q

تسعى بعض دول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وفي ظل تنامي القوة العسكرية الروسية، الى تعزيز قدراتها العسكرية والعمل على إيجاد حلول لبعض الخلافات والمشكلات المزمنة، التي يعاني منها الحلف ومنها قضية زيادة نفقات الدفاع، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب بأن ترفع كل دول الناتو نفقات دفاعها لتصل إلى ما لا يقل عن 2% من إجمالي الناتج المحلي اعتبارا من 2024 على أقصى تقدير، وهو ما اثار موجة من الجدل بين الدول الأعضاء، حيث يرى بعض الخبراء ان اغلب الدول ستكون مجبرة على تقديم تنازلات كبيرة، في سبيل الحفاظ على وحدة الحلف، خصوصا وان العالم اليوم يشهد بناء تحالفات جديدة، كما ان الحلف يخشى ايضا وفي ظل تفاقم الازمات والصراعات العالمية، من تنامي القوة العسكرية الروسية. وهو ما اكده رئيس هيئة الاركان العامة للناتو الجنرال بيتر بافل في مقابلة مع مجلة Politico الاميركية

ونقلته جريدة "برافدا ـ رو" الالكترونية الروسية. التي نشرت عرضاً مصوراً لبعض الفعاليات والأسلحة الروسية الجديدة والمطورة.

حيث لاحظ الجنرال التقدم الذي حققته الاتحادية الروسية في الحقل العسكري: فقد صنعت احدث التقنيات، واصبح بمقدور القوات المسلحة الروسية ان تعمل بفعالية بعيدا عن الحدود الوطنية. واعترف بافل انه لا يجوز الحديث عن عدوان روسيا، ولا عن كون روسيا تشكل تهديدا. ومع ذلك فإن الخوف من روسيا موجود لدى الحلف. وحسب تعبير الجنرال فإن نوايا قيادة الاتحادية الروسية تبقى غامضة امام الناتو.

وبالرغم من الحصار وحملات التجني والعقوبات المفروضة عليها، فقد زادت روسيا في السنة الماضية نفقاتها العسكرية بنسبة 9،5%. وبلغ مجموع النفقات 2،69 مليار دولار (بالحساب الروسي "الثقيل" للدولار). ونشرت المعطيات مؤسسة ستوكهولم العالمية للأبحاث حول قضايا السلم (SIPRI)، وهي مؤسسة معتمدة من قبل جميع دول العالم. والخبراء الغربيون مذهولون ولا يستطيعون ان يفهموا كيف تعمد روسيا الى زيادة نفقاتها العسكرية، بصرف النظر عن العقوبات والمشاكل الاقتصادية، وعلى خلفية انخفاض أسعار الطاقة التي تعتمد عليها روسيا كمورد أساسي للخزينة.

ويرد الخبراء الروس: وكيف لا يكون الامر كذلك وأسلحة الناتو تقعقع باستمرار على حدودنا، والغرب لا يفتأ يهدد بالرد على "العدوان" الروسي المزعوم؟ ويشتكي الجنرال بافل من أن التحالف لا يستطيع التركيز فقط على مواجهة التهديدات من قبل روسيا وغيرها من الدول، ذلك لأن حلف الناتو أيضا "يعمل على تعزيز مكافحة الإرهاب".

الدفاع المشترك

وفي هذا الشأن وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على قرار يعيد التأكيد على التزام الولايات المتحدة باتفاق الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي بعد ان إثارة الرئيس دونالد ترامب الشكوك تجاه دعم واشنطن للاتفاق. وجاء التصويت بأغلبية 423 صوتا مقابل أربعة على قرار "يعيد التأكيد رسميا " على التزام الولايات المتحدة بالفقرة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي. ويحتل الجمهوريون الذين ينتمي لهم ترامب أغلبية في مجلس النواب بفارق 48 مقعدا.

