q

شهدت أنظمة الحكم في بعض دول الخليج العربي متغيرات مهمة في السنوات الأخيرة، مع صعود جيل جديد من الشاب لتولي المناصب العليا، حيث دأبت دول الخليج في الآونة الأخيرة وكما نقلت بعض المصادر، على تكليف الشباب مناصب حساسة في خطوة غير مألوفة في منطقة اعتادت حكاماً ثمانينيين وسبعينيين في احسن الاحوال، غيّرت الصورة النمطية في السعودية وقطر والإمارات خصوصا، مثيرة تساؤلات عما يمكن أن يغيره هذا الجيل الجديد من الحكام في مجتمعات محافظة. ويرى بعض المراقبين ان هذه الخطوات والمتغيرات التي اعقبت ما بات يعرف بثورات الربيع العربي في بعض البلدان، ربما ستسهم في استقرار بعض دول الخليج باعتبارها أصبحت تدار بعقلية شابة وطموحة، تسعى الى اعتماد خطط وسياسات جديدة ومختلفة تتماشى مع احتياجات وتطورات المجتمع الخليجي. ويرى البعض الأخر ان تولي بعض الشخصيات الشبابية المندفعة يمكن ان تسهم بتفاقم المشكلات والأزمات الحالية بسبب قلة الخبره السياسية والمغامرة.

وقد عين محمد بن راشد عين ثمانية وزراء اماراتيين معدل أعمارهم 38 سنة، وأصغرهم امرأة في الثانية والعشرين لوزارة الشباب.وقبله، وعين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، محمد بن عبد الرحمن، وهو في الخامسة والثلاثين، وزيرا للخارجية. وكان تميم نفسه تسلم السلطة عام 2013، وهو في الثالثة والثلاثين، إثر تنازل والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني له عن المنصب، ليصير أصغر الحكام العرب ‏سناً، بفارق أكثر من 15 عاماً عن أصغر من يكبره من الزعماء العرب وعقود عن أكبرهم .‏ يضاف الى ذلك تعيين الملك سلمان بن عبدالعزيز ابنه الأمير محمد بن سلمان، وهو في مطلع الثلاثينات، وليا للعهد، إضافة الى منصبه وزيراً لدفاع أكبر مؤسسة عسكرية خليجية ورئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

حيث بات يلقب "الرجل القوي" في السعودية. هو يعتبر على نطاق واسع مهندس التدخل السعودي العسكري في اليمن. وقد أعلن سلسلة اصلاحات اقتصادية ضخمة من شأنها إعادة تشكيل اقتصاد البلاد لمواجهة هبوط أسعار النفط في ما سيكون أكبر تغيير للسياسة الاقتصادية للمملكة. وفي كانون الاول الماضي، أطل بنفسه ليُعلن تشكيل التحالف الإسلامي العسكري.

وليس بعيدا من هذا السياق، اختارت سفيرها في واشنطن عادل الجبير خلفاً لسعود الفيصل، مهندس ديبلوماسية المملكة. وفي الامارات وقطر والسعودية، تتسلم وجوه شابة مراكز قرار في خطوة لم تعهدها الدول الثلاث، وقد تؤسس لمرحلة جديدة اجتماعية واقتصادية وسياسية. الباحثان في مؤسسة"راند" بيكا واسر وجيف مارتيني رصدا التحولات في منطقة الخليج بعد سنوات من الزعماء الثمانينيين، والاثار المحتملة لتبدل وجوه القيادة الخيليجية التي تصير أكثر شباباً. فمع أن أكثر الملوك ورؤساء الدول كبار في السن، ولت في رأيهما الايام التي كان المسنون يحتكرون فيها القيادة في كل الميادين، وصار مألوفاً تعيين ولي عهد أو وزراء رئيسيين في الاربعينيات أو الخمسينات.

