q

بات السؤال الاهم في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، هو ما الذي سيطرأ على المشهدين السياسي والامني دوليا واقليما في الكثير من القضايا الداخلية والخارجية التي تضبط وتوازن على وقع هذا الاتفاق في المستقبل القريب؟.

ولعل الكثير من الأمور مرهون بنتائج الاتفاق القادمة التي يمكن أن تجعل من ايران الحليف الاهم للغرب بعد انفتاحها على العالم اقتصاديا في حال رفع العقوبات ستصبح ايران قوة اقتصادية كبرى على المستوى العالمي، لكن في الوقت نفسه تبدو النتائج الاولية للاتفاق النووي الايراني قد افرز صراعا شرسا على المستوى الداخلي بين المعسكر المتشدد "المحافظين" والمعسكر المعتدل "الاصلاحيين"، وهذا من شأنه أن يقضي على اي فرص لإحراز تقدم سريع في المستقبل القريب على شراكة السلطة او توحيد المواقف بالمستويين الداخلي والخارجي.

إذ يرى محللون انه بعد عقد الاتفاق النووي برزت تصريحات حادة من لدن المعسكر المتشدد في ايران المتمثل بالمرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية علي خامنئي، عندما أكد بأن الاتفاق النووي لن يغير سياسة طهران تجاه أمريكا التي وصفها بـ المتغطرسة، كما شدد على أن بلاده لن تتخلى عن أصدقائها في المنطقة.

فيما يرى المحللون المتخصصون في الشؤون الايرانية إن تصريحات خامنئي الحادة تسمح لرجال الدين المحافظين بمجال سياسي لتوجيه مزيد من الانتقادات وقد تعفي المرشد الأعلى من المسؤولية إذا انهار الاتفاق -الذي تحدد لنفاذه سنوات- في مرحلة لاحقة، وفي نفس الوقت فإن انتقاده ليس حادا على نحو ينسف الاتفاق ويسد الطريق أمام رفع العقوبات وهو الأمر الذي يتوق إليه بشدة الإيرانيون العاديون انتظارا لأن يعيد اقتصاد بلادهم إلى الوضع الطبيعي.

وبالفعل بدأت الصقور الامنية في إيران تهاجم الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرمته بلادهم مع القوى الدولية الست بعد أن واتتهم الجرأة في أعقاب وصف الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي لبعض القوى العالمية الموقعة بأنها "غير جديرة بالثقة".

وسيفهم الإيرانيون أن المقصود بتصريح خامنئي إلى حد بعيد هما الولايات المتحدة وبريطانيا أو "الشيطان الأكبر والأصغر" كما يصفهما النظام الديني الحاكم في إيران بسبب دعمهما للشاه الذي أطيح به في ثورة عام 1979.

ويحمل التصريح وزنا لأن خامنئي له القول الفصل في شؤون الدولة. لكن رجل الدين المحافظ عبر عن ترحيب حذر بالاتفاق قائلا إنه مهم وداعيا إلى الهدوء ربما في إشارة إلى زيادة آمال الرأي العام في وضع حد لعزلة إيران أو إلى التوتر بين أنصار الاتفاق ومنتقديه، لكن لهجته الحذرة المتشائمة تناقضت مع الثناء الذي وجهه الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف للاتفاق.

ولم تضيع شخصيات مقربة من خامنئي وقتا في مهاجمة الاتفاق الذي يرفع العقوبات عن طهران مقابل فرض قيود طويلة الأجل على برنامج طهران النووي الذي يشتبه الغرب في أنه كان يهدف لإنتاج قنبلة نووية.

ويعتقد بعض المحافظين أن توقيع اتفاق مع واشنطن يصل إلى حد إبرام معاهدة مع الشيطان، ورغم أن خامنئي سيكون صاحب القرار النهائي في الاتفاق يريد المتشددون تدقيقا صارما في نص الاتفاق عندما يعرض للنظر في البرلمان ومجلس الأمن القومي.