ويدعم القرار أيضا دعوات للدول الأعضاء في حلف الأطلسي بإنفاق ما لا يقل عن اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2024. وخلال زيارة لمقر حلف الأطلسي في بروكسل في مايو أيار في إطار أول جولة خارجية له لم يشر ترامب بشكل واضح إلى دعم الولايات المتحدة لهذا الجزء الحيوي من ميثاق حلف الأطلسي مما أثار قلق الحلفاء. واستخدم بدلا من ذلك خطابا ألقاه هناك لمطالبة الدول الأعضاء بإنفاق المزيد على دفاع الحلف. لكن ترامب أيد لاحقا اتفاق الدفاع المشترك وسارع مسؤولون آخرون كبار للتعبير عن الدعم الأمريكي. وقال الجمهوري بول ريان رئيس مجلس النواب في بيان "إزاء كل التهديدات التي نواجهها نحن وشركاؤنا في أنحاء العالم فإن من المهم أن يكون حلف الأطلسي قويا وآمنا أكثر من أي وقت مضى".

زيادة الانفاق

من جانب اخر قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج إن كندا والدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ستزيد إنفاقها الدفاعي 4.3 في المئة في 2017 لأهداف من بينها أن تظهر للولايات المتحدة التزامها بتحمل المزيد من التكاليف. وجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيادة الإنفاق أولوية له بالنسبة لحلف الأطلسي حيث استغل أول اجتماع له في إطار الحلف في مايو أيار لتوبيخ الزعماء الأوروبيين بشأن الإنفاق الذي يبلغ مستوى تاريخيا متدنيا ولا يفي بهدف الحلف وهو إنفاق اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.

وتمثل زيادة هذا العام أسرع نمو في الإنفاق منذ توقف الخفض قبل ثلاث سنوات. وبلغت الزيادة 1.8 في المئة في 2015 و3.3 في المئة العام الماضي لكن لم يتضح إلى أي مدى ستقرب الزيادة الجديدة الإنفاق من هدف الحلف. وستصدر الأرقام الخاصة بالدول الأعضاء في حلف الأطلسي بعد موافقة سفرائه لكن مجمل الإنفاق في 2017 سيبلغ نحو 280 مليار دولار في زيادة تراكمية بلغت 46 مليار دولار منذ تركت التخفيضات أوروبا من دون قدرات حيوية مثل إعادة تزويد القاذفات المقاتلة المحمولة جوا بالوقود.

ومن بين 27 عضوا أوروبيا في الحلف لم يف بهدف الإنفاق في 2016 سوى أربعة أعضاء هم اليونان وبريطانيا وبولندا واستونيا. وقال ستولتنبرج إن رومانيا ستفي بمستوى الإنفاق المستهدف هذا العام تليها لاتفيا وليتوانيا في 2018. وأضاف أن 25 من 29 دولة عضوا في حلف الأطلسي تعتزم زيادة الإنفاق هذا العام. وكان ستولتنبرج يتحدث قبل يوم من لقاء وزراء دفاع الحلف في بروكسل لبحث زيادة الإنفاق الأمني بفعل زيادة التهديدات بما في ذلك ردع روسيا الناهضة والتعامل مع الدول الفاشلة على حدودها والحماية من الهجمات الإلكترونية.

وقال الأمين العام لحلف الأطلسي "للحفاظ على دولنا آمنة علينا مواصلة العمل على زيادة الإنفاق الدفاعي وتوزيع الأعباء بشكل أكثر عدالة في حلفنا". وأضاف "بعد سنوات من التراجع شهدنا في 2014 زيادة حقيقية في الإنفاق الدفاعي عبر الحلفاء الأوروبيين وكندا... هذا العام نتوقع حتى زيادة حقيقة أكبر تبلغ 4.3 في المئة". وتأتي الأرقام الجديدة في إطار زيادة أوسع في الإنفاق الدفاعي في أوروبا بينما تتكلف الولايات المتحدة مليارات إضافية من الدولارات لإعادة القوات والعتاد الثقيل إلى القارة لردع روسيا وفي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لإقامة صندوق دفاعي قيمته عدة مليارات من اليورو. بحسب رويترز.