ويقول الباحثان إن بين الوزراء الجدد العديد من التكنوقراط الذين يتبنون نهجا تحليليا للسياسة العامة. وأولياء العهد، الذين هم جميعهم باستثناء واحد في الخامسة والخمسين وما دون، يحملون وجهات نظر مختلفة في السياسة الإقليمية والدولية مقارنة بأسلافهم. فقد عايش هؤلاء ذكرى غزو الكويت مطلع التسعينيات والحرب الخليجية التي تلتها. وبعضهم، بما فيهم نائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمضى سنوات من أعمارهم داخل المنطقة أكثر من نظرائهم الأكبر سنا، الذين أمضوا سنوات في الخارج. وبين الزعماء الجدد الذين درسوا في الخارج، قصد كثيرون منهم جامعات في الولايات المتحدة بدل العادات السابقة من الدراسة في القاهرة ولندن وباريس.

يلفت الباحثان الى ضغوط النظام الوراثي، وأنه في ديناميات السلطة الأسرية، تكون القيادات الشابة قلقة من الخلف المنافس بقدر قلقها من الجمهور المضطرب. كما يعترفان بأن السلالات بيئات معادية للإصلاح السياسي ، وأن الزعماء لا يستطيعون القيام بتغييرات هيكلية في النظام السياسي تجرد الأسر الحاكمة من بعض نفوذها من دون أن يكونوا معرضين للإطاحة. ومع ذلك، من الطبيعي أن يلجأ المعينون الشباب الى تسمية معاصريهم لمناصب رئيسية ولكن بعد توطيد سلطتهم. وهذا ما حصل مع الشيخ تميم الذي أجرى بعد سنتين ونصف سنة من تسلمه منصبه، إصلاحات جذرية في حكومته عين بموجبها مساعدين جددا له، ثلاثة منهم دون سن الـ45 عاما.

انقلاب الأمير الصغير

وفي هذا الشأن نشرت وكالة رويترز للأنباء, تقريرا موسعاً كشفت فيه تفاصيل جديدة عن الانقلاب الذي نفذه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان, ضد الأمير محمد بن نايف, مشيرة إلى أنه في يوم الثلاثاء 21 يونيو/حزيران الماضي، تلقى الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي والشخصية القوية في جهاز الأمن بالمملكة على مدى العقدين الماضيين، اتصالاً للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز في الطابق الرابع من القصر الملكي بمكة.

وذكر مصدر مقرب من الأمير محمد بن نايف، أن الملك أمره في الاجتماع بالتنحي لصالح ابنه الأمير محمد بن سلمان؛ لأن إدمانه العقاقير المسكنة يؤثر على حكم ولي العهد على الأمور وتقديره لها. ! وقال المصدر: “الملك جاء للقاء محمد بن نايف وكانا وحدهما في الغرفة، وقال له: أريدك أن تتنحى؛ لأنك لم تستمع للنصيحة بأن تتلقى العلاج من إدمانك الذي يؤثر بصورة خطيرة على قراراتك”.

وتساعد التفاصيل الجديدة بشأن الاجتماع الاستثنائي بين الملك وولي عهده، والذي كان بمثابة انقلاب قصر فعلي، في توضيح الأحداث التي تعيد تشكيل القيادة في أكبر دولة مصدرة للنفط بالعالم. ولم يتسنَّ التأكد من مسألة إدمان محمد بن نايف، ورفض مسؤولو القصر الرد على الأسئلة المفصلة بشأن ملابسات إزاحته. لكن مصادر مطلعة أفادت بأن الملك كان عازماً على تصعيد ابنه لولاية العرش واستغل مشكلة محمد بن نايف مع العقاقير المسكنة للإطاحة به.

وأبلغ 3 أشخاص مطلعين على ما يدور في البلاط الملكي و4 مسؤولين عرب على صلة بأسرة آل سعود الحاكمة ودبلوماسيون في المنطقة، رويترز، أن محمد بن نايف فوجئ بتلقيه أمراً بالتنحي. وقال مصدر سياسي سعودي مقرب منه: “كانت صدمة لمحمد بن نايف. كان انقلاباً. لم يكن مستعداً”. وذكرت المصادر أن محمد بن نايف لم يتوقع أن يفقد منصبه لمصلحة محمد بن سلمان، الذي يرى بن نايف أنه ارتكب عدداً من الأخطاء السياسية؛ مثل تعامله مع الصراع في اليمن، وإلغائه المزايا المالية للموظفين الحكوميين.