في المقابل برزت التصريحات الايجابية من لدن المعسكر المعتدل في ايران المتمثل بالرئيس الايراني حسن روحاني، الذي يرى إن الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية نصر سياسي للجمهورية الإسلامية وإنه يعني أن إيران لن تعتبر خطرا عالميا بعد الآن، لكن يقول المحللون المتخصصون بالشؤون الايرانية انه بعد نجاح روحاني في التوصل الى الاتفاق النووي سيواجه الرئيس الايراني تحديا داخليا من لدن المعسكر المتشدد، فعلى الرغم من خروج روحاني منتصرا من المحادثات النووية عقب ابرام الاتفاق بين بلاده والدول الكبرى لكن عليه ان يعالج تحديات سياسية داخلية همشت لوقت طويل اذا ما اراد ان يعزز سمعته كشخص معتدل، وهيمنت المحادثات النووية على اول سنتين من رئاسة روحاني واتاحت له المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة البدء في تغيير العلاقات الدولية الايرانية، لكن مهمة انهاء الخلاف النووي ومعارضة المتشددين الايرانيين للنهج الدبلوماسي، طغت على اجندته الداخلية القائمة على الاصلاح.

ومنذ أن اجرى روحاني مكالمة هاتفية مع الرئيس الاميركي باراك اوباما في ايلول/سبتمبر 2013 كانت الاولى منذ الثورة الاسلامية الايرانية في 1979، وصف الرئيس الايراني بانه سياسي قادر على احداث التغيير.

فعلى الرغم من ان الاتفاق النووي الذي سيؤدي الى رفع العقوبات عن ايران ويمهد الطريق لتحسن اقتصادها، يعد انجازا كبيرا، الا ان على روحاني ان يعمل بجد اكبر لخلق جود سياسي اكثر شمولية، فمنذ توليه منصبه واجه روحاني مقاومة من البرلمان المحافظ في عدة قضايا ومن بينها المحادثات النووية، وكذلك من المؤسسة الدينية النافذة في البلاد، الا ان الدعم الشعبي والزخم السياسي الذي تحقق من التوصل الى الاتفاق النووي والذي تم التوصل اليه بفضل دعم المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي، يشكل فرصة لحلفاء الرئيس لخلق الظروف المناسبة للناخبين لانتخاب برلمان اكثر اعتدالا العام المقبل.

على صعيد مختلف اوضحت القوى الكبرى الست التي عقدت مع طهران اتفاق فيينا حول الملف النووي، في رسالة بعثت بها الى الامم المتحدة ان ايران ستبقى تحت تهديد اعادة العمل بالعقوبات الدولية طوال خمسة عشر عاما، وهذا الاتفاق الذي يستمر عشر سنوات، سيتيح رفع العقوبات في مقابل ضمانات ان ايران لن تحصل على القنبلة النووية. لكنه ينص على آلية لإعادة شبه تلقائية لهذه العقوبات اذا لم تف ايران بالتزاماتها.

وعليه باتت ايران حاليا تتأرجح بين طموحات المعتدلين وتشبث المشددين، اي بين القوة الناعمة لسياسة روحاني والقوة الصلبة لثوابت خامنئي، وهو ما انعكس جليا في المشهد السياسي على الصعيد الداخلي في ايران خلال الاونة الاخيرة، فقد ظهرت مؤشرات انقسام وصراع حقيقية بصبغة جدلية بين الاصلاحيين والمتشددين في الجمهورية الاسلامية على غرار الاتفاق النووي، والهيمنة الاقتصادية، الى جانب مكافحة الفساد وملف الحريات والحقوق، كل هذه القضايا فاقمت من حدة الصراعات والانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الخصوم السياسيين في الداخل، وكلٌ منهما يجري من أجل طموحاته ومصالحه في مارثون تنافسي شرس لكسب هيمنة طرف على حساب الآخر.