وقال ستولتنبرج "لقد غيرنا الاتجاه (الخاص بالإنفاق الدفاعي) فعليا وهو في طريق الزيادة ونعتزم إبقاءه كذلك". وأفاد بأن الزيادة في الأموال ستنفق على مزيد من التدريبات العسكرية والعتاد لأغراض من بينها السماح لقوات حلف الأطلسي بالانتشار على نحو أسرع وكذلك لزيادة الرواتب ومعاشات التقاعد للعسكريين. وشدد مسؤولو حلف الأطلسي على أنه في الوقت الذي سلط فيه موقف ترامب الضوء على الإنفاق الدفاعي كان لضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية الأثر الأكبر إذ أدى ذلك إلى اتفاق أعضاء الحلف على التوقف عن خفض الإنفاق الدفاعي الذي استمر لسنوات.

اتهامات امريكية

على صعيد متصل اتهم وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس في وقت سابق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعمال تلحق "اذى" بالآخرين على الصعيد العالمي، مؤكدا ان التزام بلاده حيال حلف شمال الاطلسي ثابت لا يتزعزع. وقال، ان روسيا اختارت تحدي نظام "الامن والسلام" في مرحلة ما بعد الحرب. واضاف ان "الاذى" الذي يسببه بوتين "خارج حدود روسيا لن يعيد إحياء مجدها او يبعث الامل مجددا" في اشارة واضحة الى النزاع الاوكراني وتدخل موسكو المزعوم في العملية الانتخابية الاميركية.

وأكد استمرار دعم الولايات المتحدة حتى عام 2020 لتعزيز حلف الاطلسي بمواجهة روسيا في الشرق. وقال ان ترامب طلب زيادة كبيرة من اجل "مبادرة الاطمئنان الاوروبية" من 3,4 مليارات دولار العام الماضي الى 4,8 مليارات دولار العام الحالي. وأوضح ماتيس "بعيدا عن أقوال الصحف، يمكنك ان تحكم على اميركا من خلال هذه الاعمال".

من جهتها، اشادت وزيرة الدفاع الالمانية اورسولا فون دير ليين التي حضرت الاحتفال بالروابط عبر ضفتي الاطلسي من اجل تحقيق السلام والاستقرار في اوروبا. لكنها قالت ايضا ان الوقت قد حان لكي تبذل القارة المزيد من الجهود في سبيل ضمان أمنها. واضافت "كأوروبيين، نريد ان نتحمل المزيد من المسؤوليات لكن دون ان ننسى ابدا المكان الذي وصلنا اليه" مشيرة الى ان اوروبا بحاجة الى "جمع مواردها" بينما تعمل على بناء اتحاد دفاعي اكبر.

كما اعلنت ايضا تأييد المانيا لانفاق اثنين في المئة من اجمالي الناتج الداخلي للوفاء بالتزاماتها حيال حلف شمال الاطلسي. واوضحت وزيرة الدفاع الالمانية "نحن بحاجة كشركاء الى تقاسم عادل للعبء داخل الاطلسي، وهذا يعنى انه ينبغي علينا كالمان بذل المزيد من اجل امننا". بحسب فرانس برس.

واشار ماتيس الى البند الخامس في ميثاق الدفاع المشترك في الاطلسي ووصف التزام الولايات المتحدة بذلك بانه "درع مصفح". وماتيس هو جنرال سابق في مشاة البحرية (المارينز) بأربع نجوم حارب مع الاطلسي والحلفاء الغربيين فى أفغانستان والعراق. وأطلقت خطة مارشال تيمنا باسم الجنرال جورج مارشال الذي كان رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية. وكان وزيرا للخارجية بين العامين 1947 و1949 وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1953 نظرا لجهود في إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب.