ووضع هذا التغيير، الذي ينطوي على مخاطر كبيرة، سلطات واسعة في يد محمد بن سلمان، الذي لم يتجاوز من العمر 31 عاماً، ويستهدف فيما يبدو الإسراع بوصوله إلى العرش. وعندما يصبح ملكاً فسوف يقود الأمير الشاب مملكة تواجه أوقاتاً صعبة وتشهد تراجعاً في أسعار النفط، وصراعاَ في اليمن، وتنافساً مع إيران- الخصم اللدود، وأزمة دبلوماسية كبرى في الخليج. وسلَّم المصدر المقرب من محمد بن نايف، بأن لديه مشكلات صحية زادت بعد محاولة مهاجم من تنظيم القاعدة تفجير نفسه أمامه في قصره عام 2009. وأكدت 3 مصادر أخرى في السعودية والمسؤولون العرب الأربعة الذين لهم علاقة بالأسرة الحاكمة، هذه المشكلات الصحية.

وقدَّم مصدر عربي له علاقات بالسعودية رواية مماثلة عن الاجتماع، الذي طالب فيه الملك سلمان الأمير محمد بن نايف بالتنحي؛ بسبب إدمانه المزعوم للعقاقير المسكنة. وقالت المصادر إن هناك شظية مستقرة في جسد محمد بن نايف لم يتسنَّ إخراجها، وإنه يعتمد على عقاقير مثل المورفين؛ لتخفيف الألم. وأضاف مصدر أن بن نايف عولج في مستشفيات بسويسرا 3 مرات في السنوات القليلة الماضية. ولم يتسنَّ التأكد من هذه الرواية على نحو مستقل.

وتحرك العاهل السعودي قبل اجتماع لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، كان مقرراً أن يبدأ في الحادية عشرة مساء. لكن قبل ذلك بساعات قليلة، تلقى بن نايف ما اعتبره اتصالاً هاتفياً عادياً من محمد بن سلمان. وأفاد المصدر المقرب من بن نايف بأن بن سلمان أبلغه أن الملك يريد لقاءه. وفي الساعات التي تلت الاجتماع الذي شهد عزل محمد بن نايف، جرى إطلاع مجلس البيعة، الذي يتألف من كبار أعضاء أسرة آل سعود، على رسالة ممهورة بتوقيع الملك.

وجاء في الرسالة التي صاغها مستشارو محمد بن سلمان، أن بن نايف يعاني مشكلة صحية وهي إدمان العقاقير، وأنه جرت محاولات منذ أكثر من عامين لإقناعه بالتماس العلاج، لكن دون جدوى. ونقل المصدر المقرب من محمد بن نايف مقتبسات من الرسالة، تقول إنه نظراً إلى هذا الوضع الصحي الخطير تعيَّن إعفاؤه من منصبه وتعيين محمد بن سلمان مكانه. تُلي الخطاب عبر الهاتف على أعضاء هيئة البيعة، بينما ظل محمد بن نايف معزولاً في غرفة طوال الليل، وتم سحب هاتفه الجوال، وقطع الاتصال بينه وبين مساعديه، واستبدال حراسه من وحدات القوات الخاصة في وزارة الداخلية.

وأرسل القصر مبعوثين إلى أعضاء هيئة البيعة للحصول على توقيعاتهم. ووقَّع جميع الأعضاء وعددهم 34، باستثناء 3 ونجحت الخطة. وسُجلت مكالمات أعضاء هيئة البيعة المؤيدون لعزل الأمير محمد بن نايف وأذاعها عليه مستشار للديوان الملكي؛ لإظهار شدة القوى المؤيدة لتنحيته وإثناء ولي العهد، البالغ من العمر 57 عاماً، عن أي رغبة في المقاومة. ووفقاً لما ذكره مصدران سعوديان على صلة بالأسرة الحاكمة، فإن 3 أعضاء فقط بهيئة البيعة عارضوا الإطاحة به؛ هم: أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية سابقاً، وعبد العزيز بن عبد الله ممثل أسرة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، والأمير محمد بن سعد النائب السابق لأمير الرياض. ولم يتسنّ الوصول للثلاثة للتعليق.

