q
26635

شبكة النبأ: يذهب الكثير من المراقبين مع وجه النظر التي ترى ان الخطوات التصالحية بين قطر ودول الخليج (في القمة الخليجية الأخيرة والاجتماع الاستثنائي الذي عقد في الرياض قبل أكثر من شهر) لا تعدو كونها تضامنا شكليا، وما زالت الحقيقة بعيدة عن التضامن في الموقف والمصالح، سيما وان اغلب نقاط الخلاف بين التوجهات القطرية والتوجهات السعودية او البحرينية وحتى الإماراتية ما زالت قائمة، فقد أشار الكاتب مأمون فندي الى أن "الاختلاف بين دول مجلس التعاون الست به جزء يخص الخليج أما الجزء الأكبر منه فهو يخص موقف دول مجلس التعاون من دول الربيع العربي من تونس مرورا بمصر واليمن إلى سوريا"، ويضيف فندي "ورغم أن قمة المصالحة في الرياض ركزت كثيرا على موقف قطر تجاه مصر إلا أن الخلاف الخليجي بدا واضحا في اسطنبول تجاه ما يحدث في سوريا، إذ تبنت قطر وتركيا تسليم سوريا للإخوان بعد بشار الأسد بينما رفضت السعودية والإمارات هذا التوجه ولهذا ربما نرى ما نراه في سوريا حتى اليوم، ربما لا تكون قمة الحد الأدنى في الدوحة هي نتيجة لموقف تكتيكي قطري لا يعكس أي توجه أو التزام حقيقي ببنود اتفاق الرياض بقدر ما أراد أن تعقد القمة في الدوحة بأي ثمن وبعدها تعود ريما إلى عادتها القديمة".

وتحاول السعودية الضغط على الأمير القطري الشاب للبقاء ضمن الصف الخليجي ومنع انفراط عقده، وهو امر بالغ الخطورة بالنسبة للسعودية، التي تبحث عن اشراك دول الخليج في مجابهة عدة أمور تعتبرها تهديدا مباشرا لها ولأمن الخليج، وقد تأتي في مقدمتها توسع النفوذ الإيراني ومسالة الاخوان المسلمين، إضافة الى تنامي خطر الجماعات الجهادية داخل دول الخليج، فيما يحاول امير قطر، مسايرة الواقع السياسي الخليجي من دون الاندماج فيه بالكامل، خصوصا وان النهج الذي تتبعه قطر يختلف تماما عن مصالح السعودية ورؤيتها للمنطقة، وقد جاء الربيع العربي ليثبت حقيقة التباينات السياسية بين دول الخليج وحكامها، والتي كان اشدها الخلاف حول مصر بعد حكم الاخوان المسلمين الذي دعمته قطر بقوة، فيما حاربته السعودية والامارات واعتبرته خطر يهدد مناها ونظام الحكم فيها، إضافة الى سوريا التي ساندت فيها قطر جماعات مسلحة تختلف عن الجماعات التي دعمتها السعودية والامارات والبحرين، الامر الذي فاقم الخلافات (التي كانت موجوده في الأصل) بين الطرفين وانتهى بقطيعة دبلوماسية استمرت لعدة اشهر وانتهت بقمة تصالحية حاولت إرضاء الخواطر.  

تصاعد الخلافات مستمر

فقد وصف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قمة زعماء الدول الأعضاء بالمجلس التي كانت تهدف إلى عقد مصالحة بعد انتقادات لاذعة على مدى شهور بأنها "قمة الفرحة" ولكن رغم تعهد الدول الأعضاء بالالتزام بالوحدة فإن انعدام الثقة لايزال مستمرا، وقال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر الذي استضاف القمة "لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل"، كانت كلماته دعوة للوحدة لكنها أيضا رسالة ضمنية لمنتقدي الدوحة بسبب دعمها لجماعة الاخوان المسلمين التي تنظر إليها دول خليجية أخرى على أنها عدو خطير، وفي مارس آذار استدعت المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين سفراءها من قطر بسبب مساندتها للإسلاميين وأعادتهم بعد أن بذلت الكويت جهودا مكثفة للوساطة حتى يتسنى عقد القمة، وقبل عقد القمة كان مسؤولون خليجيون يتوقون للإعلان المتوقع عن إنشاء مركز قيادة عسكري مشترك جديد مقره الرياض على أن توفر كل دولة وحدات يستطيع استدعاءها في حالة وقوع أزمة.

