q
{ }

بمناسبة ميلاد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وكعادته شهريا تصدى مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث لمناقشة اهم الموضوعات وأشدها تعقيدا، خاصة تلك التي تتعلق بمسار التحولات الجيوسياسية الجارية الان في العراق وفي المنطقة ومدى تكيف الواقع الشيعي مع هذه التحولات والتحديات، من خلال تساؤلات اخرى طرحها مدير المركز حيدر الجراح في ملتقى النبأ الأسبوعي، قال فيها:

لو عدت عليا، حاربك الداعون اليك وعدوك شيوعيا..

تلك نبوءة شاعر في السبعينات حتى قبل ان تتسلم أحزاب الإسلام السياسي الشيعي السلطة في أي من البلدان التي يتواجدون فيها..

ما بال علي يحاربوه؟

كتابه لمالك بن الاشتر، وثيقة حقوق بالدرجة الأساس، وليست مسؤوليات للحاكم او الوالي او صاحب السلطة، الا بقدر تعلق تنفيذ تلك الحقوق وايصالها للمحكومين، بهذه التسميات.. فتكون كل مسؤولياتهم وليس جزءا منها.. فهي أي الوثيقة من (عبد الله)، والتجلي الأبرز لهذه العبودية خدمة مخلوقاته، واشرفها الانسان.

من الحكومة الخادمة الى الحكومة المصلحة.

لأنها اضاعت بوصلة علي، لم تهتد به ولم تصل الى ضفافه، اتحدث عن العراق وحكومته الشيعية.

اول حكومة في العصر الحديث في بلد يحتضن ضريح علي، ويدعي أصحابها انهم يحتضنون تعاليمه ومنها كتاب عبد الله، لكنه مجرد تنويع شيعي على تقاسيم الليل والنهار السياسي، لمصالح واطماع يرفضها علي.

المثقف الديني الشيعي انشغل بالعقائد وأصبح وعاءا لها دون وعي في الكثير من الاحيان، يمتلئ بها ولا تفيض منه الا وعداً غير قابل للتحقق على ارض الواقع.

والمثقف المدني حاول الانشغال بالعقائد بوعي دون ان يكون وعاءا لها، ومن هنا جاء انفصاله عن مجتمعه وغربته عنه، وان كان هذا المثقف هو ابن بيئته التي لا يمكنه الفكاك منها ومن تأثيرها عليه.

المثقف الشيعي (واتحدث عن العراقي تحديدا) يمكننا ان نصنفه على الشكل التالي:

مثقف يمتلك ادوات التغيير لكنه منعزل عن مجتمعه.

مثقف يمتلك ادوات التغيير لكن لا يفهمه مجتمعه.

مثقف لا يمتلك ادوات التغيير الا ان لديه حظوة لدى السلطة، لأنه يعتبر من حراس العقائد، وهو السائد الاعم في اوساط مثقفي الشيعة.

يمكن ان نؤشر لملاحظة في التأليف والاهتمام الشيعي بالأمام علي، فقد سادت في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، حركة تأليف كبيرة حوله وجميع ما ارتبط بحياته من قيم مثل العدالة والزهد والتقوى وغير ذلك، لكن هذا الاهتمام تضاءل لدرجة الاختفاء بعد العام 2003 حين أصبح المنادون بالعدالة والزهد والتقوى اصحاب سلطة وحكام في بلد النموذج العلوي للحكم.

وطرح في الملتقى سؤالان برسم النقاش حولهما من قبل الحضور:

السؤال الأول: ما هي ملامح المشروع الشيعي الحضاري؟

باسم عبد عون باحث في مركز الفرات، اشار الى حقيقة ان المنطقة لا تتحمل انطلاق مشروع يحمل عنوان وصفة شيعية، وتساءل ايضا هذا المشروع اين زمانه ومكانه في العراق مثلا، فمن الصعب ان تنطلق من هنا هكذا مشاريع على اعتبار ان العراق قبلي عشائري علما ان في العراق تعاملوا دائما مع مؤازرة الحاكم او معارضة او تأييد، تم ذكر الامام علي(ع) ونموذج الاتصال به وهذا واقع حال التجربة الشيعية، التظاهرات كانت عبارة عن ردة فعل غير منسقة بعوامل ثقافية اضف الى ذلك هناك تفسيرات وتبريرات وتداول غير اعتيادي بمفردة المثقف حتى باتت تطلق على اي شيء ".