وبحلول الفجر، كان الأمير محمد بن نايف قد استسلم وأبلغ مستشاراً للديوان الملكي أنه مستعد لمقابلة الملك. كان الاجتماع مقتضباً، ووافق بن نايف على التنحي وتوقيع وثيقة تفيد بذلك. وقال المستشار إنه حين غادر محمد بن نايف مقر إقامة الملك، فوجئ بالأمير محمد بن سلمان في انتظاره. واحتضن الأمير محمد بن سلمان الأمير محمد بن نايف وقبَّله بينما سجلت كاميرات التلفزيون المشهد. وبعد قليل، صدر بيان مُعدٌّ مسبقاً يعلن قرار الملك سلمان تعيين ابنه ولياً للعهد. كان هذا هو المقطع الذي أذاعته وسائل الإعلام السعودية والخليجية في الساعات والأيام التالية.

قال المصدر إن الأمير محمد بن نايف لا يزال قيد الإقامة الجبرية؛ ليظل معزولاً بعد الإطاحة به، ولا يُسمح له باستقبال زوار باستثناء أفراد أسرته. وأضاف أنه لا يتلقى اتصالات هاتفية. وفي الأسبوع الأخير، لم يُسمح له إلا بزيارة والدته المسنّة بصحبة الحراس الجدد الذين كُلفوا مرافقته مؤخراً. وذكر المصدر أن الأمير محمد بن نايف يودُّ أن يصطحب أسرته إلى سويسرا أو لندن، لكن الملك سلمان وابنه الأمير محمد قررا أنه يجب أن يبقى. وأضاف المصدر: “لم يكن أمامه أي خيار”.

وامتنع البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن التعليق. وقال مسؤول كبير بالإدارة الأميركية إن واشنطن كانت تعلم أن الأمير محمد بن سلمان هو المفضَّل لدى الملك، لكن ما هو أكثر من هذا “يلفُّه غموض شديد”. وتكهن بعض المسؤولين السعوديين والغربيين بتصعيد محمد بن سلمان، لكنها جاءت أسرع كثيراً من المتوقع بإخراج محمد بن نايف من المشهد على عجل. ومنذ تولي الملك سلمان الحكم، كانت هناك مؤشرات واضحة على أن محمد بن سلمان مفضل على محمد بن نايف، وهو ما هيأ الأجواء ليغطي الأمير الشاب على ولي العهد السابق.

منح العاهل السعودي، (81 عاماً)، سلطة لم يسبق لها مثيل لابنه الأمير محمد بن سلمان، استخدمها في تغيير من يشغلون أرفع المناصب بقطاعات السياسة والنفط والأمن والمخابرات، ويقول دبلوماسيون ومصادر سياسية وأمنية سعودية إنه فعل ذلك في كثير من الأحيان دون علم الأمير محمد بن نايف. ومنذ تولي الملك سلمان قيادة المملكة، قبل أكثر من عامين بقليل، عَيّن الأمير محمد بن سلمان رجاله في مناصب مهمة. وكان الأمير محمد بن سلمان يتدخل في عمل وزارة الداخلية تحت قيادة محمد بن نايف؛ فعيَّن ضباطاً، ورقى آخرين، وعزل غيرهم دون إبلاغه.

ودمجه مع الديوان الملكي؛ ما حال دون أن يحشد الأمير دعماً مستقلاً. وتبع هذا عزل سعد الجابري المستشار الأمني للأمير محمد بن نايف. وحين دخل الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، نجح الأمير محمد بن سلمان في إقامة اتصالات مع واشنطن؛ لمعادلة الدعم القوي الذي كان يتمتع به محمد بن نايف في المؤسسة الأمنية والمخابراتية الأميركية؛ نتيجة نجاحه في التغلب على تنظيم القاعدة بالمملكة.

وقال المصدر القريب من محمد بن نايف إن عملية التغيير مضت قدماً بعد أن أقام محمد بن سلمان علاقة قوية مع صهر ترامب ومستشاره غاريد كوشنر. ولم يردّ متحدث باسم كوشنر على طلب للتعليق. ومع صعود محمد بن سلمان المفاجئ، تسري تكهنات الآن بين دبلوماسيين ومسؤولين سعوديين وعرب بأن الملك سلمان يستعد للتنازل عن العرش لابنه. وقال مصدر سعودي نقلاً عن شاهد بالقصر الملكي إن الملك سلمان سجل هذا الشهر بيانا يعلن فيه التنازل عن العرش لابنه. وقد يذاع هذا الإعلان في أي وقت.. ربما في سبتمبر/ أيلول.