لكن البيان الختامي اكتفى بالتعبير عن الرضا عن الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف الذي أعلن للمرة الأولى في عام 2012 وتمت الموافقة على إخضاعه لمزيد من الدراسة، وتشكلت وحدة شرطية مشتركة مقرها في أبوظبي وتركز على المسائل الأمنية، وقال محلل سياسي خليجي إن الدول الخليجية أرادت أن تنجح هذه القمة ومن ثم قررت ألا تتحدث عن الأمور التي ما زالت محل خلاف، وقال أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الخالق عبد الله إن المجلس كان يعمل "بالحد الأدنى" من التعاون مشيرا إلى أن مجرد عقد القمة يمثل إنجازا، وأضاف أن عقد القمة في الدوحة أمر إيجابي إذ أنه قبل أسابيع فقط لم يكن من المتوقع أن تعقد، ويمثل دعم قطر لجماعة الاخوان المسلمين التي تنظر اليها بقية دول الخليج بكثير من التشكك أكبر نقطة خلاف منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي، وكان قرار قطر بأن يغادر بعض أعضاء جماعة الاخوان المسلمين البلاد وتعهداتها للدول الأخرى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بألا تمنح الجماعة منبرا في الخليج كافيا لمصالحة رسمية إلا أنها لم تحل الخلافات المستمرة بشأن السياسة الخارجية، وهناك خلافات أيضا على صعيد السياسة تجاه إيران التي تعتبرها كل من السعودية والبحرين عدوا وبشأن الشكل النهائي للمجلس، وتخشى بعض الدول الأعضاء أن يؤدي المزيد من الاندماج إلى هيمنة السعودية عليها. بحسب رويترز.

ومنذ أن تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 لتوحيد الصفوف بعد قيام الثورة الإيرانية نجح في تقوية العلاقات لكنه لم يبذل جهدا يذكر لاحراز تقدم نحو هدف تحقيق مزيد من الوحدة، وكثيرا ما تدعو القمم السنوية للمجلس إلى علاقات أوثق ولكن الجهود المبذولة منذ فترة طويلة لإنشاء اتحاد جمركي ودرع صاروخية وأهداف أخرى لم تحقق تقدما يذكر، وامتدت المحاولات لإظهار حسن النوايا الى قرار المجلس الإشادة بعمان للدور الذي لعبته حين استضافت محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران مهدت للتوصل للاتفاق المبدئي الذي أبرم العام الماضي لعقد مفاوضات رسمية بشأن طموحات طهران النووية، وقال دبلوماسيون في الخليج آنذاك إن دول مجلس التعاون تساند المحادثات بشرط أن تضمن عدم اكتساب إيران قدرة عسكرية نووية لكن مسؤولين سعوديين عبروا في أحاديث خاصة عن غضبهم إزاء الدور الذي لعبته مسقط من أجل التوصل للاتفاق، ورغم أن المجلس عبر عن دعمه لمصر التي توترت العلاقات بين حكومتها وقطر بسبب دعم الدوحة لجماعة الاخوان فإنه لم يعلن عن أي مبادرة جديدة لاصلاح العلاقات بين الدولتين، وفي حين اتفق المجلس على إدانة دور الفصائل المختلفة في ليبيا فإنه لم يحدد أيا منها هي التي تتحمل القدر الأكبر من اللوم في الصراع الذي تدعم فيه قطر والامارات فصائل مسلحة متناحرة، وفي آخر لحظة اختصرت القمة من يومين الى يوم واحد، وقال مسؤول خليجي "نحن متفقون في كل القضايا ومن ثم لسنا بحاجة لمزيد من الوقت، نرى أن هذا مؤشر إيجابي وصحي جدا".