الباحث حمد جاسم من مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية قال، كتاب (صحوة الشيعة في الشرق الاوسط) للكاتب الايراني ولي نصر اشار فيه الى بداية المشروع الشيعي وذلك من خلال انطلاق الثورة الايرانية، وان المشروع الشيعي الان يهدف للوصول الى الحكم وكما هو الحال في ايران والعراق ولبنان وفي سوريا هناك دفاع عن الحكم وفي البحرين هناك حركة احتجاجية وفي اليمن هناك حركة لإستلام الحكم، اما من الناحية الثقافية فهناك اظهار لمظلومية الشيعة من خلال المناسبات الدينية، هذه هي ملامح المشروع الشيعي وقد انطلق ولن يتوقف نهائيا وهناك فرص اكبر مع وجود عوامل ودوافع خارجية ذات نسق امريكي".

الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: قال" بتقديري ان نجاح اي مشروع مرتبط بنجاح المشروع السياسي، هذا الاكتشاف المتأخر جعل الشيعة امام مسؤولية التفكير للوصول الى السلطة، وهذا اقرب ما يكون في الدول ذات الاكثرية الشيعية مثلا في العراق تحقق هذا الشيء في البحرين هناك محاولات، في لبنان هناك هيمنة واضحة، بمعنى اخر ان الحكم هو الباب الوحيد لإنجاح المشاريع الاخرى وعلى كافة المستويات، لكن ما يغلق هذا المشروع هو غياب الوحدة الشيعة فعندما نتكلم عن مشروع شيعي واضح على الساحة، هناك خلافات بين المكونات الشيعية في كل المناطق، هذا مما يفضي الى انحدار شديد بهذا المشروع وبالتالي هناك مشاريع شيعية تعكس حالة عدم الوحدة، في هذا الواقع اين نحن من منهج واسلوب ادارة الحكم عند الامام علي(ع) لا اتردد في القول ان الامام علي(ع) وتجربته في العراق لا تتكرر ابدا لأنها نموذجا مثاليا ولا يمكن تطبيقه على الارض".

احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات اوضح" ضرورة الالتفات الى علي(ع) الانسان كونه صاحب تجربة وقيم ومطابقة سلوكه الحياتي، وان المشروع الشيعي اليوم عجز عن الاتيان بتلك الفلسفة وما يحمل من اولويات وانحسر الامر بالمشروع السياسي والسلطوي وهناك تنافس وتكالب غير شريف على الوصول السلطة وحتى لو استدعى الامر التجاوز على الدين، ومشروع شيعي حضاري انساني قيمي الى الان لم يطرح نفسه ".

الدكتور حيدر حسين آل طعمة التدريسي في جامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات: قال" المشروع الاسلامي متعدد الابعاد ومبني على قواعد واسس غير موجودة الى الان، ما موجود الان قائم على ردات فعل ويمكن تسمية ما موجود الان هو اتفاق بين مجاميع شيعية على السلطة او الهيمنة على السلطة، اليوم اغلب الكتل والقيادات الشيعية في العراق غير متجانسة وغير منسجمة".

الدكتور محمد عبد الحسين الكعبي تدريسي في جامعة كربلاء" تساءل عن محددات المشروع الشيعي كي نخصص وجود ذلك المشروع من عدمه، فلابد من وجود ضوابط ننطلق منها لاسيما وفق النواحي الثقافية والعقائدية، لكن بالمجمل المشروع الشيعي قائم ولديه الكثير من الاعداء والمعارضين، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل يصل هذا المشروع لمستوى الطموح خاصة وان المشروع الايراني شاخص للاعيان، بيد ان ذلك لا يمكن تعميمه على التجربة العراقية كونها جاءت اثر صدمة وتغير فجائي الى جانب تغيب العمل المؤسساتي الرصين والهادف، وان كل الجهود المبذولة اليوم رهن فكرة الوصول الى السلطة".

من جانبه بيّن عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، ان المشروع الشيعي المتعارف عليه هو اقامة دولة العدل الالهي، وهذا هو الهدف الذي يتحدث عنه كل الشيعة من خلال دولة الامام الحجة(عج)، فهل لدينا مشروع سائر بهذا الاتجاه؟ في حقيقة الامر هذا غير موجود، فليس لدينا مشروع شيعي جامع بل كل مرجعية لديها مشروع خاص بها والى الان ورغم جسامة التحديات الا ان المرجعيات لم تجتمع الا في احداث سامراء، اضف الى ذلك اليوم هناك اقطاب فاعلة بالعالم فاين هو القطب الشيعي من خارطة الاحداث العالمية، اما ايران فانها تتحرك وفق اطار مصلحتها الشخصية.

الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام قال، هناك صنفان من المشاريع مشروع ديني ومشروع سياسي ويغيب عن ذلك المشروع الحضاري، بالنسبة للمشروع السياسي ولم يصل الشيعة الى فكرة المشروع مخافة ان ينسب اليهم بانهم طائفيين، خاصة وان الامة اليوم منقسمة الى قسمين فأما ان تكون مع المشروع السني او الشيعي، ولكن المشروع السياسي الشيعي اليوم لا يحمل الهوية الشيعية بل يحمل اجندات سلطوية.

 اما المشروع العلوي الحضاري فهو المشروع الانساني الذي دعا اليه الامام علي(ع) وفي اكثر من مورد.

السؤال الثاني: كيف يتم تجسيد المشروع الشيعي عمليا؟

السيد علي الطالقاني قال، يجب ان نقدم منظومتنا الشيعية بتراثها كخط متزن عبر نظام مؤسسات فاعلة ثقافيا واجتماعيا وانسانيا، عبر دعم الحوار وكل القضايا الحضارية والمعاصرة.

باسم عبد عون قال، ان يكون هذا المشروع تحت اطار دولة ففي الوقت الحاضر لا يمكن ان ينجح على اعتبار ان وضع المنطقة لا يسمح، خاصة وان شعوب تلك المنطقة ذات خليط غير متجانس عقائديا ومذهبيا، لكن ممكن ان يمرر تحت اطار وطني شريطة ان يحصل اجماع او اتفاق عليه، وان تتضافر الجهود الدينية والمدنية لتعزيز هذا المغزى عموما الشيعة ليس لديهم مشروع دولة وكل ما يقومون به الان هو الدفاع عن انفسهم.

حمد جاسم قال، المشروع الشيعي موجود وقائم ونحن اليوم ندفع ثمن التيار المضاد الذي يريد ان يجهض كل المشاريع الثقافية والسياسية في المنطقة وان من يتصدى لهذه الفكرة وبشراسة هو التيار الوهابي في السعودية.

الدكتور قحطان الحسيني قال "هناك غياب للمشروع الشيعي وان وجد هذا المشروع فهو ضعيف وغير متكامل ولا يمتلك مقومات النجاح، يفترض بأي مشروع اذا كان يسعي وراء النجاح ان يكون ذو بعد انساني بمعنى اذا اسس المشروع على اساس ديني او طائفي او قومي سيخلق الاعداء وبالتالي ان فرصة نجاحه محدودة ".

الشيخ مرتضى معاش يرى، ان مشروع السلطة الذي تلبس به بعض الحكام بعد استشهاد النبي الاكرم(ص) لا يمتلك مؤهلات المشروع الثقافي والانساني هذا من جهة، بعض الشيعة في الوقت الراهن دخلوا في المشاريع السياسية السلطوية البحتة وتركوا الجوانب الاخرى، فبعض القيادات الشيعية في العراق حينما وصلت الى الحكم اهتمت بالأمن والهيمنة والاستحواذ، وتركوا الاشياء الأساسية التي تسهم في بناء الدولة كالتعليم والتنمية وبناء المؤسسات الخدمية والاهتمام بكرامة الانسان واحتواء الاخر وبناء الشراكات وتكريس التعددية وتداول السلطة سلميا.

عدنان الصالحي يعتقد "ان المشروع الشيعي في العراق لم يفارق الحالة التاريخية ولا لحظة عكس ما دعا اليه السيد موسى الصدر في لبنان، بالنتيجة لابد ان نرسم استراتيجية مفادها القبول بالأخر كما هو، فلا بد ان نعمد الى توثيق العلاقة ما بين ثقافة المرجع والمؤسسات الاكاديمية".

التوصيات والاستنتاجات

في ختام الملتقى، تبلورت مجموعة من المقترحات حول المشروع الشيعي وتطويره:

- ان نسعى الى خلق فلسفة توزيع وتكامل الادوار

- الانفتاح والتواصل مع المحيط العربي وباقي مكونات الشعب وعلى المستويين الشعبي والرسمي

- المؤسسات الدينية عليها مسؤولية إنضاج المشروع الإسلامي الحضاري

- جمع كل الكفاءات المتميزة على المستوى الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي في تجمعات استشارية ومؤسساتية.

- لابد ان يبدأ المشروع من القمة من خلال شورى الفقهاء او المراجع او شورى وكلاء المراجع

- التركيز على تأسيس الحوزات والجامعات وايضا الجامعات الحوزوية المشتركة

- بناء المهارات وبكافة المجالات

- تطوير المؤسسات الشيعية الحديثة لتمويل المشاريع الشيعية

- ايجاد مجلس استشاري ومن كافة المرجعيات الدينية

اضف تعليق