بن زايد وبن سلمان

الى جانب ذلك فرحلة الصيد الخليجية التقليدية غيَّرت تاريخ الشرق الأوسط ودفعت السعودية إلى الانقلاب على قطر، والاصطفاف في السياسة الإماراتية. فقد كشفت صحيفة وول ستريت الأميركية أن وليي العهد في السعودية وأبوظبي بالكاد كان يعرفان بعضهما البعض إلى أن استمتعا بتسليةٍ خليجية معاً، تمثَّلت في رحلة تخييمٍ ليلي في الصحراء السعودية الواسعة، رافقهما فيها صقورٌ مُدرَّبة وحاشيةٌ صغيرة.

وكانت تلك الرحلة التي تمت قبل عامٍ ونصف، وهي تعادل جولات الغولف التي يقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نقطةَ تحوُّلٍ في الصداقة الناشئة بين الأمير محمد بن سلمان، نجل العاهل السعودي، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، وذلك بحسب أشخاص مُطَّلِعين على الرحلة. وأصبحت سياسات السعودية الغنية بالنفط والمحافِظة للغاية تتوافق مع جارتها الصغيرة الأكثر تحرُّراً وتنوعاً اقتصادياً. ويجري النظر إلى العلاقة بين الأميرين، باعتبارها عاملاً رئيسياً في التحوُّل السعودي.

ويتَّخذ السعوديون خطواتٍ أكثر جرأة لكبح التشدد الديني في الداخل وتشديد موقفهم تجاه الحركات الإسلامية في الخارج، وهو الأمر الذي لطالما دعمته الإمارات طويلاً. كما تتبنى السعودية أيضاً سياسةً أكثر عدوانية، آخرها تمثَّل في الجهود مع الإمارات من أجل فرض حصارٍ على قطر، الجارة الخليجية الصغيرة الأخرى. وقد دعمت قطر الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في قطاع غزة، وحافظت على ارتباطاتٍ بمجموعاتٍ إسلامية، الأمر الذي تسبَّب في حنقٍ لدى الإمارات.

وقال أندرياس كريغ، المستشار السابق لحكومة قطر وخبير شؤون الخليج في كلية كينغز كوليدج بلندن، عن أزمة الحصار لوول ستريت: "لقد خلق محمد بن سلمان ومحمد بن زايد هذا الوضع". وحتى وقتٍ قريب، كما يقول كريغ، كانت علاقة الأمير السعودي على ما يرام مع أمير قطر. وأضاف: "لكن لأنَّ قطر والإمارات مختلفتان عن بعضهما البعض بـ180 درجة، كان على السعودية أن تتَّخذ خيارها".

وبحسب أشخاص عديدين قريبين من الديوان الملكي، انقسمت القيادة السعودية حول كيفية التعامل مع قطر. وقال المسؤولون السعوديون والإماراتيون إنَّ القرار بشأن قطر قد اتُّخِذ على نحوٍ مشترك. ولم يستجب الديوان الملكي السعودي لطلبٍ من أجل التعليق. وللتوافق المتنامي بين الرياض وأبوظبي تداعياتٌ بالغة بالنسبة للمنطقة والولايات المتحدة. فقد اتَّخذت إدارة ترامب نهجاً متشدِّداً ضد إيران ورحَّبت بعلاقاتٍ أوثق بين السعودية والإمارات ضد خصمهم المشترك. وفي الوقت نفسه، يُشكِّل الموقف السعودي الإماراتي الأكثر عدوانيةً تحدياتٍ بالنسبة لواشنطن. إذ تقود إدارة ترامب جهوداً لتسوية خلافهما مع قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، والتي تستخدمها الطائرات المشاركة في الحرب على تنظيم (داعش) في العراق وسوريا.