الاتفاق النووي لن يغير سياسة إيران تجاه أمريكا

في سياق متصل أعلن خامنئي أن الاتفاق النووي مع القوى العظمى لن يغير سياسة إيران في مواجهة "الحكومة الأمريكية المتغطرسة" ولا سياسة إيران لدعم "أصدقائها" في المنطقة، وقال "إن جمهورية إيران الإسلامية لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبين المضطهدين في فلسطين واليمن والشعبين والحكومتين في سوريا والعراق والشعب المضطهد في البحرين والمقاتلين الأبرار في المقاومة في لبنان وفلسطين. (...)"، وأضاف خامنئي أن "سياستنا لن تتغير في مواجهة الحكومة الأمريكية المتغطرسة"، وذلك في كلمة ألقاها بمناسبة عيد الفطر في ساحة الإمام الخميني في وسط طهران وبثها التلفزيون الحكومي مباشرة، وتخللتها هتافات تقليدية "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل".

وشدد خامنئي أيضا على "أن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة متعارضة بنسبة 180% مع مواقف جمهورية إيران الإسلامية". وأضاف "كررنا مرات عديدة، أننا لا نجري أي حوار مع الولايات المتحدة حول المسائل الدولية والإقليمية أو الثنائية. لقد تفاوضنا في بعض الأحيان، كما في الموضوع النووي، مع الولايات المتحدة على أساس مصالحنا"، ويرأس المجلس الأعلى للأمن القومي الرئيس روحاني، فيما تحال تقارير المجلس مباشرة لخامنئي.

تدعم إيران حكومتي العراق وسوريا عبر إرسال مستشارين عسكريين إلى الميدان في المواجهات مع جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية" على الأخص، بعد أن سيطر هؤلاء على مساحات شاسعة في البلدين المتجاورين. كما أنها تدعم المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن الذين تقاتلهم السعودية، والمعارضة البحرينية للعائلة الحاكمة السنية التي تدعمها الرياض، وحزب الله اللبناني وفصائل إسلامية فلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي).

المحافظون الإيرانيون يهاجمون الاتفاق النووي

على الصعيد نفسه طعن رجل دين بارز في اتفاق إيران النووي التاريخي مع الدول الكبرى مرددا بذلك صدى تقييم مبكر متحفظ للاتفاق من جانب المرشد الأعلى علي خامنئي صاحب الكلمة الأخيرة في شؤون إيران، ولم يرفض آية الله محمد علي موحدي كرماني الاتفاق في خطبة الجمعة في طهران لكن لهجته كانت قوية بما فيه الكفاية للإشارة إلى قلق كبير من الاتفاق في المؤسسة الدينية الإيرانية إذ قال إن بعض بنود الاتفاق "إهانة" و"مفرطة". بحسب رويترز.

وقال "كانت لهم بعض المطالب المفرطة" مشيرا إلى اعتراضه على القيود التي يفرضها الاتفاق على عدد أجهزة الطرد المركزي التي يجوز لإيران تشغيلها وعلى الأبحاث والتطوير النووي الإيراني وعلى تصرف طهران في اليورانيوم المخصب الذي بحوزتها.

وقال كرماني "إنهم يقولون... يجب أن يكون برنامج إيران النووي محدودا ويجب أن تقبل إيران نظاما شاملا للتفتيش النووي... هذه مطالب مفرطة"، وبمقتضى الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم الثلاثاء سترفع العقوبات تدريجيا مقابل قبول إيران قيودا طويلة المدى على البرنامج النووي الذي يشتبه الغرب بأنه يهدف إلى صنع قنبلة نووية.

وقال كرماني إن العلماء والباحثين النووين في إيران يجب أن يدرسوا الاتفاق الآن وأن يناقشوه، وأضاف "هذا مهم في وقت سمعت فيه بعض المنتقدين يقولون إن الاتفاق لم يحافظ على بعض الخطوط الحمراء التي وضعها القائد الأعلى"، وقالت وسائل إعلام إن ظريف سيتحدث عن الاتفاق أمام البرلمان يوم 21 من يوليو تموز وإن مجلس الأمن القومي سيخضعه للفحص، وكان خامنئي قال إن التوصل إلى الاتفاق "خطوة مهمة" لكن يجب إخضاع النص للفحص بجانب الإجراءات القانونية المتصلة به.

