الرسمية. وأصيب ملايين البريطانيين بالصدمة بعدما أظهرت نتائج التصويت فوز الداعين للخروج بنسبة 52 مقابل 48 للمطالبين بالبقاء في الاتحاد مما سبب اضطرابا في أسواق المال وغموضا اقتصاديا وأزمة سياسية عمت الحزبين الرئيسيين في البلاد.

ودفع ذلك بعض نواب البرلمان عن حزب العمال لمناشدة الأعضاء إظهار تأييدهم لمقترح تنظيم استفتاء ثان يسمح للبريطانيين بالتصويت مرة أخرى بمجرد اتضاح شكل العلاقة الجديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وجاء في إخطار رسمي قدمه للبرلمان النائب جيرانت ديفيز "ينبغي على مواطني المملكة المتحدة الموافقة على شروط ترك الاتحاد الأوروبي وإن لم يوافقوا عليها يحصلوا على فرصة اختيار بقاء المملكة في عضوية الاتحاد."

وجاء في الإخطار الذي أيده عضو آخر وهو جوناثان إدواردز أن نحو أربعة ملايين شخص وقعوا على التماس يدعو لتصويت استفتاء ثاني. وقال ديفيز إنه ينبغي استخدام المفاوضات غير الرسمية مع زعماء الاتحاد الأوروبي لرسم خطة بشأن التصويت بالخروج على أن تطرح في استفتاء عام قبل تفعيل المادة 50 القانونية الخاصة بالخروج من التكتل والتي تنص على مدة زمنية تصل إلى عامين. بحسب رويترز.

وقال حزب المحافظين الحاكم إنه لن يثير المادة 50 حتى انتخاب زعيمه الجديد المقرر في التاسع من سبتمبر أيلول رغم طلب زعماء أوروبيين ببدء العملية في أسرع وقت ورفضهم فكرة إجراء مفاوضات غير رسمية. وقال ديفيز إنه يتوقع جمع أكثر من مئة توقيع يعتقد أنها ستكون كافية لإثارة مناقشة جادة بشأن القضية.

اضف تعليق