ويقول أشخاص قريبون من القيادة الإماراتية إنَّ أبو ظبي ترى وجود دولة سعوديةٍ مستقرة ومُعتدلة أولويةً عليا للأمن القومي، إلى حدٍ كبير بسبب موقع المملكة كمهدٍ الإسلام. وتحظى السعودية ومصر بتأثير على العالم الإسلامي يتجاوز حدود الدولتين. وقال مسؤولٌ إماراتي كبير: "إنَّهما مركزا ثقلٍ للإسلام. وإذا لم تكونا معتدلتَين، فقد نفقد الإسلام لصالح الأيديولوجيات الإسلامية الأكثر تطرُّفاً. بالنسبة لنا، حتى نحمي الإسلام، يجب أن تنجح السعودية ومصر".

وعلى عكس ما يذهب إليه الكثير من المراقبين في أن صعود محمد بن سلمان قد يخلخل الموازين في السعودية، فإن القيادة الإماراتية ترى في ولي العهد الجديد "أفضل رهانٍ لمنع زعزعة الاستقرار" في المملكة العربية السعودية، وفقاً لما ذكره أشخاص مُقرَّبون من القيادة. ويُذكَر أنَّ بن سلمان ارتقى سلَّم المناصب سريعاً في القيادة السعودية بعدما صار والده ملكاً في مطلع عام 2015، وتولَّى وزارتي الدفاع والاقتصاد. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، عُيِّنَ ولياً للعهد.

وساعد محمد بن زايد، البالغ من العمر 56 عاماً والحاكم الفعلي لبلاده، في تنظيم زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في شهر مايو/أيار الماضي، ولعب هو وبعض كبار المسؤولين الإماراتيين دوراً رئيسياً في الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة لمصلحة بن سلمان، حسبما ذكره أشخاصٌ مُطَّلعون على هذه العلاقة. وقال أحد المُقرَّبين من القيادة الإماراتية: "يرى محمد بن زايد في محمد بن سلمان شخصاً معاصراً ويفهم أهمية المملكة العربية السعودية في العالم". ويتزعم محمد بن سلمان ما يراه برنامجاً طموحاً يهدف إلى إصلاح الاقتصاد السعودي، وإنهاء اعتماده على النفط، والعمل من أجل انفتاح المجتمع السعودي تدريجياً.

وقال أشخاصٌ مُقرَّبون من قيادة كلا البلدين وبحسب ما نقلت هاف بوست. إنَّ المملكة العربية السعودية طلبت توجيهاتٍ من الإمارات العربية المتحدة حول قضايا تتعلق بكيفية تطوير صناعات عسكرية محلية لإصلاح صندوق الثروة السيادي الخاص بها. ويذكر أنَّ الإمارات العربية المتحدة كانت قد كشفت عن خطةٍ مماثلة لتنويع اقتصادها منذ عقدٍ مضى، ولجأت المملكة العربية السعودية إلى بعض البنوك وشركات الاستشارات نفسها التي استعانت بها الإمارات للمساعدة في إعداد الخطة السعودية.

وتحولت مدينة دبي الإماراتية، التي تمتلك القليل من النفط، في العقود الأخيرة إلى مركز تجاري وسياحي إقليمي. وتريد المملكة العربية السعودية حالياً تطوير قطاع السياحة السعودي. وكانت المملكة قد أعلنت، خططاً لتطوير ساحلها المُطِل على البحر الأحمر وحوالي 50 جزيرة، وتحويلها إلى منتجع سياحي واسع يمكن للأجانب من معظم الجنسيات زيارته في نهاية المطاف دون تأشيرة دخول. وفي بلد لا يُصدر حتى الآن تأشيرات سياحية، سيُمثِّل المشروع انفتاحاً غير مسبوق على الزوار الأجانب.

وقال داني سيبرايت، وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية ورئيس مجلس الأعمال الإماراتي - الأميركي، إنَّ العلاقات بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد تُمثِّل "ديناميكية جديدة تُعيد تشكيل المنطقة تشكيلاً حقيقياً، ليس في الوقت الحاضر فحسب، بل في المستقبل كذلك". ويخشى الكثير من المراقبين إن هذه العلاقة بين وليي العهد في الإمارات والسعودية قد تكون نتائجها وخيمة على المنطقة، وأن "التحديث" الذي يتحدثان عنه سيرافقه الكثير من التضييق والقمع على المعارضين.

اضف تعليق