وفضلا عن الانتقاد وجه كرماني بعض الثناء للمفاوضين الإيرانيين لما بذلوه من جهد في المحادثات المطولة التي جرت في فيينا قائلا إن شركاء إيران في المفاوضات اضطروا للتقهقر، وأضاف "إسرائيل وحلفاؤها خاصة السعودية مستاءون للغاية من هذا الاتفاق وهذا أكبر دليل على مدى قيمته. وكما اعتاد الشيخ الشهيد (محمد) بهشتي أن يقول: دعهم يغتاظوا ويموتوا بغيظهم"، ويعتبر بهشتي الشخصية الثانية في الجهاز السياسي الإيراني بعد الثورة واغتيل في انفجار قنبلة خلال اجتماع سياسي عام 1981.

وقالت إيران في رسالة إلى الدول الإسلامية يوم الجمعة إنها تأمل أن يمهد الاتفاق الطريق لمزيد من التعاون في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، وقال موقع وزارة الخارجية على الإنترنت إن ذلك جاء في رسالة وجهها ظريف للدول الإسلامية والعربية بمناسبة عيد الفطر، وأضاف ظريف في رسالته أن فرصة جديدة للتعاون الإقليمي والدولي سنحت "بعد حل الأزمة المصطنعة حول برنامجها النووي دبلوماسيا".

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مرضية أفخم لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في وقت متأخر يوم الخميس إن ظريف سيزور دولا خليجية بعد عيد الفطر، وقالت إن إيران عازمة جديا على توسيع العلاقات مع دول المنطقة ودول الجوار وبعضها دول خليجية عربية سنية تتهم إيران الشيعية بالتدخل في شؤون العالم العربي.

رأى أحدهم خلافات مثيرة للقلق بين التفسير الأمريكي والإيراني لما اتفق عليه، وكتب محمد كاظم أنبار لوي في مقال بصحيفة رسالت المحافظة "هناك خلافات كبيرة بين وثيقة الحقائق الإيرانية عن الاتفاق التي أصدرتها وزارة الخارجية الإيرانية وبين ما ذكره الرئيس الأمريكي في تصريحاته"، وتابع قوله "وثيقة حقائق الخصم تظهر أن كل الخطوط الحمراء الإيرانية ولا سيما بشأن العقوبات لم تحترم. العبارات والكلمات المستخدمة في النص تضم أقواسا وتحفل بالمصطلحات الغامضة التي يمكن تأويلها بأكثر من معنى".

وكان لهؤلاء المنتقدين وجودا واضحا في الشوارع عن أعلن عن إبرام الاتفاق، وقال شاهد عيان لرويترز إن رجلا كان يوزع الحلوى في ضاحية كراج بطهران بمناسبة النصر النووي" تعرض لمضايقات وتوبيخ من رجال ملتحين يبدو أنهم أعضاء في ميليشيا الباسيج المتشددة، وأبلغ شاهد عيان آخر رويترز أن أفرادا من الباسيج يركبون دراجات نارية ظهروا بشكل واضح في ميدان فاناك الراقي بشمال طهران للتعبير عن استيائهم من احتفالات الشوارع. لكن الشبان الراقصين فاقوهم عددا. ولم ترد تقارير عن وقوع اشتباكات. بحسب رويترز.

ويتمتع متعصبون مثل ميليشيا الباسيج وقادة الحرس الثوري الإيراني بنفوذ حقيقي، وعارض القادة المحافظون للحرس الثوري الكثير من سياسات الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الذي شغل منصب الرئاسة من عام 1997 وحتى عام 2005 وساعدوا في إحباط أكثر مبادراته جرأة، كما ساهم الحرس الثوري والباسيج في قمع احتجاجات هائلة في الشوارع بعد إعادة انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد في 2009 في نتيجة ثارت حولها الشكوك، والمنظمتان هما جزء من النظام الإيراني القائم على هياكل قوى متنافسة يمتلك بعضها مثل الحرس الثوري إمبراطورياته التجارية الخاصة. بحسب رويترز.