قطر تقدم التنازلات

فيما قدمت قطر مدفوعة بواقعيتها السياسية والرغبة في حماية مصالحها، تنازلات كبيرة ظاهريا لدول الخليج خلال قمتها في الدوحة عبر الانضمام الى الموقف السياسي الداعم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وادانة الميليشيات الاسلامية في ليبيا، وهي التي جعلت من دعم الاخوان المسلمين خيارا اساسيا لها خلال السنوات الأخيرة، وبحسب المحللين، لن تقطع قطر على الارجح علاقاتها مع الاخوان المسلمين الذين تعتبر انهم ما زالوا يشكلون تيارا عريضا في العالم العربي، الا انها عازمة على الحد من تداعيات هذا الدعم على مصالحها السياسية والاقتصادية وطموحاتها الرياضية الكبيرة، والقمة التي انعقدت لساعتين فقط لكن مجرد انعقادها يعد نجاحا بعد تسعة اشهر من التأزم كانت الأسوأ في تاريخ مجلس التعاون منذ تأسيسه في 1981، انتهت باعلان "مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها"، كما اكد قادة الخليج، ومن بينهم امير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد ال ثاني، دعم "برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسيي المتمثل بخارطة الطريق"، وادانة "تحكم المليشيات وسيطرتها على الساحة الليبية".

وتتهم قطر بمساندة ميليشيات اسلامية مرتبطة بالإخوان المسلمين في ليبيا، فيما يعتقد ان الامارات شنت في اب/اغسطس غارات على مواقع للإسلاميين في ليبيا، وتملك قطر التي يبلغ عدد مواطنيها ربع مليون نسمة فقط، ثالث اكبر احتياطي من الغاز في العالم، وقال المحلل السياسي المخضرم المقيم في لندن عبد الوهاب بدرخان "هناك تنازلات كبيرة قدمتها قطر في ما يتعلق بمصر وليبيا"، واشار ايضا الى تنازل "حتى بالنسبة للصياغة في موضوع البحرين ووضعه في سياق مكافحة الارهاب، الامر الذي يتعارض مع موقف قطر التي تعتبر الاحتجاجات (التي يقودها الشيعة) احتجاجات شعبية"، وبحسب بدرخان، فان الدافع نحو التراجع الظاهر لقطر الداعمة الابرز للإخوان المسلمين وللرئيس المصري المعزول محمد مرسي، هو "الواقعية السياسية من جهة، وخيار البقاء في مجلس التعاون من جهة اخرى" بعد ان وصل المجلس الى حافة التفكك، وقد يكون تقديم التنازلات خلال قمة تستضيفها خيارا يحفظ ماء الوجه لقطر ولا يبدو كتنفيذ املاءات. بحسب فرانس برس.

وكان الموقف من مصر في اساس الخلاف الخليجي الذي انفجر بسحب السعودية والامارات والبحرين في اذار/مارس سفراءها من الدوحة في خطوة غير مسبوقة، وقد توصلت دول الخليج الى اتفاق مصالحة سمح بعودة السفراء، ولكن التنفيذ الحقيقي للانعطافة القطرية في الشكل يبقى موضع تساؤل، سيما ان خيار دعم الاخوان المسلمين او ما يعرف بتيار الاسلام السياسي، بدا متجذرا في السياسة القطرية منذ سنوات، بما في ذلك عبر ذراعها الاعلامية قناة الجزيرة التي تم تغير خطها التحريري، وقال مصدر خليجي "قد تكون قطر قررت تقديم تنازلات شكلية لانقاذ الاجندة، اي انعقاد القمة، والانضمام الى بيانات قد لا تغير كثيرا في سياستها"، واضاف "ان الاشهر المقبلة ستظهر ما اذا كانت قطر غيرت فعلا سياساتها ام انها غير راغبة او غير قادرة على ذلك"، اما عبد الوهاب بدرخان، فاعتبر ان التنازلات في قمة الدوحة "لا تعني ان قطر ستقطع علاقاتها مع الاسلام السياسي لان العلاقة فيها مصالح والتيار لا يزال كبيرا في العالم العربي"، الا ان قطر "لا تريد ان تفسد صبغتها بتيار الاسلام السياسي علاقاتها الخليجية والدولية، هي التي لديها طموحات سياسية ورياضية كبيرة واجهت بدورها انتكاسات"، في اشارة الى تعثرات استضافتها لكاس العالم لكرة القدم في 2022.

