q

فيما تتواصل الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي والتي دخلت مرحلة مهمة بعد الشروع بعمليات تحرير الحويجة اخر معقل لهذا التنظيم في العراق، يشهد التوتر بين أربيل وبغداد تصعيدا خطيرا بسبب مواقف حكومة اقليم كردستان التي تسعى وعلى الرغم من الضغوط الدولية الداعية إلى تأجيل عملية التصويت، لإجراء استفتاء انفصال عن العراق، هذه التوترات ازدادت بعد شمول المناطق المتنازع عليها في الاستفتاء. وهو ما قد يسهم في خلق صراع جديد في المنطقة التي تعيش حالة من عدم الاستقرار الامني، وأي صراع حول كردستان العراق وكما نقلت بعض المصادر، ستكون له تداعياته في أنحاء الشرق الأوسط لاسيما في سوريا وتركيا وإيران. واتفقت أنقرة وبغداد وطهران على إجراءات لمواجهة الخطط الكردية. كما هددت تركيا التي ترتبط بعلاقات تجارية وسياسية وثيقة مع الإقليم خاصة في مجال الطاقة بفرض عقوبات. وأدانت الولايات المتحدة الاستفتاء ووصفته بأنه ”استفزازي ويقوض الاستقرار“ وحثت على استئناف المفاوضات.

والمناطق المتنازع عليها هي مناطق تخضع دستوريا لبغداد وتطالب بها سلطات كردستان، على غرار كركوك الغنية بالنفط، ومناطق في شمال ووسط البلاد. وأبدى مجلس الأمن الدولي معارضته لاجراء الاستفتاء، محذرا من أن هذه الخطوة الآحادية من شأنها أن تزعزع الاستقرار، ومجددا تمسكه بـ"سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه". وشدد المجلس على أن أعضاءه "يدعون إلى حل أي مشكلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في إطار الدستور العراقي عبر حوار منظّم وحلول توافقية يدعمها المجتمع الدولي". وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن رفضه للاستفتاء بكل أشكاله. وقال العبادي خلال لقاء مع صحافيين في بغداد إن "الاستفتاء مرفوض، سواء حصل الآن أم في المستقبل. ومرفوض سواء حصل في الإقليم (...) أو في المناطق المتنازع عليها".

وبارزاني يرفض رسميا تغيير موقفه. وقد أعلن رفضه "مبادرة" من الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم. واقترح معصوم بدء "مفاوضات بدون شروط مسبقة" وبدعم من الأمم المتحدة. وبهدف إنجاز هذه المبادرة، اقترح الرئيس العراقي تشكيل لجنة عليا برئاسته وتضم رئيس الحكومة العراقية ورئيس حكومة الإقليم ورئيس مجلس النواب العراقي.

مخاوف من الاستفتاء

وفي هذا الشأن فمن المتوقع أن يصوت أكراد العراق لصالح مساعي الاستقلال التي تخشى الدول المجاورة والقوى الغربية من أن تقسم البلاد وتشعل شرارة صراع عرقي وطائفي أكبر في المنطقة. ويزين العلم الكردي بألوانه الأحمر والأبيض والأخضر تتوسطه شمس ذهبية متوهجة السيارات والمباني في أنحاء المنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق. وتقول لوحات ”حان الوقت-نعم لكردستان الحرة“. ورفض مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق منذ 2005 جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا لتأجيل الاستفتاء. وتجري تركيا مناورات عسكرية على الحدود مع العراق للتأكيد على مخاوفها من أن انفصال أكراد العراق قد يغذي التمرد على أراضيها.

وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في تصريحات بثها التلفزيون إن الاستفتاء يمثل تهديدا للأمن القومي التركي وإن أنقرة ”ستفعل ما يلزم“ لحماية نفسها. لكنه لم يذكر تفاصيل. وقال هوشيار زيباري وهو مستشار كبير للبرزاني ”تلك هي الخطوات الأخيرة من السباق النهائي وبعدها لن نتزحزح“. ورغم أنه غير ملزم، يرى كثير من الأكراد في الاستفتاء فرصة تاريخية لتقرير المصير بعد قرن من اتفاقية سايكس-بيكو التي رسمت فيها بريطانيا وفرنسا الحدود في الشرق الأوسط ووزعت 30 مليون كردي بين إيران وتركيا وسوريا والعراق.

وقال زيباري إن تأجيل الاستفتاء دون ضمانات بإمكانية إجرائه على أساس ملزم بعد التفاوض مع بغداد سيكون ”انتحارا سياسيا للقيادة الكردية ولحلم الاستقلال الكردي“. ولطالما أعلنت تركيا عن مسؤولية خاصة في حماية التركمان. وبعض التركمان العراقيين شيعة وينتمون لأحزاب سياسية قريبة من إيران. وقال زيباري ”نتوقع متاعب ممن يعارضون الاستفتاء لكننا مصرون على عدم التورط في أي عنف. لا نريد أن نعطيهم ذريعة للتدخل أو التشكيك في صحة التصويت“.

وتسببت التوترات بين حكومة كردستان وبغداد في تجميد إيرادات النفط التي يعتبرها الأكراد الدعامة الأساسية لدولتهم المستقبلية. ويتهم الأكراد منذ فترة طويلة بغداد بوقف مدفوعات الميزانية المخصصة للمنطقة بينما رفضت بغداد صفقات النفط التي أبرمها الأكراد دون موافقتها. وقد يهدد صراع إقليمي إمدادات النفط من الحقول الواقعة في كردستان وفي شمال العراق والتي ينقلها خط أنابيب عبر تركيا إلى الأسواق العالمية. وقتل كردي واحد على الأقل في اشتباكات وقعت قبل الاستفتاء في كركوك ونُصبت نقاط التفتيش الأمنية في أنحاء المدينة للحيلولة دون وقوع المزيد من أعمال العنف.