الرئيس الايراني يواجه تحديا داخليا

بعد ابرام الاتفاق النووي مع الدول الكبرى يشعر الايرانيون بالارتياح، الا انهم لم ينسوا الوعود الاخرى التي اطلقها روحاني قبل انتخابه، بحسب ما يرى المحلل السياسي داود هيرميداس بافاند، وقال بافاند المحاضر في جامعة طهران ان الحكم الاخير على روحاني، المعتدل في بلد يتبنى نظاما محافظا قويا، سيكون بشان القضايا الداخلية الصعبة. واوضح ان "الاتفاق بث مشاعر السعادة لا شك في ذلك، ولكن مجتمعنا يعاني من مشاكل كبيرة"، واكد "اعتقد ان روحاني اصبح اقوى الان، ولكن المشاكل ليست اقتصادية فحسب بل انها تشمل كذلك السجناء السياسيين"، وقبل انتخابه قال روحاني ان هناك حاجة لمعالجة مسالة السجناء لا سيما الذين اعتقلوا بعد اعادة انتخاب الرئسي السابق محمود احمدي نجاد في 2009.

وصرح روحاني في تجمع انتخابي "امل انه بعد عام من هذه الانتخابات سيتم الافراج ليس فقط عن الذين فرضت عليهم الاقامة الجبرية، بل كذلك المسجونين منذ 2009"، وجاءت تصريحاته عقب سؤال وجهه له الطلاب حول ما سيفعله بشان حسين موسوي ومهدي كروبي، المرشحان الرئاسيان الاصلاحيان الخاضعان للاقامة الجبرية واللذان طعنا في صحة انتخابات 2009، ولقي موقف روحاني قبولا لدى الناخبين من الحركة الاصلاحية التي قمعت بعد 2009. ومؤخرا فقط وبعد تشكيل حزبين سياسيين جديدين، بدأ الاصلاحيون في الظهور مجددا، الا ان روحاني لم يعالج بعد هذه المسالة، واتهم بعض انصاره، ومن بينهم وزراء في حكومته، بدعم الفتنة، وهو المصطلح الذي يستخدمه النظام لوصف احتجاجات الشوارع التي اندلعت بعد انتخابات 2009 التي قتل فيها العشرات.

وقال بافاند "لقد فتحت ستارة جديدة، وعلى روحاني ان يستغل هذه الفرصة (...) اذا اراد ان يصبح رجلا يصنع التاريخ، لا يمكنه ان يحصر نفسه فقط في الحفاظ على منصبه. عليه ان يجازف"، ويمكن ان تشكل الانتخابات البرلمانية التي ستجري في شباط/فبراير 2016 نقطة تحول. بحسب فرانس برس.

يقول سعيد لايلاز الخبير الاقتصادي والمحلل الاصلاحي انه بدلا من تكريس وقته لكسب الاصلاحيين، على روحاني ان يستخدم نفوذه داخل النظام قبل الانتخابات، وفي اشارة الى مجلس صيانة الدستور الذي يصادق على المرشحين، قال لايلاز "الاتفاق النووي هو انتصار كبير لروحاني وهو يستطيع ان يستخدمه لخلق ائتلاف من الاصلاحيين ومن هم في منتصف الطريق. وسيحاول التفاوض مع المجلس لقبول مرشحين اكثر اعتدالا. هذا هو اهم عمل له"، كما سينشغل روحاني الذي يواجه معركة اعادة انتخابه في 2017، في خلق المزيد من الوظائف بفضل الاتفاق النووي بعد سنوات من تدهور الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة، وقال لايلاز "عليه ان يبدأ الان في التفكير في الجولة الثانية كرئيس"، ويمكن طرح الاتفاق النووي كذلك كمنصة لاحداث التغيرات الداخلية، بحسب ما يرى امير محبيان المحلل المحافظ الذي يعتقد ان ايران يمكن ان تستفيد من الاصلاح، وقال ان "روحاني احدث تغييرا جذريا. فمنذ البداية كان المحور الرئيسي لخططه هو التوصل الى اتفاق مع الغرب حول البرنامج النووي (...) والان يبدو انه يستطيع ان يقول للمجتمع الايراني انه نجح في تحقيق اول خططه".