الناتو و روسيا

من جانب اخر ستتمكن الكتائب الاربع التي نشرها الحلف الاطلسي في دول البلطيق وبولندا لتعزيز دفاعات اوروبا الشرقية ""من الرد فورا على اي عدوان" روسي كما اعلنت الدول التي تقودها. وقرر قادة الحلف نشرها خلال قمة وارسو في تموز/يوليو 2016 في اطار تعزيز الدفاع الجماعي تقرر بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم وهجوم المتمردين الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق اوكرانيا عام 2014.

وفي اعلان مشترك قالت بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والمانيا التي تتولى قيادتها وبولندا وليتوانيا واستونيا التي تستضيفها ان هذه الكتائب تشكل "ردا مباشرا للاعمال العدائية الروسية بما في ذلك الانشطة العسكرية الاستفزازية في محيط مناطق الاطلسي التي اثرت على الاستقرار والامن وزادت من الاحداث غير المتوقعة وغيرت المعادلة الامنية". ونشر هذه الكتائب في الربيع "دليل واضح لا لبس فيه على تضامن وتصميم" الدول الحليفة و"قدرتها على الدفاع عن شعوبها واراضيها". واضاف الاعلان "ان الكتائب الاربع المتعددة الجنسيات الكاملة الجهوزية مستعدة وقادرة على الردع واذا دعت الحاجة الى الرد فورا على اي عدوان بالتعاون مع القوات الوطنية".

ووقع الاعلان وزراء دفاع الدول الثماني المعنية على هامش اجتماع للحلف في بروكسل. الا ان النص يؤكد ضرورة مواصلة "الحوار" و"الالتزام" حيال روسيا "لايجاد شفافية متبادلة وخفض مخاطر" وقوع مواجهة عسكرية. وبعد عامين من الفتور استأنف سفراء الاطلسي العام الماضي مداولاتهم الدبلوماسية مع نظيرهم الروسي في بروكسل لكن التعاون الفعلي بين الاطلسي وموسكو لا يزال معلقا.

الى جانب ذلك قال سفير روسيا لدى حلف شمال الأطلسي إن بلاده سترد على تعزيز الحلف وجوده العسكري في أعضائه الشرقيين قرب حدودها ومنهم بولندا ودول البلطيق. وطلبت الدول الشرقية أعضاء الحلف مزيدا من الضمانات الأمنية بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في البحر الأسود من أوكرانيا في 2014 وساعدت ميليشيات تقاتل القوات الحكومية في شرق أوكرانيا. وقال ألكسندر جروشكو سفير روسيا لدى حلف الأطلسي "ينبغي لدول حلف الأطلسي أن تدرك أن كل هذه الجهود لن تمر مرور الكرام بالنسبة لنا ولن تمضي دون رد من حيث التخطيط العسكري". بحسب رويترز.

وتعزز روسيا قواتها في غرب البلاد وتتهم حلف الأطلسي بتهديد أمنها بتكثيفه التدريبات العسكرية ونشر قوات على أطرافه الشرقية. وقال جروشكو "بهذه الخطوات والأنشطة والتعزيزات العسكرية .. يبني حلف الأطلسي وضعا أمنيا وعسكريا جديدا لا يمكن تجاهله.. وينبغي لنا التصدي له باستخدام أدواتنا العسكرية". وتسببت المواجهة بخصوص أوكرانيا في تراجع العلاقات بين روسيا والغرب لأدنى مستوياتها منذ الحرب العالمية. وعلق حلف الأطلسي الذي يضم 28 دولة أغلبها من أمريكا الشمالية وأوروبا، التعاون العسكري العملي مع موسكو. كان جروشكو، سفير موسكو لدى الحلف منذ 2012، يتحدث في بروكسل بعد أسبوع من أول مشاركة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة للحلف هناك.

اضف تعليق