واعتبر ان قطر "تتعاطف مع التيار الاسلامي بما يخدم مصالحها اي انها تفيده وتستفيد منه، ولكن تريد في النهاية تحقيق مصلحتها"، وسبق ان طلبت قطر من عدد من قياديي الاخوان المسلمين مغادرة الدوحة، الا ان مصادر مختلفة تؤكد ان شخصيات اسلامية اخرى لا تزال تحظى بملجأ قطري، لاسيما الداعية الاسلامي البارز يوسف القرضاوي، وان خف ظهوره الإعلامي، كما اوقفت قطر عمليات التجنيس التي شملت بحرينيين سنة وكانت من بين ابرز الخلافات مع الدوحة، وتوقفت بحسب مصادر خليجية عن احتضان معارضين خليجيين لاسيما سعوديين، وبعد ان بدا النفوذ القطري الدبلوماسي متضخما مع انطلاقة الربيع العربي ومع ضمور القوى العربية التقليدية، وبعد انتكاسات دعمها للإسلاميين كقوة عابرة للدول العربية يمكن ان تستفيد من صعودها الى السلطة، تعود السياسة القطرية الى شيء من التوازن، وقال المحلل السياسي الكويتي عايد المناع ان "قطر كانت امام خيار الخروج من مجلس التعاون، الا انها قررت البقاء ضمن البيت الخليجي لان مصالحها فيه"، لكنه قال انه "لا يجب الاستعجال في قطف ثمار هذا القرار" فيما "بات يتعين على مصر ايضا ان تقوم بخطوات تجاه قطر".

ترحيب شكلي حذر

فيما اعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية ان الخلاف بين بلاده وبعض دول مجلس التعاون الخليجي "اصبح من الماضي"، وقال الوزير في مؤتمر صحافي عقده في الدوحة "الخلاف اصبح من الماضي، الان نحن نركز على ترسيخ روح التعاون الصادق بين دول مجلس التعاون من اجل خليج قوي ومتماسك"، وجاء كلام الوزير القطري في ختام اجتماع تحضيري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقد في الدوحة استعدادا للقمة الخليجية المقررة في التاسع والعاشر من كانون الاول/ديسمبر في الدوحة، وتابع العطية "نحن نعمل جادين مع الاشقاء في دول المجلس لكي تكون لدينا رؤية موحدة في كافة القضايا لا سيما القضايا التي لها علاقة بامن الخليج" معتبرا ان "وحدة ولحمة الخليج شيء مصيري"، وكانت عقدت قمة خليجية مصغرة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر في الرياض ادت الى مصالحة قطر مع السعودية والامارات والبحرين، التي كانت تتهم الدوحة بالعمل على زعزعة استقرارها عبر دعم مجموعات اسلامية مثل جماعة الاخوان المسلمين، ويضم مجلس التعاون الخليجي سلطنة عمان والكويت اضافة الى قطر والسعودية والامارات والبحرين. بحسب فرانس برس.

ورحبت مصر باتفاق بين دول خليجية لإنهاء خلاف مع قطر خرج إلى العلن هذا العام بسبب دعمها حركات إسلامية ومساندتها لانتفاضات الربيع العربي، وجاء الإعلان المصري في بيان من رئاسة الجمهورية ردا على بيان أصدره الملك عبد الله عاهل السعودية في وقت سابق يدعو فيه القاهرة لدعم اتفاق الرياض التكميلي بين السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر، وقالت البيان المصري "استقبلت مصر بترحيب كبير البيان الصادر من الديوان الملكي السعودي، وتؤكد على تجاوبها الكامل مع هذه الدعوة الصادقة والتي تمثل خطوة كبيرة على صعيد مسيرة التضامن العربي"، وفي بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية في وقت سابق ناشد الملك السعودي المصريين قيادة وشعبا "للسعي معنا في إنجاح هذه الخطوة في مسيرة التضامن العربي"، ولم يتضمن البيانان السعودي والمصري أي إشارة مباشرة للتوترات السياسية بين مصر وقطر والتي دفعت القاهرة لاستدعاء سفيرها لدى الدوحة هذا العام، لكن بيان الرئاسة المصرية قال "نتطلع معا إلى حقبة جديدة تطوي خلافات الماضي وتبث الأمل والتفاؤل في نفوس شعوبنا"، وتدهورت العلاقات بين القاهرة والدوحة منذ عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، والسعودية والامارات والبحرين من أبرز داعمي الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي الذي كان قائدا للجيش وقت عزل مرسي وقدمتا مليارات الدولارات مساعدات لمصر منذ ذلك الحين، وقد أعادت الدول الثلاث سفراءها إلى الدوحة بعد تسوية خلافها مع قطر، وكانت الدول الثلاث سحبت سفراءها من الدوحة في مارس اذار الماضي لعدم التزامها باتفاق سابق يقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

اضف تعليق