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن روحاني قوله "هذا الاتفاق إنجاز لم يسبق له مثيل في تاريخ الشؤون الدولية وهو يلغي جميع قرارات التهديد الصادرة عن مجلس الأمن ويفتح أبواب التعاون مع إيران حتى في مجال الطاقة النووية", وأضاف "الاتفاق درس كبير للمنطقة بأن المشاكل يمكن حلها من خلال المفاوضات والمشاركة الحقيقية للشعب بدلا من التدخل والمذابح والإرهاب".

وأفادت الوكالة أن ظريف وعلي أكبر صالحي رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية سيذهبان إلى البرلمان الذي يسيطر عليه محافظون يوم 21 يوليو تموز لعرض الأمر على المشرعين، وفي وقت سابق اليوم نقلت وسائل إعلام رسمية عن علي لاريجاني رئيس البرلمان قوله إن أعضاء المجلس سيدرسون الاتفاق "بروح بناءة".

الايرانيون يتلهفون الى مرحلة ما بعد رفع العقوبات

الى ذلك ينتظر المستهلكون الايرانيون بفارغ الصبر رفع العقوبات عن بلدهم بموجب الاتفاق النووي المبرم مع القوى الكبرى لتفتح امامهم اسواق المنتجات الغربية لا سيما عبر الانترنت بعد سنوات من اللجوء الى السوق السوداء.

لم يكن بمقدور المستهلكين الايرانيين كغيرهم من الملايين حول العالم الدخول الى المواقع الالكترونية الاميركية الضخمة يوميا لشراء ما يريدونه من منتجات. فهم الى جانب افتقارهم لبطاقات الائتمان، ممنوعون عن شبكة المصارف العالمية بسبب العقوبات.

وفي حال رغبتهم في شراء منتج ما، عادة ما كان الايرانيون يلجأون الى السوق السوداء. وبالطبع فان انباء رفع العقوبات ليست بالخبر الجيد لمهربي السوق السوداء، هؤلاء الذين استفادوا لفترة طويلة من جيوب الايرانيين.

وفي معرض الكتاب في طهران، ليس موقع "امازون" الشهير الذي كان يروج للكتب، بل شركة محلية تعرض الكتب الانكليزية الاكثر مبيعا مؤخرا، ولكن باسعار تفوق ثلاث مرات السعر الاصلي المعروض على الانترنت، الامر لا يقتصر على الكتب، بل ينطبق على المنتجات الغربية الاخرى من الهواتف الذكية الى مستحضرات التجميل الى الثياب، فالتجار يفتقرون المنافسة الحقيقية ولذلك يعمدون الى رفع الاسعار.

وبالنسبة الى محمد غالي يوسفي، استاذ الاقتصاد في جامعة العلامة الطبطبائي في طهران، فانه لن يكون للاتفاق النووي سوى تأثير اجابي، فهو يفتح المجال امام صفقات افضل وخيارات اكثر، ويقول يوسفي "الاقتصاد يشبه خط التلفون، فكلما كان لديك اتصالات اكثر مع الدول، ستجد في المقابل تجارة افضل". وتابع "اذا تم استيراد المنتجات بكل حرية، سيكون لدينا علاقات بناءة مع الدول المصنعة لها في اوروبا واميركا، وبالتالي سنتخلص من الوسطاء"، اي سماسرة السوق السوداء، الامر ذاته تطرق اليه الرئيس الايراني حسن روحاني في دعمه للتوصل الى اتفاق نووي، اذ قال في نيسان/ابريل ان المستفيدين من العقوبات في السوق السوداء "عليهم ان يبحثوا اليوم عن وظيفة جديدة"، وعزلت عقوبات فرضها كل من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والامم المتحدة ايران عن العالم الاقتصادي منذ العام 2006. وهي عقوبات يصفها خبراء بانها الاكثر تعقيدا في العالم.