وتخشى الحكومة المركزية في بغداد وجيران العراق وقوى غربية من أن يقسم التصويت البلاد التي شهدت صراعا عرقيا وطائفيا مدمرا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 للإطاحة بصدام حسين. وقال البرزاني أمام حشد جماهيري في أربيل ”ينبغي علينا دفع أي ثمن من أجل الاستقلال لأننا نفضل الحرية على التبعية أو الاضطهاد“ مضيفا أن مقاتلي قوات البشمركة الكردية اكتسبوا حق تحديد المصير بعد قتال تنظيم داعش.

وأضاف أمام عشرات الآلاف من الناس وهم يهتفون ويلوحون بعلم كردستان ”هم يشيدون بتضحيات البشمركة لكن لا يتركون البشمركة وأسر الشهداء يحددون مصيرهم“. وتابع قائلا ”أكدنا مجددا لمجلس الأمن الدولي أن حربنا ضد الإرهاب ستستمر“ نافيا مخاوف من أن التصويت سيقوض الحملة التي تستلزم تعاونا مع العرب لسحق تنظيم داعش. بحسب رويترز.

والمزاج العام يبدو مواتيا للاستفتاء لكن كثيرين خاصة من غير الأكراد قالوا إنهم يشكون في حكمة إجراء التصويت في الوقت الراهن. وقالت كريمة عطية وهي عجوز عربية عاشت كل حياتها في كركوك ”عشنا دوما في سلام ولا نريد مشاكل... لا أؤيد الاستفتاء“. واكتسب البرزاني قوة على مدى أكثر من عقدين تجنب فيه شمال العراق الاضطرابات التي أثرت على باقي أنحاء البلاد.

وعانت الأجيال الكبيرة من أكراد العراق من حملة الأنفال التي نفذها صدام حسين في الثمانينيات وتريد أن تقطف ثمار كفاحها من أجل الاستقلال الوطني. ويقول محمد وهو باحث في السليمانية في الثلاثينيات من عمره ”يعتقد (أباؤنا وأمهاتنا) أن عدم التصويت بنعم خيانة... قتل أبناؤهم وأقاربهم على يد حكومة بغداد في الماضي ويرون في الاستفتاء نوعا من الثأر“. ويحق لأكثر من 5.2 مليون شخص التصويت في الاستفتاء.

اتفاق ثلاثي

من جانب اخر قالت وزارة الخارجية العراقية إن العراق وإيران وتركيا اتفقوا على دراسة إجراءات ضد إقليم كردستان العراق بسبب استفتاء مزمع على الاستقلال. وفي بيان مشترك عبّر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري ونظيراه الإيراني محمد جواد ظريف والتركي مولود تشاووش أوغلو عن قلقهم من أن يعرض الاستفتاء المكاسب التي حققها العراق ضد تنظيم داعش للخطر ومن احتمال اندلاع نزاعات جديدة في المنطقة.

وجاء في البيان الذي نشرته وزارة الخارجية العراقية على موقعها الإلكتروني ”الاستفتاء لن يكون مفيدا للأكراد أو لحكومة إقليم كردستان. واتفق المجتمعون على اتخاذ إجراءات مضادة بالتنسيق فيما بينهم“. ولم يتضمن البيان، الذي أعقب اجتماعا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي تفاصيل عن الإجراءات المحتملة لكنه أشار إلى ”ضرورة تضافر الجهود الدولية لإقناع حكومة إقليم كردستان بإلغاء الاستفتاء“ مضيفا أن الوزراء وجهوا ”دعوتهم إلى المجتمع الدولي لأن يأخذ دوره بشأن ذلك“.

وهدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بفرض عقوبات على إقليم كردستان العراق، وتجري القوات التركية تدريبات عسكرية على مقربة من الحدود. وتخشى حكومة بغداد المركزية وجيران العراق والقوى الغربية أن يقسم الاستفتاء البلاد ويشعل صراعا إقليميا أوسع بعدما تعاون العرب والأكراد لطرد تنظيم داعش من معقله في الموصل. بحسب رويترز.

وقال البيان إن الوزراء الثلاثة ”أكدوا على عدم دستورية الاستفتاء الذي تنوي حكومة إقليم كردستان العراق إجراءه لأنه ‏سيتسبب بصراعات في المنطقة يكون من الصعب احتواؤها“. لكن الأكراد عبروا عن تصميمهم على المضي قدما في الاستفتاء الذي قد يطلق، رغم أنه غير ملزم، عملية الانفصال عن بلد يعاني بالفعل انقسامات طائفية وعرقية. وقال البيان إن الوزراء الثلاثة أكدوا ”التزامهم القوي بالحفاظ على ‏وحدة العراق السياسية وسلامة أراضيه“. وقدمت تركيا موعد اجتماع لمجلس الوزراء وآخر لمجلس الأمن القومي بشأن الاستفتاء. وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم إن البرلمان سيجتمع أيضا لمناقشة الاستفتاء في جلسة استثنائية.

من جانب اخر قال بريت مكجورك المبعوث الأمريكي الخاص إلى التحالف المناهض لتنظيم داعش إن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان بشمال العراق ”ينطوي على مخاطر كثيرة“. وأضاف للصحفيين ”الاستفتاء ينطوي على قدر هائل من المخاطر ولا يمكن للولايات المتحدة السيطرة على هذا... فيما يتعلق بعواقب الاستفتاء فهي ليست أمرا يمكننا السيطرة عليه بشكل كامل.. إنه ينطوي على مخاطر كثيرة“.

اضف تعليق