ومنذ اطلاق المحادثات النووية في العام 2013، وخاصة بعد الاتفاق الاطار في تشرين الثاني/نوفمبر الذي خفف من نظام العقوبات، بدأت الشركات الغربية بزيارة ايران، بلد الـ78 مليون نسمة، لاعادة العلاقات مع شركائها المحليين. وبعد الاتفاق النووي، يتوقع ان تشهد البلاد على عقود تجارية جديدة اذ ان العديد من تلك الشركات كانت تنتظر هذا الاتفاق لتبدأ عملها، ولدى ايران مواقع الكترونية لبيع المنتجات خاصة بها، مثل موقع "ديجيكالا"، فضلا عن نظام بطاقات ائتمان محلي اظهر فعالية ومن شأن رفع العقوبات ان يسمح باطلاقه.

وفور رفع العقوبات، ستنفتح ايران ايضا على التكنولوجيا الحديثة ومعدات كانت ممنوعة عنها سابقا، فالشباب دون الثلاثين عاما يشكلون 56 في المئة من الشعب الايراني، وجميعهم يتشوقون لاستخدام التكنولوجيا الغربية الحديثة. بحسب فرانس برس.

وعلى سبيل المثال يبلغ سعر هاتف "اي فون 6" المستورد من تركيا او دبي 28,5 مليون ريال اي 850 دولارا في ايران، في حين يمكن شراؤه في الولايات المتحدة بـ750 دولارا ويشمل ذلك الضرائب. ولكن المشكلة الاساس تبدأ فور تشغيل الهاتف.

وتشرح سارة ديراكشان، استاذة اللغة الانكليزية في الـ30 من العمر، "ليس بامكاننا ان ندفع ثمن التطبيقات بسبب العقوبات، ولذلك من الافضل ان تنتهي"، وواجه احد اصدقائها صعوبات جمة في اصلاح هاتفه كونه لا يوجد في ايران متجر حصل على كفالة هواتف شركة "آبل". وتروي سارة ان "صاحب المتجر طلب منه مئة دولار مقابل كفالة محلية الا ان شركة التأمين قالت انها ليست صالحة. وبالتالي، عليه ان يقاضي صاحب المتجر للحصول على هاتف جديد".

وبالرغم من ان بعض المسؤولين في طهران يقللون من اهمية تأثير العقوبات، اقرت حكومة روحاني بالضرر الذي لحق بالاقتصاد، واشارت الى ان رفع تلك العقوبات وحده من شأنه ان يسرع الاستثمارات الاجنبية الضرورية في البلاد.

وفي المقابل، وفي وقت تراكمت العقوبات في ظل حكم الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، اعتمدت ايران اكثر على ما اطلق عليه "الاقتصاد الثوري" اي الانتاج المحلي.

وفعليا شهد الاقتصاد الايراني نموا بنسبة ثلاثة في المئة العام الماضي. الا ان ذلك لا ينفي الازمة، اذ ان 25 في المئة من المتخرجين يعانون من البطالة، ونسبة التضخم ما زالت 15 في المئة، كما ان انعاش الاقتصاد لا يزال مرتبطا باسعار النفط المنخفضة.

وخلال السنوات الماضية وجدت ايران اقتصادها يتهاوى خاصة بعد الانقطاع عن شبكة الاتصالات المصرفية العالمية (سويفت) في العام 2012، ما عزل القطاع التجاري الايراني عن الشبكة المالية العالمية، وبعد رفع القيود عن النظام المصرفي بفضل الاتفاق النووي، فان الشركات الايرانية، والكثير منها لديها ارصدة مجمدة في مصارف حول العالم، ستستعيد اموالها لتستفيد ايضا من تبادلات تجارية اسهل.

اضف تعليق


التعليقات

رضا زكي
كندا
ارى ان التغيير في ايران على المستوى الداخلي ليس مستبعدا مع ازدياد شعبية المعتدلين في الداخل وما حققه من مكاسب دبلوماسية في الخارج ايران بعد الاتفاق على اعتاب التغيير الداخلي .. موضوع يستدعي الاهتمام تحياتي2015-07-21